الحمد لله وحده لاشريك له , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
أما بعد ,,,
معشر الأحبة الكرام,, ليس أقسى على المرء من فقدان عزيز ملك القلب واستوطن الفؤاد , فكيف إذا كان الفقيد عالما وأديبا وشاعرا ؟ .
ومنذ أسابيع قليلة رزئت مكناس بفقدان هرم شامخ وأحد علماء الأمة الأفذاذ " فضيلة الشيخ فريد الأنصاري " رئيس المجلس العلمي لمكناس وعضو رابطة العلماء المسلمين .
وقد عجبت كيف تبارى الخطباء والبلغاء في تأبينه والحديث عن محامده وخصاله , دون أن ينتبه منهم أحد إلى تبليغ رسالته , وكان المشمول برحمة الله تعالى قد كتب رسالة طبعها في كتاب تحت عنوان "الدين هو الصلاة " يبتغي من ورائها تنبيه الغافلين لضرورة الصلاة بأسلوب شيق للغاية , أتبعها ببيانات نداء للصلاة جديدة في طرحها , عجيبة في إقناعها , ممتعة في عرضها , ومن باب الأمانة واستشعارا لمسؤولية تبليغها للأمة , إرتأيت أن أطلعكم على مضمون الكتاب , عسى أن يكون لي ولكم به سلوة في ساعة رضا من رب العالمين , ويكون به للفقيد أجر من مات ولم ينقطع عمله بما ترك وراءه للناس من علم نافع .
يقول الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله :
هذه رسالة في فريضة الصلاة جمعت مادتها من كتاب الله تعالى , وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , قصدت بها بيان عظمة الصلاة , وحقيقة قدرها عند الله جل علاه , وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه من قيام بحقها , ثم مدى الخسارة الدنيوية والأخروية اللاحقة بتركها وتضييعها .
وإنما جمعت ما جمعت من عزيز نصوصها , وقيدت ما قيدت من عظيم أسرارها , تذكرة لنفسي ــ أولا ــ بحق الله العظيم جل جلاله , وما ينبغي لها إزاءه من العبودية والخضوع , ثم إنقاذا لها من غفلتها وغفوتها في طريق العمر المحدود, سيرا إلى الله جل ذكره وثناؤه . رسالة أخاطب بها نفسي أولا عسى أن أرجع إليها بالمعالجة , كلما أنكرت حالي مع ربي , واستثقلت خطوي في سيري إليه تعالى , متخلفا عن ركب العابدين .
رسالة أتزود منها ما أرجو أن ينفعني عندما يجد الجد , وأوضع على شفير قبري وينصرف عني كل شيء إلا عملي , وتبدأ مسيرة السؤال والجواب من اللحظة الأولى بعالم البرزخ إلى يوم الحساب . ولقد علمت من كتاب الله يقينا أنه لن ينجو أحد ــ بعد رحمة الله وعفوه ــ إلا بما قدم من عمل " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى , وأن سعيه سوف يرى , ثم يجزاه الجزاء الأوفى , وأن إلى ربك المنتهى " .
ثم علمت يقينا أنه لا نجاة بأي عمل ــ مهما كان ــ إن لم يكن العبد قد قدم بين يديه فريضة الصلاة كاملة , ثم عرضها على ميزان الله فلم يلفظها , ولم ترد عليه كسيحة منكسرة , ويكون صاحبها من الخاسرين , فواها واها من ذالك اليوم " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خرذل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " .
فيا نفسي المغرورة , ألا وإنه لا وزن لعمل يومئذ لم يبن ــ بعد الإيمان ــ على صلاة صحيحة , فماذا تغني العلوم والفهوم ؟ وماذا تغني المناصب والألقاب ؟ وما تنفع الأعمال والأموال ؟ إن لم يكن العبد عبدا لله حقا ؟ قائما بحق ربه العظيم . ساجداو راكعا , خاشعا وخاضعا ؟"
... ففي الصلاة يستند العبد إلى ربه الملك العظيم , الذي بيده خزائن السماوات والأرض إلا وهو مملوك له , خاضع لجلاله العظيم , فعندما يدخل العبد في الصلاة يدخل في حماه عز وجل , ويتلقى من أنوار أسمائه الحسنى ما يجعله غنيا بالله قويا به تعالى , ويتزود من مقامات الجمال والجلال ما يملأ قلبه أملا وفرحا فيشعر أنه "عبد الله" حقا , فتتجدد حياته , وتشب عزيمته , فإذا هو ينطلق إلى الحياة من جديد , بفتوة جديدة , وقوة تهد الجبال الرواسي .
... إن معنى أن تصلي هو أن ترحل عن خطاياك إلى الله ,, تخرج من دركات العادة إلى درجات العبادة ... يتغير طعم المنكر في قلبك فلا تستحليه , ويتبدل ذوق شهوات الحرام من الرغبة إلى الغضبة , وتصبح خلقا آخر , أبصر ثم أبصر ,فإن الصلاة تصنعك , نعم ,إنها تنهى عن الفحشاء والمنكر . هل غلبتك الفاحشة ولم تستطع التخلص منها ؟ هل أنت مدمن على خطيئة ما ؟ دواؤك واحد : صل .
