يا منبتَ الشعر ما للشعر يجفوني
أسعى إليه ولكن لا يُواتيني
كم ليلةٍ بتّ فيها حائراً قلقا
أستمطرُ الشعرَ أبياتاً فيعصيني
كأنني عاشق بانَتْ حبيبته
أو حيلَ بينها مِنْ بعد تأمين
فحالهُ قلِقٌ، وليله أرِقٌ
وعيشه نزِقٌ يفضي إلى هون
كأنني لم أكن والشعرَ في قرَنٍ
أسقيه من ذّوْبِ أفكاري ويسقني
ففي الصباحِ صَبوحٌ من منابعه
وفي المساء غَبوق منه يرويني
عامان يا نجدُ قد مّرا وقد صمتَتْ
أوتارُ عودي عَنْ عزفٍ وتلحين
فلا الصَّبا فيك من موتي يحرّكني
ولا الحنينُ إلى الأحباب يشجيني
كأنني هاتف ماتتْ حرارَتُهُ
فلستُ أسمع أصواتا تناديني
وسائلٍ عن جديدِ الشّعرِ قلت له
حسبي من الشّعر أن الشّعر يجفوني
فلا رثاءٌ لموتى في مرابعنا
عيونهُم لحياض الموت تدعوني
ولا بكاءٌ على صرعى الجفاف ترى
أشباحهم في عذاب غير ممنون
ولا مديحٌ لفجر المجد يصنعه
مجاهدون لتبقى راية الدين
عجبتُ يا صاح من شعر يطاوعني
يوم الرخاء وحيّن البأس يعصيني
في يوم صبرا وشاتيلا بكيتُ على
أهلي وقد ذبحوا من بعد تمكين
غاب الأسودُ فعاثت في مرابعنا
ثعالبُ البغي من أحلاف صهيون
على العجائرِ والأطفال سَطوهم
على بيوتٍ من الأخشاب والطين
فكم قتيلٍ قضى في أرض غُربته
مولّه القلب في لقيا فلسطين
أمضى الحياة غريباً بين إخوته
إذ عيروه بتشريد وتهجين
ربّى على العزّ أطفالاً فكلّهم
أخو سلاح له عزُّ السلاطين
مضوا إلى غُربة من بَعْدِ صَدِّهم
عن أرض بيروت أحلاف الشياطين
قضى وحسرتُهُ في القلبِ ناميةٌ
فالأرضُ والشعبُ قد شُدّا إلى الهون
في يوم صبرا وشاتيلا بكيتُ ولم
يُسعفْ قصيدٌ ولم تشفع دواويني
وكلَّ يوم دواعي الشعر تحفزُني
وكلَّ يوم نداءُ الأرض يدعوني
في كلِّ يوم لنا في الأرض ملحمة
نخطّها بحجارٍ أو سكاكين
نفسي الفداء الأطفال لَوَ أَنَّهم
حازوا السلاحَ أعادوا مجد حطين
يرون أرضهمُ تُسبى وحقهم
يُشرى وشعبهم في أسر شارون
فيهزؤون وقد لاح الردى لهم
في وجه مستوطن بالشر مسكون
عيناهُ نارٌ فلو يَسْطيع أحرقهم
غداً وأمساً وأفناهم بطاعون
كم رُوّعوا في ليالٍ بعدما هجعوا
وجُرّعوا الرُّعبَ من حين إلى حين
وجاءهم نُذُرٌ من حاكم شرس
بنزع أرض وقطع اللوز والتين
نفسي الفداء لأطفال لهم أمل
في أمة تركتهم للثعابين
علامة النصر لم تبرح أكفّهم
ومولد الفجر حق غير مظنون
يا شعرُ كيف يكونُ الصمت في زمن
يعلو به كل أفّاك ومأفون
أفًّ من الصمت ما أقسى ثوانيه
تظلُّ تنشر آلامي وتطويني
هاهم بنو وطني قد أصبحوا تبعا
لكل جافٍ لدين الله مفتون
يا قومنا لن يَرُدَّ القدسَ سيدةً
ومسجدَ القدس إلاّ إخوة الدين
قال النبيُّ مقالا غير ذي عوج
نبوءةً في حديث غير مطعون
تقاتلون يهوداً في مخابئهم
من بَعْدِ عزً لهم فيها وتمكين
فيُنطقُ اللهَ أحجاراً بحتفهم
يا عابدَ الله هذا الوغدُ يؤذيني
يا شعرُ لا تُبْقِ في قلبي مواجعَهُ
ففي المواجع حَدٌّ جدُّ مسنون
يا شعرُ هل سنرى فجراً فينسينا
" يا من لقلب شديد الهم محزون" ؟!