شباب اليوم بين الحاضر والمستقبل
شباب اليوم بين الحاضر والمستقبل
الكاتب والباحث/احمد محمود القاسم
شباب اليوم ليسوا كشباب الأمس، فهم يعيشون في أوضاع أكثر دعة من العيش والرفاهية، من شباب الأمس ومنهم من حصل او قد يحصل على شهادة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وهو يعيش بين أحضان والديه، ويتلقى مصروفه منهما أيضا، وقد يتزوج ويظل مع زوجته وأولاده يسكن في نفس منزل والديه، ولا ينتقل منه، إلا إذا وفر له والديه بيتا للسكن المناسب، هذا لا ينطبق على كل الشباب بالطبع.
كذلك فتيات اليوم، يرغبن بالزواج من شباب مؤهلين تماما، من كافة الوجوه العلمية والوظيفية، كما يرغبن بأن يكون زوج المستقبل يملك سيارة وفيللا ووظيفة مرموقة، مع راتب مرتفع جدا، حتى يغطي كافة احتياجاتهن المعيشية والترفيهية، كما يجب ان يكون أنيق المظهر، جميل الوجه، وذو شخصية قوية ومميزه، خالي من العيوب.
كما ان شباب اليوم يرغب بالزواج من فتاة أحلامه، ذات الصفات المميزة، ويهمه كثيرا ان تكون رائعة الجمال، من أسرة غنية، ولديها وظيفة مرموقة، ومن أسرة ذات حسب ونسب ومتعلمة، تحمل شهادة جامعية، تشاركه أعباء الحياة الزوجية والعملية، ولا مانع إذا ما كان لديها سيارة وفيللا، ومبلغا من المال.
شباب اليوم محظوظون، لأنهم يتمتعوا بالكثير من الامتيازات من الوالدين، دون تعب او شقاء، فهم يلقوا عناية فائقة من الوالدين، خاصة إذا ما كان والديهم ميسورا الحال من النواحي المادية، فالوالدين، هذه الأيام، ينفقوا المال على تعليم أبنائهم في كافة المراحل الدراسية، حتى بعد ان يتخرجوا من الجامعة، من مرحلة البكالوريوس والماجستير، وأحيانا مرحلة الدكتوراه.
شباب الأمس، كانوا يكدون في عملهم طوال اليوم، ويصلوا في دراستهم الجامعية النهار بالليل، و يقفون الى جانب والديهم، ويساعدونهم في السراء والضراء، وفي كافة أعمالهم، أما في أيامنا هذه، فبعضهم بعيدون كل البعد عن المسؤولية، وغير مستعدين لتحمل المعاناة، ويطلبون من والديهم المصاريف الباهظة والكثيرة، من اجل ان يغطوا بعض احتياجاتهم الشخصية، كمصروفات التدخين والسفر والتنقل وغيرها من مصروفات الجيب، كأنها شروط أساسية لهم، وحقا لهم مقدسا، على والديهم، فما عسى الوالدين ان يفعلا إذا لم يكونا يملكان المال الوفير لتحقيق رغبات أبنائهم هذه ؟ والغريب ان ابسط رد يمكن ان يقوله الشباب لوالديهم " لماذا خلفتمونا إذا لم تريدوا الصرف علينا، فدرهمونا وإلا فقدتمونا “.
بعض الشباب من يشعر مع أسرته ووالديه، فيعمل بوظيفة او عمل مناسب، يحصل منه على قدر مناسب من المال، حتى أثناء دراستهم الجامعية، والبعض منهم يصرف على نفسه على اقل تقدير، ويغطي احتياجاته اليومية، ويعفي والديه من مصاريفه الخاصة، ومصاريف دراسته وغيرها من المصاريف الضرورية، فمنهم من يحاول بناء نفسه فكريا وعلميا وماديا فيتحمل كافة احتياجاته المادية، ويستعد للمرحلة القادمة من حياته، إلا وهي مرحلة الزواج، رغم ان الكثير من الشباب، قد يواجه الكثير من المصاعب عند تحقيق ذاتهم، وذلك بسبب ارتفاع مصاريف الحياة، من المأكل والمشرب والملبس والمواصلات والعلاجات الصحية وغيرها، ولكن والديهم لن ينسوهم، وغالبيتهم يقفون الى جانب أبنائهم بكل ما يملكون من الإمكانيات المادية والمعنوية، إذا كانوا قادرين على تقديم المساعدة لهم، خاصة إذا كان أبناؤهم يستحقون المساعدة والدعم، كونهم يشعروا مع والديهم، ويبرعون في دراستهم وتحصيلهم العلمي، أما إذا كان الوالدين مستوري الحال فلن يستطيعوا عمل شيء لأبنائهم كونهم معوزين، وهذا لا يعيبهم في شيء، فهذا قدرهم، وهذه إمكانياتهم المتاحة أمامهم، لذا قد يضطر الأبناء الشباب، في هذه الحالة، ان يواصلوا العمل في جد واجتهاد، ويسهروا الليالي، وقد يعملوا في أكثر من مجال من العمل، كي يغطوا مصاريفهم، واحتياجاتهم في الحياة، خاصة المصاريف الدراسية، وقد يضطروا الى تأخير موضوع زواجهم في أحيان كثيرة، لأبعد فترة ممكنة من الوقت، من اجل الحفاظ على والديهم وكي يبنوا أنفسهم بناء جيدا.
