الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله
وآله المكرمين وكافة المرسلين وعباده الصالحين
الرد على الملحد ستيفن هوكينج ومن والاه من ملاحدة العصر
أثارت نظرية العالم الفيزيائي الانكليزي ستيفن هوكينغ حول غياب الخالق، قدرًا هائلاً من الجدل وسط العلماء من أهل العلوم وأهل الدين والعامة على حد سواء ، وذلك ليس بسبب أنها محاولة لإثبات اللا شيء (غياب خالق للكون) وحسب، وإنما لأن نجاحها يعني أيضًا نسف الأديان كثقافة ظلت تتحكّم بحياة جزء من البشر منذ قرون
فقد رفع العالم الفيزيائي الانكليزي ستيفن هوكينغ درجة حرارة الجدل بين العلوم والدين بقوله في كتابه "المشروع العظيم" The Grand Design إن الفيزياء الحديثة لاتتفق على الإطلاق مع القول إن للكون خالقًا
ويقول في الكتاب، الذي كتبه بالاشتراك مع الفيزيائي الأميركي لينارد ملوديناو ونشر في شهر أيلول/سبتمبر 2010، أنه مثلما أزاحت النظرية الداروينية الحاجة إلى خالق في مجال علم الأحياء (البيولوجيا)، فإن عددًا من النظريات الجديدة أحالت أي مفهوم لخالق للكون مفرّغًا من المعنى إذ لا حاجة إلى خالق في المقام الأول
وفي كتابه، يعلن هوكينغ أيضًا موت الفلسفة كعلم ويقول إن الفيزياء توشك الآن على كتابة "نظرية كل شيء" أو "النظرية الشاملة" القادرة على شرح خاصيات الطبيعة كافة ، ولطالما بقيت نظرية كهذه، يمضي قائلا، حلماً يراود الفيزيائيين منذ زمن آينشتاين، لكن المشكلة ظلت هي المصالحة بين نظرية الكم quantum theory، التي تشرح عالم ما تحت الذرة، مع الجاذبية التي تشرح الكيفية التي تتداخل بها الأشياء على المستوى الكوني
ويقول هوكينغ إن نظرية إمM-theory-المشروحة في الإطار وهي تقع بين مايعرف بـ”نظريات الأوتار” هي التي ستحقق هذا الهدف ويكتب قائلا: نظرية إم هي النظرية الموحدة التي كان اينشتاين يأمل في العثور عليها وثمة انتصار عظيم يتمثل في حقيقة أننا، نحن البشر وكوننا مجرد مجموعات من الجزئيات الأساسية للطبيعة قادرون على أن نصبح بكل هذا القرب من فهم القوانين التي تحكمنا وتحكم الكون المحيط بنا
فهذا مبلغ هذا الفيزيائي من العلم ، وقبله سأل ملحد : لم خلق الله هذا العالم ؟ وهذا الكلام فرع من أصل ، ذلك أنه يجب أن يعلم بالدلائل أن العالم محدث وان له محدثا ، ثم تعلم محدثه واحد قديم ، ثم تعلم أنه قادر حى حكيم فى نفسه وفعله ، فلم خلق الله العالم ؟ قال الله سبحانه ( الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) 2 سورة الملك ، وقال عز وعلا (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)56 الذاريات ، وقال (وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه) 13 الجاثية ، فأخبرنا سبحانه أنه خلقنا للعبادة والابتلاء ليبلغ بنا الى أرفع الدرجات وأعلى المراتب ، ووجه الحكمة فى خلق العالم أنه احسان أو داع الى احسان وكل من أحسن أو دعا الى احسان فهو حكيم فيما يصرفه
ومن رَحْمَة الله سبحانه و تعالى بعباده أَن جعل الأدلة و البراهين على وجوده و ربوبيته فطرية بديهية ظَاهِرَة ، يُؤمن بهَا ويدركها أقل النَّاس علما ، بل إِن أدلة وجوده و ربوبيته سبحانه لوضوحها وظهورها تدفع الإنسان اضطرارا و فطرة إلى الإيمان به سبحانه حتى عوام الناس
و روي أن فخر الدين الرازي كان يمشي في طريق وخلفه تلاميذ له أكثر من مائة أو مائتين، فمروا على عجوز فاستغربته وقالت: من هذا ؟ قالوا: هذا أبو عبد الله الرازي العالم الجليل يحفظ ألف دليل على وجود الله تعالى قالت العجوز : أفي الله شك ، و صدق الله تعالى إذ يقول ﴿ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾
