الى والدي الحنون ذو القلب الكبير ... الى الحضن الدافئ .. الى مصباح النور الذي اضاء لنا حياتنا كم اشتقت لك يا غالي ..
كلما حاولت أن أمسك القلم وبدأت اسطر حروف الشوق أجد أن يراعي تلعثم . وتهرب مني الكلمات ,
حتى لا أجد منها كلمة واحدة ولا أي لفظ من الالفاظ التي تملأ صدري من شوق وحنين ....
والدي ... الله كم هي كلمة أبت أن تخضع لوصف أو تنطوي على تصنيف.
والدي ... أيها المعنى والعطاء والحنان الكبير . ماذا أكتب لك ...؟ كيف الحياة بلا أبي ..؟
لم أتخيل أنني سأعيش بعدك يا أبي ولكن قضاء الله وقدره أن ترحل وأن نعيش ونتألم لفراقك .. كم كانت تحلو الحياة بك وتختفي المأساة بقربك
وكم جاهدت من أجلي ومن أجل إخوتي ,وكم تعبت لنستريح , وكم شقيت لنسعد , وسعيت بأسباب الدنيا لتطعمنا وتسقينا وتكسونا وتعلمنا ,
بقدر الله وحوله وقوته ,وكم كنت ووالدتي لا تمنان إذا أعطيتما , ولا يكبر عطاؤكما في أعينكما , وهو سيل جارف ومعين لا ينضب ,
ونحن لا نذكر شيئا ولا نشكر لكما شيئا ما أشد جحودنا نحن الأبناء , وما أشد عطفك وحنانك علينا أنت ووالدتي ,
عطاؤكما في صمت وحبكما في صمت وغفرانكما في صمت .
والله ما هو بغريب أن يرفع الله الوالدين هذه الدرجات العظيمة . فيقول في كتابه الكريم :
( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ,
واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) الإسراء 23 , 24
علمتني يا والدي أن لا إله إلا الله هي منهج الحياة التي نعيشها . فلا ميزان في هذه الدنيا أعدل من ميزانها
وعلمتني الحكمة بأن أفعل ما أمر الله به , وأنتهي عما نهى الله عنه . ومن علامات حب الله أن أحب المساكين وأقربهم وأتقرب إليهم ,
وأن أعود المرضى وأساعد المحتاجين , وأن أقبل على الله إقبال العبد الذليل المنكسر , المحب الخائف الطامع في كرمه سبحانه , وأن حسن الخلق مفتاح القلوب .
علمتني أن السراء بيد الله وعلي أن أشكره وأن الضراء بيد الله وعلي أن أصبر.
منك تعلمت أن أعطي بلا حدود وأن أحب بلا حدود وأن أصفح وأسامح بلا حدود ..
فإن أول صوت سمعته هو صوتك , وأول كلمة سمعتها .. الله أكبر ..
عندما أذنت في أذني اليمنى وأقمت الصلاة في اذني اليسرى يوم ولادتي دخلت الله أكبر إلى سمعي فملأتني كلي .
سارت مع دمي واستقرت في قلبي , وظل صداها في رأسي لا يفارقني , اسمع الدنيا كلها من حولي ترددها ,
وتصدح بها الموجودات وتتغنى بها الأشياء . الله أكبر الله أكبر وصارت هذه الكلمة لي حصنا منيعا يحميني من كل آفات الدنيا , يحميني من شياطين الإنس والجن ,
. ماذا أكتب لك يا والدي ... ولو ظللت أكتب في فضلك علي لملأت أوراقاً وكتباً ولا أكون قد وفيتك حقك مما علمتني
علمتني أن أصل رحمي , فما وجدتك يوما إلا باراً بإخوتك , وأبناء أخوتك وجميع أفراد عائلتك ويشهد الجميع على ذلك .
وعلمتني أن أعف عمن ظلمني وكم يسحرني بيانك يا والدي , وحلاوة لسانك , ونظافة قلبك , وحنانك الفياض , يا لروعة بشاشتك , كيف أبرك وقد كان البر منك ابتداءً ؟
كم أفخر بك . أنت الذي علمتني البر لأنك كنت بي باراً رحيماً , وتعلمت منك الرضا بقضاء الله , فوجدت فيه راحتي ونصرتي على الدنيا ونفسي , وكنت بذلك أغنى الناس ,
وعلمتني أن العين التي لا ترى الحقيقة عمياء , وأن الأذن التي لا تسمع الحق صماء , وأن المرء يحرم عطاء الله بمعصية الله , وأن القلب الذي يحسد لا خير فيه ,
وأن صاحبه ساخط على قدر الله , وأن البكاء من خشية الله يغسل القلوب كما يغسل العيون .. ولا أنسى دموعك التي تمطر في كل مناسبة سواء فرح أو حزن أو سماع قرآن
أو حتى سماع موشحات دينية أو عتابا .. وقد ورثنا عنك ذلك .. فأصبح كل شيء يبكيني وأصبح الحزن يستهويني , ففقدان أي إنسان أعرفه أبكيك ووالدتي كما أبكيه ..
تعبت يا والدي .. لقد فقدنا إنسان وشاعر فلسطيني طلعت سقيرق كم كنت أتمنى لو كنت حياً وعرفته ولو جلست معه كأنك زرت فلسطين فموته ملأ قلبي حزناً
وبعدها فقدنا أختي الغالية والصدر الحنون فاطمة الزهراء وكم لفقدانها وجع اليم لم يبرأ حتى الآن ...!!
وخاصة أن زوجها وابن عمتي الغالي رياض لم ينتظر بعدها وفضَّلَ أن يحتفي معها ومعكم في رمضان ....
يا الله كم اشعر في هذه اللحظة بالحزن يملأ قلبي ربي ارحمهم واغفر لهم واعفو عنهم
اللهم اغفر لوالديَّ وارحمهما , واجزهما خير الجزاء . واغفر لنا جهلنا بقدرهما يا رب , وجحودنا فضلهما يا رب وتقصيرنا فيهما يا رب
( ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب )
رب ارحمهما كما ربياني صغيرا .