التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,846
عدد  مرات الظهور : 162,310,315

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > هيئة النقد الأدبي > نقد أدبي
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 22 / 03 / 2008, 09 : 08 PM   رقم المشاركة : [1]
الدكتور سمر روحي الفيصل
ناقد وأستاذ جامعي، عضو شرف

 الصورة الرمزية الدكتور سمر روحي الفيصل
 




الدكتور سمر روحي الفيصل has much to be proud ofالدكتور سمر روحي الفيصل has much to be proud ofالدكتور سمر روحي الفيصل has much to be proud ofالدكتور سمر روحي الفيصل has much to be proud ofالدكتور سمر روحي الفيصل has much to be proud ofالدكتور سمر روحي الفيصل has much to be proud ofالدكتور سمر روحي الفيصل has much to be proud ofالدكتور سمر روحي الفيصل has much to be proud ofالدكتور سمر روحي الفيصل has much to be proud ofالدكتور سمر روحي الفيصل has much to be proud of

دائرة الرواية المضادّة / 1-2

[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:100%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/18.gif');background-color:darkred;border:4px groove limegreen;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
[align=justify]
ليس مصطلح الرواية المضادة (Anti-Novel) بالدقيق في التعبير عن الحال الأسلوبية لجانب من الرواية الفلسطينية، هو الجانب الذي عاف الأسلوب التقليدي في تقديم الحوادث والشخصيات، وكان في الوقت نفسه قريباً منها، أو يمكن تذليله للتعبير عنها. فقد أطلق مصطلح (الرواية المضادة) أول الأمر على (الرواية الجديدة) التي كتبها ألان روب غرييه وناتالي ساروت وميشيل بوتور، ثم عمم على روايات جيمس جويس وفرجينيا وولف. ويمكنني اختزال تطورات مفهوم هذا المصطلح بالقول إنه انتقل من مرحلة القص الحداثي إلى مرحلة القص ما بعد الحداثي(1). وليس في دائرة الرواية الفلسطينية ما يطابق هذه التطورات، ولكن فيها روايات غير بعيدة عن التطورات المختلفة لمفهوم المصطلح، سواء أكانت ممثلة في مرحلة الرواية الجديدة، كغياب الحبكة وعدم التعاقب الزمني للحوادث وغموض الشخصيات والادعاء بعدم الارتباط بالمجتمع.. أم كانت ممثلة في مرحلة ما بعد الحداثة الروائية، كالاستطراد في الحوادث، وضآلة تطور الشخصيات، والتحليل التفصيلي للأشياء، والتكرار الكثير للمفردات والجمل، والفضاء المتخيل للمكان، وما إلى ذلك.
ومن البدهي القول إن الإشارة السابقة إلى مصطلح (الرواية المضادة) لا تعني أية محاولة للمطابقة بين مفهوم المصطلح والجانب المختار من الرواية الفلسطينية، بل تعني محاولة دمج بعض النصوص الروائية في السياق الروائي الفلسطيني العام، وخصوصاً نصين هما: (مذكرات دجاجة) (1943) للدكتور إسحق موسى الحسيني(2)، و (أحاديث الولد مسعود) (1984) لطلعت سقيرق(3)، وإدراجهما في منظومة تحليل معرفية، لا أدعي أن الحسيني وسقيرق كانا على وعي بها عندما كتبا نصيهما الروائيين، ولكنني أدعي أن نصيهما خاضعان للدمج وللاتساق مع أرضية معرفية نقدية، يمكن تحليلها وملاحظة تقنياتها الروائية. ذلك لأن الفاصل الزمني بين الروايتين، وهو إحدى وأربعون سنة، لم يغير من أمر التحليل شيئاً، فبقيت رواية (مذكرات دجاجة)، في غالبية الإشارات إليها، نصاً روائياً يمثل البدايات الروائية الفلسطينية، بعد الجهود الرائدة لخليل بيدس (1875 ـ 1949) وأحمد شاكر الكرمي (1894 ـ 1927) وجميل البحري (؟ ـ 1930)(4). أو أنها نص (أقرب إلى المذكرات الفلسفية النظرية الهادفة إلى إرساء قواعد أخلاقية مثالية تعالج شؤون الحياة والمجتمع)(5) و (تعتمد على جو الخيال دون الوقوع في الإغراب مما جعل البناء الدرامي لها يأخذ شكلاً قريباً من شكل الفانتازيا)(6). كما بقيت رواية (أحاديث الولد مسعود) عشرين عاماً دون أن تخضع لتحليل نقدي يوضح طبيعتها الفنية، لسبب بسيط وجوهري في الوقت نفسه، هو التقاؤها رواية (مذكرات دجاجة) في الخروج على المألوف الروائي العربي.
