معالي الوزير امرأة – لن أصافح
تبدو السيدة لوريت أونكلينيكس وزيرة الصحة والشؤون الاجتماعية البلجيكية غاضبة هذه الأيام، بعد أن أكّدت على صفحتها في الفيس بوك، بأنّ يديها نظيفتان دون أدنى شكّ، ولا يمكن قبول مهانة جديدة برفض مصافحتها بعد أن تكرّر هذا الشأن مرتين على التوالي. الأولى جين رفض زميلها الوزير الإيراني مصافحتها لأنّها امرأة، وبقيت يدها معلّقة في الهواء، والثانية تكررت مع ياكوف ليتسمان نائب وزير الصحة الإسرائيلي، وذلك للسبب ذاته. قناة rtl المرئية بدورها أفادت بأن رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بنكيران، رفض قبل قرابة الشهر مقابلة وزيرة العدل البلجيكية السيدة آنيم تيورتيلورم لأنّها امرأة.
يبدو حظّ وزيرة الشؤون الاجتماعية أفضل من حظّ وزير العدل البلجيكية، التي أهملت بالكامل، ورفض رئيس الوزراء المغربي الالتقاء بها، وهي الأوروبية التي لن يترك لديها أثر المصافحة أيّة إثارة جنسية، لأنّ هذا يتناقض مع المنطق. لكن المجتمع الرجوليّ الشرقي لن يفرّق بين أوروبية أو شرقية، فهو مؤمن بأنّ مكان المرأة قريبًا من الزاوية، ولا يجوز لها أن تخرج من هناك، فما بالك بامتطائها عالم السياسة والحصول على مناصب رفيعة تعمل على سنّ القوانين وإصدار القرارات! ربّما لم يكن رجال السياسة الشرقيين واضحين إلى هذا الحدّ مع النساء الغربيات من قبل، وكانوا يحاولون بشكل ما تغطية هذه المفاهيم والمسلّمات، كيلا يُفتضحوا بالطريقة التي قرأناها في وسائل الإعلام، ما أدّى إلى استياء الغربيات اللواتي اجتمعنّ مع هؤلاء الوزراء والقادة بحكم المهنة والأصول الدبلوماسية، بهدف إتمام العمل وتوثيق العلاقات المشتركة ما بين الدول المعنيّة. وقد تكون هذه الأحداث قد تكررت قبل أن يصبح الانترنت لعنة ونعمة على الجميع، يكشف المحظور ويعرّي الحقائق في اللحظة التي تتمّ مباشرة.
الملفت للأنظار تصرّف نائب الوزير الإسرائيلي، ونحن نعلم بأن اليهوديات كغيرهنّ من النساء الشرقيات، محرومات حتى من التعليم التوراتيّ كونهنّ قاصرات عقليًا، لكنّ لم يتمّ التركيز على هذا الشأن حتى اللحظة، فنحن نرى ونشاهد الإسرائيليات وهنّ يستخدمن السلاح ويتدرّبن على إطلاق النار أسوة بالرجال، كما أتقن الإسرائيليون إظهار المرأة لديهم بمظهر حضاري وبقي شأن تحديد حرياتهنّ محصورًا في أوساط مغلقة لا يطلع عليه سوى أهل البيت لديهم. المجتمع الأورثوذوسكي اليهودي المحافظ يمنع المرأة من العديد من المظاهر المدنية، ويمنعها كذلك من مخالطة الرجال ووضع الحجاب أو غطاء الرأس، وهو ما يعتبره المطلّعون تقليدًا يهوديًا وليس إسلاميًا أو مسيحيًا كما نرى الراهبات في الكنائس، والمسلمات في شوارع المدن العربية والإسلامية. في هذا السياق نقرأ كذلك إلغاء مغنيّة البوب الشهيرة "ليدي غاغا" لحفلها الفنّي في أندونيسيا، بعد تلقيها الكثير من التهديدات بالقتل أو الاعتداء، إذا حطّت أقدامها الأراضي الأندونيسية، فما بالك إذا ما تصرّفت بحريّة فوق خشبة المسرح هناك!.
المرأة رهينة الشرق، الشرق بدوره لن يعتق المرأة بسهولة، لأنّ ذنبها الوحيد هو ولادتها في هذه الهيئة الأنثوية، حتى وإن كانت قادرة على إدارة شؤون البلاد دون عناء وبكفاءة عالية. وشأن الدفاع عن حقوق المرأة يتبناه الرجال، وغالبًا ما نشاهد الرجال يجلسون في صدر الاجتماعات النسوية كمنظم أو مدير للمؤسسة النسوية! هذا لا يعني بالطبع الفصل الكامل ما بين الطرفين، لكن هناك تناقض في الوظائف وتأكيد على استحالة استقلال المرأة أو تمكّنها من السيطرة على شؤون حياتها اليومية ومستقبلها، دون رعاية الرجل ورقابته.
المجتمع الشرقي بدوره قادر على التسامح، يكفي بأن يكون لديه المؤهلات للقيام بذلك، وقد يكون ما حدث في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسة في مصر أكبر دليل على ذلك، حيث خسر محمد مرسي زعيم الإخوان المسلمين، وحصل محمد شفيق أحد أهمّ مخلفات النظام المصري السابق على السبق في الانتخابات المصرية الأخيرة في دورتها الأولى. وهذه صفعة قويّة ضدّ الإسلاميين في مصر، لأنّهم انتهجوا طريق الانتقام والمواجهة الحادّة، ما أدّى إلى تخلّي فئات المجتمع المصري حتّى في مسقط رأس محمد مرسي، فهناك لم يصوّت له سوى إثني عشر شخصًا من أبناء العمومة. الخيارات الموجودة في الساحة المصرية محدودة للغاية، إسلاميون قاصرون وامتداد لحكم مبارك. لكن الخيار الأكبر هو قدرة الشعب المصريّ على المواجهة، وتغيير الواقع مرّة أخرى. لكن من الصعب تحقيق تنمية حقيقية، إذا لم يتمكن المتنورون وطلائع الثورة والتغيير من الوصول إلى النجع والقرية الصعيرة والحقل والعمل على التواصل مع المجتمع المصري بكافّة فئاته، دون التدخل في تفاصيل حياته اليومية، والابتعاد عن التكفير وتأصيل الإسلام وإغراق النساء في السواد. الأهمّ من كلّ هذا وضع خطّة عملية للارتقاء بالاقتصاد المصريّ، وطرح فرص العمل القادرة على استيعاب فئة الشباب، وغيرها من الآليات العاجلة في هذا الشأن.
مجتمعاتنا الشرقية بحاجة لمزيد من آيات التسامح، ليصبح قادرًا على قبول هذا النهج يوميًا. مرّة أخرى قرأنا عن مقتل فتاة يمنية في الثانية عشر من عمرها. قضت نزفًا حتى الموت في ليلة دخلتها، لأن الفحل الرجوليّ لم يقتنع بأنّ جسدها ما يزال جسد طفلة، ولم تنضج بعد للقيام بمهام المرأة. لم أذكر اسمها لأنّ هذه الحادثة ستتكرر، وهؤلاء الفتيات الطفلات لا يعنين شيئًا لآبائهن وأمهاتهن اللواتي ربّما مررت بنفس التجربة، وهنّ في نهاية المطاف عبئًا ومشروع عار على العائلة. الكثير منهنّ يذهب لغرف النوم، ويبقى الحظ والعامل الجيني وحده القادر على الحكم عليهنّ بالحياة أو الموت. لأنّه من الصعب مواجهة حالات النزف الشديد في القرى النائية، ويلجأ الزوج وعائلتا الزوجين للمشافي في اللحظات الأخيرة، خوفًا من العيب والعار فقط، لأنّ القانون غير قادر على ردعهم للعدول عن هذه الجرائم، لأنّهم يتذرعون باسم الدين والتقاليد المتوارثة للاستمرار بتزويج الطفلات. وإذا لم يُسنّ قانون واضح لتحديد سقف لسنّ زواج الفتيات، قادر على العمل والعقاب، فإنّ حالات القتل الواعي ستستمرّ.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|