[طلعت سقيرق]

[align=justify]في حوار مع الشاعر طلعت سقيرق

• حوار : مالك سليمانو
• ليتك في البداية تقدم للقراء بطاقة عن الشاعر طلعت سقيرق ؟؟ ..
** ولدت في العام 1953 في دمشق .. حصلت على إجازة في الأدب العربي من جامعة دمشق منذ العام 1979 .. عملت في الصحافة وما أزال منذ العام 1976 .. رئيس تحرير مجلة المسبار .. وصاحب دار المسبار للطباعة والنشر والتوزيع.. عضو اتحاد الكتاب العرب واتحاد الصحفيين السوريين ورابطة الأدب الحديث في مصر.. لي ثلاثون عملا مطبوعا في الشعر والقصة والرواية والنقد..
• الشاعر الأستاذ طلعت سقيرق ، كيف كانت بدايتكم مع الشعر ؟؟..
** تعودنا كشعراء أن نرجع بالزمن إلى أيام الطفولة لنقول بذلك الشعر الذي رضع الحليب معنا. أدعي يا صاحبي أن البداية كانت مع تفتح عينين ناعستين في زاوية من زوايا القلب.. كنت أظن وما أزال انه الحب ، مع أن الولد الذي كان وقتها لم يكن يعرف من الحب إلا القليل الذي لا يؤهله لأن يكون عاشقا أو شاعرا .. وكالعادة، ولأن الزمن يتكرر معنا نحن العشاق العرب في سنواتنا الأولى، وتتكرر معه صورة التجارب، فقد تزوجت الحبيبة ورحلتْ مخلفة كما لا باس من قصائد البكاء والنحيب وربما الوقوف على الأطلال !!..
على كل ليس من المهم كثيرا الوقوف عند هذا الشعر الآن ، لأن الولد الذي كنته كان يتدرب ويخربش على جدار الشعر .. صدر ديواني الأول في العام 1974 بعنوان " في أجمل عام " وهو شعر غزل وتبعه " ديوان " في أجمل عام " 1975 و" أحلى فصول العشق " عام 1976.. ربما كانت هي البدايات .. كل الشعر في هذه الفترة كان شعر غزل ..
• من هم الشعراء الذين تأثر بهم الشاعر طلعت سقيرق ؟؟..
** بداية تأثرت بالشعر العربي بشكل عام ابتداء من الشعر الجاهلي ومرورا بكل ما أتى بعده وحتى الآن .. باعتقادي يتأثر الشاعر والكاتب بشكل عام بكل ما يقرأ .. الذاكرة هذا الخزان الرائع ، تحتفظ بكل ما يمر بها حتى خارج إطار القراءة ، ومن بعد ترى ملامح هذه الأشياء في كل النتاج الأدبي أو الكتابي .. التأثر إذن عملية دائمة لا تتوقف ، ومن يدعي أنه ما عاد يتأثر بشيء ، يدعي بالمقابل أنه ما عاد يقرأ أي شيء .. كلنا أبناء محيطنا ، وتأثرنا وتأثيرنا مقرون أولا بشعرنا العربي ، ثم بما نقرأ من شعر أجنبي .. حين تدقق في جوانب الصورة ، لا بد أن تلمح شيئا من بصمات الشعراء الكبار على دفاتر الكثيرين من الشعراء .. وكلما تعددت القراءات واتسعت كلما صار التأثر أكثر ابتعادا عن ملامح هذا أو ذاك ، لتكون الصياغة فيما بعد خاصة بالشاعر وإن تأثر وأثر ، فهو في المنظور النهائي أسلوب وخصوصية وملامح .. طبعا لم أذكر اسما لأن الجميع أثروا وتركوا شيئا من أرواحهم داخل نفسي ..
• هناك مسحة حزن شفيف في أشعارك ، ماذا عنها ؟؟..
** ربما .. الحزن يا صاحبي أقرب إلينا في الوطن العربي من الفرح .. راجع كل تراثنا الكتابي تجد حزنا شفافا في أكثر الكتابات .. لماذا ؟؟.. هذا ما فرضته أشياء كثيرة تتعلق بالشخصية العربية .. هذا لا يعني أن كل شعرنا حزين ، أقول جزء – وربما كبير – من هذا الشعر .. وإذا انتقلنا إلى الأدب العالمي نجد شيئا من هذا ، ربما هي ذات الإنسان .. يتسرب الحزن أحيانا من بين الأصابع دون أن تشعر بتسربه .. الحزن يشد الإنسان أكثر من الفرح عند القراءة أو المشاركة الوجدانية .. في كل الأحوال هو حزن ، لكنه مسكون بشيء من الفرح على ما اعتقد ..
• ما هي طقوس الكتابة لدى طلعت سقيرق ؟؟..
