التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,848
عدد  مرات الظهور : 162,315,110

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > قال الراوي > الـقصـة القصيرة وق.ق.ج.
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10 / 06 / 2010, 39 : 09 PM   رقم المشاركة : [1]
مسعدالنحلة
كاتب نور أدبي مشارك
 





مسعدالنحلة is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: ــــــــــــــــــــ

story2 جميله

جميـــــــلة
جميلة هو اسمها في شهادة الميلاد .. والذي ينادونها به .. ولكن كان ظلما لها أن تسمىَ بهذا الاسم .. ربما لو توقع أهلها أن شكلها سيؤول لهذه الدمامة حينما تكبر .. لتراجعوا عن اختيار هذا الإسم .. وربما سموها إسما آخر أكثر توافقا مع شكلها ، مثل خيشة .. أو مظلومة .. أو دنيا .. أو مشاكل .. أو حتى إسما مبهما مثل مستورة .. أو نحمدُه .. فالأطفال يولدون أبرياء .. ملامحهم متشابهة .. متقاربة .. أنوف فطساء .. عيون منتفخة متورمة مقفلة .. وأفواه مشقوقة كشرخ صغير في ثمرة برتقال أو نارنج أو برنجان رومي .. ورؤوس مفلطحة كالشمامة .. تتحول الأشكال مع مرور الوقت والنمو .. ليرسم الزمن بصماته عليهم وعلى ملامحهم .. وبالنسبة للبنات بالذات .. فالتغيير فيهن أكثر تباينا وتنوعا .. خاصة حين يتولاهن خراط البنات ـ كما يقولون ـ بالرعاية .. فيضيف إليهن آيات السحر والأنوثة .. ويتولى تضاريسهن بالتشكيل والتكوين كنحات فنان مبدع .. ولكن يبدو أن هذا الخراط الفنان المبدع قد أغفل عن جميلة .. نسيها أو تجاهلها تماما .. فظلت نموذجا صارخا للدمامة والقبح .. عبارة عن كتلة من اللحم المتنافر المقاييس .. كتلة واحدة تبرز منها الأطراف على غير اتزان أو تناسق .. تلتصق بها الرأس بعد أن ذابت الرقبة وضاعت بين الأكتاف المكتنزة ، والرأس المفلطح وذقنها الذي حل محل رقبتها المفقودة .. أما تقاطيع الوجه فحدث ولا حرج .. كانت منذ التحاقها بالمدرسة في طفولتها مثار سخرية باقي الأطفال واعتداءاتهم المتكررة بالضرب واللطم والركل .. أو بالمعايرة والسباب .. كانوا يتحاشون الاقتراب منها .. ومنهم من كان يخشاها ، ويقرن شكلها بأمنا الغولة في حكايات أمهاتهم ، وجداتهم .. أما المدرسون والمدرسات فقد كانت تحظى منهم بقدر كبير من الاستنكار والتجاهل والسخرية .. نشأت جميلة في هذا الجو الظالم .. ووسط هذا المجتمع الجائر المجحف .. ولكنها تأقلمت وتعايشت مع قدرها .. أصبح الأمر مألوفا بالنسبة لها .. فخلقت لنفسها عالما خاصا بها وحدها تجاهلت فيه كل ما حولها من البشر والأشياء .. كنت تراها دائما وحيدة .. تنأى عن الناس ، والتجمعات .. وتتوارى عن الكائنات إلا بعض الحيوانات التي اختارتها لتؤنس وحدتها .. وتحيا معها في عالمها الخاص .. مثل قطتها بوسي .. وكلبها عنتر .. فقد وجدت منهما الإخلاص والتآلف .. وجدت فيهما قبولا وودا لم تجده بين البشر .. وجدت نفسها في التفوق الدراسي .. نتائجها دائما في نهاية العام بتفوق .. لم يشفع لها تفوقها في تقبل الناس لها .. اختارت كلية الآداب قسم لغة عربية رغم مجموعها المرتفع في الثانوية العامة .. رفضت الالتحاق بكليات القمة فقد عشقت الأدب والروايات والشعر .. أدوات تخلق بها عالمها النائي البعيد