حسن الحاجبي
|
ليس مثل الحقيقة حزنا وإيلاما
ليس مثل الحقيقة حزنا وإيلاما
نحن شعوب لم تتحرر , ومن قال بذلك فقد كذب , نحن شعوب إستعضنا عن الإحتلال الخارجي بالإستبداد الداخلي , وهو أدهى وأمر. الإحتلال الخارجي مؤلم وموجع , لكنه سريع التشخيص , واضح البداية ومعلوم النهاية , ومعالجته مهما تكن مكلفة لابد أن تنتهي بالشفاء ولو بعد أمد طويل , أما الإستبداد الداخلي فهو أشبه بالسرطان الخفي , غامض البداية وغير مؤلم في أوله , لكنه مميت في آخره . يترقى على غفلة من المريض , حتى إذا ما تمكن أصبحت معالجته مكلفة , باهظة ودموية .ـ كما وصفه الدكتور خالص شلبي ـ .
أنا معك في أن الأمة قد مرت بما هو أدهى وأمر . مرت بغزو أفغانستان , وبغزو العراق , وبالعدوان على لبنان , وبحصار غزة ورصاصها المصبوب , ولكن الفاعل كان معلوما لدينا بالضرورة , والعدو كان ظاهرا جليا , مهما حاول التخفي وراء مبررات نصرة الشعوب , أو الدفاع المشروع عن النفس , أو مكافحة الإرهاب . وكنا إذا ما سئلنا عمن فعل بنا هذا , نشير إليه ونقول هاهو دون عناء .
كنا على قلب رجل واحد حين كنا نواجه الإحتلال الخارجي , وأصبحت قلوبنا شتى حين استشرى فينا الإستبداد الداخلي , وعند أول صرخة ألم , أبت كل أمراضنا إلا أن تطفح دفعة واحدة على جسد العروبة المنهوك, فانعقدت ألسنتنا من فرط الدهشة , واستعصت علينا الكلمات , وفقدنا أصواتنا ونحن نكتشف هول الحقيقة , وليس مثل الحقيقة حزنا وإيلاما .
يا الله ,,, كم كنا مخدوعين , وكم كنا غررة مغفلين .
لم نكن نعلم أن أمن إسرائيل من أمن أنظمة الإستبداد , ولم نكن نعلم أن أنظمة الإستبداد ستقوم بحرب بالوكالة عن إسرائيل , وستقصف المدن والقرى بالدبابات والطائرات والبوارج الحربية , فتقتل من الشهداء في اليوم الواحد مالم تتجرأ إسرائيل على قتله في سنوات .
لم نكن نعلم أن الخوارج الجدد , سيعتبرون العربية السعودية أشد خطرا عليهم من إسرائيل , وسيعتبرون تركيا رأس حربة في المؤامرة المزعومة على أنظمة الإستبداد التي وحدها جبهة للرفض ومعقل للمقاومة , وعنوان للممانعة .
لم نكن نعلم أن الملالي هم ظل الله في الأرض , وأنهم الحامون للملة والدين , وأنهم يحشدون لليوم الذي سيزحفون فيه على بيت الله الحرام , لدكه وتحطيمه , وليس على بيت المقدس لتحريره .
لم نكن نعلم أن أرض جنوب السودان التي كنا نسميها مزرعة العرب , ستصبح ضيعة مسجلة في إسم إسرائيل , وأن حكام جوبا سيرفعون علم إسرائيل في صباح العيد , نكاية بكل الصائمين , وعرفانا وامتنانا لحاضنة الإرهاب وصانعة خرائط الشعوب .
لم نكن نعلم أن حكوماتنا العربية , ستقف موقف الخجول المتخاذل أمام مشاهد التقتيل , وفظاعات جنازير الطغيان وهي تسحل المتظاهرين في الطرقات , وأنها لن تتجاوز الإعلان عن مواقف طافحة بنفاق الحث على "حقن الدماء" فتضع الضحية والجلاد في نفس الكفة , وعلى مصاف متساوية .
لم نكن نعلم أن فينا " أبطال " يخطئون عدوهم , فيدكون البيوت على أهلها , ويقصفون مآذن الرحمان ويستبيحون حرمات بيوت الله , في ليلة هي خير من ألف شهر عند الله . و"ضباط" شجعان , يصوبون فوهات رشاشاتهم نحو الصدور العارية , يسفحون دماء الأطفال والنساء والشيوخ على مذبح السلطة , عساها ترضى فتوشحهم بنياشين العار والشنار .
و" مناضلون " مزورون , يلوكون علكة المؤامرة بأفواه لا تسأم من ترديد صدى الأسياد , وحججهم القميئة . و"قادة أحزاب" والغون في الدم , يعلنون إيمانهم الراسخ , بمشاريع الإصلاح الموعود , ويمشطون شعر "الثورة " ويجملون وجهها القبيح بمساحيق منتهية الصلاحية . و"رجال دين " دجالون من كل الأديان والطوائف والمذاهب , يبيعون صكوك الغفران عند أقدام "هبل " العظيم , ويتكلمون نيابة عن الرب الغاضب في أرضه وسمائه . و"كتاب" أزلام , يمتشقون أقلام الإسترزاق المغموسة في محبرة العمى السياسي , فيجهزون على كل مخالف في الرأي . يحيلون كل غاضب ثائر إلى مندس ومخرب , ويصبح عندهم كل متظاهر صادع بالحق , لئيما خسيسا بائعا للوطن , وعميلا للصهيونية , وتستحيل عندهم نساء الأمة المغتصبات من طرف أعوان الحاكم إلى زانيات وبائعات هوى , يردن تشويه صورة البلاد من خلال التجني على الأسياد .
تالله ما بعد حزن الحقيقة حزن , ولا بعد إيلامها إيلام . فإن تك مثلي موجوعا , عليك ألف سلا م وسلام ,
مكناس في : 8 شتنبر 2011 موافق 8 شوال 1432
حسن الحاجبي .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|