لأن مسلسل النكبات يتوالى ..
ولم يحن موعد الحلقة الأخيرة بعد ..
أجل !! فقد صارت الهزائم مسلسلا نتابعه يوميا وبشغف .. وكأنه لايعنينا ..
لأن الذاكرة لم تعد تتسع لمساحات جديدة من الألم ..
أفرغتُ جزءاً بسيطاً منها هنا ..
هناك مازالت تختلط الحياة بالموت ..
ويختلط البقاء بالعدم ..
مازالوا أحياء .. أولاد من ماتوا .. وأحفادهم ..
وأشخاص جدد لايعرفون عن الماضي شيئاً ..
هومكان للذاكرة ..
تلك الذاكرة المتعفّنة
بكل ماتضمّ من أحداث داخل وخارج ذاك المكان ..
لم يبقّ منهم الكثير ..
رحل أكثرهم إلى عالم الموت .. غصباً ..
وآخرون رحلوا طوعاً ..
إلى كل بقاع الدنيا ..
حاملين في قلوبهم وعقولهم ذكريات تكرّرها أيامهم ..
كتكرار الليل والنهار ..
كتعاقب الفصول الأربعة ..
كتوالي الفرح والحزن ..
ليس المكان بحدّ ذاته ..
بل خليط الصور والأحداث وكل ماتعجّ به الذاكرة ..
لكل عائلة شهيد .. أو جريح ..
أو مفقود
أي مرض يتركنا بين أنياب الألم لأيام أو ساعات
ويرحل بعدها ..
أماهذه الذاكرة كانت سريعة ومميّزة بكل مافيها ..
في الصباح كانت تلهو مع صديقتها بالدمية
وفي اليوم التالي :
شاهدت ذاك الكيس الذي يضم الأشلاء
وقالوا لها : صارت هنا .....
بالأمس كانت تسير في ذاك الطريق تحمل حقيبتها المدرسية ..
واليوم يمنعها الركام من رؤية أبعد من سنتيمترات محدودة ..
كعادته غادر الأب إلى عمله وبعد أيام قالوا :
هو ضمن قائمة / ينتظرون رحمة ربهم /
ولن تصلوا إليه قبل أيام ....
منذ ساعات وقفت الجدة بتحدّ وإصرار
تحمي العشرات داخل المنزل
لتقول : اقتلوني وقطّعوني : ولن تدخلوا ...
هي ذاكرة الألم ..
ذاكرة الفصل بين البقاء والعدم ..
ذاكرة الدم الذي مازالت رائحته تملأ الأمكنة ..
رغم كل السّنين ..
هي ذكرى المجزرة ..
هي حفلة الإبادة الجماعية في صبرا وشاتيلا ..
التي حصدت في يوم وليلة مايقارب ثلاثة آلاف من البشر ..
و خلفت أعدادا لاتحصى من العاهات الدائمة ..
والإعاقات بشتى أنواعها ..
وإصابات تكرّر الألم بين حين وآخر ..
وأجنّة لم تر النور .. تقطّعت في أرحام أمهاتها ...
وذاكرة لاتندمل ..
فهنيئاً لهم أشلاؤهم المبعثرة تصفّق لأستاذ الوحشية والدّمار
أرييل شارون