عن المحسوسات .. عاشت بخيالها وأحلامها ترسم لنفسها مجتمها خاصا بها .. تحركه بخيالها .. كالدمي في مسرح العرائس .. مسرحها هو مخيلتها .. تعشق من تشاء .. تختار من يعشقها ، ويبثها الأشجان والمشاعر ، ولكن من صنعها هي .. تكتب قصائد الشعر فتحلق في سماء الحب والوجد .. وتطير فوق السحاب .. ترفل في ثياب بيض فضفاضة .. تحاكي الطيور في انطلاقها .. والأطياف في شفافيتها ورقتها .. تنسج خيالات تفيض هياما وافتتانا .. تكتب القصص والروايات .. دائما هي بطلتها الجميلة النبيلة التي يعشقها الجميع ويخطبون ودها ويتمنون ابتسامتها وقبولها .. فتنكرهم .. وترفضهم .. وتتعالى عليهم .. كانت دائما في رواياتها تبحث عن فتى أحلامها .. فلا تجده .. ولا تعثر عليه .. ملاك .. ليس من بني الإنسان .. يطير على فرس أبيض مجنح .. يسعى إليها ليختطفها على صهوة جواده الأمرق .. ويحلق بها بعيدا عن الوجود والكائنات .. إلى جنة فيحاء ليعيشا سويا فيها .. وحدهما .. والطيور الجميلة على أشكالها وألوانها .. تنتقل في سعادة بين أغصان الشجر .. والفراشات الملونة بأبهى الألوان .. تنتقل بين ابتسامات الزهور والورود المتفتحة في شوق .
كونت جميلة لنفسها عالما خاصا بها وحدها .. لذا لم يكن عجبا أن تراها في الطريق .. وهي تسير هائمة .. حالمة .. لا تلق بالا لصياح وسباب قائدي السيارات .. فهي لا تشعر بهم .. أو أن تراها في ركن قصي مهجور من فناء أو حديقة الكلية .. تبحلق في لا شيء وقد علا شرخ فمها اتساعا كالابتسام .. غائبة عن الوعي .. وعن الأشياء .. وعن الكائنات .. تعيش عالمها في خيالها وحدها .. لا تلق بالا لسخرية من يتصادف مروره من الزملاء فهي لا تشعر بأحد .
قرأت جميلة في إحدى المجلات بمكتبة الكلية عن الكمبيوتر والإنترنت ومدى انتشاره وتشعبه ، وعنكبوتيته التي امتدت خيوطها إلى كل مكان على الكرة الأرضية .. قررت أن تدخل هذا العالم وتجربه .. وتستقي منه المعلومات عن الأدب والشعر وتنقل عالمها وخيالها إليه .. خاصة أنه لا ضرر منه .. فلن يرها أحد وهي تتنقل بين مواقعه وأبوابه .. اقتنت جهازا واشتركت في النت .. وكانت فرحتها غامرة .. فقد اكتشفت فيه عالما كبيرا كان ينقصها .. بل وجدت فيه عالما يفوق عالمها الذي صنعته لنفسها في أرجاء خيالها .. وفوق أمواج أحلامها .. كان عالما حقيقيا فيه كل شيء .. كونا آخر يذخر بأفواج من البشر لا حصر لها ، وكيانات وأفكار ، وآراء ، وأحلام ، وروايات ، وقصائد ومعلومات .. ودهاليز .. وأغوار .. فيها كل شيء .. غاصت جميلة في أعماق هذا المحيط الرهيب .. راحت تكتشف دره وأصدافه .. تتنقل بين كائناته ومخلوقاته في حرية واستقلالية لا يعوق حركتها خوف ، ولا يمنع غوصها وانسيابها مانع .. أصبح النت حياتها الجديدة .. عوضتها عن الوحدة التي كانت تعيشها وحدها بعيدا عن البشر .. حولت أحلامها وخيالاتها إلى واقع تتحرك فيه .. تنطلق بين قطاعاته .. تطير في سمائه .. تغوص في أغواره وأعماقه .. ساقت الصدفة واحدا من المتصفحين للشبكة العنكبوتية ( النت ) .. قرأ اسمها .. جميلة .. أثاره الإسم فطلب صداقتها .. تعجبت .. فلم يسبق أن طلب أحد صداقتها طوال حياتها .. فالجميع كان ينفر منها .. يفر من دمامتها .. همست في نفسها ( ولم لا .. فلنجرب ) .. وافقت على قبوله