التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,866
عدد  مرات الظهور : 162,392,361

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > تحرير فلسطين قضيتنا > فلسطين تاريخ عريق ونضال شعب > موسوعة.كتّاب.وأدباء.فلسطين.... > الأقسام > غسان كنفاني
غسان كنفاني نفحات من كتابات الشهيد الأديب غسان كنفاني

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 21 / 02 / 2010, 34 : 08 AM   رقم المشاركة : [1]
عبدالله الخطيب
كاتب نور أدبي يتلألأ في سماء نور الأدب ( عضوية برونزية )
 





عبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond repute

غسّان كنفاني: فارس في زمن الاشتباك

"[grade="FF0000 000000 008000 FF0000 000000"]غسّان كنفاني: فارس في زمن الاشتباك[/grade]

كالومض يأتي الفرسان في هذا العصر ويختفون، ونحن نمتلك الدهشة، هل ذلك لأن الفرسان سرعان ما يغادرونا!؟ أم لأنهم يتركونا في حيرة التساؤل والاندهاش؟.
نعم كان فارساً يحمل القلم وحمل الآلام وحمل الآمال، كان فارساً يجسّد آلام شعب وآمال ثوّار، ويحمل قضية أمّة، ذلك هو غسّان الذي افتقدناه.
ولأن غسّان كان يؤمن بأن الإنسان ليس في نهاية المطاف إلا قضية (أليس الإنسان هو ما يحق فيه ساعة وراء ساعة ويوماً وراء يوم وسنة وراء سنة) فإن غسّان كان قضية.
فمنذ اقتلاعه من أرضه ظل يمتلك ما هو أكثر من الذاكرة، لقد كبر غسّان، غسّان اللاجئ الفلسطيني ليكبر معه الوطن وقضية الوطن.
هل يمكن لغسّان أن يتجاوز ذلك الحلم والهاجس الدائم الذي ينال من الذاكرة، فيصنع من حياة الفلسطيني حياة اشتباك دائم.
* اشتباك مع الفقر.
* اشتباك مع الأنظمة التي تقهر الفلسطيني وتحولّه إلى مجرد رقم، أو بطاقة إعاشة أو موظف يكدّس القروش، أو تطارده الشرطة والمخبرون.
* اشتباك مع الذات نفسها لتتجاوز القهر والاستسلام لتظل متصلة بالماضي امتداداً للمستقبل.
* اشتباك مع أعداء الوطن غاصبي الأرض مضطهدي الإنسان.
ذلك هو الزمن الذي حاربه غسّان والذي حارب به وحورب به، إنه زمن الاشتباك الذي قال عنه في قصة "الصغير يذهب إلى المخيم" (كان ذلك زمن الحرب ... الحرب؟ كلا الاشتباك ذاته، الالتحام المتواصل بالعدو لأنه أثناء الحرب قد تهب نسمة سلام يلتقط فيها المقاتل أنفاسه راحة، هدنة، إجازة، تقهقر. أما في الاشتباك فإنه دائماً على بُعد طلقة، أنت دائماً تمر بأعجوبة بين طلقتين، وهذا ما كان كما قلت لك زمن الاشتباك المستمر).
ماذا تبقّى من غسّان كنفاني ؟
وإنه لسؤال يحمل معه شجونه.... تبقى من غسّان ((ما تبقى لكم)) وتبقى من غسّان عائد إلى حيفا ما يزال بانتظار عودته وتبقى من غسّان أم سعد التي تنظر إلى رجال في الشمس وهم يلتفحون بنار صحراء النفط، ماذا تبقى منه؟ هل ننسى العاشق والأعمى والأطرش وبرقوق نيسان.
هناك من المبدعين من يحق أن نسأل عنهم ماذا تبقى منهم، وماذا تبقى لنا منهم؟ ومبدع بحجم غسّان ونوعية إبداعه تظل نتاجاته علامات فارقة في الأعمال السردية المعاصرة. وحيث أن غسّان كنفاني لم يكن مجرد كاتب محترف، بل مناضل وكاتب ملتزم، فقد كان لأعماله مذاقها الخاص، وكان للغته أسلوبها التعبيري المتميز الذي يلتقي فيه القارئ الخاص والقارئ العادي على إحساس بالمتعة التي تصاحب اللغة البسيطة المدهشة.
كان غسّان يناضل بالكلمة، ورشاشه ليس بعيداً عنه، ولم تكن طرود الاغتيال التي فجرته بعيدة عن المحاولة الصهيونية الدائمة لاغتيال الحلم العربي بفلسطين حرة من النهر إلى البحر. حاول غسّان خلال أعماله الإبداعية من قصة قصيرة ورواية بالإضافة إلى مقالاته وأعماله النقدية، أن يظل لصيقاً بالحلم الفلسطيني.
