مشروع بيرسون (من مواد الموسوعة الفلسطينية - القسم الأول- المجلد الأول)
مشروع بيرسون (من مواد الموسوعة الفلسطينية – القسم الأول – المجلد الأول ):
كان المجتمع الدولي يحاول من خلال المداولات الحادة في الجمعية العام للأمم المتحدة سنة 1957 الضغط على (إسرائيل) للانسحاب من الأراضي الفلسطينية والمصرية التي احتلتها أثناء العدوان الثلاثي على مصر . وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور وحكومته يمارسان الضغط على (إسرائيل) للانسحاب تقدمت الوفود الآسيوية – الإفريقية العربية وغير العربية في الجمعية العامة عن طريق الدكتور شارل مالك وزير الخارجية اللبنانية آنذاك بمشروع يقضي بفرض عقوبات تحظر بموجبها جميع أنواع المساعدات الاقتصادية والعسكرية والمالية على (إسرائيل) لإجبارها على الانسحاب من الأراضي العربية . غير أن الحكومة الكندية التي كانت تقود مجموعة من الدول غير المؤيدة للمشروع المذكور تقدمت بواسطة وزير خارجيتها ليستر بيرسون بمشروع قصدت منه تحقيق تسوية بين موقف الجانب الإسرائيلي – البريطاني – الفرنسي من جهة , وموقف الدول الأخرى المؤيدة لمبدأ انسحاب (إسرائيل) وفرض العقوبات عليها من أجل إنجاز ذلك الانسحاب من جهة أخرى .
وقد وجّه ليستر بيرسون نداء إلى الأمم المتحدة بتاريخ 26/2/1957 أثناء مداولات الجمعية العامة يدعوها فيه إلى وضع" تسوية دائمة للنزاع العربي – الإسرائيلي ".
وبعد أن أكد وزير الخارجية الكندي أن الأمم المتحدة قد "وصلت إلى نقطة اللاعودة", وأنه بات من غير الممكن إعادة الأوضاع إلى سابق عهدها قبل الهجوم الثلاثي على مصر, تقدم بخطة من أربع نقاط هي :
أ- تتعهد كل من مصر و(إسرائيل) بمراعاة بنود اتفاقية الهدنة الدائمة الموقعة بينهما عام 1949 مراعاة دقيقة حازمة .
ب – يقوم الأمين العام للأمم المتحدة مع قائد قوات الطوارئ التابعة للمنظمة الدولية باتخاذ الترتيبات اللازمة مع الحكومات المعنية لتوزيع تلك القوات على خط الهدنة لتمكينها من :
1) القيام بأداء بعض واجبات هيئة الرقابة الدولية التابعة للأمم المتحدة .
2) المساعدة في منع الغارات وما يعقبها من ردود فعل انتقامية قد تصدر عن هذا الفريق أو ذاك عبر خطوط الهدنة .
3) المحافظة على الأوضاع السلمية على طرفي خطوط الهدنة .
جـ - توافق الجهات المعنية على حق المرور البري عبر مضائق تيران , وتؤكد التزامها بعدم إنكار هذا الحق , وتتخلى عن إدعاء أي من حقوق المتحاربين . ويجب أن يتبع انسحاب القوات الإسرائيلية من منطقة شرم الشيخ دخول قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة إليها " للحفاظ على الأوضاع السلمية ومنع النزاع " وفقا للأهداف التي حددتها الجمعية العامة لقوات الطوارئ .
د – تقيم منظمة الأمم المتحدة إدارة مدنية في قطاع غزة بالتعاون مع مصر و(إسرائيل).
وبيّن ليستر بيرسون أن مسألة توفير الأمن على طرفي خطوط الهدنة هي من أعقد القضايا وأكثرها حساسية . ولذلك فإن من واجب الجمعية العامة العمل على توفير وجود فعّال للأمم المتحدة في قطاع غزة بعد إنجاز الانسحاب الإسرائيلي منه حتى لا تستخدم المنطقة قاعدة للغارات ضد (إسرائيل) . وعلى حكومة مصر ألاّ تتوقع عودة قواتها إلى القطاع , ولا بد بالتالي من دخول قوات الطوارئ إليه فور انسحاب (إسرائيل) منه .
وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الكندي كان مقتنعا بأن اتفاقية الهدنة تعطي مصر حقوقا قانونية في الإدارة المدنية للقطاع فقد كان يرى أن أسبابا عملية واقعية تفرض, على حد زعمه , الاستعاضة عن الإدارة المصرية بإدارة تابعة للأمم المتحدة لأن أي انسحاب إسرائيلي سريع في ظل الأوضاع المتفجرة التي يعيشها القطاع مثل احتمال تعطل عمل وكالة هيئة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين وتشغيلهم (الأونروا) واحتمال اندلاع أعمال عنف ضد (إسرائيل) يجعل عودة الإدارة المصرية إلى القطاع فوراً أمراً غير ممكن . وعليه لا مناص من تفاوض ممثلي مصر و(إسرائيل) بإسهام ممثلي الأمم المتحدة الفعّال من أجل تأسيس إدارة قوية تابعة للمنظمة الدولية تقوم بتعزيز التطور الاقتصادي والرفاه الاجتماعي , وتحافظ على القانون والنظام في القطاع . كذلك أكّد بيرسون أن الأونروا بالإضافة إلى هيئات المساعدة الفنية التابعة للأمم المتحدة والأمانة العامة للهيئة الدولية قادرة على توفير تلك الإدارة الذاتية البديلة . ولضمان ذلك اقترح قيام الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين مفوض للمنظمة الدولية في غزة يقوم بالتعاون مع قائد قوات الطوارئ والمفوض العام للأونروا , وبالتشاور مع ممثلي مصر و(إسرائيل) واللاجئين وغيرهم من قادة العرب المحليين , بوضع خطة للاستعاضة عن الإدارة المدنية الإسرائيلية بإدارة فعالة تابعة لمنظمة الأمم المتحدة . وإذا ماتمّ ذلك يمكن , كما أكد وزير الخارجية الكندي , إنجاز انسحاب إسرائيلي سريع ومنظم يضمن المحافظة على مصالح سكان القطاع ومصالح كل من مصر و(إسرائيل).
وجدير بالذكر أن مشروع وزير الخارجية الكندي الذي كان يرمي في الحقيقة إلى تأخير الانسحاب الإسرائيلي وإفساد اتفاق الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على اتخاذ عقوبات ضد (إسرائيل) لم يحظ بأي اهتمام داخل الأمم المتحدة , ولم يشر إليه أي من الوفود خلال المناقشات اللاحقة .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|