في لحظات كثيرة نجد أن كل ما حولنا تمثيلية مكررة الفصول.
وقال نجيب محفوظ:يتساءلون كثيراً عن ازدهار المسرح..والسر في ذلك أننا صرنا جميعاً ممثلين (المرايا 105 ).
1
أفتقد الدفء ..
سعيتُ بكياني إلى الأضواء والشهرة وحديث الصحف والشائعات التي لاتنتهي ،لأكون مادة كلام الناس ويوميات سمرهم .
ولا أنكر أنني تعذبتُ حتى وصلتُ إلى ما أحب، رغم أنني ضيَّعتُ أغلى ما تعتز به أنثى !
نعم !
أنا ضيَّعتُ أنوثتي !
ضيَّعتُ ما تعتز به كلُّ فتاة !
وهاهو العمر يمضي ،فأرى أنَّ ما فرَّطتُ فيه لا يعوِّضه كلُّ الترف الذي أعيش فيه !
فهاهي دعايات أعمالي في كل المجلات، وهاهي كاميرات التصوير تلاحقني في كلِّ مكان،تحصي أنفاسي وتتابع بشغف تحركاتي ،حباًّوفضولاً وتسليةً ومادة مربحة .وأينما سرت يعرفني كلُّ الناس ويسألونني عن كلِّ شيء: ابتداء بمشاريعي الفنية ،وارتباطاتي العاطفية ،مروراً بآرائي السياسية ،وانتهاءً بموافقي الدينية والفتاوى المتخصصة التي تحتاج إلى رجالات قضوا أعمارهم في معرفة أبوابها ! فأصبحتُ مع الأيام ،أمتلك طرف خبرة في شؤون الفن ،والسياسة ،والدين ،وعلوم الاجتماع ! وأُسأل عن كلِّ الأمور !
أُسأل عن الله وعلاقة الفرد معه !
وأُسأل عن الحب والجنس والإغراء !
وأُسأل عن تصوُّري حيال الأزمات السياسية في محيطي الصغيرومحيطي الكبير:عن اتجاه ساسة البرلمان في بلدي، وعن اتجاهات مصالح الدول في العالم !
وأُسأل عن رأيي في العلاقات الزوجية ،وعن أسس البيوت السعيدة ،وعن أفضل طرق تربية الأولاد ( بالرغم من أنني تزوجت ثلاث زيجات فاشلة ،ولم أرزق بطفل )!
كما أنني ذهبت لأداء العمرة،ودعوت هناك ربي أن يحفظني من العين.
وفي أيام رمضان أقيم في( فيلَّتي) موائد الأفطار،ويحضرها مئات المحتاجين .
وأنا في غاية السرور بذلك كله ،وأرجو دوامه ! وأعرف أنه لن يدوم ، فشهرتي ترتبط بزمن جمالي وقدرتي في إطالة فترة نضارته !
واليوم ،وأناعلى أعتاب الأربعين ،فيَّ رغبة حميمة للسَّكَن ! وأريد ما يملأ وَهْمَ صوري ووَهْم حياتي !
فأنا حزينة ! وأبحث عن علاقة صافية ،تبعدني عن نمط الزيف الذي أعيش فيه ! ووحيدة ،رغم كل الوجوه التي حولي !
أشعر بالبرد ،وأفتقد الدفء ! وأحنُّ إلى سنوات العمر الماضية ببؤسها ومصاعب ألم جوعها !
أريد من يؤنسني ،يحنو عليَّ ،يفهم جنوني ،يشكم نزقي ،يبكي معي ،يجأر ،يصيح ،يرحل ،يسافر ،يهرب ! بل أريده أن يبكي معي ،فأنا اللحظة أبكي بحرقة ولا أحد يفهمني !
مللت مللي ،وأصبح كل ما حولي مقيتاً باهت الألوان !
مشيت في أنحاء( فيلَّتي) بلا هدف مرات عدة ،ثم نزلت إلى الشارع ! ولما رأتني كاميرا أحد الصحفيين هربت منها، وركبت سيارتي وأنا ألعن الصحافة والفن وضريبة الشهرة !
حائرة أنا ،ومحبطة تماماً ،ولا أعرف ماذا أريد ! بل أنا يائسة ، أوشك أن أنهار: أطرافي باردة ،ويأكلني جسدي ، وجافاني النوم منذ أيام ،ولارغبة لي في الطعام ،أو فِعْل أيّ شيء !
في الصباح الباكر، كتبتْ الجرائد خبراً على صفحتها الأولى ، بالبنط العريض : انتحار الممثلة الشاملة ( تهاني عمران ) عن أربعين عاما،ً ومازالت أسباب الانتحار مجهولة ! وصرَّح مصدر خاص لوكالات الأنباء أنَّه يملك وثائق هامة ربما تكشف عن لغز الانتحار المفاجيء !