... وعليه ,, فإنني أعرض هذه الحقائق الساطعة مما تخلص لدي يقينا , حول مركزية الصلاة في الإسلام , وذلك من خلال تقديم بيانات واضحة , قائمة على محكم الآيات , وصريح الأحاديث الصحيحة , مما لا مجال لتأويله أو تغييره , معتمدا منهج المحدثين في عرض مادتهم العلمية , وذلك بالإكتفاء بتقديم تراجم فقهية مختصرة , بين يدي كل مجموعة من النصوص الدالة على كل قضية من قضايا الصلاة , عسى أن تباشر الآيات و الأحاديث نفسها إقناع المتلقي بمراد الله من دينه , ومن ثم فقد عرضنا ما حصل لدينا من نصوص في ستة عشر بيانا "
[gdwl]
الأستاذ الفاضل حسن الحاجبي
أولاً الحمد لله على سلامتك بالعودة وكم نحن بحاجة إلى تذكيرنا
بكل ذكرى تنفعنا في الدنيا والآخرة فعودتك إن شاء الله بادرة خير
لتتحفنا بمثل هذه المواضيع القيمة لا تبخل علينا
الدين هو الصلاة
كم رائعة هذه العبارة لمن يشعر بها ويعمل على تنفيذها
وكم أولادنا من المسلمين يحتاجون لمن يذكرهم بها
بارك الله بك
ورحمة الله على فضيلة الشيخ فريد الأنصاري "
رئيس المجلس العلمي لمكناس وعضو رابطة العلماء المسلمين .
وأدخله فسيح جنانه إن شاء الله
ننتظر المزيد من هذه الدرر
دمت بخير[/gdwl]
البيان الأول:
*** الصلاة هي أوجب الواجبات بعد الإيمان , وأفضل الأعمال و آكدها .
...وذلك باعتبار أنها ــ بعد الشهادتين ــ أساس أركان الإسلام , وأنها أفضل أعمال الدين على الإطلاق , ومن هنا أمكن صياغة القاعدة التالية : "من لا صلاة له فلا دين له " . وإليك بيانها من الكتاب والسنة .وهو كما يلي :
إن الصلاة هي الغاية التي من أجلها خلق الإنسان ابتداء , وهذه حقيقة قرآنية كبرى , فالكون كله بذراته ومجراته دائر في فلك العبادة , ركوعا وسجودا لله الواحد القهار , قال تعالى : "ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء " .ثم إن قوله تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " إنما هو الصلاة . نعم للعبادة مفهوم شامل , ولكن الصلاة أشمل , فبالصلاة يكون العبد عابدا لله بكل شيء. وبغيرها لا يكون عابدا له بأي شيء , بل بدونها يكون كافرا أو عاصيا له في كل شيء, ولذلك فقد كان أول مؤاخذة ذكرها الكفار على أنفسهم وهم يعذبون في نار جهنم ــ والعياذ بالله ــ أنهم لم يكونوا من المصلين , رغم أنهم لم يكونوا مسلمين أصلا . قال عز وجل يحكي سؤال أهل النعيم للمجرمين :"ما سلككم في سقر ؟ قالوا لم نك من المصلين , ولم نك نطعم المسكين , وكنا نخوض مع الخائضين , وكنا نكذب بيوم الدين , حتى أتانا اليقين , فما تنفعهم شفاعة الشافعين ".
فرغم أن أكبر الكبائر هو الشرك بالله والكفر به , وبما يترتب على ذلك من الكفر بالبعث والنشور , فقد جعله الله آخر ما ذكر في الآية , وقدم تضييع الأعمال الصالحة وعلى رأسها الصلاة , ولذلك قال المعذبون مقالتهم وكأنهم وجدوا أن الذين نجوا حقيقة من العذاب , إنما نجوا بسبب عبادتهم لله بالصلاة وبما يليها من أعمال , ثم وجدوا أن طائفة من عصاة المسلمين وفجارهم قد ألقي بهم معهم في النار والعياذ بالله , بسبب تركهم للصلاة , فلم ينجهم إيمان بلا عمل من عذاب الله , أما هؤلاء الكفار بالله أصالة , فكفرهم بيوم الدين كان سببا في انصرافهم عن الصلاة التي من أجلها خلقوا , فلذلك قالوا أول ما قالوا " لم نك من المصلين " . هذه هي الحقيقة , ومن هنا لما ذم الله تعالى الإنسان وتوعده بما فيه من هلع , إستثنى طائفة من الناس جعلهم بمنجاة من العذاب , لعلة مركزية أساس , هي كونهم مصلين , وألحق بهذا الوصف صفات شتى إنما هي تفاصيل نعتية ــ معطوف بعضها على بعض ــ لكونهم مصلين , وذلك قوله تعالى :"إن الإنسان خلق هلوعا , إذا مسه الشر جزوعا , وإذا مسه الخير منوعا , إلا المصلين ,الذين هم على صلاتهم دائمون , والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم , والذين يصدقون بيوم الدين , والذين هم من عذاب ربهم مشفقون , إن عذاب ربهم غير مامون , والذين هم لفروجهم حافظون , إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين , فمن ابتغى وراء ذلك فأولائك هم العادون , والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون , والذين هم بشهادتهم قائمون , والذين هم على صلاتهم يحافظون , أولائك في جنات مكرمون ".
