الــــودّ في زماننـــــا....!
مقدّمــــة استهلاليّـــة للقصــيد
نأتي ثانية على ذكر الصداقة والصديق والخلّ الوفيّ في هذا الزّمان.
فقد أمست الصداقة بمعناها الرّوحي في عصرنا المادّي ، موضعَ شك في صدقيتها ، كما أقفر الزمان أو كاد بالصديق الذي يَصْدُقُك ويُصَدّقُك ، وبفرض وجود مثل ذلك الصديق النادر ، فإنّ صداقته الخالصة لا تبقى ثابتة على تلك الحال عند تقلّب الأحوال .
فتنامي المصالح الماديّة البشريّة واصطراعها بين النّاس في العصر الحالي من جانب ، وتغلّبها من جانب آخرعلى المبادئ والقيم الرّوحيّة الإنسانية ، جعل من صاحبَ المصالح المادّية الدنيوية في عيون جلّ النّاس هو الأسمى والأذكى والأزكى والأدهى، فيما حامل قدسيّة القيم الرّوحيّة والمتعاطي بها، لم يعد منظوراً إليه على أنّه رجلٌ أخلاقيٌّ فاضل ، بل شِبْهُ رجلٍ غُفْلٌ من مخلّفات الزمن الماضي، لا يُصلِحُ في الزمن الحاضر( المتحضّر!)، الّذي لا يُجدي فيه ” سَماحةُ النّفس وكرمِ الأخلاق “ كحلولٍ لمشاكل مصالحه المادية مع الآخرين، بل يُجدي فيه ” النفاقُ وسوءُ الأخلاق والكيْدُ والدّهاء
إنّ القيم الرّوحيّة ، قِيَمٌ ربّانيّة حضّ الله عباده عليها في شرائعه لخير الإنسان، وجعل مقرّها ومأواها في مضغةٍ إنسانيّةٍ روحيّةٍ هي ” القلبْ”، لتربو فيه قيم الحقّ والخير والإيمان ، التي يسمو بها الإنسان ، ولكنّ “بكل أسف” فإنّ الغالبية تعلقتْ بهشاشة المصالح الماديّة ، والمنافع الدنيويّة العرَضيّة ، فجعلناها منهجاً أساساً في حياتنا، وتركنا القيم الرّوحية بمنأى عنّا، من غير فعل وتفاعل فينا ، فتعفّنَت واهترأتْ بركودها ، فنمتْ في قلوبنا الأمراضُ الإجتماعيّة، فتباغضنا وتنابذنا،ولبسناها مكراًوخداعاً وتملّقاً ورياءً وعُنفاً وظُلْماً وظلاماً،فاندفعنا إلى بيع حقوقنا الوطنية ، و/أو التنازل عنها لشراء صداقة أعدائنا ، تفضيلاً على إخوة وأشقاء لنا ، فهدّد ذلكَ مجتمعاتنا ومصيرَنا،وسادنا الشّقاق والنّفاق وسوء الأخلاق، نرتقب فيه سوء مصيرنا عاجلاً أم آجلا .
وقصيدتي الآتية ، تعرِضُ نموذجاً من النّفاق الإجتماعي الّذي أخذ يسود الكثير من مجتمعاتنا في ظلِّ تنامي المصالح المادّيّة .
القصيــــــــــــــــد:
*
لاتعجبنّْ من صديقٍ كان قد غالى(1)
فيكَ المديـحَ وأمسى “بعْدُ” ختّــــالا
*
هذا الزّمانِ ، عجيبٌ في مَوَدَّتِــــــــهِ
فالجـلُّ فيهِ نفـاقٌ كان أشكـــــــــالا
*
فالبَعْضُ وِدٌّ ، بألْفاظٍ مُحَسَّـــنَــــــــةٍ
فيها البَديعُ مَقالٌ لَيْسَ أفعـــــــــــالا
*
والبَعْضُ وِدٌّ لِظُرْفٍ فيكَ يألَفُــــــــهُ
فإنْ تَبَدَّدَ غَمّاً ، غابَ مَنْ والَــــــــى
*
والبَعْضُ وِدٌّ لِيُسْرٍ فيكَ تَنْعَمُــــــــهُ
فإنْ فَقَدْتَـهُ ، تَلْقَ الوِدَّ رحّــــــــــالا
*
والبَعْضُ وِدٌّ لِجـاهٍ فيكَ تَلْبَسُـــــــــهُ
فإنْ نُزِعْتَـهُ، كلٌّ عنك قـد مـــــــــالا
*
وهؤلاءِ إذا دارَ الزَّمانُ بِهِــــــــــمْ
يَشْكونَ خِلاًّ غَدوراً مِثْلَهُمْ حــــــــالا
*
سُبْحانَ رَبّي على أهْلِ الزّمانِ فُهُـــمْ
في الحالِ مِثلٌ وكلٌّ غال(2)أخــلالا3
*
ــــــــــــــــــ
(1) غالى : بالغ
(2)غالَ يغول غَوْلاً ـ غالهُ: أهلكه
وأخذه من حيث لايدري
(3)أخلال: جمْعُ خُلّ: الصّديق الودود .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|