التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,848
عدد  مرات الظهور : 162,317,459

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > هيئة اللغة العربية
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 17 / 10 / 2016, 32 : 02 PM   رقم المشاركة : [1]
د.مرتضى بابكر الفاضلابي
مرتضى بابكر الفاضلابي . استاذ مساعد بجامعة وادي النيل . كلية العلوم الاسلامية والعربية
 





د.مرتضى بابكر الفاضلابي is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: السودان

مقرر الأدب الأندلسي ، جامعة وادي النيل / د . مرتضى بابكر الفاضلابي

بسم الله الرحمن الرحيم
جامعة وادي النيل
كلية العلوم الإسلامية والعربية
قسم اللغة العربية


الأدب الأندلسي



إعداد : د. مرتضى بابكر الفاضلابي

الأدب الأندلسي
الأندلس هو الاسم الذي أطلقه العرب على شبه جزيرة إيبيريا عام 711م بعد أن دخلها المسلمون بقيادة طارق بن زياد وضموها للخلافة الأموية واستمر وجود المسلمين فيها حتى سقوط مملكة غرناطة 1492م وتسمى اليوم اسبانيا و البرتغال .
الموقع الجغرافي للأندلس :
تقع بلاد الأندلس أو شبه جزيرة إيبيريا في الجنوب الغربي من أوربا , يحدها شمالاً فرنسا وكان يطلق عليها العرب " بلاد الفرنجة " وجنوباً مضيق جبل طارق وجزء من البحر المتوسط وشرقاً المتوسط وغرباً المحيط الأطلسي , و يفصل بينها وبين فرنسا من الشمال جبال البرنس " البرت"
أهم مظاهر سطحها :
في وسطها وشمالها ترتفع هضبة أطلق عليها المسلمون " جبل الشارات" , و جنوبها جبال نفادا , ويسميها المسلمون "جبال الثلج " , وتتخللها أنهار كثيرة بعضها يصب في الأطلسي و بعضها يصب في المتوسط .
أهم مدنها :
الأندلس كثيرة المدن و ذلك لتعدد أنهارها , وأهم مدنها :
" غرناطة ومرسية وجيان وأشبيلية وقرطبة وألمرية وطريف ومالقة وشاطبة وسرقسطة و برشلونة وأشبونة و ِشْلب ودانية و ماردة وطليطلة وأورويلا وطلطوشة وطركونة وبلنسية.
قال عنها ابن سعيد : " إنها جزيرة التقت بها البحار فأكثرت فيها الخصب والعماره "
وقال عنها ابن سفر :
أنهارها فضة والمسك تربتها *** والخز روضتها والدر حصباء
الفتح الإسلامي :
تعاقبت الأمم على حكم بلاد الأندلس فقبل الفتح كانت تحت سيطرة الروم الذين أسسوا ملكاً كبيرا في طليطلة ، إلا أنهم اساؤا الحكم فبغض فيهم الشعب ونازعهم السلطة الأمر الذي اضعف المملكة ، في الوقت الذي خرجت فيه جيوش المسلمين بغية نشر الدين الإسلامي وتوسيع رقعة البلاد .
وبعد أن حقق المسلمون تقدما واسعا في شمال أفريقيا ووصلوا إلى المغرب الأقصى المواجه لشبه جزيرة ايبيريا في عهد الوليد بن عبد الملك ، أرسل موسى بن نصير القائد طارق بن زياد عام91ه على رأس جيش كان اكثره من البربر فعبر المضيق الذي سمي باسمه في ما بعد وهزم الحاميات التي واجهته ، وعندما سمع ملك الروم والذي كان في شمال البلاد عاد إلى عاصمته واعد جيشا عظيما وخرج لملاقاة طارق بن زياد ، واستطاع طارق بن زياد أن يهزمه وضم قرطبه وقرناطه وقصد العاصمة وأخضعها وتبعه موسى بن نصير الذي اخضع في الشرق برشلونه واشبيليه ولحق بطارق ، بعد ذلك أقام العرب عاصمتهم في قرطبه وأقاموا دولة استمرت لثمانية قرون تعاقب عليها ألوان من الحكم والحكام حتى سقوطها عام 1492م .
العصور الإسلامية في الأندلس :
يقسم مؤرخو الأدب فترات الحكم في إسبانيا " الأندلس " إلى ثمانية عصور هي :
1 - عصر الولاة من سنة (95هـ) إلى سنة (138هـ)
2 - عصر الإمارة من سنة (138هـ) إلى سنة (300هـ )
3 - عصر الخلافة من سنة (300هـ ) إلى سنة (366هـ)
4 ـ عصر الحجابة من سنة (366هـ ) إلى سنة (400هـ)
وهذه العصور الأربعة تعتبر عصوراً أموية ، لأن الحكم فيها كان لبني أمية ، مع سقوط حكم الأمويين في المشرق منذ عام 132 هـ ، وقيام الدولة العباسية هناك .
5 ـ عصر ملوك الطوائف من سنة (400هـ) إلى سنة (536هـ)
6 - المرابطون بالأندلس من سنة (495هـ) إلى سنة (555 هـ)
7 - الموحدون بالأندلس من سنة (524هـ) إلى سنة (667هـ)
8 ـ دولة بني الأحمر في غرناطة من سنة (635هـ) إلى سنة (898هـ)