فهذه الأوصاف كلها إنما هي نابعة من كونهم مصلين , فتدبر... لأن الصلاة تصنع فيهم هذا كله , ثم تحفظه وتنميه , والعجيب أن أول وصف فرع عن كونهم مصلين هو أنهم " على صلاتهم دائمون " , ثم كان آخر وصف ختم به السياق هو أنهم " على صلاتهم يحافظون " , وذلك لجعل الأعمال الصالحة جميعها مراقبة بميزان الصلاة , إدامة لفعلها , وحفظا لوقتها و خشوعها , وذلك ما يضمن لها البقاء والثبات . فلا صلاح للإنسان بغير صلاة إبتداء وانتهاء.... .
الفاضلة : ناهد شما
كما عهدتك دائما سيدتي الفاضلة , حاضرة منتظرة حتى لأني أطرق منك خجلا ,
أطال الله تعالى في عمرك وجعلك من أهل السعادة في الدنيا والآخرة .
المحترمة : رولا نظمي
الأخ الغالي : فيصل بن الشريف الأحمداني
شكرا جزيلا على المرور البهي والمتابعة , وأتمنى من العلي القدير أن يكتب لنا ولكم جميعا ثواب هذا العمل , ويجعلنا وإياكم من الذين تقبل صلاتهم يوم العرض على الرحمان , آمين .
حقاً رسالة واجبة التبليغ
بارك الله بك أستاذ حسن
صدقني سعادتي بهذا الملف كبيرة جداً
أتمنى على الجميع أن يتابعه لما فيه الذكرى
التي ستنفع المؤمنين إ ن شاء الله
دمت بخير
زجالة / تكتب الشعر الزاجل والمحكي باللهجة المغربية
رد: الدين هو الصلاة : رسالة واجبة التبليغ
قال الله في كتابه العزيز : - فذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين -
صدق الله العظيم
شكرا أستاذي الغالي حسن لتذكيرنا و تبليغنا هذه الرسالة القيمة
جعلها الله في ميزان حسناتك
شمل الله المغفور له الدكتور العلامة فريد الأنصاري
بواسع رحمته و أسكنه فسيح جنانه
بارك الله فيك أخي الفاضل أستاذ حسن الحاجبي .. فالصلاة عماد الدين ، صلة بين العبد وربه تنهى عن الفحشاء والمنكر ، فرضها الله على الرسول صلى الله عليه وسلم في السماء لعلو قدرها ، وهي : أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة فإن قبلت قبل سائر عمله ، وإن ردّت ردّ عليه سائر عمله , اللهم اجعل الصلاة قرة أعيننا .. " رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء "
... ومن أعجب الآيات في هذا السياق أنه تعالى جادل بني إسرائيل في الإيمان بالقرآن والإعتراف بالحق , ثم خاطبهم بعد ذلك مباشرة بالصلاة والزكاة , وكأن إيمانهم بالقرآن إنما هو من أجل تحقيق العبودية الحقة لله , وأولها الصلاة . قال عز من قائل :"وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين , أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتاب , أفلا تعقلون ,؟ واستعينوا بالصبر والصلاة , وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين , الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون ".
وقال لهم في آية أخرى :"وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي , وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا , لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار , فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ." وحصر مفهوم "الدين القيم" فيما أمر به بنو إسرائيل ولم يستجيبوا له , وهو إخلاص التوحيد لله , وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة , فقال سبحانه :" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويوتوا الزكاة وذلك دين القيمة ".
ومن أرهب المواقف و أجلها , موقف نبي الله موسى عليه السلام , لما ناداه ربه لأول مرة بجانب الطور الأيمن , فكان ما كان من فزع موسى ورهبته , فلما اطمأن عرفه الله تبارك وتعالى بنفسه أولا , ثم أمره بالعبادة وعلى رأسها الصلاة , فقال في آية عجيبة حق عجيبة :"إني أنا الله لا إله إلا أنا , فاعبدني وأقم الصلاة لذكري , إن الساعة آتية أكاد أخفيها , لتجزى كل نفس بما تسعى ".
ثم قال للكافر الضال الذي اختلطت عليه المفاهيم , وتداخل عنده الحق بالباطل , ففتنته الشياطين إذ سمت له الضلال هدى , كما تصنع كثير من الخطابات الإعلامية والسياسية في زماننا هذا :"كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى إئتنا , قل إن هدى الله هو الهدى , وأمرنا لنسلم لرب العالمين , وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون ". وفي ذلك إشارة إلى أن الصلاة هي العاصم من فتنة الشبهات والأهواء التي يلقي بها الضلال على الجهال .
ولذلك فإنه تعالى قرر أن إقامة الدين في الأرض , وما تتطلبه من دعوة وجهاد , إنما غايته الأساسية هي الصلاة أولا , وما يلحقها من أعمال الإسلام :"الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر , ولله عاقبة الأمور ".