فقد فطر الله سبحانه و تعالى العباد على معرفته وتوحيده وتعظيمه ، وهذه هي الحنيفية التي خلق الله عباده عليها، كما قال سبحانه : ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
و إذا كان أصغر شيء مصنوع في الكون يستحيل أن يكون بلا صانع فكيف يصح أن يقال هذا الكون بأكمله بلا خالق ؟
فهناك أسئلة تدور في ذهن الإنسان و تلح على الإنسان في داخله لا يستطيع دفعها عن أصل الوجود و نهايته وسببه، وعن الموت وأسراره، وعن الروح وأسرارها مما يدل على وجود فطرة كافية في النفوس تبرز هذه الأسئلة عن الإله والوجود فمن الذي فطر النفوس على إبراز هذه الأسئلة عن الإله ؟
وقد لاحظ العلماء أن جميع الأمم التي درس علماء تاريخ الأديان تاريخها اتخذت معبودات تتجه إليها وتقدَّسها ، و لا يوجد عَلَى الإطلاق في أي عصر من العصور ، و لا في أي أمة من الأمم مجتمع بلا دين و بلا إله معبود ، حقاً كَانَ أو باطلاً فهناك اتجاه فطري إِلَى أن يكون هناك دين ، و إله معبود فمن الذي فطر البشر على الإيمان بوجود إله ؟
فخلق الله تعالى لا يضاهيه أي خلق ، وهو سبحانه القائل في محكم كتابه العزيز { ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُون }
عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ, كَمَثَلِ غَيْثٍ مطرأَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَوَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ
أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي موسى الأشعري
قال تعالى
ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ، حمد قدمه بما أوجد من العدم بعين صورة لا مثال ، وجعل حمده إعلاماً للمحامدين له بأن الحمد منه له حقيقة ويغنى حمد الحامدين فى حمده نفسه جعل للملائكة اجنحة المعرفة على مراتب المقامات فضل بعضهم على بعض فى ذلك بقوله مثنى وثلاث ورباع وللأرواح القدسية أجنحة منها جناح المعرفة ومنها جناح التوحيد ومنها جناح المحبة ومنها جناح الشوق فبجناح المعرفة تطير الى عالم الصفات وبجناح التوحيد تطير الى عالم الذات وبجناح المحبة تطير الى المشاهدة وبجناح الشوق تطير الى الوصال فأجنحة المؤمنين: اربعة اجنحة التوحيد واجنحة الايمان واجنحة المعرفة واجنحة الاسلام والموحد يطير باجنحة التوحيد الى الجبروت والمؤمن يطير باجنحة الايمان الى المشاهدة والعارف يطير بأجنحة المعرفة الى الملكوت والمسلم يطير بأجنحة الاسلام الى الجنان ،فالأجنحة أربعة : اجنحة التعظيم واجنحة التفريد واجنحة الحياة واجنحة الحياء للواصلين ، فالحمد لله الذى جعل ما أنعم على عباده من أنواع نعمه دليلا هاديا الى معرفته ثم بين سبحانه انه بفضله يزيد فى حالات العارفين ومعاملات المحبين وحسن العاشقين والمعشوقين بقوله { يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ } يزيد فى قلوب العارفين المعرفة وفى قلوب المحبين المحبة وفى قلوب المشتاقين الشوق وفى قلوب العاشقين العشق وفى قلوب المريدين الارادة وفى أبدان الصديقين قوة العبادة وصفاء المعاملة وفى وجوه المستحسنين الحسن وفى حلوق الروحانيين حسن الصوت ، حسن المعرفة بالله وحسن الاقبال عليه وحسن المراقبة له والمشاهدة اياه ،يزيد فى الخلق ما يشاء محبة فى قلوب المؤمنين وقيل التواضع فى الأشراف والسخاء فى الأغنياء والتعفف فى الفقراء