مشروع فرانكفورتر (من مواد الموسوعة الفلسطينية - القسم الأول - المجلد الثالث)
كان الشغل الشاغل للحركة الصهيونية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 أن يقوم مؤتمر باريس للسلام بتبني وعد بلفور
والعمل على تحقيقه . وكان للصهيونية في وزارة الحرب البريطانية مؤيدون يرون أن قيام دولة ذات أغلبية يهودية في فلسطين سوف
يخدم المصالح الاستراتيجية للحكومة البريطانية في المنطقة . ولذلك سعت الحركة الصهيونية جاهدة إلى أن تكون بريطانيا هي الدولة
المنتدبة لإدارة فلسطين .
أخذ الحلفاء بالفعل المطالب الصهيونية بعين الرعاية . فقد كان أول عمل قام به مؤتمر السلام فيما يختص بفلسطين تطبيق المادة 22 من
عهد (ميثاق) عصبة الأمم الذي يدعو إلى إقامة انتداب مؤقت على بعض الأقاليم التي كانت تحت الحكم العثماني قبل الحرب العالمية الأولى.
وقبل أن يتبنى المؤتمر عهد العصبة بشهر واحد قام الوفد البريطاني بافتتاح المحادثات الرسمية مع زعماء الحركة الصهيونية . وقد طلب
هؤلاء من القاضي لويس د. برانديز - أحد زعماء الصهيونية في الولايات المتحدة وعضو المحكمة العليا , وصاحب الصلة الوثيقة بالرئيس
ولسن - أن يرسل فيلكس فرانكفورتر القطب الصهيوني الأمريكي النمساوي المولد إلى باريس عضواً مسؤولاً في الوفد الأمريكي
كي يتعاون مع البريطانيين في تحديد النقط الأساسية التي يرغب الصهيونيون
في ضمها إلى صك الانتداب , وفي اختيار الاصطلاحات التي يجب استخدامها في صياغة بنود تلك الوثيقة . كذلك طالب زعماء الحركة الصهيونية
بضم مقترحاتهم إلى نص المعاهدة المقترح عقدها مع تركيا .
وقد تقدم فرانكفورتر إلى الحكومة البريطانية بمقترحات جوهرها أن تقوم إدارة الانتداب بتكريس جهودها لتقوية وتثبيت العنصر اليهودي في
فلسطين , وأن تستمر في إدارة البلاد حتى يصبح عدد اليهود في فلسطين كافياً لإقامة دولة يهودية . وقد تضمنت مقترحاته الخطوط العريضة
التالية :
1) الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية واقتصادية وإدارية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي .
2) الأخذ بعين الاعتبار قابلية الوطن القومي اليهودي للتطور إلى أن يصبح " كومنولث" مستقلاً في المستقبل .
3) الاعتراف بالصلة التاريخية التي تربط اليهود بأرض فلسطين .
4) الاعتراف بوكالة يهودية ملائمة تكون هيئة عامة تسدي المشورة إلى إدارة الحكم في فلسطين وتتعاون معها في الشؤون الاجتماعية
والاقتصادية وغيرها من الأمور التي قد تؤثر في مصالح اليهود في فلسطين , وفي إنشاء الوطن القومي اليهودي . ويترتب على هذه الوكالة
اتخاذ ما يلزم من التدابير للحصول على المعونة ممن يرغبون في المساعدة على إنشاء الوطن القومي اليهودي بعد استشارة الحكومة
البريطانية .
5) تعاون إدارة الانتداب مع الوكالة اليهودية لتسهيل هجرة اليهود وحشدهم في الأراضي التي تملكها الإدارة , وفي الأراضي الموات غير المطلوبة
للمقاصد العامة .
6) تولي إدارة الانتداب مسؤولية سن قانون للجنسية يشتمل على نصوص تسهّل اكتساب اليهود الذين يتخذون فلسطين مقاماً دائماً لهم الجنسية
الفلسطينية .
7) عدّ اللغات الإنكليزية والعربية والعبرية اللغات الرسمية في فلسطين .
8) إقامة حكومة ائتلافية في فلسطين في حال انتهاء الانتداب الممنوح للدولة المنتدبة .
هذه أبرز عناصر مقترحات فرانكفورتر . وقد تمت مراجعتها ثلاث مرات كان آخرها في آب عام 1919 . وقد اقترح زعماء الحركة الصهيونية أن
يضم الوطن القومي اليهودي جميع الأراضي الفلسطينية , وأن تمتد حدوده الشمالية حتى نهر الليطاني في جنوب لبنان لتتاح له السيطرة على مصادر
المياه ويشكل وحدة اقتصادية متكاملة ذات اكتفاء ذاتي .
وافق مؤتمر سان ريمو في 24/4/1920 على انتداب بريطانيا لإدارة الحكم في فلسطين . كما تضمن نص معاهدة سيفر التي عقدت مع تركيا في
آب من عام 1920 فقرة تتعهد بتنفيذ وعد بلفور . وبذلك لم يبق لتحقيق الهدف الصهيوني سوى اعتماد مقترحات فرانكفورتر في وثيقة الانتداب . ولكن
تعيين اللورد كيرزون في منصب سكرتير الخارجية في الحكومة البريطانية أعاق المخطط الصهيوني لأنه لم يكن من مؤيدي الحركة الصهيونية
المتحمسين . وكذلك أدى التخوف من ردود الفعل العربية إلى حذف بعض فقرات مشروع فرانكفورتر , ولا سيما تلك التي تشير إلى مستقبل الوطن
القومي اليهودي .
وعلى الرغم من أن مشروع الانتداب الذي تقدمت به الحكومة البريطانية إلى مجلس عصبة الأمم في كانون الأول عام 1920 لم يكن مطابقاً لمطالب
الحركة الصهيونية فقد عدّت الوثيقة النهائية التي اعتمدها مجلس عصبة الأمم في 24/7/1922 انتصاراً عاماً للحركة الصهيونية لأنها كانت ترجمة
عملية لأفكارها الهادفة إلى إقامة وطن قومي في فلسطين العربية .