المحطة الأخيرة
المحطة الأخيرة
ــــــــــــــ
في اليوم الرابع على موتها تجمع الأبناء والبنات، حول التلفزيون حديثهم متقطع ومنهم من يتابع أحداث مباراة في كرة القدم بين فريق نادي النصر الرياضي وفريق النادي الأهلي الساعة التاسعة ليلا والمباراة في الدقيقة العشرين من الشوط الأول والنصر متقدما بهدف سجل في الدقيقة الثامنة
رن جرس الهاتف تناولت عواطف الابنة البكر للمتوفاة سماعة الهاتف من ابن أختها الذي لم يتجاوز الرابعة . تقبلت المواساة في والدتها من المتحدثة التي لم تعرف نفسها، أربكها حرص المتصلة على وجود الجميع / حنان / توفيق / عبد العظيم / أمينة / جاء ترتيب الأسماء حسب الأعمار .
بعد صلاة الظهر وقد أخر توفيق سفره وأجلت حنان رحلتها مع طفليها بالطائرة أربعا وعشرين ساعة واستمهلت أمينة زوجها الذي أقام عند شقيقه وتركها مع أطفالها الثلاثة تشارك إخوتها مراسم العزاء حتى بعد صلاة الجمعة بينما كانت عواطف تملك وقتها ، فهي ، منذ دخلت والدتها المستشفى ، في إجازة مفتوحة من العمل ومن زوجها وابنتها الوحيدة لتكون بجوار والدتها وهاجس الموت، عبد العظيم يقيم مع المتوفاة منذ عامين بعد أن طلقته زوجته وتخلت عن ابنها فقام بالعناية به، كانت المتحدثة ممرضة بالمستشفى الذي توفيت فيه أمهم . تعرف الجميع من خلال متابعتهم حال أمهم الصحية .
قالت: تقديرا لوصية المرحومة وأنا محرجة ، جئت أسلمكم أمانة أودعتها الوالدة عندي طالبة مني تسليمها لبنتها عواطف في حضور الجميع .
بعد خروج الضيفة انتصبت على الطاولة التي تتوسط الغرفة علبة بيضاء صغيرة الحجم يلتف حولها شريط أحمر اللون، ترددت عواطف في فتح ألعلبة وقام توفيق بفك الرباط. في العلبة أساور ذهبية وخواتم فضية ذات فصوص من الحجر الكريم وصورة فوتغرافية لرجل يعرفه الجميع ينعتونه بالعم متجاهلين اسمه وقرابته، ورسالة بخط مرتبك يعرفون أإن أمهم أمية لا تعرف الكتابة وترهقهم بشرح ما يعرضه التلفزيون من أفلام اجنبية .
تخطفت أيديهم الحلي وبقيت الرسالة بين يدي عواطف مع الصورة التي انثنت أطرافها . نسي الجميع أمر الرسالة وانشغل كل واحد بإعداد أهاب سفره، أول المغادرين توفيق ، لمواصلة غربته وركبت أمينة عربة زوجها بين شغب أطفالها واستعجاله، عواطف رتبت سفرها في رحلة حنان .
في المطار وقد غادرت حنان الطائرة شعرت بالوحدة مستعيدة الأيام الأخيرة لأمها مع صراع المرض ولاح أبوها الذي رحل منذ عشر سنوات في حادث سير أثناء زيارة عمل لقريته في أقصى الجنوب متابعا أعمال بناء منزل للعائلة في جزء من ارض زراعية تمكن بعد صراع مع أفراد من أسرته وبعض أكابر جماعته من تملكها . يعلن المذيع الداخلي بأن الرحلة سوف تتأخر بسبب سوء الأحوال الجوية في محطتها الأخيرة . ترددت في مغادرة الطائرة عدلت وضع مسند المقعد ونامت . جاءتها أمها في المنام تسألها عن نصيبها في الحلي.
قالت:إخوتي وهم يتخطفون العلبة لم يتبق شيء .
تنبهت متذكرة العلبة نهضت فتحت درج الحقائب الذي يعلو مقعدها أخرجت العلبة حدقت في الصورة تعرف الرجل يسكن في بدروم مبنى مجاور لمنزل الأسرة معتل الصحة والدها يعطف عليه ويتبع حالته الصحية وتقوم أمها بغسل ملابسه وإشراكه في الأكل حيث ترسل احدهم بما تجهز . قالت: الممرضة إنها من إملاء المريضة، الرسالة في صفحتين من دفتر مدرسي بقلم مرتبك وحروف تآكلت اطرافها.