والصدق فى المؤمنين والشوق فى المحبين والوله فى المشتاقين والمعرفة فى الوالهين والفناء فى العارفين قيل الخلق الحسن وقيل الصوت الحسن أي الفصاحة فى النطق ثم بين سبحانه ان هذه النعم غير مكتسبة ولا لها مانع يدفع عمن اختاره الله بها ولا هى مستجلية يتمنى المتمنين بقوله { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مرسل له من بعده } فالرحمة ها هنا المعرفة بالله والاصطفائية الأزلية فاذا فتح على ولى من أوليائه ابواب كنوز لطائف أنوار صفاته وذاته وجعله بصيراً لأمر الكونين وعالما بمراد الله منه لا يدفع عنه ذرة من ذلك جميع الخلق فانه يختص برحمته من يشاء ، ما يفتح الله لقلوب اوليائه من القربة والانابة والانس لو اجتمع الخلق كلهم على ان يمسكوه عن ذلك لعجزوا عنه وما امسكوا ما ارسل الله ومن اغلق الله قلوبهم عن الانابة اليه والقرب منه فلو اجتمع الناس على ان يفتحوه ما قدروا على ذلك وعجزوا عنه ثم انه تعالى لما بيّن موضع الخاصية فى افتتاح نعمه على الصادقين حثهم على تذكر نعمه وشكر ما انعم عليهم من لطائف جوده بنعت افراد قدمه عن الحدوث بوصف نفي الانداد عن جلال كبريائه بقوله { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } ذكره معرفته ونعمته وشاهدته فوجب حقوق المعرفة والمشاهدة على من عرفه وشاهده بانه اسقط الاسباب بينه وبين خالقه فيما اولاه من ارزاق وصلته ولطائف قربته ، من علم انه لا رازق للعباد غيره ثم يتعلق قلبه بالاسباب فهو من المبعدين عن طريق الحقائق ، يرزقكم من السّماء والهداية ومن الارض اسباب الغذاء والحفظ والبقاء وما سنح لى من معنى السماء والارض ها هنا السّماء عالم الربوبية يرزقهم منها لطائف علوم المعارف وانوار جلال الكواشف والرزق هناك التجلى والجذب والكشف بالبديهة وواردات المواجيد وسنى المخاطبات والارض عالم العبودية يرزقهم منها بصفاء المقامات ولطيف المعاملات وسنا الحكم والفراسات وايضا السّماء اشارة الى الروح والارض اشارة الى القلب والرزق الذي يبدو من عالم الروح علوم المعرفة وما ينبت من ارض القلب فهى علوم الحكمة
قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى قَالُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
فقوله تعالى { فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } علم الحق سبحانه ان لا عين يرى بها القدم صرفا فنصب اعلام قدرته لتراه عين الحدث بواسطة القدرة فقال فاطر السماوات والأرض فطرها بقدرته وأبدعها بعزته وألبسها أنوار جلاله وهيبته يدعوكم من نفوسكم الى رؤية جماله فى آياته فتنظروا اليها بابصار نافذة وقلوب حاضرة ثم رقاهم الى اعلى الدرجات من رؤية قيومته وقدرته فى خلقه الى مشاهدة عيان ذاته وذلك قوله يدعوكم ليغفر لكم وقع الغفران على النظر في حرف بواسطة اياته واى ذنب اعظم من طلبه بواسطة من الكون ، حار الوجود فى جوده ، وغاب جوده فى وجده فضلا عما اوجده فى الوجود وايضا يدعوكم الى معرفته لتعرفوا بمعرفته نفوسكم وذنوبكم واذا وقعت بشهقه عنكم ارتفعت ذنوب تقصيركم فى طاعته وادراك عزته، ففى هذه الآية دعا الخلق بنفسه الى نفسه وذكر من اسمائه فاطرا لئلا يتعلقوا بشئ من الاكوان وقال انا فاطر السموات والارض ان اردتم ما فيهما فهو عندى وان اردتمونى فلا تلتفتوا اليهما وارجعوا منهما الي ، فما دعا الله أحداً اليه ولا الأنبياء وانما دعا من دعا لحظوظهم ، قال الله { يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُم }