[د. منذر أبوشعر]

ابنتي نور :
ترددتُ كثيرا قبل أن أكتب إليكِ ، وعن الصيغة المناسبة التي تليق بالكلام معكِ ،دون انفعال ، أو ضجيج ، لا مبرر له ،فوجدت أن لا حيلة لي سوى الابتداء بالماضي ، فهو الصورة المناسبة لبدء الحديث معك. مفضّلا أيضا أن يكون حديثي على الورق ، لئلا يحتدم الكلام ، فأحار بين حاجز الأبوة وبين الثأر للانتصار لعقيم رؤيا فكرة ،تدعي ،أنتِ ،معرفة أبعادها وكل صورها !
.. .. ..
في الماضي، قبل عشرين عاما ، ربما أكثر ، وربما أقل ، كنتُ أمثّل بالنسبة إليكِ ،هكذا أخبرتني في لحظة صفاء ،الصورة المثال ! الأب النشيط ، الدؤوب في عمله ( كنتُ خبيرا في دائرة الإرصاد الجوية ) ،المحب لأسرته ، العارف لكل شئ مهما كان وفي أيّ باب من أبواب الاهتمامات الإنسانية ! فقلتِ لي إنني أجيد كافة المعارف ! وأسميتني : المكتبة المتنقلة ،وباهيتِ بي صديقاتك وأقرباءك ! فأنا ، في نظركِ ،أقوى الأقوياء ،وأشجع الشجعان ، وفارس الرجال !
وأذكر اليوم ، بكل فخر،كيف عزّزتُ فيك صفات الشجاعة والصدق وحب المعرفة والكرم :شجاعة القرار والقلب،وكرم النفس وكرم اليد !
لكنك ،لما كبرتِ ،وصرتِ في موقع المساءلة ، تغير كل شئ ، وأصبح بيننا كما الجدار !
ولما أخبرتك بتغيّر مشاعرك ، أجبتني ببرود : أنا أتحدى الكون ، إن أسأتُ إليكَ أو شذذتُ عن الجادة !
وبالطبع ، أنتِ ما أسأتِ إليّ أبدا ! لكنني افتقدتُ منكِ ( اللهفة ) ! لكن أتدرين ما هي اللهفة ؟! ذاك الشوق العارم ، والاهتمام الشديد، ليس بمعناها الذي حددتْه كتب اللغة :الأسى والحزن على الشيء يفوتك بعدما تُشرفين عليه !
نعم ، أنا أحتاج منكِ إلى الاهتمام والمشاركة الفاعلة الحقيقية ، وليس مجرد الكلام ! فأنا أحبكِ على طريقتي : مطلق عطاء ، ومطلق اهتمام ، ومطلق فضاءات محبة ! لا أريد أن أكون بين الناس ( بابيتي ) و( أبو الصبح ) و (من فضلك )و (من بعد إذنك) وتسردين ، ببساطة ، جمال فوات الأيام ، كأنها مازالت مستمرة ، وليتها كذلك ! بينما معي جفاء وجفاء وجفاء ! وذنبي أنني أحترق وأتألم بصمت !
أنا أحبكِ كثيرا يا بنتي ، وأفتقد إليكِ ، وأنتظرك ، وعسى أن تدركين ذلك ذات يوم !

** ** **

والدي ( أبو الصبح ) صبحي القادري :

فوجئت كثيرا برسالتك ! وبكيت مرارا وأنا أعاود قراءتها ! فأنا لست كما تظن أبدا ! ولا أرضى أن أكون كذلك !
فأنت الصامت ،المشغول دائما بقراءاته !
وعندما أحاول الاقتراب منك ، على طريقتي ، أجد منك عدم مبالاة وتذمرا لامعنى له ! أنت تُشكّل عوالمك بنفسك ، فتغرق بها ، فتبتعد عن كل ما حولك ! وعندما تعضّك الوحدة وتملّ من مللك ، تصرخ أين أنتم يا أولاد !
نحن هنا معك ، في عينيك وفي أنفاسك وفي خلايا جسمك ! وأنت البعيد البعيد ! تقول لنا اذهبوا وحدكم ! افرحوا لوحدكم !
كلوا وحدكم ! فأنا مشغول باهتماماتي وخاصّ أعمالي! وتعطي بسخاء ،نعم ! لكن لنا وحدنا ! فأخبرني: هل العمل ، مهما كان هاما ، يمنع من مشاركتك أولادك ، الذين تحبهم وترعى مصالحهم ؟! ما الضير في المشاركة ، ولو في الكلام وإبداء مقتضب القول ؟! لماذا لا يكون عندك وقت تخصصه لسماع خاصّ نجوانا ؟! ولماذا تضع يديك على عينيك وتقول الدنيا ظلام لا يطاق ؟! لقد تمنيت مرارا أن أسمع تعليقا ما على طريقة طهي أمي للطعام ، من باب فضول الكلام ! وعندما حدثتك بذلك قلت لي : اجتهدتْ أمك، وأخشى أن تضايق من أيّ تعليق ! عجبا ! تخشى أن تجرح مشاعر أمي ،لكنك، ببساطة تدمينا بصمتك ! المحبة يا والدي ليست لعبة غالية الثمن نشتريها لأطفالنا فيفرحون بها لحظات ثم يرمونها ! وليست فاخر ثياب نرتديه ! وليست مطعما فخما نذهب إليه ! فذاك بعضه ! لكنه ليس ذاك كله ، لا أساسه !
المحبة ، محض مشاركة ، ومحض اهتمام ، ومحض مسؤولية !
والعظمة فيما نصنعه واقعا : حياة متحركة ، وليس صور أحلام !
أنا أحبك يا أبي ، وتظل أبا قريبا أليفا رائعا ! وأتمنى أن تتغير أنت وليس أنا،وعتبي أنا عليك وليس العكس أبدا ! وسأبقى كما تقول لي : نوّارة قلبك !
ودمت لنا دائما .

[نصيرة تختوخ]

جميلة هي هذه المشاعر الإنسانية التي تسهر على إبرازها في كتاباتك د.منذر. كم صار هذا العالم ومشاغله يأخذ الناس حتى من أنفسهم. الوقت يمر بشكل سريع وإيقاع الحياة وكأنه يتحدى المرء.
تحياتي لك ودامت لك إنسانيتك الرحبة.

[د. منذر أبوشعر]

الآنسة نصيرة تختوخ :
كما شذى حالم نيسان تزرعين البهجة في كل قلب .
طبت دائما لنا ، ومعك يجمل الدرب .