إن الخروج على المألوف العربي في بناء الرواية هو المسوغ الحقيقي، في رأيي، لإهمال الروايتين المذكورتين، وإبعادهما عن دائرة الرواية الفلسطينية. ولا ينفع هنا المسوغ الآخر القائل إن (مذكرات دجاجة) ابتعدت عن معالجة التسلل اليهودي إلى فلسطين، وهو تسلل نشط في زمن تأليفها. ولهذا السبب أهملها النقد الأدبي الذي بدأ ينشط في سبعينيات القرن العشرين، وراح يعنى بالرواية الفلسطينية وانعكاس القضية الفلسطينية في الرواية العربية. واستمر هذا النقد بعد تألقه، وفي أثناء تطوراته النقدية اللاحقة، في إهمال رواية الحسيني، ولم يلتفت إلى إعادة تقويمها وتحليلها لمعرفة موقعها وبنيتها الفنية. ويتضح عدم جدوى هذا المسوغ إذا تذكرنا أن رواية (أحاديث الولد مسعود) التي صدرت في زمن الحرص الأدبي والنقدي على القضية الفلسطينية، وكانت غارقة حتى أذنيها (إن صح التعبير) في معالجة الهم الوطني الفلسطيني، لقيت الإهمال نفسه الذي لقيته رواية (مذكرات دجاجة)، ما يشير إلى أن مسوغ الإهمال لم يكن القرب من معالجة القضية الفلسطينية أو البعد عن هذه المعالجة، بل كان الأسلوب الذي كتبت به هاتان الروايتان، وهو أسلوب لم تعرفه الرواية العربية التي خرجت على البناء الروائي التقليدي قليلاً أو كثيراً، واقتربت، قليلاً أو كثيراً أيضاً، من أسلوب الرواية المضادة.
تقنيات الرواية المضادة:
يشير التدقيق في روايتي (مذكرات دجاجة)(7) و (أحاديث الولد مسعود)(8) إلى نوعين من التقنيات، نوع سميته بالمؤتلف، لأنه مستعمل في الروايتين معاً، ونوع سميته بالمختلف؛ لأنه مستعمل في إحدى الروايتين دون الأخرى.
1 ـ التقنيات المؤتلفة:
حرص إسحق موسى الحسيني وطلعت سقيرق على استعمال ثلاث تقنيات تخص الحوادث والشخصيات والسرد، هي:
أ ـ الاستطراد في الحوادث:
إذا كانت الرواية التقليدية تتشبث بترابط الحوادث، وقيادتها إلى مغزى معين، أو دلالة محددة، بغية التعبير عن رؤيا الروائي، فإن روايتي (مذكرات دجاجة) لإسحق موسى الحسيني، و (أحاديث الولد مسعود) لطلعت سقيرق عافتا هذا الترابط المنطقي السيئ للحوادث، وراحتا تجعلان (الاستطراد) بديلاً منه. والاستطراد، ههنا، ليس جاحظياً، يخرج الروائي بوساطته من الحدث الرئيس إلى حدث فرعي دعا إليه شيء ورد ذكره في أثناء سرد الحدث الرئيس، تحقيقاً للمتعة الفنية، أو تطرية لمناخ القراءة، أو دفعاً للملل عن القارئ، أو غير ذلك من الأسباب، بل هو استطراد منظم يهدف إلى تقديم حكاية صغيرة تضاف إلى أخواتها وتشكل معهن عالم الرواية. فرواية (مذكرات دجاجة) تطرح بعد بداياتها الأولى حكاية الزوج الصالح(9) وهيام الدجاجة الساردة به حتى يصبح هذا الزوج مثلاً أعلى للإخلاص والجمال والوفاء والعدل بين الزوجات، فضلاً عن جماله وحسن حديثه وتفكيره السديد. ويكاد المتلقي يحسب أن حوادث الرواية ستدور حول هيام الدجاجة الساردة بزوجها الصالح(10)، واستئثارها به دون زوجاته الأخريات. ولكن الساردة سرعان ما تترك الهيام بهذا الزوج الصالح، فتجعله يمرض إثر معركة مع عدو حاول اقتحام مملكته، وتروح تسرد حكاية الزوجات بعد مرض زوجهن(11) ومحاولتها جعلهن يتحلين بالأخلاق الفاضلة، ثم تترك تلك الحكاية إلى أخرى تخص إحدى الزوجات الدجاجات(12)، وهكذا تترى الحكايات الصغيرة في رواية (مذكرات دجاجة) على سبيل الاستطراد الذي يبدأ من (الدجاجة) الساردة الممثلة ويدور حولها دون أن ينبع منها.
