لاشك انه لم يكن يوما كسائر الايام...في بيت المرأة الشريفة آمنة...لاشك ان الملائكة كانت حاضرة...ترفرف حول الجسد الصغير البريء والروح الطاهرة لذلك الوليد الحبيب...قرة عين جده عبد المطلب...وعمه أبي طالب...لعل عبد المطلب قد ذرف بعضا من دمعات...وهو يقبل الصغير الوافد الى الوجود من غير أب...عبد الله شريف مكة وخيرة أبنائها...يغادر الحياة ...قبل أن تقر عينه برؤية صغيره ومداعبته ...ولعل آمنة بنت وهب وهي تضع ذلك الصبي المختلف عن كل الصبيان...تمنت في قرارة نفسها لو أن زوجها عبد الله كان حاضرا معها يؤازرها في هذه اللحظات العصيبة...لكن عزاءها الكبير أنها تدرك أن الغلام الذي احتملته أحشاؤها تسعة أشهر دون أن تجد ماتجد غيرها من النساء...سيكون له شأن عظيم...وتلك الرؤيا التي رأتها أن نورا قد خرج من بطنها أضاء لها قصور الشام اذ حملت به...جعلتها أكثر اطمئنانا الى أن هذا اليتيم لن يضيعه ربه...
ويكبر الطفل الحبيب ...بين حدب الجد والاعمام والام الرؤوم والمرضعة الحنون...ثم تشاء ارادة الله أن يواري الموت في كل مرة واحدا من احبائه...فماتت الأم الحنون....ثم مات بعدها بسنوات الجد المشفق الوقور...فتولى عمه حمل الأمانة بقلب مشفق محب لهذا الغلام الذي قست عليه نوائب الدهر.في ظاهر الأمر...ولكن عالم الغيب وما أخفى كان يصنعه على عينه... لميقات يوم معلوم
كبر الصغير واشتد عوده وصار شابا وقورا خلوقا ...وجهه كأنه البدر ليلة اكتماله...وروحة شفافة تسري براءة وطهرا....يعكسه حياؤه الشديد ...واحترازه من كل مايسيء الى مروءته...فأكبرت قريش هذا الشاب الشريف النسب الكريم الاخلاق...فسار سيرة الرجال وأبى الا العمل الشريف لكفاية نفسه ومساعدة عمه المثقل كاهله بكثرة العيال....ولم يرض لنفسه الا سيرة العفاف والصدق والاخلاص ...حتى لقبوه بالصادق....ويشاء قدر الله أن ترغب امرأة شريفة وثرية من مكة بالزواج من هذا الشاب المميز في كل شيء......فتحقق له المراد ونعمت في ظل هذا الزوج الحنون العاقل رغم صغر سنه باحسن ما يمكن أن تسعد به امراة....وكانت خديجة كذلك له الأم والزوجة والصاحبة المحبة والمشفقة....وتمر الأيام هادئة متشابهة بمكة...ويقترب الشاب اكثر فاكثر من سن النضج والرشد...حيث يقارب الأربعين....فتظهر عليه علامات الحكمة والتفكر الدائم...لقد استقرت نفسه وقرت بجانب زوجة وفية ولكن في النفس شيء ما ظل يخالجها....وحيرة في العقل لاتفتر... تستفزة لاعتزال كل الناس...عله يجد أجوبة تشفي عليل الصدر وتطفيء نار الاسئلة الصعبة...من خلقني.. وما الغاية من وجودي...وفي ليلة مختلفة...بحساب أهل الارض والسماء...كتبت في الملأ الأعلى...قبل وجود الخلق...بالقلم الذي خط يوما بأمر الله ماهو كائن الى يوم القيامة...نزل جبريل الأمين بأمانة الرسالة الى محمد صلى الله عليه وسلم الغلام اليتيم الذي لم تقر عينه برؤية والده...واختطف الموت أحباءه وهوأحوج ما يكون اليهم...وعاش حياة العفاف والكفاف في كفالة عمه...والآن..الآن فقط يفهم ويعي محمد صلى الله عليه وسلم حقيقة ماقالت أمه...ان ابني هذا سيكون له شأن عظيم....
ويحمل الحبيب الرسالة حمل الامين الحريص...يطوف بها أقطار الجزيرة العربية شرقا وغربا مبشرا ومنذرا...محببا وميسرا....معلما ومرشدا ومشفقا...فيعاني من شدائد البلاء والتكذيب...ويظل صابرا محتسبا موقنا بنصر الله....ويهيء الله له اتباعا واصحابا...كانوا نعم العون والخلان...يحملون معه هم الدعوة الى دين الله....ويفزعون اليه في كل ما أهمهم...ويتعلمون منه...ذلك النور الرباني الذي كان يحمله في قلبه وبين يديه...وفي حركاته وسكناته...ويقظته ومنامه...لانه كان حاضر القلب مع ربه في كل أوان....وأينع الصبر وانتشر نور الله بالجزيرة العربية وخارجها...وصدحت الحناجر بدعوة التوحيد...لا اله الا الله ..لانعبد الا اياه....ويودع الحبيب أمته وقد فرغ من المهمة العظيمة التي لأجلها خلق ولأجلها ذاق مرارة اليتم ..ولاجلها هاجر.. ولاجلها أوذي وصبر.. وعليها أسلم روحه الشريفة
الى حبيبي ونبيى رسول الله أهدي كلماتي هاته...رسالة حب ووفاء اليه...وتجديد للعهد على طاعة الله باذنه ومشيئته...حتى تقرعينه بنا يوم القيمة
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى وعلى آله وصحبه الطاهرين عدد خلقك ورضاء نفسك وزنةعرشك ومداد كلماتك
[frame="15 98"]
أخيتي غالية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استمتعت بما قرأت شكر الله لك .
وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
[/frame]