ولهذا نجده يجسد معاناة الفلسطينيين في غربتهم، وهو يرتحل وعلى كتفه هموم وطن محتل، وفي جيبه مفتاح عتيق لمنزل آبائه وأجداده، سرقه منه يهودي ،لعله والد شارون أو شارون ذاته.
كانت شخوص غسّان شخوص عادية من رحم التراب الفلسطيني معجونة بقيم الكرامة والشموخ والإيمان بالحرية.
لقد كتب غسّان في مدخل رواية أم سعد: ((إننا نتعلم من الجماهير ونعلمها ومع ذلك فإنه يبدو لي يقينياً أننا لم نتخرج بعد من مدارس الجماهير، المعلم الحقيقي الدائم، والذي في صفاء رؤياه تكون الثورة جزءاً لا ينفصم عن الخبز والماء وأكف الكدح ونبض القلب)).
ولا شك أن صفاء الرؤية والرؤيا لدى غسّان هي التي نقلت هموم الشعب الفلسطيني إلى عمل إبداعي يُعايش الإنسان العربي معه نبض الألم والأمل الفلسطيني.
لو عاش غسّان إلى اليوم ورأى ما جرى بعد اغتياله إلى اليوم لشاهد ما لا يخطر على بال اتفاقيات توقع، وأحلاما تتهاوى، لكنه بكل تأكيد لن يفقد الأمل الذي عاش واستشهد من أجله. وسيدرك إلى أي مدى يمكنه أن يقف بالجماهير التي فجرت الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى، هذه الجماهير التي لا تكل من العطاء والتضحية على الرغم من مناورات الساسة واتفاقاتهم مع العدو والذي لا يحترم اتفاقاً.
ولأن غسّان كان فارساً يُخيف ولا يخاف فإنه لم يأخذ استراحة المحارب ولا راحته ولا هدنته. في أتون الاشتباك ظل فارساً يحمل سيفه برغم أنه كما قال في رسالته الأخيرة (المرض يشتد علي وأشعر دائماً بالإعياء والتعب ولكني لا أذهب للفراش، هناك شعور خفي بأن الذين يقعدون الآن لن يقوموا أبداً).
ولأن غسّان كان فارساً لا يعرف الترجّل ولأنه كان لا يرغب في القعود، فإن أعداءَه كانوا أجبن من أن يواجهوه، فكان ذلك الاستشهاد، بطولة غسّان وجُبن الأعداء.
ولكن من أين يبدأ غسّان؟
غسّان بدأ وانتهى مع الوطن. كان غسّان يكتب عن الهم الكبير في حياته واتصل ذلك حتى كتب عن الفرح الكبير حينما رأى الثورة يشتد عودها، وحينما رأى أشبال وطنه يحملون البندقية ليمزّقوا الهمّ الكبير، ذلك الهم الذي كان لدى الفلسطيني اشتباكاً دائماً مع الحياة، ذلك الاشتباك الذي تحدث عنه أحد أبطال قصصه في مجموعة (أرض البرتقال الحزين).
(تريد أن تعرف شيئاً عني؟ هل يهمك ذلك؟ احسب على أصابعك إذن، لي أم ماتت تحت أنقاض بيت بناه لها أبي في صفد، أبي يقيم في قُطر آخر وليس بوسعي الالتحاق به ولا رؤيته ولا زيارته، لي أخ يا سيدي يتعلم الذل في مدارس الوكالة، لي أخت تزوجت في قُطر ثالث، وليس بوسعها أن تراني أو ترى والدي، لي أخ آخر يا سيدي في مكان ما لم يتسن لي أن أهتدي إليه بعد).
لم يحاول غسّان أن يداري تعاسة الواقع الذي يعيشه الفلسطيني، ولا الأخطاء التي ارتكبها. كان غسّان يحفر على الآلام ويعريها. إنه يقوم بذلك لا ليفضح بل ليُفصح، نعم كان يعرّي الآلام لتتجاوزها الذات المقهورة.
(لقد مرّ إثنا عشر عاماً على ذلك اليوم، وأنا ملاحق من عاري، كل أيار يثقل صدري كابوس لا يرحم، لست أعرف مبلغ تطوري الآن، هل أستطيع أن أقتل يهودياً دون أن أرتجف؟ لقد كبرت وجعلتني الخيمة أشد خشونة، ولكن هذا لا يعطيني يقيناً... يقيني الوحيد هو أني أشعر بالعار ملتصقاً بي حتى عظمي).
هذا جانب من الاشتباك الدائم الذي عرّفنا به غسّان... اشتباك مع الذات المسحوقة بالعار الذي ينتظر الخلاص، ولأن العار كان جزءاً من الماضي فإن الهروب منه لا يعني سوى الهروب من الوطن.