أولادي وبناتي
كان أبوكم رحمة الله عليه بارا بي وحريصا على علاقتي به . في البداية توهمت انه يعزني ولكن الوقت كشف لي انه حاقد ويريد تدمير من حوله وخاصة جماعته وأهله . لم اصدق عندما قال أبي انه زوجني بسعيد الذي يعرف إن شيخ قريتنا خالي حجزني لولده صالح كما تقول أمي، كان صالح طوع أبيه ويده اليمنى حتى فقد عقله عندما ( طاح ) ذات يوم في بئر من ابيار مزرعتنا ولم تنجح محاولات أبيه في علاجه من البكم والصرع الذي ينتابه بسبب الجنية التي دخلته.
بعد ستة اشهر جاء سعيد وتزوجته وتقطعت حبال المودة بين والدي وجماعتنا سافرت مع زوجي لمقر عمله في الشرطة بوابا في المحكمة الشرعية بالطائف وكنت اخدم في منزل رئيس المحكمة، عندما يكون عنده ضيوف ويضحك الحريم من لهجتي فأتحمل ( عشان ) سعيد الذي خطط لشراء بيت أفضل وأوسع من الذي نستأجر.
تأخر حملي وقلق سعيد ووصلت شكواه للقاضي الذي أعطاه أوراق محو آيات من القرءان وأدعية كتبت بماء الزعفران عسى أحمل وصار النصيب الذي عطلني عن الخدمة في بيت القاضي وشعرت إن زوجة القاضي تكرهني وأمها تقول إني ( خربانة ) فانقطعت عن الناس حتى ولدت وجاءت أمي ومعها الشيخ وولده المريض، دخل صالح المستشفى ولما خرج قام سعيد برعايته بدعوى مواعيد المستشفى أستأجر له غرفة في شارعنا وأصبح الشيخ يرسل فلوس وحب وفواكه لولده عن طريق سعيد كان المريض يقضي وقته عندنا في الدار وشاركت سعيد في رعايته اغسل ثيابه وأعطيه من أكلنا عرفت انه يفرح ( ويصح ) إذا شافني لاحظ سعيد ذلك فأستغل الوضع فكان يمنع المريض من (شوفي)
فيتهيج ويركض في الشوارع وتمسكه ألشرطه وتدخله المستشفى
فيأتي والده ويقوم سعيد بإخراجه ويتعهد برعايته ويطلب فلوس زيادة، خطط سعيد لطرد إخوانه من نصيبهم في مزرعة ألديره وشهد الشيخ معه . صالح اشتد عليه المرض فضعف جسمه، زاد نحوله وطال شعر رأسه ولحيته في يوم دخل الحمام يستحم أغمي عليه سمعته ( يطيح ) على الأرض لم يكن في الدار احد دخلت وحملته تمدد في غرفة الجلوس وفتح عينيه شعرت انه يريد قول شيء قصصت شعر رأسه وشذبت لحيته أخذ يبكي وهو يقبل يدي شيء مسني حرارة سرت في عروقي مسحت دموعه، قدمت له الأكل أمتنع فصرت اللقمة كان يضحك مثل الصغار وقام بتأكيلي وعندما خرج سلم على رأسي.
لاحظ سعيد التغير ولكن لم يسأل فقد فتح بقالة ومكتب عقار يأخذ وقته ويجهز لبناء دار في مزرعة القرية، عرفت إن صالح يحبني وبطيبة خاطر أصبح رجلي يعرف سري ويشاركني همي في الصباح افطره .. ( نسو لف ) ونتابع مسلسلات التلفزيون وأرقد معه في بعض الأيام وعند الظهر يذهب للمسجد ويقوم بفرش سجادة صغيره قدام باب غرفته يجلس عليها حتى العشاء ثم يدخل وفي الصبح بعد خروج سعيد يدق الباب.
انه أبوكم الحقيقي الذي معه شعرت بالأمان، وأنا تذكرت ريح أهلي بيت الحجر والذرة والقصب والبقر تحرث الأرض وتسقي الزرع والقربة التي ادلف بها الماء ولما مات سعيد زادت رعايتي، حتى جاءت أخته التي لم يرزقها الله بأولاد قبل عامين فأخذته للديرة بعد موت زوجها عارضتها في البداية وكان صامتا لم يتفوه بكلمه بكى وهمهم ببعض الكلمات لم يصرع ولم يركض في الشوارع كما هي عادته عندما يغضب، الحلي والصورة أعطاني يوم سافر.0
تنبهت عواطف على حركة داخل الطائرة الركاب يعودون والمضيفين والمضيفات يقومون بأعمالهم تريثت حتى أقلعت الطائرة أخذت تدقق النظر في ألصوره، قالت المضيفة وهي تقدم لها كوب ماء طلبته: زوجك ؟ هزت رأسها بالإيجاب.
ـــــــــــــــــ
إحدى قصص كتاب ( المحطة الأخيرة ) حكايات وقصص قصيرة الصادر عن دار الفارابي ببيروت عام 2008م
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|