مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
[align=justify]هل تشعر ببرودة الجدران ؟؟.. هل تحسّ بهذا الجمود الذي يجتاح أطرافك أحيانا؟؟.. ألا ينتابك هذا الإحساس بأنك تقف على حدّ سكين؟؟.. ألا يسيطر عليك إحساس بأنك تريد أن تتنفس ولا تجد الكمّ الكافي من الهواء ؟؟.. لماذا تسير أحيانا في هذا الطريق أو ذاك فيعتريك شعور حاد بل مؤكد أنك تسير في مكان آخر ؟؟.. حتى هذا البيت الذي دخلته وأخذت تتجول في غرفه ، ما به بين لحظة وأخرى يبدو بيتا آخر كنتَ تدخله قبل يومك هذا ؟؟.. هل هو الجنون ؟؟.. هل هو فقدان الإحساس بكل شيء ؟؟.. هل أنت داخل في ثياب الآخر ؟؟.. أم أنّ كل شيء طبيعيّ لكن ما يعتريك عائد بالأساس إلى صور لك انتزعت منك في وقت ما ، فصار كل ما هو منظور محسوس متداخلا مع خيالات يمكن أن ترتكب حماقاتها أو تدفقاتها فتأخذك بعيدا عما هو واقعيّ ، أو ما يشبه الواقعي..؟؟..
لا ترحل بعيدا .. لا تأخذ صورتك وصوتك وكاميرا الروح كي تفرد ورقة الظنّ هناك .. فأنت أيها الفلسطينيّ الذي أبعدوك عنوة عن دارك ووطنك وشارعك وبيتك وهوائك ومائك ومحيطك مجبر على أن تكون خارج المحسوسات على ما تحمل من حقيقة ، لا لأنك لا تعيها ولا تعرفها بل لأنك تحنّ وترتبط ارتباط الوليد برحم أمه .. أنت تمشي في كثير من الأحيان مغمض العينين باحثا عن حلم أرادوا أن يقتلوه حين أطلقوا الرصاص عليه فراوغ وبقي حلما طازجا قابلا للعيش والاستمرار والتجول في الشوارع ما دام في الأفق إصرار المصرّ على أن تكون دارك الفلسطينية هي الموئل والمبتغى والمطلوب والمراد .. وسيبقى الحلم أكبر من رصاص القنص وحبل المشنقة ما دمت مقيما أبد الدهر على وفائك نحو أرضك وحنينك لكل حبة تراب .. صعب أن يشنقوا الحلم وهو يروح هكذا ساحبا ظله وظل ظله نحو أرض كانت وبقيت أرض القلب والروح والجسد والأمنيات .. وصعب أن يغتالوا وإن حاولوا صورتك أو سماءك وأنت تلاحق بكل أنفاسك كلّ ما هو فلسطينيّ لأنك مصر على أنّ فلسطين كانت وتبقى شجرة الوعد التي لا يكون اخضرار العمر دونها ، ولا يكون مشوار الوقت المكتوب بالأمل خارج ظلها.. فكل شوق فلسطينيّ ، وكل حب فلسطينيّ ، وكل حنين فلسطيني، وكل خطوة فلسطينية ، درج الروح إلى الوطن .. نصعد ولا نرضى بديلا عن وطننا مهما كانت الأسباب .. نمضي ولا نقبل أن نستبدل حبة تراب واحدة بكل كنوز الدنيا.. نمشي وليس أمامنا إلا أن يكون الوقت الفلسطينيّ وقتنا بكل ما فيه وله .. فلا شيء يمكن أن يخرج عن فاصلة الحب الفلسطينيّ الذي نريد ..
الشعور ببرودة الجدران هو شعور حقيقة ، شعور إحساس حي وليس توهما ، لأنه نابع من فقدان وطن ، والبحث عن وطن .. فالخطوة التي تتسع كل يوم على طريق العودة تحاول أن تطال شجرة هناك ، وكلما مضى الوقت ازدادت الجدران البعيدة برودة واشتدت حرارة الحنين .. فالحنين إلى الوطن يمسح كل ما عداه حتى يصبح كل شيء مرهونا بكلمة العودة التي نسعى إليها بكل أعمارنا وملامحنا وأشواقنا .. تزداد برودة الجدران لأننا نسقط دون شعور منا في حالة من فقدان التوازن حين نكون بعيدين عن وطننا .. هذا البعد الذي فرض علينا فرضا هو الذي يشوّش كل الأحاسيس ويجعلنا في حنين متصل لدفء المكان الذي فقدناه .. لذلك تكون الجدران باردة ، كل الجدران ، ما دامت خارج فلسطين ..