عورة الضباب
عَوْرَةُ الضَّبَابِ
عاشق الضفاف
د.نبيل قصاب باشي
تشاجرَ الوردُ والياسمينُ على شُرْفةِ صدرِها الرمليّ
غضبتْ شقائقُ النعمانِ ثمّ انفجرتْ مثلَ قارورةِ خمرٍ على وجنتيها
وحديقةُ منزلِهَا اغتالتْ أشجارَها السامقَهْ
تنامُ الثعابينُ غدراً على الأرصفةِ المارقَهْ
وتخلعُ في غابِنــــــا جلدَها مرتين
ويصحو القتيلُ على سُمِّها مرةً واحدَهْ
وحينَ يحينُ الحصادُ تموتُ السنابلُ معلنةً عرسَها
وتعزفُ أغنيةُ القمحِ حتفَها
زغردي ياجياعُ ارقصي فوقَ أوجاعِكِ المترفات
&&&&
منذُ أيامٍ كانَ الثلجُ اللازورديُّ يفرشُ ألوانَهُ الواعدَهْ
يخطفُ ألوانَهُ منْ رمادِ السحابْ
كانتِ النجومُ تكشفُ عورتَها للضبابْ
احترقتْ كلُّ مآتمِهَا عند شرفةِ الفجرِ المطلّةِ على نوافذِ الموتِ الأبديّ
&&&&
لم يعدْ بينَها وبينَ الزمانِ أرجوحةٌ تحتضنُ الليلَ والنهارْ
كلُّ المسافاتِ انتحرتْ وعيناها مطلقتانِ في غيبها الرماديّ
تراودُها أشجارُ الخريفِ العاريةُ عنْ نفسها
وتهتكُ الأزهارُ عطرَها والينابيعُ تسافرُ نحوَ سرابِها
تحملُ في وَضَحِ الشمسِ نعشَها المستعارْ
تتسلقُ به جبالَ الليلِ الممتدةَ إلى شُرفةِ عينيها
وأنا جاثمٌ في مجاهلِ سفوحِها الصفراء
أحسو قدحاً منْ زعترها البريّ
أغرغرُهُ في لهاتي ثمّ أنامُ على وهْمِهَا مثلَ غيمةِ صيفٍ
أغمضتْ عينيها
تحلمُ غارقةً في وسادةٍ منْ عشبٍ ينبتُ فوقَ رملِهَا الزُّمرّديّ
أنامُ مثلَها ثمَّ أصحو على صَخَبِ قُبْلتِها
يعصرُها ألمُ الغربةِ خمرةً منْ جلّنارْ
إنها قهوتي المفضلةُ وقتَ الصباحْ
أحتسيها في منتصفِ كلِّ وقتٍ تهربُ منهُ النهاياتُ إلى بداياتهَا
&&&&
تنبشُ كلُّ الأساطيرِ نعوشَها المسجّاةُ في برزخ الموت
عرّشتْ شهرزادُ فوقَ أناملها السحريّةِ على أملِ العناق
إنها متفائلةٌ في تشاؤمها
لا شيءَ في ضدّها يعدلُ كلَّ مسافاتِ الاحتضارْ
فوشاحُ بنفسجِهَا مطرّزٌ منْ عرائشِ قُبّتِهَا الفضائيّهْ
ينهارُ مدارُها والشمسُ تلوذُ بأقبيةِ الغروبِ على غيرِ ميعادِهَا
كيف كنتُ أعشقُها لستُ ذاكراً غيرَ قبلةٍ حطّتْ على شفتيها
مثلَ قُبّرة تفتشُ عنْ حبّةٍ منْ بهارْ
ومثلَ خفقةٍ في ثغرِ عروسٍ تُكفّنُ شفتيها الشهيدتينْ
ترقصُ الملائكُ بهجةً بموتِ شفاهِنَا المسجّاةِ في لحْدِ ثغرينا الطهورينْ
يقرّرُ صاحبُ العرشِ أنّي انتحرتُ
يعلنُ بوقُ جندهِ أنني مارقٌ وأنَّ ميثاقَهُ المقدّسَ منتهك
أهبطُ من جنّته مثلَ آدمٍ
يحضنُنِي قابيلُ بين مخلبيهِ وهابيلُ بين ذراعيهِ
مثلما يحضنُ الجفنُ أهدابَهُ الناعسة
يحضنني مثلَ ذاكرةٍ مرهقةٍ بالنسيان
&&&&
يحضنني مثلَ نهرٍ يحرقُ ماءَهُ في مواسمِ الربيع
ومثلَ شتاءٍ يهطلُ في الصّيفِ كئيباً
ومثلَ خريفٍ يضحكُ عابثاً بأشجارِنا
ينامُ بنا الوقتُ كلما صحونا منْ غفلةِ الأعاصير
أسطورةٌ منْ عناكبِ الزّمنِ الغادرِ تبصقُ خيوطَها في المدى
ترتجفُ القبائلُ منْ بُصاقها و"الزبّاءُ" تُصلّي
ثمّ تتوضأُ منْ دمائها
ينتفضُ قابيلُ مرةً أخرى
ممتطياً صهوتَهُ لكنّه ما يزالُ كاشفاً عورتَه
يمارسُ عهرَهُ في القتيل
يسابقُ السرجَ على صهوةِ الرّيحِ قادماً منَ المستحيل
تهرّأ الوقتُ وسكّينُهُ ما تزالُ تبحثُ عنْ غمدها
في ضبابِ السرابْ
وينقشعُ الوقتُ ويبقى يحنُّ إلى قهوةِ القتلِ واحتساءِ الدماءْ
&&&&
لم يعدْ للظمأ شفاهٌ ولا للخمرةِ حاناتٌ ومقهى
الأنهارُ هجرَتْ مُرغمةً ضفافَها
غرقُ هابيلُ فيها قبلَ أنْ يعصرَ الكرمُ خمرتَهُ
قبلَ أنْ ترقصَ أقداحُ العاشقينَ في مواسمِ أعراسِهَا
قبلَ أنْ تعزفَ الجنائزُ قُدّاسَها
إنها اللعنةُ تفرحُ راقصةً حينَ تعلنُ كلُّ الجنائزِ عنْ رحلتِهَا الأولى
إلى سدرةِ المنتهى .
هناك تتنافسُ الأرواحُ في خطفِ أرائكِهَا
والملائكُ تختالُ مُقهقهةً
وهزاراتُ الجنّةِ تهجرُ أعشاشَها غاضبةً
وطنافسُ الحورِ ترتعدُ نافشةً عهْنَها في فضاءاتِ الفردوسِ
مثلَ جبالٍ تنفضُ عنْ كاهلِهَا زلْزَالَهَا
تنكمشُ الأرواحُ خجلاً منْ تنافسِهَا النرجسيّ
آويةً إلى ناسوتِ فطرتِهَا ...
تحضنُ كلُّ واحدةٍ منها أريكتَهَا
تغفـو حالمـةً في حُورِها ...
حارقةً خمرتَها في شفاهِهَا
ثمَّ تنـامُ في سرْمَدِ قُبلتِـها الشهرزاديَّهْ
مثلما ينامُ الزمنُ في أحضانِ أَبَدِهِ السّرْمَديّ
ومثلما تهجعُ الكَيْنُونَةُ في جوهرِ حياتِهَا الأُخْرَويّهْ
&&&&
&&&
&&
&
دبي 5/1/2010م
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|