[صباح خلف]

بعينيين شاحبتي الاطراف توحي بعبارات التوسل و الرجاء ياخذ حجرا ويكسر اسنانه ويظل يضرب فيما يطلب منه صديقه ان يتوقف.
يتأوه بصوت مقبوض :
هل الموت غاية ومتى تكون , وحده الموت يضع حدا لمأساة , تنتهي بفعل الموت , ليس طريقا اخر , جميع الابواب مؤصدة , سياج رهيبة لا يعرف مكنونها , تزداد يوما بعد اخر , تبنى من الفولاذ وتتجذر في الارض.. من يستطيع اقتلاعها ان تجذرت في الارض .. كلا لن تقلع.. وحده الموت قادر ان يضع حدا لها.
يسمع صوتا يقتحم عليه الصمت :
- لكن تلك هزيمة .. ذلك هو الضعف بعينه .. الا يوجد طريق اخر غير الموت ..ابحث ربما تجد.. ربما .
من أوصد الفولاذ نحوك .. أي طاغ ؟ .. أي مارد ؟.
- أنى لك أن تعرف .
- لماذا ؟
- أريد أن أموت مرة واحدة .
- أبحث من جديد .
- بحثت في كل مكان في الحدائق والبحار في الجبال والانهار و الغابات لكني لم اعثر على شيء .
- يبدو انك نسيت ,أنت لم تبحث في البحار.
- بحثت حتى سئمت .

- كلا لا اصدق . في أي ساعة ؟
- هل يوجد فرق في الساعات ؟
- وحتى باللحظات يوجد فروق كبيرة .
ابحث عن اللحظة تلك التي تكون روحانية المعنى وانسدال النور ..
- انت تضع حلا سهلا وهل البحر يشعر بنا ؟ هل له احساس انسان ؟
- يا سيدي
من منا سأل نفسه عن ظاهرةالمد والجزر :دع عنك تفسيرالعلوم الفلكية جانبا – ربما لا تكون هي الحقيقة ربما ثمة امر آخر لذلك التكوين ( اليس انحسار البحر هو نتيجة انطواء انسان يراقب البحر كل يوم وهو صديق له , وكلما راى البحر عزلة انسان جديد كلما تلملم حول نفسه ,. اليس اقتحام الماء للارض بعد هدوء وسكينة هي محاولة انسان بالتغيير نحو التقدم , نحو فك عزلته الافتراضية , اليست هي البحث عن حياة تسمو بها الروح , اليست هي نتيجة طبيعية لرؤية البحر للانسان في كل يوم وهو يسعى نحو الخلاص )

- اذن هو يشعر بنا كما نشعر به .
- واكثر من ذلك .
- لا أضمن أنه ذو جدوى .. وضع رأسه بين ركبتيه .. الدموع تتساقط .. رفع رأسه وأشعل سيجارة ... قال بصوت متعب :
- قد خفق امام ناضري حل جديد .
- ما هو .
- لكن رجاء .. لا تسخر من قولي .
- وكيف أسخر ونحن نتحاور .

- إن الماضي هو مصدر التعاسة، ولا بدأن نحطم الماضي "حجرا بعد حجر". ولا بد أن يعاني البشر من أشد العذاب، حتى يأتي عصرجديد. ولا بد أن يحترق العالم، حتى تصبح الأرض اليابسة الجدباء خصبة مرة أخرى.

ضياء الشمس – توهج القمر - شذى الازهار – عنفوان الارض – ابتسامة طفل – حماس الشباب – كل ذلك لن يأتي الا بتحطيم العالم ثم العمل دون هوادة لصنع عالم جديد بثقافة جديدة – باخلاق انسان – بامنيات الارواح –كي تصفو وتندمج معا وتخرج من عزلتها .

يكمل الضرب حتى تهشم ووقع على الارض , ثم حلت الظلمة وكان خرير الماء مفزعا .
ظل يتأوه والدماء تنتشر على جسده .. تخالط دموع غزيرة .. رأى انسدال النور .
نهض عن الارض سريعا .

[رشيد الميموني]

[align=justify]من السهل ان نكتب عن تجارب انسانية بآلامها و آلامها .. لكن ليس من اليسير أن تغوص في النفس البشرية لنحللها و نسبر أغوارها بهذا الشكل الرائع الذي حللته أخي الغالي صباح ..
ممتعة قصتك و رصين اسلوبها .
دامت لك المحبة .[/align]