لقد كانت تلك الفتاة الحيفاوية التي مرّ طيفها في ذاكرة بطل قصته (شيء لا يذهب) أكبر من مجرد تذكّر أو ماض، ذلك لأنها كانت تمثل الوطن.
قالت له الفتاة الحيفاوية: (باستطاعتك أن تغادر حيفا أن تهرب من حيفا.. ولكنك في يوم سيأتي لا بد لك من أن تصحو وتكتشف وتندم) (ليلى الحزينة البائسة بقيت في حيفا ورفضت أن تخرج منها، وقالت لجيرانها عندما أتوا ليجروها معهم أنها فقدت كل شيء ولا تريد أن تفقد الماضي الجميل في حيفا الجميلة ، تريد أن يبقى لها شيء لا يذهب).
هذه القصة كُتبت عام 1959م ويفصل بينها وبين قصة (عائد إلى حيفا) أكثر من عشر سنوات... وليس هناك أوجه مقارنة بين قصة (شيء لا يذهب) ورواية (عائد إلى حيفا)، ولكن تظل تلك القصة القصيرة ارهاصاً بهذا العائد إلى حيفا ، لتؤكد أن الخروج من الوطن لا يسبب البؤس والندم فحسب، بل إنه يفقد الإنسان أجمل ما في حياته... مما سيحيله إلى اشتباك دائم مع الذات والماضي والحاضر. فهذه شخصية سعيد العائد إلى حيفا تقابلها شخصية بطل قصة (شيء لا يذهب) فكلاهما يخرج من حيفا ... ولذا لا يكون لديهما الحق في امتلاك الماضي... وهما شخصيتان تستشعران الندم الذي أصابهما لتركهما حيفا.
وتكون الفتاة الحيفاوية هي الوجه الآخر للرجل اليافاوي في عائد إلى حيفا فكلاهما لم يتركا الوطن وكلاهما يمتلكان الماضي لأنهما ظلا يستمران في التشبث بالوطن. ولكن لأن بين هذين العملين أكثر من عشر سنوات فإن الرؤيا اختلفت بينهما، فالمسافة بين القصة الأولى وما بين الرواية كانت مسافة طويلة من الاشتباك وزمن أطول منه، وكان في كليهما قد تبدل الاشتباك ليصبح أكثر ضراوة وأكثر إشراقاً في آن واحد، ذلك أن الأستاذ العائد إلى حيفا بعد حرب 1967م كان قد خسر فيما خسر ماضيه المتخاذل حتى ولو كان متجسداً بابنه خلدون، الذي تركه طفلاً ليصبح بعد ذلك دوف اليهودي، وهو لديه الاستعداد الآن لأن يقدم خسارة أخرى، ولكنها تظل على مستوى وطني وثوري تضحية وبطولة، هذه الخسارة استعداده لأن يضحي بابنه الآخر خالد، ولكن على أن يصبح فدائياً يعود إلى فلسطين وتلك هي قصته الثانية.
يقول سعيد للمرأة اليهودية (أتعرفين شيئاً يا سيدتي يبدو لي أن كل فلسطيني سيدفع ثمناً، أعرف الكثيرين دفعوا ابناءهم، وأعرف الآن أنني أنا الآخر دفعت ابناً بصورة غريبة، ولكنني دفعته ثمناً ذلك كان حصتي الأولى وهذا شيء سيصعب شرحه).
أما حصته الثانية التي يعنيها ، فقد كان يتمنى أن يكون ابنه خالد قد التحق بالفدائيين ،وذلك حين يقول لزوجته عنه (أرجو أن يكون قد ذهب أثناء غيابنا) وهنا يكمن الإختلاف بين شخصية الذي كان لا مبالياً جباناً والذي لم تستطع ليلى الفتاة الحيفاوية المناضلة أن تغيره (لم تستطع ليلى أن تغيّرني ،شعرت هذا بوضوح الآن إنسان لا فائدة منه هذا كل شيء).
وما بين هاتين القصتين كان غسّان دائم التجوال في عالم ينوء بالآلام، هناك رجاله الثلاثة الذين ارتحلوا تحت لهيب الشمس لتجمعهم رحلة عذاب واحدة وتجمعهم بأبي الخيزران رحلة في عربة ستكون هي القبر لهؤلاء الثلاثة.
هذه الرواية كانت من أوائل الأعمال التي قدّمت غسّان إلى القارئ العربي كاتباً كبيراً.
إن الرجال الثلاثة أبوقيس وأسعد ومروان فلسطينيون يعيشون في زمن الاشتباك، فكل له همومه ومعاناته.
أبو قيس: الذي ترك زوجته وأسرته التي تعيش في نصف غرفة بينه وبين جيرانه اكياس من الخيش... الذي احتاج إلى عشر سنوات من الجوع ليقتنع بفقده لبيته وقريته وشبابه.
أسعد: المناضل المتخفي من السلطة الذي يأخذ خمسين ديناراً من عمّه كي يقوم برحلته إلى الكويت ليبدأ حياته ولو في الجحيم كما قال له عمّه، وذلك مقابل أن يتزوج ابنة عمّه.
مروان: هو ثالث ضحايا زمن الاشتباك، غلام ابن ستة عشر عاماً، فبعد أن تزوج أخوه زكريا وانقطعت أخباره وبعد أن يتزوج والده ويطلّق أمّه ويترك لها أربعة أطفال... فيصبح مروان مسئولاً عن إعالتهم، بعد أن يطلب والده منه أن يترك المدرسة السخيفة التي لا تعلّم شيئاً، وأن يغوص في المقلاة مع من غاص.
هؤلاء الثلاثة كل منهم يحمل مأساته وفي طياتها يحمل مأساة شعب مشرد، وهؤلاء الثلاثة يلاقون الموت في جوف خزان السيارة.
إنهم شخصيات تقبل التحدي لكنها تؤكد في الوقت ذاته أن للإنتصار شروطاً لم يمتلكوها، فإن إرادة الحياة التي يجسدها هؤلاء الثلاثة بأعمارهم المختلفة لتمثل ثلاثة أجيال هي في النهاية رمز للمعاناة التي لحقت بالفلسطينيين كلهم. إن هذا المصير الذي لقيه الثلاثة كان مصيراً محتوماً قدّمته لنا الشخصيات ذاتها هي دور أبو قيس قوله (إذا وصلت إذا وصلت) وحينما قال الرجل السمين لأسعد (حاذر أن تأكلك الجرذان قبل أن تسافر) وحين طلب والد مروان من ابنه أن يغوص في المقلاة إلى الأبد.
هؤلاء الثلاثة يلاقون حتفهم، ويأبى القدر إلا أن يكون الشاهد الوحيد على مأساتهم، رابع فلسطيني يحمل المأساة معه حيث ارتحل ذلك هو أبو الخيزران وكان ماضيه هو الذي حمله عبء الشهادة تلك، لقد انضم إلى فرق المجاهدين وأصيب في معركة خاضها مع المجاهدين ، وفقد رجولته في عملية لإنقاذ حياته نتيجة إصابته تلك، وحينما يرى أبو الخيزران أن رجولته ضاعت وضاع الوطن يصرخ (تباً لكل شيء في هذا الكون الملعون) ويهتف (إنني أريد مزيداً من النقود... مزيداً من النقود، ولقد اكتشفت أنه من الصعب تجميع ثروة عن طريق التهريب أترى هذا المخلوق الحقير الذي هو أنا أنني أمتلك بعض المال؟ لقد تعبت في حياتي بشكل أكثر من كان أي والله أكثر من كان).
لقد عاش أبو الخيزران حياة الاشتباك وها هو يقف شاهداً وحيداً عليها وعلى الموتى الثلاثة، ولتضاف إلى قائمة متاعب حياته هذه الرحلة.
بعد ذلك يصدر غسّان كنفاني روايته القصيرة (ما تبقى لكم) وكأنها إجابة على رواية رجال في الشمس ، ففي (رجال في الشمس) يموت الرجال الثلاثة في رحلة صحراوية في جوف خزان، وإذا كان الرجال قد ماتوا في الخزان بعيداً عن حضن الأرض ،ولم يحاولوا أن يدقوا الخزان لينقذوا أنفسهم من الموت، وكان الزمن هنا ضدهم... ففرق دقائق كانت كفيلة لإنجاز اختناقهم .
إذا كانت تلك معادلات ثلاث طرحتها رواية رجال في الشمس إلا أننا نجد إجابة عليها في رواية ما تبقى لكم التي جاءت لتجعل للأشياء بطولتها ... التي تعادل البطولة الإنسانية:
لقد مات الرجال في الصحراء في جوف خزان ولكن حامد بطل (ما تبقى لكم) يقول للصحراء (ليس بمقدوري أن أكرهك ولكن هل سأحبك أنت تبتلعين عشرة رجال من أمثالي في ليلة واحدة.. إنني أختار حبك إنني مجبر على اختيار حبك ليس ثمه من تبقى لي غيرك).
وتقول الصحراء عنه: (عرفت أنه رجل غريب وحين رأيته تأكدت من ذلك، كان وحيداً تماماً بلا سلام وربما بلا أمل أيضاً، ورغم ذلك فمنذ لحظة الرعب الأولى قال إنه يطلب حبي لأنه ليس باستطاعته أن يكرهني).
إن الصحراء التي ابتلعت الرجال الثلاثة تصبح هنا جزءاً من الخلاص والراحة وهي معبر إلى المستقبل... إنها الأرض التي لا بديل عنها... إن الصحراء هنا وسيلة تصل بينه وبين أمه، وتظل الأرض هي ما تبقى للفلسطيني.
ثم إن الكاتب يجعل الساعة في (ما تبقى لكم ) بطلاً من أبطال القصة لتكون كزمن شاهده على الماضي ، وتؤكد على الحاضر والمستقبل فالزمن هو ما تبقى للفلسطيني كذلك.