كصديق .. تبادلا الآراء ، والأفكار ، والأحلام ، ووجهات النظر في كافة المسائل والموضوعات .. سحرته بأفكارها ، وآرائها وبلاغتها وتحفظها .. طلب منها معلومات أكثر عنها .. ترددت وخافت .. فقد تعلقت به .. وجدت فيه فارسا لأحلامها .. وجدته الملاك يمتطي فرسا أبيضا ، أمرقا .. ويطير في سماء النت يحاول اختطافها على فرسه .. قررت أن تجاريه .. ربما كان كائنا آخر غير باقي البشر الذين التقت بهم في حياتها وظلموها وجاروا عليها .. ونبذوها ، وحكموا عليها بالوحدة والانطواء .. كتبت له أن اسمها جميلة .. تعشق الإخلاص والصدق .. والحب والشاعرية .. تنتظر فارس أحلامها الذي رسمته في خيالها ووجدانها .. فرح بها .. طلب أن يقابلها في مكان ما تختاره وتحدده هي .. خافت .. انتابها القلق .. أدهمتها الوساوس والأفكار .. ولكنها طردتها جميعا .. لماذا تفقد فرصتها الأخيرة التي ساقتها لها الأقدار .. لم تسعى إليها .. طلت وحدها من بين أستار الأمل .. ربما كان فارس أحلامها الذي تمنته .. ربما يراها أجمل الجميلات .. أليس الحب أعمى .. كما قالوا .. أو أن العين ترى الجمال بشكل مختلف .. كل بمنظورها الخاص .. لم لا توافق .. وافقت على اللقاء .. اختارت أن يكون فوق كوبري قصر النيل .. بجوار أحد الأسدين .. سترتدي له فستانا أحمر وعلى صدرها وردة بيضاء وعلى رأسها قبعة حتى يستطيع التعرف عليها .
ذهبت في الموعد المحدد .. كانت فرحة ولكن خائفة .. سعيدة ولكن قلقة .. هائمة ولكن في رهبة .. وقفت حيثما اتفق وانتظرت ثم انتظرت .. الوقت يجري .. مضى ساعتان .. دب اليأس في قلبها .. لمعت دمعة في عينيها .. عاودتها حالة الانطواء والانزواء .. انكمشت وتدلت أكتافها كأنها السلحفاه تلملم أطرافها لتتكور داخل نفسها .. ألقت قبعتها من فوق الكوبري فتولاها الهواء الثائر الغاضب .. نزعت الوردة من صدرها وداست عليها بأقدامها .
عادت في طريقها منكسة الرأس .. مطرقة ذليلة .. لم تشعر بصياح وسباب قائدي السيارات وصوت إطارات العجل يزحف على أديم الأسفلت مزمجرا صارخا .. عادت إلى دنياها لتتقوقع .
لم تلحظ جميلة ــ منذ ساعتين ــ شابا كان يسير في اتجاهها متلهفا بخطى واسعة .. ولكنه توقف بغتة على بعد عشرات الأمتار منها وقد ارتسمت على وجهه آيات الرعب كمن أصابته صدمة مفاجئة قاسية .. راح ينظر إلى جميلة برهة وقد اشمأزت قسمات وجهه .. وفر من المكان لا يلوي على شيء .

============

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع مسعدالنحلة
 
ـــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


مسعدالنحلة غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
( .. كمـا رأيـتـُـهـا .. ) الـفتـى السوري محمد حليمه محمد حليمة الخاطـرة 14 12 / 12 / 2010 21 : 02 AM
{.. حـُـب مُـفــاجــئ ..} الفتى السوري محمد حليمه محمد حليمة شعر التفعيلة 16 03 / 11 / 2010 19 : 01 AM
رجال خلدهم التاريخ (الحاجب المنصور ) بوران شما شخصيات لها بصمات 0 26 / 11 / 2009 32 : 01 AM
هل يندمل الجرح يوماً ناهد شما الخاطـرة 5 21 / 07 / 2009 45 : 12 AM
غزة - جرح لا يندمل خيري حمدان الخاطـرة 10 21 / 01 / 2009 35 : 01 AM


الساعة الآن 58 : 09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|