** أكتب وأنا في حضرة شيء يشبه الذهول ، فأنا موجود وغير موجود .. الأوراق التي أكتب عليها تأخذ عدة أشكال ، كذلك الأقلام التي أكتب بها .. كنت في مرحلة ما أحب قلم الرصاص ولا أكتب الإبداع إلا به ..الآن أكتب بأي قلم وعلى أي ورقة .. عملنا الصحفي لسنوات طويلة جعلنا قادرين على التكيف مع كل الظروف .. لكن يبقى حيز الكتابة الإبداعية مسكونا بالموسيقى والهدوء والليل في معظم الأوقات .. وقد تكون الكتابة ذهنية أثناء وجودك في الطريق ، أو في العمل .. أنت شاعر وتعرف كما اعرف أن الشعر ينسف كل القواعد والحدود والتعريفات ليكون سيد نفسه يتصرف كما يشاء .. كذلك الشاعر، فهو طفل كبير يحب اللعب والعبث والركض خلف صورة شعرية جميلة ..
• قيل للكاتب الفرنسي مارسيل بروست لماذا تكتب ؟؟.. قال : لأتعذب .. لماذا يكتب الشاعر طلعت سقيرق ؟؟..
** أكتب لأنني مسكون بالكتابة منذ البداية ولأنني لا أعرف كيف كان علي أن أعيش دون دفء الحروف .. أكتب أحيانا لأرضي ذاتي ولأروي ظمأ موجودا داخلي لا يرتوي إلا بالشعر والكلمات .. أكتب لأنني أحب الحياة بل أعشقها وإن كانت قاسية في بعض الأحيان ، أحب حتى قساوتها ، كي اعرف الطعم الحقيقي للسعادة .. أكتب لأنني أحب ، ولأن الناس بحاجة للكتابة كما هم بحاجة للهواء ، لا تصدق أن الحياة يمكن أن تكون حياة حقيقية دون كتابة ..
• ما ضرورة النقد للشعر ، ولماذا يواكب النقد الأدبي الجاد إبداعات الشعراء ، وهل التعقيبات الصحفية السطحية غالبا تغني النقد الجاد ؟؟..
** عندما يغيب النقد الجاد والحقيقي تختلط الأسماء وتمتلئ الساحة الأدبية بالفقاعات .. مشكلة النقد الآن تتحدد بكونه نقدا لجبر الخواطر .. النقاد عندنا يريدون أن يكونوا مبدعين على حساب تفرغهم للنقد .. والمبدعون عندنا لم يتعودوا على تعدد الآراء حول الأدب ، فهم يريدون نقدا يمدح ويطري ويربت على الكتف !!.. كل النقد الصحفي في هذا الاتجاه نقد يعرض ويمدح ولا يكتب نقدا .. لماذا ؟؟.. لأن المرض استشرى في الساحة الأدبية وما عدنا نجد نقدا قويا متمكنا يحمل راية النقد الموضوعي ويتقدم دون الوقوع في حفرة المديح ليس إلا !!..
• ماذا تعني القصيدة للشاعر طلعت سقيرق ؟؟..
** عندما كتبت" القصيدة الصوفية "كنت أفكر بتشكيل خطوة متقدمة في عالم الشعر .. بمعنى آخر رأيت إلى هذا الركون النهائي لما وصلت إليه قصيدة التفعيلة مع المراوحة في المكان .. أردت أن أغير في نمط الشكل لينسحب الأمر على الموضوع طبعا والصورة ووتيرة المفردة .. وجاء الزمن اللاحق وجربت أن أجدد مرة أخرى .. القصيدة عندي على هذا الأساس تجربة وتجريب لا يتوقفان .. أحب المغامرة في التجريب .. قصيدتي يجب أن تكسر أي حاجز دون توقف ..
• ما سبب عزوف الجمهور عن مطالعة الشعر أو متابعة الأمسيات الشعرية .. ؟؟..
** أعتقد أن زمن الأمسيات قد ولى ويجب أن نعترف بذلك ولا داعي للمكابرة والقول بوجود أمسيات وجمهور ما دمنا نرى عدد الحضور في الأمسيات الأدبية لا يتجاوز عدد أصابع اليدين..هذا الأمر له علاقة بهجوم هذه الشاشة الصغيرة التي غزت كل البيوت وخربت حتى الحياة الاجتماعية .. صار الناس يفضلون الجلوس أمام التلفاز بدل الذهاب لحضور مسرحية أو سماع قصيدة أو قصة أو دراسة أو محاضرة .. الأمر إذن في جزء كبير منه لا يتعلق بالشاعر بل بوقع الزمن وهذه الطفرة العلمية المذهلة التي قربت كل شيء إن من خلال التلفاز أو الإنترنت .. علينا أن نعترف بذلك ، ما دمنا نعترف بأن الزمن يتطور ..كان الشاعر من قبل هو الإذاعة والتلفاز والإنترنت وكل شيء .. الآن لم يعد الأمر كذلك .. يسهل اتهام الأدباء لنقول إن انصراف القراء أو الجمهور عن القراءة ومتابعة الأمسيات له علاقة برداءة ما يكتب .. في هذا القول كثير من الظلم للأديب .. هناك كتابات جيدة وكتابات غير جيدة ، كما في كل زمان .. هناك نجوم في عالم الأدب ، وهناك أدباء جيدون لكن معرفة الجمهور بهم ضيقة ، إلى جانب السيئ والرديء ، هذا شيء موجود في كل زمان كما أسلفت .. علينا أن نطور علاقتنا بهذا الجمهور بدل أن نندب ونلعن الزمان ، علينا أن نغير أساليب الاتصال مع هذا الجمهور .. هجوم التقانة مرعب ، ومثل هذه التطورات تسرق القارئ كما تسرق غيره ..