كذلك الأمر بالنسبة إلى رواية (أحاديث الولد مسعود) وإن بدا شكل الاستطراد مغايراً. ذلك لأن طلعت سقيرق جعل مسعوداً بطلاً لروايته، وتركه يستدعي حكايات صغيرة، بادئاً بحكايته الشخصية بأسلوب السارد الممثل: (أنا المخلوع خلعتين، مرة عندما كان اللجوء الأول من عرعرة التابعة لحيفا، ومرة عندما ذبحوا كل من أعرفهم في مخيم شاتيلا، وما بقي من عائلتي الطويلة العريضة إلا أنا الولد مسعود)(13). ولكن مسعوداً لا يستمر في سرد حكايته الشخصية، ولايروح يستدعي حدث اللجوء الأول من (عرعرة) القريبة من (عارة)، لينتقل منه إلى حدث ذبح أمه في (مخيم شاتيلا)، بل يشرع ينتقل من حكايته الشخصية التي توحي بأنه (أهبل) وحيد، أحب في قريته فتاة اسمها (مسعدة)، وما زال يحبها ويبحث عنها دون أن يعلم شيئاً عن مكانها، إلى حكاية عمله في الصحافة وموقف رئيس التحرير منه(14)، ثم حكاية أبي العبد(15)، ثم حكاية مسعود الوحيد في العيد(16)، ثم تترى الحكايات بعد ذلك من ماضي (مسعود) وحاضره، ممهدة لانتقاله إلى حمل السلاح وانخراطه في العمل الفدائي. على أنه من المفيد أن نلاحظ أن الحكايات الصغيرة في رواية (أحاديث الولد مسعود) كانت كلها تدور حول (مسعود) دون أن تنبع منه، كما هي حال الحوادث التي دارت حول الدجاجة الساردة في رواية (مذكرات دجاجة)، وسيكون لهذا الدوران حول شخصية واحدة تحليل لاحق، ولكنني هنا معني بالسؤال عن مسوغ استعمال الاستطراد في الروايتين معاً.
يخيل إلي أن الحسيني وسقيرق كانا راغبين في تقديم أفكار معينة، ولم يكونا راغبين في تقديم حوادث ذات دلالات روائية. أما الحسيني فقد رغب في تقديم أفكار اجتماعية ذات طابع إنساني. ويمكن تلخيص هذه الأفكار في صورة الزوجة الوفية الحكيمة التي تصلح أسرتها، ثم تنتقل إلى إصلاح الآخرين. والموقف المثالي هو وسيلتها إلى الإصلاح ومعالجة الشرور في المجتمع. مفاد هذا الموقف الحب والتسامح والتعاون، انطلاقاً من أن الإنسان خير بطبيعته، ولابد من أن يتخلص مما لابس فطرته السليمة من شرور وصراع على قضايا الحياة المعيشية. ولهذا السبب لم تمنح الرواية الدجاجة قومية محددة، ولم تضعها في مكان معروف، بل تركتها إنسانية الطابع، عامة التوجه، تصلح للأقوام كلهم، وللبلدان جميعها. إذ إن الأفكار الإصلاحية لا تخص، في رؤيا الحسيني، أهله الفلسطينيين ولا قومه العرب، بل تخص الأمم قاطبة. ولا ينفع، في هذه الحال، تقديم حكاية واحدة؛ لأن هذه الحكاية ستحمل دلالة واحدة ليس غير، في حين يضمن تعدد الحكايات تعدد الدلالات ودورانها حول بؤرة اجتماعية إنسانية.
