مفهوم النص :
إذا كان مفهوم الأدب في طبيعته الكلية قد حير المنظرين ، فإن مفهوم النص أيضاً لا يحيد عن ذلك فمن أراد الإحاطة بمدلوله يتوسم عناء كبيرا مصدره الخلط في المفاهيم وتداخل الحقول المعرفية ،وكذا تعدد توجهات النقاد والمنظرين ، مما جعله دائم الانفلات وأكسبه طابعا رمى بالعديد من الباحثين إلى تجاوز تعريفه .
من هنا حقيق بنا أن نقف عند المعنى اللغوي لكلمة (((نص))) والمعنى الاصطلاحي ، حتى نرصد مستويات استعمالاتها عند بعض المنظرين ، باعتباره مفهوما إشكاليا عالقا ، يحتاج إلى توضيح وتحديد معناه في نظريات النص والخطاب وفي علوم اللغة والآداب .
1- المستوى اللغوي :
جاء في معجم الروس العامي المجلد 15 مايلي :
" تنحدر كلمة النص texte من فعل texére ، والنص تبعا لذلك يعني الثوب ، ويعني بعد ذلك تسلسل الأفكار وتوالي الكلمات ، إنه الكلام الخاص بكاتب معين في مقابل التعليقات "
وحين نعود إلى أصل الاشتقاق في اللغة العربية نجد ابن منظور في لسان العرب يدرج تحت مادة (((ن ص ص))) ما يلي :
" النص رفعك للشيء ، نص الحديث ينصه نصا بمعنى رفعه ، وكل ما أظهر قد نص "
وقال الأزهري :
النص أصله منتهى الأشياء ومبلغ أقصاها ، ومنه قليل : نصصت الرجل إذا استقصيت مسألته عن الشيء ، حيث تستخرج كل ما عنده وكذلك النص في السير إنما هو أقصى ما تقدر عليه الدابة .... ونص الشيء إذا استوى وقام "
هكذا نصل الى استنتاج أولي مفاده، أن المعنى اللغوي المشترك بين العجمتين العربية واللاتينية هو بلوغ الغاية والاكتمال في الصنع ، وهذا ما نلمسه بجلاء على مستوى النص الأدبي ،باعتباره حقلا لتكامل وتجانس العناصر المتجانسة .
إلا أن هذا المعنى لانجد له كبير الصدى في دلالته الاصطلاحية ، إذ تختلف تعريفاته باختلاف النظريات والمرجعيات .
فبعدما كان ينظر للنص على أنه خطاب اللاشعور يكشف عن نفسية كاتبه أو المجموعة التي أنتجته من جهة ، باعتباره منتوجا اجتماعيا مطبوعا بقيم اجتماعية ، فإنه مع علم اللغة أصبح النص بنية لغوية مغلقة مكتفية بذاتها ولا تحيل إ لا على نفسها ،كما قال جمال باروت في مقالة له بالمواقف الأدبية .
غير أن استفادة النقاد من الدرس البنيوي الذي بلوره فرديناندو سوسير "كانت متباينة ،مما أفرز لنا حقلا من التصورات الفكرية التي حاولت الإحاطة بالمفهوم الزئبقي للنص .
وهكذا نجد جوليا كريستيفا في سياق تعريفها للنص :" إن النص يقع عند التقاء عدة نصوص يكون في نفس الوقت إعادة لقراءتها وتكثيفها ، وتحريكا وانزياحا وتعميقا لها "
ففي سياق التغيرات التي طرأت على المفاهيم النقدية والأدبية ، واعتبارا لظهور وجهات نظر منهجية جديدة في تحليل الأعمال الأدبية ، اعتبر النص مع - بارت- لغة " فليس الأدب إلا لغة أي نظام من العلامات . إن حقيقته ليست في الرسالة التي يريد أن يؤديها وإنما هي كامنة في هذا النظام بالذات "
من هنا يتبدى أن القاعدة التكوينية للنص الأدبي حسب رولان بارت هي اللغة بجوانبها المضمرة وبمعانيها المتعددة الثانوية وراءها .
يتبع
