بكالوريس دراسات إسلامية في الدعوة ، تكتب الخواطر الأدبية و المقالات
د. الأديبة بنت الشاطيء عائشة عبد الرحمن
قصة علم وحب بين الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) وبين زوجها
الدكتور أمين الخولي أستاذها في كلية الآداب في جامعة القاهرة :
كان كتابها (على الجسر بين الحياة والموت) قد اعتبر سيرة وفاء وحب قبل
أن يكون سيرة تسجيلية لأهم محطات حياة كاتبتها, فمع صغر حجمه إلاَّ
أنها بدت موشحة بعاطفة حزن وحيرة تأسر القارئ, وتجعله يتعايش معها
وكأنه يحياها أو يتمنى أن يحياها.
كان مولدها عام (1913م) في دمياط، في بيئة أزهرية. تمنى والدها أن يُرزق
بولد، فكانت هي الابنة الثانية، لذا نذرها للتعليم الديني..
لم تقتصر بطلبها للعلم على مدارس المعلمات, ثم كلية الآداب من بعدها، بل
خاطبت الصحف ووسائل الإعلام, وأرسلت إليها عدداً من المقالات، وكانت
تكتب في البداية - نيابة عن جدها - تشكو وتحلِّل حال مدينة دمياط والخراب
نتيجة تراكم رواسب النيل عند البورغاز.. ثم تحولت هذه الصلة غير المباشرة
بالصحف إلى صلة مباشرة حينما بدأت تراسل مجلة (النهضة النسائية) ومن بعدها
مجلة (البلاغ) و(الكواكب) تحت اسم (بنت الشاطئ)، خوفاً من أن يعلم والدها بأمر
اهتمامها بغير الطريق الذي رسمه لها منذ البداية.
كانت امرأة جادة معروفة بتدينها بل بتعمقها في علوم الدين والأدب. التقت
بأستاذها الدكتور محمد الخولي في كلية الآداب بجامعة القاهرة، الذي التف حوله
كثير من التلاميذ والمريدين، وكان أحد قمم الفكر والثقافة في مصر, وصاحب
الصالون الأدبي والفكري الشهير بمدرسة الأمناء.
وفي اللقاء الأول معه، حاول الأستاذ كسر شوكة الغرور من نفس ابنة دمياط,
فعرفت أن الأمر يتطلب مجهوداً كبيراً غير ما تعودت عليه من النظر في ظاهر
النصوص دون محاولة سبر أغوارها, وأنها لابد أن تنفق الليالي الطوال بحثاً عن
سر الكلمة وروح النفس, وانجلى ما حسبته سرابا: " فإذا الجامعة تعطيني من
جديدها مالم يخطر لي قط على بال, وإذا القديم الذي جئتها به, يجلوه منهج الأستاذ
الخولي. فيمنحه روح الحياة وبنفس العصر".
أحبت أستاذها، وهذا الحب كان سبباً للثورة عليها, ومن أجله تحمَّلت الكثير من النقد
القاسي والمقاطعة التي أصر عليها بعض المقربين منها.
وقد تعرضت لضغوطات كثيرة للتخلي عن حبها, لكنها تمسكت به - حتى بعد أن
بادلها أستاذها حباً بحب- ثم انتهت قصتهما بالزواج، وتعرُّض الزوج للكثير من
الشائعات.
التقت فيه عام (1936)، هي في الثالثة والعشرون من عمرها, وهو في الواحد
والأربعين, فكان العالم الجليل, وصاحب الذكاء النادر, والجاذبية العجيبة, ومع ذلك
له أعداء كثيرون, وجدوا في حبه لتلميذته فرصة نادرة للنيل منه؛ لكنها لم تكترث
بذلك وقالت في كتابها ( على الجسر بين الحياة والموت): " قطعت العمر كله أبحث
عنه في متاهة الدنيا, وخضم المجهول, ثم بمجرد أن لقيته لم أشغل بالي بظروف
وعوائق قد تحول دون قربي منه, فما كان يعنيني قط , سوى أني لقيته, وما عدا
ذلك ليس بذي بال"..
عاشت حياتها تبحث عن الشيخ الذي صار منذ اللقاء الأول معلمها وأستاذها
ونصفها الآخر, الذي تجلت فيه آية الله الذي خلقنا من نفس واحدة وخلق منها
زوجها. وأمضت حياتها الباقية تتساءل: " أكان يمكن أن أضل طريقي إليه,
فأعبر رحلة الحياة دون أن ألقاه, وحتى آخر العمر؟
لم يتخل عني إيماني بأني ما سرت على دربي خطوة واحدة إلا لكي ألقاه
وما يمكن أن أحيد عن الطريق إليه, وقد عرفته في عالم المثل ومجالي
الرؤى, وفلك الأرواح من قبل أن أبدأ رحلة الحياة".
لقد ظهرت بمظهر العاشقة لزوجها, والمتفانية في علاقتها به بروح صوفية, ولم
يكن أساس هذه العلاقة البعد الحسي فقط، إنما أخذ بعد العلاقة العقلية جانباً آخر
لايمكن الاستهانة به: " كنت أتمنى لو توقف الزمن, ليظل الأستاذ يتكلم, وأنا أصغي
وأتعلم".
كانت تتحدث عنه دائماً , وتعيش معه في الحلم واليقظة, وكتبت سيرتها الذاتية بعد
عام من وفاته, وهي مؤججة بمرارة الفقد, ويأس الفراق. وقد أقبلت على تسجيل أثر
لحظة الفقد على نفسها, لا تسجيل حياتها بمراحلها المتعددة.
قالت إن ما بقي من عمرها لايعني شيئاً سوى أنه مجرد جسر تعبر فوقه لتصل
إلى الحبيب: " كانت قصتنا أسطورة الزمان , لم تسمع الدنيا بمثلها من قبل وهيهات
أن تتكرر إلى آخر الدهر".
الجسر هو المحطة التي كان لابد أن تعبرها لتصل إلى من أتلفت روحها في روحه,
وحان حمامه قبل حمامها, ولم يبق من حبها له غير كآبة تبقيها مُسمَّرة على
جسرها, فلا هي في الحياة ولا في الموت؛ وإنما هي معلقة بروح من غيَّبه الموتُ
واقعاً, وبقي حاضراً في ذهنها - فتتمنى بشاعرية تطغى على كل ممكن - البقاء مع
أمين الخولي بعد موته. وهذا لا يكون إلا باتصال عجيب في عالم الأرواح المحبة,
أو بالموت الذي قد يلحقها به , أو لنقل يجعلهما في عالم واحد.
كتبت: " على الجسر ما بين الحياة والموت أقف حائرة ضائعة في أثر الذي رحل،
أطل من ناحية فأجده ملء الحياة؛ وألمح طيفه الماثل في كل من حولي, وما حولي
من معالم وجودنا المشترك؛ و أتتبع خطاه على دربنا الواحد, دفاقة الحيوية سخية
العطاء؛ وأميز أنفاسه الطيبة الزكية في كل ذرة من هواء أتنفسه؛ وأصغي إلى
نجواه في الصمت, وفي الضجيج وفي سكون الخلوة, وفي صخب الزحام.
و أطوف بأجواء عالمنا الرحب الذي ضمنا معاً, فلا أتصور أنه الراحل الذي
لا يعود .. وإلى أن يحين الأجل سأبقى محكوماً عليَّ بهذه الوقفة بين حياة
وموت, أنتظر دوري في اجتياز الشوط الباقي في إثر الراحل المقيم ..عليك سلام
الله.. إن تكن عبرت إلى الأخرى فنحن على الجسر".
وبعد عام من رحيله كتبت: " هل مضى العام, وما زلتُ هنا.. أنقل الخطو على
الجسر إليك؟ أبأنفاسك أحيا أم ترى؟! مات بعضي, وبكى بعضي عليك".
قال عنها الدكتور سليم العوا: "عانت بنت الشاطئ بين قومها من جحود علمي لم
تذكره بحرف لأحد, ولكن أحسً به, وتألم له تلاميذتها, وأهَّل الوفاء من المتابعين
لمسيرتها العلمية والفكرية, ولم تعش بنت الشاطئ على هذا الجحود العلمي وحده
وإنما عاشت جحوداً إنسانياً أقسى وأشد، ورأت من نكران الجميل حيث توقعت
العرفان، ومن فقدان الوفاء حيث انتظرته, ما تخر له الجبال الرواسي, ولكنها كانت
تستصغر الدنيا, فلم تبك على شيء منها قط , وإنما بكت على فقد الأحبة لاسيما
ابنتها أمينة وابنها أكمل. وأشهد عن قرب منها - يزيد على ثلاثين عاماً - أنها كانت
من كبريات الزاهدات في الدنيا كلها: مالاً وجاهاً ومظهراً, ومطعماً وملبساً، وكان
زهدها ممارسة عملية لا عبارات تطلقها, تجذب انتباه السامعين ويكذبها العمل.
حقاً.. كانت بنت الشاطئ " أسطورة الزمان, لم تسمع الدنيا بها من قبل. وهيهات
هيهات أن تتكرر إلى آخر الدهر".
منقول- بتصرف.
بكالوريس دراسات إسلامية في الدعوة ، تكتب الخواطر الأدبية و المقالات
رد: د. الأديبة بنت الشاطيء عائشة عبد الرحمن
الأديبة الفاضلة أختي فاطمة البشر:
أشكرك على مرورك الكريم، وقد يكون شكري لك جاء متأخراً دون إرادة مني، لسبب صحي.
وقد سررت كثيراً لأن مقالي حاز إعجابك، والشكر لك.
أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام
رد: د. الأديبة بنت الشاطيء عائشة عبد الرحمن
الحديث عن قامة كقامة عائشة عبد الرحمن يجعلنا جميعا نفتخر بأديباتنا الكبيرات من الخنساء إلى بنت الشاطئ مرورا بنازك ومي..وهن كثيرات..الأستاذة أميمة شكرا لك..
بكالوريس دراسات إسلامية في الدعوة ، تكتب الخواطر الأدبية و المقالات
رد: د. الأديبة بنت الشاطيء عائشة عبد الرحمن
الأستاذ الفاضل الأديب محمد صالح الجزائري...
شكرا جزيلا لقبولك مااخترت وأحببت مشاركتكم فيه .أتمنى أن تسعفني الظروف لأتابع كل الابداعات...الشكر لكم دوماً.