أما طلعت سقيرق فقد رغب في تقديم أفكار وطنية ذات طابع إنساني. وقد جعل مسعوداً (أهبل) ليسمح للحكايات المرتبطة بحياته أن تلبس اللبوس الوطني الإنساني دون أن تنبع منه. فقد طرده الإسرائيليون من قريته، ثم ذبحوا أمه في مخيم شاتيلا، وكانوا سبباً في فقدانه حبيبته (مسعدة)، وفي حياته وحيداً في بيروت. ومثل هذه الأمور التي تخص وطنه فلسطين مناهضة لإنسانية الإنسان، وليس هناك رد عليها غير حمل السلاح لمحاربة إسرائيل المسببة لها، ففي ذلك وحده انتقام لذلك الماضي الفلسطيني المستمر إلى الحاضر، الممهد للمستقبل؛ لأن الإنسان الذي يحتل وطنه، وتذبح أمه، وتفقد حبيبته، لا يمكنه أن يسامح عدوه، أو يرضى بنكبته؛ لأن قبوله بهذه الأمور يعني فقدانه حقاً إنسانياً مشروعاً هو القتال من أجل إحقاق الحق، والقضاء على الباطل ممثلاً في الذين احتلوا فلسطين وشردوا أهلها.
إن الاستطراد في روايتي الحسيني وسقيرق حلقات تربطها أفكار، وليست حكايات غير مترابطة تهدف إلى المتعة والتسلية. ولاشك في أن مفهوم (الاستطراد) مضاد لمفهوم (الترابط السببي والمنطقي) في الرواية التقليدية، ولكنه لم يكن وحده العامل على بناء هاتين الروايتين المضادتين.
ب ـ غموض الشخصية:
تحرص الرواية التقليدية على تعدد الشخصيات وبنائها بناء درامياً، سواء أكانت محورية أم رئيسة أم ثانوية. ولكن روايتي الحسيني وسقيرق خالفتا هذا المبدأ الفني العريق ورسختا مبدأ بديلاً منه صالحاً للرواية المضادة، هو الاكتفاء بشخصية محورية واحدة غامضة، تدور حولها في أثناء السرد شخصيات ثانوية تماثلها في الغموض. وقد قدمت الروايتان الشخصية المحورية بأسلوب السرد السيري، بحيث أصبح المتلقي يرى عالم رواية (مذكرات دجاجة) بعيني الدجاجة الساردة الممثلة. كما يرى عالم رواية (أحاديث الولد مسعود) بعيني مسعود السارد الممثل. ولا يستطيع هذا المتلقي معرفة شيء في الروايتين خارج ما تقدمه له الشخصية المحورية فيهما. ولكن المتلقي سرعان ما يكتشف أن السرد السيري بضمير المتكلم حيلة أسلوبية؛ لأن الشخصيتين في الروايتين لا تسردان شيئاً كثيراً عن حياتهما الخاصة، بل تروحان تطرحان العالم المحيط بهما، عالم الدجاج في (مذكرات دجاجة)، وعالم الفلسطينيين في (أحاديث الولد مسعود). ومن ثم تتضح مخالفة توقعات المتلقي. فهو يتوقع من السرد السيري أن يقدم معلومات كثيرة صريحة، يوضح بوساطتها طبيعة الشخصية المحورية الساردة لحكايتها، ولكنه يكتشف بعد البدايات الأولى للروايتين أن الشخصيتين زادتا غموضاً بدلاً من أن تتجها إلى الوضوح والتحديد.
ـ فالمتلقي يعرف أن مسعوداً في (أحاديث الولد مسعود) من قرية عرعرة القريبة من عارة، وأن أمه ذبحت في مخيم شاتيلا، وأنه أحب (مسعدة) ابنة قريته ثم فقدها، وأنه يعمل في إحدى الصحف. ولا شيء فوق ذلك طوال الرواية.
ـ والمتلقي يعرف أن الدجاجة الساردة في (مذكرات دجاجة) جاءت من (قن) إلى آخر، وتآلفت مع الدجاجات الأخريات فيه، وأحبت زوجهن الديك الذي أصبح زوجاً لها أيضاً. ولا شيء فوق ذلك طوال الرواية.
هذا يعني أن المعلومات السيرية نذرة في الروايتين على الرغم من أنهما مرويتان بضمير المتكلم. وقد ساهمت هذه المعلومات القليلة في إضفاء الغموض على الشخصيتين؛ لأنها لم تقدم للمتلقي ما يكفي لتعريفه بهما. والواضح أن الحسيني وسقيرق لم يكتفيا بالمعلومات القليلة في أثناء محاولتهما إضفاء طابع الغموض، بل راحا يضيفان أموراً أخرى ترسخ هذا الغموض. فالدجاجة لا اسم لها يميزها من الدجاجات الأخريات، وليس هناك غير الاسم الأول لمسعود. وهذا وحده غير كاف في الرواية ليضفي الوضوح على الشخصية؛ لأنها تحتاج إلى اسم ونسب وعلاقات تجعلها واضحة محددة. فالمتلقي لا يعرف شيئاً عن أسرة مسعود، ولا يملك طوال الرواية أي تحديد لطبيعة عمله في الصحيفة، أو مسوغ عناية رئيس التحرير والفصيح وأم العبد وغيرهم به. كذلك الأمر بالنسبة إلى الدجاجة. فالمتلقي يراها تنتقل إلى (قن) جديد، وتتآلف مع الدجاجات الأخريات فيه بعد أن تصبح مثلهن في عداد زوجات الزوج الصالح، ولكنه لا يملك طوال الرواية أي مسوغ لحكمتها وإنسانيتها، ولا يستطيع تمييزها بغير استعمالها ضمير المتكلم وسردها الحكايات، وهذا ما يجعلها غامضة، شأنها في ذلك شأن مسعود. وإذا كان ذلك يؤكد رغبة الروائي في جعل شخصية روايته غامضة، فإنه يعلل في الوقت نفسه إحالة المتلقي من غموض الشخصية إلى أفكارها، أو قل إن الغموض سمح للشخصية بسرد ما يحيط بها بدلاً من سرد ما يتعلق بها.
ذلك أن الدجاجة لا تفكر بأمورها، بل تفكر في أمور المحيطين بها والطارئين على حياتها، ومن ثم ابتعدت بوساطة الاستطراد عن حكايتها وتطوراتها لتنغمس في حيوات المحيطين بها، من حياة إلى أخرى، ومن حال إلى حال، وكأنها في (مذكرات دجاجة) منذورة للتبشير بأفكار الإصلاح والمحبة والتعاون في عالم الدجاج، وكأن مسعوداً منذور للتبشير بالأفكار الوطنية الفلسطينية في العالم الذي يعيش فيه، سواء أكان عالم الصحيفة التي يعمل فيها أم غيرها. فإذا اقتنع المتلقي بالأفكار التي طرحتها الشخصيتان شرع يقبل الاستطرادات ويندمج في عالمها.
ج ـ الامتداد في السرد:
اتصفت الشخصيتان المحوريتان (الدجاجة ـ مسعود) بنوع من شهوة السرد. فكل منهما شخصية سارة ممثلة داخل الرواية، توهم المتلقي بأنها ستسرد عليه سيرة حياتها الروائية، ثم تجعله يكتشف أن سيرتها مجرد حامل للأفكار الإنسانية والوطنية، وأنها بؤرة اجتمعت فيها الحكايات التي قاد إليها الاستطراد. ولا تقتصر شهوة السرد، الأصيلة في هاتين الروايتين، على الحكايات السابقة، بل تجاوزها إلى ابتداع حوادث ترتبط ببعضها بعضاً مشكلة نوعاً من الحبكة الممتدة، عاملة على توفير الامتداد في السرد نفسه.
ذلك أن الدجاجة في (مذكرات دجاجة) تأتي من (قنها) إلى (قن) جديد، فيكون ذلك مدعاة لتوضيح حياتها في القن الجديد. ثم يمرض الزوج الصالح ويموت، فيكون ذلك مدعاة للحديث عن الزوجات بعد وفاة زوجهن. ثم تأتي إلى القن دجاجة جديدة، فيكون ذلك مدعاة لتوضيح سيرة حياتها. وتتغير طباع إحدى الدجاجات في أثناء احتضانها بيضها، فيكون ذلك مدعاة للحديث عن تغيرها. وهكذا تترى الحوادث في الرواية، لا يربط أحدها بالآخر خيط قوي يجعلها حوادث ذات تعبير درامي، يقود إلى نمو الشخصيات والأفكار، بل يبقيها حوادث مرتبطة ببعضها بخيط واه، يحفز الساردة إلى السرد فيمتد إلى الأمام، وحين تفرغ منه يطل حدث جديد فتتفرغ الدجاجة الساردة الممثلة لسرده على المتلقي، دون أن يكون له أثر في الحوادث السابقة واللاحقة.
كذلك الأمر بالنسبة إلى مسعود. فقد راحت الرواية تطرح الحوادث حادثاً بعد حادث، ولكنها لم تصنع من اجتماع الحوادث بناء درامياً، ولم تتجه بها إلى النمو والتعقد. فمسعود (أهبل)، وقد بقي كذلك حتى آخر الرواية، وأفكاره الوطنية التي عبر عنها في بداية الرواية هي نفسها أفكاره في نهاية الرواية مع تغيير طفيف، هو اتجاهه إلى تنفيذها في ثوب التحاقه بالعمل الفدائي. وما بين البداية والنهاية لا ينمو شيء في الرواية، بل يمتد السرد في كل مرة يسرد فيها مسعود حدثاً قاد إليه الاستطراد، سواء أكان يتعلق بفاطمة أم يتعلق بأبي العبد وحمدان وعبد الرحيم.
l يتبع
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
[/align]
الإحالات:
(1): (24/6/2004) www.literary.aeeb.com
(2) ولد إسحق موسى الحسيني عام 1904 في القدس، وتوفي عام 1990. انظر ترجمته في: دليل كتاب فلسطين، ص27 ـ 28، ومصادر الأدب الفلسطيني الحديث، ص 68، ومعجم الروائيين العرب، ص44.
(3) ولد طلعت سقيرق في طرابلس (لبنان)، عام 1953. انظر ترجمته في: دليل كتاب فلسطين، ص117، ومصادر الأدب الفلسطيني الحديث، ص147.
(4) للتدقيق في جهود الرواد وإنتاجهم انظر: د. أحمد أبو مطر: الرواية في الأدب الفلسطيني، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1980، ص16 ـ 32.
(5) المرجع السابق، ص35.
(6) المرجع السابق نفسه.
(7) طبعت رواية (مذكرات دجاجة) أول مرة عام 1943 في دار المعارف، القاهرة، سلسلة اقرأ ـ 8، ثم طبعت ثانية عام 1953، وثالثة دون تاريخ، ورابعة في سلسلة إحياء التراث الفلسطيني، بيروت 1982، وخامسة ضمن منشورات القدس 1983. والاعتماد هنا على الطبعة (لعلها السادسة) التي أصدرتها دار المدى للثقافة والنشر بدمشق، ضمن سلسلة الكتاب للجميع ـ 23، عام 2003.
(8) طبعت رواية (أحاديث الولد مسعود) في دمشق عام 1984. والاعتماد هنا على نسخة مصورة مدني بها صاحبها مشكوراً.
(9) مذكرات دجاجة، ص14 وما بعد.
(10) تكثر الساردة في مذكرات دجاجة من وصف زوجها الديك بالصالح توكيداً للرؤيا النسوية التقليدية.
(11) مذكرات دجاجة، ص27 وما بعد.
(12) المصدر السابق، ص42 وما بعد.
(13) أحاديث الولد مسعود، ص1.
(14) المصدر السابق، ص3.
(15) المصدر السابق، ص6.
(16) المصدر السابق، ص8.

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
الدكتور سمر روحي الفيصل غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
نبضة حائرة .. عادل ابوعمر جداول وينابيع 7 28 / 09 / 2021 13 : 04 AM
دائرة الصقيع فاطمه شرف الدين الخاطـرة 10 07 / 02 / 2012 17 : 02 AM
دائرة الذكوره رزان أياسو قصيدة النثر 2 27 / 04 / 2010 23 : 09 PM
دائرة الرواية المضادّة ـــ د.سمر روحي الفيصل طلعت سقيرق كتبوا عني 0 31 / 07 / 2009 47 : 03 PM
دائرة طلعت سقيرق الشعر 1 31 / 05 / 2008 31 : 01 AM


الساعة الآن 46 : 09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|