رد: (( لحظات مجنونة)) قصة قصيرة تأليف فاطمة يوسف عبد الرحيم
الفن القصصى الذى يتحقق فيه شرط الإبداع لابد ان يحتوى على الامتاع والإقناع , أما الإمتاع فهو توسل النص بعدة عتابات جمالية كاستخدام الرمز والتصوير والنحت والموسيقى وغير ذلك , وأما الإقناع هو محاولة النص اختراق الواقع والتقاط حالاته المختلفة والتعبير عنها وبذلك ليقدم هذا الواقع فى رؤية جمالية من شأنها أن تؤثر فى المتلقى وتدفعه إلى اعتناق نظرة مغايرة لهذا الواقع الذى يحياه
من هنا فإن هذه القصة تحقق فيها الشرطان. فمن الناحية الجمالية اعتمدت فى السرد على الأسلوب المشدى ,ذلك الأسلوب الذى يعتمد على رسم صورة الشخصية الرئيس من الداخل والخارج معا معتمدا فى ذلك على حركية الحدث الذى يتخذ من الفعل محورا له ,وهنا نلاحظ توالى الأفعال التى تنمو بالحدث وتكون أجزاء المشهد من مثل"تزين , تعطر , جالت , ساغلق , تموت" وغير ذلك , فتوالى الأفعال هنا وغلبة الجملة الفعلية على الجملة الأسمية رسمت مشهدا شديد الإحكام لصور البة هذه البطلة المأزومة من الداخل لكونها تعانى الفقر وعبث زوجها وقهر جوع اطفالها, ومن الخارج لكونها تعانى نفسيا من ممارسة الرذيلة تحقيقا للحياة , وقد نجحت القاصة فى تفعيل الصراع الداخلى بامتياز فى داخل شخصية البطلة , هذا الصراع الذى دفعها إلى الجنون وقتل فلذة كبدها تخلصا من ضغط هذا الواقع الذى لم يرحمها ولم يراعى أنوثتها ولم يحفظ لها شرفها المعادل لكينونتها الإنسانية
هنا أيضا نجد أن القاصة اعتمدت على فن المونتاج , وهو ذلك الفن الذى لا يقدم الأحداث فى تسلسل منطقى بل يعمد إلى قطع الحدث من أجل إحداث الدهشة والتأمل عند المتلقى , وتحقق ذلك فى القطع فى صورة الزوج حين طلبت منه أموالا يقفز الحدث فجأة ليقدم مشهدا آخر وهو مشهد ممارسة الرذيلة مع ابن صاحب البيت ,كما أن هذه القصة أيضا قدمت لنا ما يمنك أن نسميه جريان التيار الأخلاقى فى القصة من خلال المافرقة بين الرذيلة وكونها إشارة واضحة فى متن القصة والفضيلة الغائبة عن هذا الواقع وكونها المسكوت عنه فى النص ,وهذا التقابل من شأنه أيضا أن يثير واعية المتلقى للتفكير فى المسكوت عنه
ثم جاءت لحظة التنوير/النهاية فى هذه القصة من نوع النهاية المفتوحة التى تترك للمتلقى قل الأسئلة " وجاءت سيارة الاسعاف وذهب كل إلى مسقره" هذه العبارة من شأنها أن تفتح طاقات الأسئلة حول موقف الزوج وموقف الجيران الذين كانوا شهودا على لحظة الجنون , والنهاية أيضا قدمت المبرر الفنى لشرعية العنوان فلم تكن لحظة جنون مجانية بقدر ما كانت لحظة جنون دُفعت إليها البطلة دفعا وبذلك حققت هذه القصة المعادل الموضوعى بين الفن والواقع ولا نملك إلا أن نقدر موهبة القاصة ونثمنها خير تثمين ونشد على أيديها لموهبتها وقدرتها الفنية الرائعة على توظيف أدواتها بمهارة عالية
لك كل محبتى وتقديرى أيتها القاصة الجميلة
|