أرجو مساعدة الاعضاء بالنقد ضروووووري
طعمُ الحرية
في سُكونِ حُجرةٍ صغيرةٍ فيها الساعةُ الحائطيةُ متوقفةٌ تحركَ ذاكَ الشابُ النحيلُ - وبعدَ قطعِ التيارِ الكهربائي عن المنطقةِ كالجرعةِ الصباحيةِ المعتادةِ - إلى طاولتِه الخشبيةِ المستطيلة.فوقَ الطاولةِ كُتُبُه الجامعيةُ مكدَّسةٌ فوقَ بعضِها البعض.مدَّ ذراعَهُ اليُمنى للطَّاولةِ وأمسكَ بيدِهِ كوبَ الشَّاي الدَّافِئ الذي تَصَاعدَت الأبخرةُ المتطايرةُ منهُ في إغراءٍ لايصمدُ أمامَهُ مَن أدمنَ على الشاي العَدَنِيِّ الابيض.جلسَ على كرسيِّهِ واحتسى رشفةً ..رشفتين بعدهَا وضعَ الكوبَ بهدوء،ثُمَّ أدخلَ يدَهُ في جيبِهِ لِيُخرِجَ هاتِفَهُ الجوَّال ،أسندَ ظهرَهُ على الكرسي وشرعَ يتصفحُ على جوَّالِهِ المواقعَ الاخباريةَ المحليَّةَ .عدَّلَ بيدِهِ وضعيةَ نظَّارتِهِ وقرأ بإهتمامٍ في الفيس بوك ("اليوم اعتصام ولاتوجد محاضرات في الجامعة")
.أخذَ نفساً عميقاً ثمَّ قامَ واقفاً و مشى نحوَ البابِ - يُسْمَعُ صوتُ أقدامِهِ تخطو مُتَعَجِّلةً تدوسُ أرضيَّةَ الحجرةِ الخشبيةِ- أغلقَ بابَ المنزلِ وراءهَ ومشى سريعاً بقدميهِ باتجاه السَّاحةِ-فقد فاتَهُ القطارُاللامرئيُّ الذي ضنى منَ السيرِ خلالَ العقودِ الماضيةِ !-، فمشى في الشارعِ الإسفلتيَّ العريضِ المهترئِ الذي تملأهُ أكياسُ النفاياتِ الصغيرةِ ,وعلى الرغمِ من ذلكَ واصلَ سيرَهُ والريحَ.
نظرُ إلى السَّاحةِ وقد مَلأتها جموعُ الحُشودِ مِنَ المُعتصمينَ سلمياً؛ شباباً وشيوخاً ونساءً وحتى أطفال الربيع زمجروا ،فيمتلئُ صدرُهُ نشوةً يغرفها من حلاوة العزة والحماسة في كل ثانية .وقد بدت الهامات شامخة والاجساد المتلاصقة متزاحمة ومعَ هِتافاتِهم التوَّاقةِ للحريَّةِ كسمفونية صَاحَ وَبصوتٍ عالٍ عدَّةَ مراتٍ:’’سِلميَّة..سِلميَّة’’ كادت أوتارُه الصوتيةِ أن تنقطعَ في حنجرتِهِ ,فجأةً توَالَى دويُّ أزيزِ الرصاصِ في السَّاحةِ ،فقواتُ الأمنِ أطلقت رصاصاتٍ حية مباشرة نحو أجسادهم العارية من الخوف !.
في حالةِ هلعٍ و خوفٍ انطلق مهرولاً كأنفاسه بعيداً عنِ السَّاحةِ ،فالرُّعبُ منَ الآتِ الموتِ والهلاكِ قد جعلَ فؤادُهُ يرتعدُ و بدنُهُ يرتعشُ .تسمرت قدماه الأرض ولاصقَ ظهرُهُ الجدارَ الحجريَّ لِأَحدِ جوانب المنازلِ ثمَّ أغمضَ عينيهِ لتهدأ أنفاسه وأحاسيسه المرتعشة المتضاربة بين الفر في هدوء حذر الى حياة ذل هي أقرب للأنعام وبين الفرار الى الحرية في درب الخلاص ولو إلى الموت. لكنَّ أنفَهُ لازال يشمُّ روائحَ الدَّمِ والبارودِ ،فطلقاتُ الرصاصِ لم تتوقف ودماءُ الشرفاءِ سالت بلاتوقفٍ،وشفتيهِ لم تتوقَفَا عن ترديدِ الشهادتينِ ولازالَ يشعُرُبالأرضِ تَهتَزُّمن تحتِهِ اهتزازاً يهتزُّعلى إِيقاعِ ضرباتِ الآتِ الموتِ.لم يكن ذلكَ الموقفَ بالجديدِ عليهِ، فرائحةَ جعبتهِ منَ الذكرياتِ السوداءِ منَ فظاعةِ حربٍ مضَت تَشهَدُ بذلك.سمعَ صوتَ إِستغاثةِ من جريحٍ في السَّاحة الحمراء.أفتح عينيه وتلفت حوله ثمَّ رفعَ حاجِبيهِ وقد امتلأت شرايينُ عينيهِ دمَ الغضبِ :’’ مالي أرى كل شيء يضيق حولي!’’.وبرباطةِ جأشٍ أسرعَ راكضاً نحوَالمستغيثِ ليعينَهُ. وأثناء هرولته إِصطدمَ بعمودِ دخانٍ أبيضٍ تسرَّبَ من قنبلةٍ رمتها قواتُ الامنِ .ذلك الدخانُ الذي اندسَّ في أنفِهِ وحلقِهِ وإلتصقَ بوجهِهِ الشَّاحبِ المُزرَقِّ وتغلغلَ الى صدرِهِ، فزفرَ زفراتٍ منَ الوجعِ والالمِ كأنَّ سكيناً طعنت صدرَهُ وتوغلت وراءَ الضلوعِ بعيداً بعيداً .ثمَّ تمدَّدَ الارضَ و لهث أنفاسه بصعوبةٍ و عيناهُ الحمراوتانِ دمعتا بحرقةٍ ولكنَّه كانَ يلعقُ دموعَ الحرية التي لامست شفتاه الزرقاء. إِنَّهَا مالحةٌ مِن كِلتَا عَينَيهِ!
عمر محمد باوزير
17.03.2013
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|