الأستاذة هدى الخطيب ..وفضاءات العربية
للمرأة في العربية نمطان متباينان ،فيقال :امرأة بَرْزَة ،وسافِر (بغير هاء ) ،ورَجُلَة .
ويقال :امرأة خَدُور ومُخَدَّرة ،وربَّة حِجال ، ومُحَجَّبة.
فالمرأة البَرْزَة :هي التي جاوزت الثلاثين إلى نحو الخمسين ،تظهر للناس ،وتجلس إلى الرجال ،ولا تحتجب منهم احتجاب الشَّوَاب ،ثقة بنفسها ،وإدلالاً بحسنها أو سيراً على سجيتها ،وهي مع ذلك عفيفة عاقلة موثوق برأيها .قال الأصمعي (عبد الملك بن قُرَيب ،ت :216 هجرية ):قد تلقي المرأة خمارها لحسنها وهي على عفَّة ( شرح المفضليات لابن الأنباري 1 / 130 ).
ويقال: سَفَرت المرأة وجهها :كَشَفت النِّقاب عن وجهها ،تَسْفِر سُفُوراً. وسَفَرت المرأة نِقابها تَسْفِره سُفُراً ،فهي سافر: ألقته ،فكشفت عن وجهها .قال الفَرَّاء (يحيى بن زياد ،ت :207 هجرية عن ثلاث وستين سنة ):هي سافر ،بغير هاء. وأصل السَّفْر الكشف .
والرَّجُلَة :العاقلة الموثوق برأيها ،كأن رأيها رأي الرجال نفاذاً وبَصَراً.
والرَّجُل صفة يعنون بها الشِّدة والكمال والحزم .
ومن هذا الضرب في تاريخنا كثيرات لا يفوتهن الحصر , وسنكتفي باثنتينن من أمهات المؤمنين:
خديجة بنت خُويلد أم المؤمنين سيدة نساء الجنة ،أول من أسلم من النساء وأكملهن ،وأكرم زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم عليه وأبقاهن أثراً عنده ،ولم يتزوج عليها أحداً حتى توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين عن خمس وستين سنة .خطبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسها مرجعه من الشام وهو ابن خمس وعشرين سنة ،وكانت أسنُّ منه بخمس عشرة سنة ،وولدت له القاسم وعبد الله (وهو الطاهر) والطَّيب وسمي بذلك لأنه وُلد في الإسلام ،وزينب ورُقَيَّة وأم كلثوم وفاطمة ،بين كلِّ وليدين سنة .
والسيدة عائشة بنت أبي بكر أُمِّ المؤمنين ،وهي أفقه نساء الأمة :بلغ مسندها ألفان ومئتان وعشرة أحاديث ،اتفق لها البخاري ومسلم على مئة وأربعين وسبعين حديثاً ،وانفرد البخاري بأربعة وخمسين حديثاً،وانفرد مسلم بتسعة وستين حديثاً. وهي أصغر من فاطمة بثماني سنين ،وتوفيت سنة 57 هجرية عن ثلاث وستين سنة وأشهر، وقيل في صفتها: كانت رَجُلَة الرأي.
والنمط الآخر من النساء: الخَدُور والمُخَدَّرة :وهي المرأة تلزم خِدْرها ،وهو سِتْر يُمَدُّ لها في ناحية البيت ،تمتنع عن الناس ولا تخالطهم اجتناباً للريب ودفعاً لسوآت الظنون،عزيزة على أهلها فلها من يكفيها من الخدم ، فهي تنام ولا تهتمُّ بشيء .وهذا الضرب من النسوة تباهى الشعراء في استطاعتهم الوصول إليهن واستمالتهن ،لشدة امتناعهن وصعوبة الوصول إليهن .
وربة الحِجال :صفة أخرى لها ،والحِجال جمع الحَجَلة :بيت كالقبة يستر بثياب مُزَيَّنة مُوَشَّاة ،ويكون له أزرار كبار،يتخذ للنساء ،فهن رَبَّات الحِجال .
والمُحَجَّبة: التي سُتِرت بسِتْر ،فهي محجوبة ومُحَجَّبة (شُدِّد للمبالغة كمُخَدَّرة ومُخَبَّأة ).
** ** **
وقد استطاعت الأستاذة هدى الخطيب أن تجمع في قوة شخصيتها كلا النمطين ! فهي جريئة في الحق جرأة لبوة مُجْرية ( أي ذات جِراء ،وتكون أشد شراسة لخوفها على أولادها )،وهي أيضاً حيية كطفل .
وهي أديبة حالمة ،ومؤرخة مدققة ،تذكرك بعظمة دولة بابل الأولى 2460 ق .م -2081 ق .م وقتما كانت المرأة يومذاك تتمتع بحريتها كاملة غير منقوصة ،مشاركة الرجل على السواء في تصريف الرأي وتسنُّم المناصب
بل تذكرك بعزة المرأة الجاهلية ،وقتما يعقد الهارب المطلوب طرف رداءه بطنب خباءها فيعود آمناً ليس عليه من سبيل .
بل تذكرك بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم :النساء شقائق الرجال .
أي هم سواء .لا فضل لرجل على امرأة إلا بقيمة ما يؤديه كلاهما من عمل.