على شباب اليوم، ان يعرفوا، بأن الحياة صعبة ومكلفة جدا، وليس كل الآباء من يستطيع توفير احتياجات أبنائهم المعيشية والدراسية، وقادرين على تزويجهم أيضا, وليس من السهولة لأي شخص ان يحصل على فرصة للعلم او العمل، فعلى كافة الأبناء الشباب، انتهاز كافة الفرص المتوفرة أمامهم، سواء العلمية او العملية، واستغلالها أحسن استغلال، من اجل مصلحتهم وبناء مستقبلهم، فليست كل الفرص يمكن ان تتوفر أمام كافة الشباب، فعلى شباب اليوم ان يضعوا الخطط لبناء مستقبلهم، ولمساعدة أنفسهم، ومساعدة أهلهم أيضا، وعليهم ان يكونوا أكثر واقعية مع متطلبات الحياة وقسوتها في هذه الأيام، فلا داعي لحياة البذخ والترف، والغرور الزائد، وعليهم التصرف بمسؤولية وجدية على ضوء إمكانياتهم المادية.على فتيات اليوم فهم الحياة على حقيقتها أيضا، وعليهم ان يشعروا بمدى صعوبتها وقسوتها على الجميع، فالغلاء يشمل كافة مناحي الحياة، كأجور السكن والمواصلات والكهرباء والماء والمواد الغذائية والأدوية الصحية، ولذلك فان شباب اليوم، خاصة في بداية حياتهم الزوجية، سيواجهون صعوبات جمة، بالحياة المعيشية، وقد لا يكفيهم ما يتقاضونه من الرواتب والأجور، إلا إذا كانت زوجاتهم عاملات، او إذا كان لديهم ارث وخلافه، لذلك يتطلب من فتياتنا، ان يكون لديهم الاستعداد النفسي، والعملي للمشاركة في أعباء الحياة المستقبلية، والوقوف الى جانب شريك حياتهم، والتعاون معه من اجل تحقيق كافة ما يطمحون إليه من أهداف مستقبلية، كذلك يجب ان تكون أياديهم ممدودة بطريقة وسط، حيث أفضل الأمور الوسط، فلا تجعل يدك مغلولة الى عنقك، ولا تبسطها كل البسط، فتقعد ملوما محسورا.
على شباب اليوم ان يتطلعوا الى فتيات اليوم بنظرة موضوعية، بعيدة عن الطمع المادي بوالديهن او برواتبهن، إذا كانت شريكات حياتهم موظفات، وألا يشترطوا عليهن شروطا مسبقة، صعبة التحقيق، لا يقدرن عليها، فهم المسئولون أولا عن الأسرة، من كافة النواحي، خاصة عمليات الصرف وتربية وتنشأة الأطفال، حتى يخرجوا للحياة، أبناءا صالحين، يستطيعوا ان يخدموا بلدهم وشعبهم، ويعتمدوا على ذاتهم في بناء مستقبلهم، لذا على شباب اليوم، التحلي بالصبر، والجد بالعمل، والاجتهاد في الدراسة، وإذا ما توفرت لهم أي مساعدة من الأهل او الأقارب، وكانوا بحاجة ماسة لها، فلا مانع من ذلك، ولكن الأفضل لهم، ان يترفعوا عن اخذ أي مساعدة من احد، والاعتماد على ألذات، في بناء أنفسهم خير لهم، وكما يقول المثل " اللي معوش ما بلزموش “ و “ على قد فراشك مد رجليك "، واليد العليا خير من اليد السفلى، بمعنى ان الذي يعطي أفضل عند الله من الذي يأخذ.
على الشباب التسلح بالعلم و المعرفة، والعمل الجاد المتعدد الجوانب، والتفكير بمستقبلهم و مستقبل أبنائهم، بتأني وروية، وبشمولية، وإعداد خطة مستقبلية لتربيتهم، مبنية على حب الوطن و الشعب، وان يحبوا لغيرهم كما يحبوا لأنفسهم، و التأكيد على أهمية العمل المنتج و العمل الجماعي، و خدمة الآخرين، من هم في أمس الحاجة للمساعدة، لان الحياة، لمن يعمل وينتج، ومن لا يعمل، لا يحق له ان يعيش، لأنه سيكون عبء على المجتمع، و على الآخرين، الا اذا كان مقعدا ولا يستطيع العمل أسباب قاهرة، كما على الشباب، ان يضعوا في نصب أعينهم المستقبل، و ما يخبئه لهم من مفاجآت، وإلا فإنهم سيكونون عرضة للأحداث، و ستصبح حياتهم في مهب الريح، و معرضة للانهيار، في كل لحظة، وفي اول مأزق لهم قد يواجهونه، و قد تنهار الأسرة و الأحلام التي بنوها، إذا لم تبنى على أسس وقواعد راسخة، من العلم و المعرفة، و العمل الجاد، و المسؤولية، على أساس الاستفادة من خبرة و تجارب الآخرين، خاصة الأهل والمعارف، ومن منهم يستطيع النصح والإرشاد بصدق وجدية.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|