• الشاعر طلعت سقيرق كيف يرى مستقبل الشعر العربي ؟؟..
** الشعر لن يتوقف ، فهو كما أسلفت كالهواء بالنسبة للإنسان .. لا أتخيل أن تكون الحياة بحيويتها بعيدا عن الشعر .. الشعر العربي المعاصر متطور جدا ، وهو يتطور باستمرار ويعطي الدفء للقصيدة العربية باستمرار .. علينا أن نفكر بمستقبل الكتاب ، هل نجعله كتابا إلكترونيا مع المحافظة على الكتاب الورقي ؟؟.. الاستفادة من الكمبيوتر ضرورية ، كما هو الشأن بالنسبة للإنترنت والبريد الإلكتروني والملتيميديا بشكل عام .. الكتاب حين يستفيد من كل منجز علمي وحضاري يشق طريقه إلى الأفضل ..
• ما هو دور الإعلام وتأثيره على دور الشاعر ؟؟..
** الإعلام في الوقت الراهن يستطيع أن يصنع النجوم وأن يكرس وجودهم في الذهن العربي ، لم يصل خطر دور الإعلام في أي زمان إلى الحد الذي وصل إليه في هذا الزمان .. أقول خطر ، لأن إعلامنا لا يكرس الأسماء بشكل صحيح ومدروس ، بل كثيرا ما تجد فوضى في التركيز والتكريس ، مما يعطي البعض شهرة لا يستحقها ، ولا يستطيع المشاهد أو القارئ أن يكون حكما في حالة طوفان إعلامي متوحش .. خذ مثلا تكريس الغناء الرديء، هل تستطيع أن تخرج من دائرة التأثر وأنت شاعر ، فكيف بالمشاهد العادي ؟؟.. لو أن الإعلام كان مدروسا بشكل جيد ، لأفاد الشعر والشعراء ، بل الأدب والأدباء إلى أبعد حد ...
• إلى أين وصلت الحداثة الشعرية ؟؟..
** أشعر أن كلمة " الحداثة " أصبحت بعيدة عن معناها لكثرة تلوينها وتزيينها كل حسب ذوقه ومفهومه .. قلت إن القصيدة العربية المعاصرة متطورة مما يعني دخولها في صلب الحداثة ، وكلما مر زمن أصبحت الحداثة الموجودة في زمن سابق غير ما كانت عليه ، التطابق مع زمنك شعريا حداثة ، كما أن تواصلك مع ناس عصرك حداثة .. أتمنى أن نفهم الحداثة على هذا الوجه لا أن نذهب بها كل مذهب ..
• ماذا عن الحب والمرأة ، وماذا يعنيان للشاعر طلعت سقيرق ؟؟..
** كأنك تقول لي ما رأيك بضرورة الحروف للكلام ، والماء للبحر أو المطر .. المرأة هي أجمل مخلوقات الله على الأرض ، وهي أنفاس الشعر وعطره ورئته.. أحب باستمرار ، ولا أتوقف عن الحب ، لأن توقفي عن الحب يعني توقفي عن الحياة .. في كل قصيدة غزل لي تجد غزالا نافرا رائع الملامح .. كما أن الحب عندي يمتد ويشمل الحياة كلها إلى جانب المرأة .. أحب الحياة واكتب لها كي تزداد الورود في الكون وردة ..
• كيف يمكن أن تعرف الشعر ؟؟..
** الشعر رقصة ودمعة وآه .. وتر وناي وزمان لا ينام .. الشعر هو الشاعر في كثير من الأحيان ، وهو الملامح المفقودة أو المأمولة في أحيان أخرى ..
• أستاذ طلعت سؤال تود أن أطرحه عليك ؟؟..
** لماذا يقال إنك لا تتوقف عند حب واحد لامرأة واحدة ؟؟.. ولماذا أعطيت المرأة كل هذا الكم من الدفء في شعرك ؟؟.. ولماذا تكتب القصة والقصة القصيرة جدا والرواية والنقد إلى جانب الشعر ، مع أنك كنت ستعطي أكثر في الشعر لو تفرغت له ؟؟.. وما تأثير العمل الصحفي على الإبداع سلبا أوإيجابا ؟؟..
كنت أتمنى أن تسأل .. وكنت أتمنى ألا أجيب ، لذلك دعني أترك هذه الأسئلة معلقة في فضاء مفتوح لا حد له .. [/align]