وعلى فكرة: اللبوة في المنام بنت مَلِِك .
وهي أنيقة الشكل ،أنيقة الكلام ،أنيقة الجمال ( ورثت الحُسن من أصول والدتها التركية ،وهذا اجتهاد مني ،فطلعت وسيقرق ألفاظ جذورها تركية).
تكتب بذكاء لبق،وهموم وطن سليب ينوء على كتفها .وفي قلبها الطفل تسكن أوجاع تاريخ وذكريات وجراحات نازفة ،تصاحبها على الدوام فضاءات قلب شاعر حالم ،كأنما كُتب عليها أن يكون فرحها متوفزاً،تنتاشه غمامات أحزان تغتال ضوء أفراحه .
وهُدى :من الهُدى ،وهي الرَّشاد والدَّلالة بلُطْف إلى ما يُوصِل إلى المطلوب .
والهُدى :الطاعة والورع .
والهُدى :الهادي ،ومنه قوله تعالى :(أو أجد على النار هدى )، أي هادياً .
والهُدى :النهار .
والهُدى :الطريق .
وهداه الله للدِّين يَهْديه هُدًى وهَدْياً وهِداية وهِدْية :أرشده .وهداية الله عزَّ وجَلَّ للإنسان على أربعة أوجه :الأول :الهداية التي عَمَّ بجنسها كلَّ مُكَلَّف من العقل والفِطنة والمعارف الضرورية ،( كلَّ شيء حَسْب احتماله )،فقال
عزَّ وجَلَّ ( الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ).
الثاني :الهداية التي تجعل للناس بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء ،كإنزال الفرقان ونحو ذلك .
الثالث :التوفيق الذي يختص به من اهتدى ،وهو المعنيُّ بقوله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى) ،وقوله تعالى: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه ).
الرابع :الهداية في الآخرة إلى الجنة .
والهادي :من أسماء الله تعالى ،فهو بَصَّر عباده وعَرَّفهم طريقَ معرفته حتى أقرُّوا بربوبيته ،وهدى كلَّ مخلوق إلى ما لابد منه في بقائه ودوام وجوده .
والهادي :الدليل ،لأنه يتقدم القوم ويَتْبعونه ،أو لكونه يَهْديهم الطريق .
والهادي من كل شيء :المُتَقَدَّم ،فسمي العنق هادياً لتقدمه على سائر البدن .
والجمع الهوادي . والهوادي من الليل :أوائله ،لتقدُّمها كتقَدُّم الأعناق . ومن
الإبل :أول رَعيل يطلع منها ،لأنها المُتقدِّمة .ويقال: أقبلت هوادي الخيل : إذا بدت أعناقها .
والهادي :الأسد ،لجراءته وتقدُّمه .
والهادية :العصا ،لأن الرجل يُمْسكها فهي تهديه ،أي تتقدَّمه .وقد تكون من الهداية ،لأنها تدل على الطريق .
والهَدِيَّة :ما يقدمه القريب أو الصديق من التُّحف والألطاف .وسميت هديَّة لأنها تُقَدَّم أمام الحاجة في مِهْدًى ،أي في طبق أو في إناء يُهدى فيه . والجمع هدايا .
والخطيب :نسبة إلى الخطابة على المنابر ،وفيهم كثرة من العلماء والمحدثين في أرجاء العالم الإسلامي . والمشهور منهم :عمرو بن بكر بن سليمان القشيري الخطيب ( ت : 286 هجرية ) والي نيسابور ،وليها غير مرة ،فكان يخطب بنفسه ،وإذا ولي الإمارة غيره كان هو الخطيب . والخطيب البغدادي ( أحمد بن علي ،392 - 463 هجرية ) الخطيب الحافظ ،إمام عصره بلا مدافعة ، صاحب (تاريخ بغداد ) ،صنَّف قريباً من مائة مصنف ،صارت عمدة لأصحاب الحديث .
والخطيب :عائلة مقدسية ،تعود أصولها إلى عائلة ( ابن جماعة ) الحموية ،وقسم من آل الخطيب يقولون إنهم ينتسبون إلى الشيخ الإمام عبد القادر الجيلاني (470 - 591 هجرية ) ،وهو خطأ .فأول من استوطن القدس منهم الشيخ الصالح الزاهد :أبو إسحاق إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني،المتوفى سنة 675 هجرية .وابنه بدر الدين محمد بن إبراهيم قاضي القضاة شيخ الإسلام ( ت :733 هجرية ).
وسكن قسم منهم شمال مرج غوطة دمشق في قرية عدرا (تبعد عن مدينة دوما 12 كم ،وعن مدينة دمشق 21 كم إلى الشمال الشرقي ) ،ومنهم أسرة الخطيب الحسيني ،تولى بعض أفرادها الخطابة في المسجد الأموي منذ زمن الشيخ أبي الخير بن عبد القادر الخطيب ( 1308 هجرية -1890 م ).
** ** **
وهذا جزء من كل ،والكلام عن الأستاذة هدى الخطيب لا ينتهي .
ونلتقي إن شاء الله مع أسماء أخرى في فلك نور الأداب .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|