ثم نقابل حامد وهو يأسر يهودياً ويستل سكينه وتكون المواجهة مع العدو هي ما تبقى للفلسطيني لذلك، هذه الأمور الثلاثة ... الأرض، الزمن، مواجهة العدو – أمور ثلاثة افتقدها أبطال غسّان في رواية رجال في الشمس، وهي الأمور الوحيدة التي تبقت للفلسطيني.
ولذا فإننا نجده غسّان كنفاني بعد عام 1967م يصدر مجموعته القصصية (عن الرجال والبنادق) لينقل لنا صورة تجسيد تلك الأشياء التي تبقت للفلسطيني الأرض – الزمن – مواجهة العدو.
فالزمن لا يغير الأجيال التي تربط بين الأحفاد الذين يولدون خارج الأرض والأرض ذاتها.
فهذا هو الصغير يكتشف أن المفتاح يشبه الفأس فيؤكد ذلك الارتباط بين المفتاح والبيت المغتصب، الوطن السليب وهذه أم سعد التي تعيش في مخيم للاجئين تقدم ابنها فدائياً وتتمنى لو تلحق بابنها للإسهام مع الفدائيين.
أتدري؟ إن الأطفال ذل لو لم يكن لدي هذان الطفلان للحقت به، وسكنت معه، هناك خيام! خيمة عن خيمة تفرق!! لطبخت لهم طعامهم وخدمتهم بعيني ولكن الأطفال ذل!
ولذا ولأنها لا تستطيع أن تلحق به فإنها توصي بإبنها:
(أقول لك لتكن توصيتك به إلى رئيسه أن لا يغضبه قل له ام سعد تستحلفك بأمك أن تحقق لسعد ما يريد إنه شاب طيب وحين يريد شيئاً لا يتحقق يُصاب بحزن كبير، قل له دخيلك أن يحقق له ما يريد، يريد أن يذهب إلى الحرب؟ لماذا لا يرسله؟)
وهكذا تصبح الطريق أمام الفلسطيني واضحة... فلم يتبق أمامه في زمن الاشتباك سوى القتال لتحرير وطنه.
تحدّث غسّان كنفاني عن قضية الشكل في أدبه وقد تساءل في مقابلة إذاعية بقوله (لمن أكتب؟) وقد أجاب بقوله: (... إذا استطعت أن أقول الأشياء العميقة ببساطة فأكون في الواقع راضياً عن تطوري لأنني أعتقد أنه ليس بالضرورة أن قانون الأشياء العميقة معقدة وليس بالضرورة أن تكون الأشياء البسيطة ساذجة... والإنجاز الفني الحقيقي هو أن يستطيع الإنسان أن يقول الشيء العميق ببساطة...).
لقد بدا غسّان في روايته (ما تبقى لكم )وكأنه يخوض عالم التجريب في الفن، ذلك الذي فيه يبعد الكاتب عن جماهير قرّائه ، ولأن غسّان كان مدركاً لأهمية الكتابة للجماهير ، وبأن يقول الشيء العميق ببساطة ، فإننا لا نعجب أن نجد كاتباً مثله يصدر رواية (رجال في الشمس )مستخدماً بها أسلوب تيار الوعي والتواقت، ثم يقدم في رواية( ما تبقى لكم )شكلاً أكثر تعقيداً لعالم متداخل بين زكريا وأخته والساعة والصحراء ، متأثراً بذلك برواية تيار الوعي لدى جيمس جوبس وخصوصا رواية الصخب والعنف لفوكنر ، ولتكون هذه الرواية من أوائل الروايات العربية باعتمادها اعتماداً كاملاً على تيار الوعي في بنائها الفني.
ولكن غسّان لا يستمر في هذا النهج، ويكون بعد ذلك حريصاً على تقديم قصصه وروايته في بناء فني هو أقرب إلى الشكل التقليدي في بناء الحبكة أو تقديم موقف أو انطباع أو حدث.
لننظر إلى رواية عائد إلى حيفا وكيف قدمها لنا، أو لننتقل إلى أحاديث أم سعد تلك المرأة الفلسطينية التي تعرض قصتها بأسلوب سلس هو أشبه بالحكاية ،يقترب من أسلوب الحديث اليومي.
لقد أراد غسّان أن يقترب من الجماهير ولأنه كان يكتب من أجل قضية الجماهير فإنه وهب قلمه لينسج حكايات الناس الفقراء ،ويكتب عنهم ويكتب للغد المشرق ولأن الغد المشرق يحتاج إلى فرسان فقد هوى فارس في زمان الاشتباك اسمه غسّان كنفاني ولكنه بقي لنا وبقيت أعمال بإرهاصات غد مشرق لوطن حر.
بقلم د.صالح أبوأصبع
عميد كلية الآداب والفنون
جامعة فيلادلفيا/ عمان - الأردن


نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع عبدالله الخطيب
 [frame="3 98"][frame="2 98"]
لاَ تَشك ُ للنّاس ِ جرحا ً أنتَ صاحبُه .... لا يُؤْلم الجرحُ إلاَّ مَنْ بهِ ألم
don't cry your pain out to any one
No body will suffer for you
You..! who is suffering
[/frame]
[/frame]
الثورة تتكلم عربي
عبدالله الخطيب غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08 / 07 / 2010, 10 : 04 AM   رقم المشاركة : [2]
عبدالله الخطيب
كاتب نور أدبي يتلألأ في سماء نور الأدب ( عضوية برونزية )
 





عبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond reputeعبدالله الخطيب has a reputation beyond repute

رد: غسّان كنفاني: فارس في زمن الاشتباك

سيظل الثامن من تموز من كل عام ذكرى خالدة و أليمة..
حين نجح المجرمون بقتلك و فشلوا في تغييبك.
ستبقى قمراً وهاجاً رغم الظلمة الحالكة.
ستظل حروفك أملاً و شمساً تسطع في فضاء الحرية.
في جنات الخلد يا غسـان.
توقيع عبدالله الخطيب
 [frame="3 98"][frame="2 98"]
لاَ تَشك ُ للنّاس ِ جرحا ً أنتَ صاحبُه .... لا يُؤْلم الجرحُ إلاَّ مَنْ بهِ ألم
don't cry your pain out to any one
No body will suffer for you
You..! who is suffering
[/frame]
[/frame]
الثورة تتكلم عربي
عبدالله الخطيب غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
غسان كنفاني، فارس، زمن الأشتباك، صالح أبوأصبع


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فارس بلا مجد عيساني بوبكر شعر التفعيلة 8 11 / 07 / 2012 49 : 03 PM
غسّان عدنان كنفاني غسان كنفاني 3 08 / 07 / 2010 49 : 04 AM
الأم في رواية " أم سعد " للأديب غسان كنفاني / رحاب فارس الخطيب عبدالله الخطيب غسان كنفاني 1 08 / 07 / 2010 03 : 04 AM


الساعة الآن 48 : 01 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|