أرجو المساعدة بالنق
بوح
وجد نفسه ضائعاً كسير الجناح في أتون الغربة وكل ماحوله صامت وبارد.الوحدة تحرق أعصابه، وقلبه يلتهب في صقيع الغربة ، وارتسمت على جدران فؤاده خرائط الشوق.لم يجد من يؤنس وحدته :(من سيعطيني أذنيه وينصت لي؟) نكس جفنا عينيه المتشحة بالسواد معلنة الحداد على نفسه.قليلة تلك اللحظات التي انتشى بها وتسلَّى بمجراها وبأحلامه اللانهائية .مايزال مشتاقاً الى كل تفاصيل الحياة في وطنه :تراب الأرض ،نسيم الهواء،وجوه الناس،لهجتهم،أصناف الثمار،أنواع الطيور،طراز المباني،أهازيج الاعراس والافراح،مراسم الدفن والعزاء وكل ذلك من الصور التي تدغدغ ذاكرته.
كثيراً ما حاول التأقلم مع الغربة أو تناسيها.لكنه تعب من آهاته لوحده ،فزلازل تهز وجدانه وبراكين تثور في داخله .لقد كره كل شئ يذكّره بغربته.كره أقلامه،أوراقه،أحلامه بل كل شئ يذكره بأنه لازال غريباً .غبار غربته لايداعب وجوه الناس، التراب هناك لايتعطش للدماء وتكفيه زخة مطر ليرتوي.كانت عيناه تحدقان إلى أسراب الطيور المهاجرة المحلِّقة في السماء التي تخفق الهواء بأجنحتها ،حسدها وهي تسافر لأوطانها وتصوب نظراتها للأمام دون أن تلتفت لحظة واحدة للخلف وتعلو كأن السحاب تناديها .كم تمنى لوكان طيراً حراً لا تحده حدود أو حواجز .
سلك طريقاً طويلاً للبحث عن أصدقائه في كل مكان ,لكن دون جدوى فالجميع كانوا قد رحلوا .أحسَّ بأن الجهات لم تعد كما اعتادها ،فلم يعد الجنوب جنوباً ولا الشمال شمالاً حتى البوصلة تائهة دارت دارت دون توقف ،فاحتار في نفسه وفكر في العودة والخروج من جلده .عند مفترق الطريق كان يمشي صامتاً بمدينة كل مافيها باهت ومطر يتساقط بغزارة ،غطى سطوح المنازل القرمدية .:(أيها المطر الحبيب تعال اغسل قلبي وروحي وضمني إليك وابنِ لي جزيرة نائية فقد مللتُ غربتي ) ،فحفر المطر أخاديد واسعة وسط الشارع .بكت المدينة ورفض الشارع كل المارّين , ففتح قلبه وصدره لماء المطر الحزين ونزع معطفه، فنفذ ماء المطر الى الأعماق ،يغسل حبات القلب والأماني الغائبة التي تأخرت .لكنه آثر البقاء على جلده ورحل باكياً كالسماء.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|