الحضارة الأندلسية
الإنسان جزء من كيان اجتماعي كامل يتفاعل مع أفراده ويؤثر فيه بقدر ما يتأثر به فهذه المعادلة تظهر في كل زمان ، فالإنسان كائن اجتماعي لا يحيا وحده ، وقديما قيل : " إن الإنسان ابن البيئة " .
أولا : الحياة السياسية .
حكم الأندلس مدة ست وأربعين سنة ولاة كان يعينهم الخليفة من دمشق أو عامله على إفريقيا ، ولما قوض العباسيون صرح الدولة الأموية فر عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن مروان من الشام في مغامرة طويلة حتى وصل إلى الأندلس 137ه ولقب بالداخل وبصقر قريش فأسس عبد الرحمن الداخل دولة بني أمية بالأندلس ، وتحولت في عهده الأمارة إلى خلافة وبلغت الأندلس أوج مجدها السياسي والأدبي ونافست قرطبة بغداد ، وفي عصر ملوك الطوائف انتشر البلاء واستبد رؤساء الطوائف بالولايات وقامت دويلات بلغت العشرين دولة منها " الدولة العبادية في اشبيلية ، ودولة بني الأفطس في بطليوس ، والدولة الجهوية في قرطبة " وقد عرف حكام هذه الدول بملوك الطوائف .
ومع انشغال الحكام بشؤونهم وازدياد ضغط الأسبان الشماليين على هذه الولايات فزع الأندلسيون إلى يوسف بن تاشفين ، وبعد انتصاره في معركة " زلاقه " على الأسبان الشماليين استقل بحكم الأندلس التي تحولت إلى ولاية تابعه للمغرب في زمن المرابطين والموحدين ، إلا إن الأسبان عادوا مرة أخرى وهزموا الموحدين عام 609ه في موقعة " العقاب . واستطاع الفرنجة أن يستولوا على المدائن ثم قرطبه التي سقطت عام 623ه بعد أن لبثت 520 عاما عاصمة للدولة الاندلسيه ، وحصرت الدولة في مملكة غرناطه التي حكمها بنو الأحمر ، وحافظوا فيها على السلطان العربي بالأندلس زها قرنين ونصف القرن .
ثانيا : الحياة الاجتماعية .
يتألف المجتمع الأندلسي من عناصر تمازجت فيما بعد ، وهم : ( العرب والبربر والموالي والقوط والصقالية ) . نزلوا ببلاد الأندلس واستوطنوها بكل ما لديهم من عادات وتقاليد فأدى هذا الاحتكاك بين هذه الفئات إلى بروز شيء من الصراعات الاجتماعية فكثرت الثورات إلا أن الرابط الديني كان أقوى فقرب بين الأهالي وخفف من حدة الصراع بينهم .
نتيجة لتزاوج العناصر الخمسة المذكورة سلفاً وبعد تقريباً ثلاثة قرون ظهرت سمات ميزت إنسان الأندلس عن غيره ، ومن أهم هذه السمات الملامح الجميلة ، والقوام المعتدل الطول والشعر الذي يغلب عليه السواد وبياض البشرة المشرب بحمرة مع سمرة في الجنوب ، كما امتازوا بالشجاعة و الذكاء والجمال ولكن تغلب على هذه الشخصية الثورة والإحساس بالنقص في المقارنة مع الشرق ، ومن سيء طباع بعضهم كلفهم بالشراب و الغناء و الرقص وربما كان الدافع لذلك وفرة مزارع العنب في بلادهم ولجمال الطبيعة.
ومن أهم ما تميز به أهل الأندلس من طباع وأخلاق يتمثل في ما يلي :
1. حب العلم والإقبال على التعلم .
2. توقير العلماء عامة والفقهاء خاصة .
3. حب الجهاد ، وبخاصة أنهم على ثغر .
4. التدين الذي يتسم بالتسامح و البعد عن التعصب .
5. حب النظافة ، وحسن التدبير ، وكراهة التسول .
6. الغرام بالأزياء والتأنق .
7. حب الموسيقى و الغناء .
8. حب الفكاهة والملح .
ثالثا : الحياة الاقتصادية في الأندلس .
اختلفت الحياة الاقتصادية في الأندلس , باختلاف العصور بين مد وجزر , فأهل الأندلس كانوا يعيشون في فترات مختلفة في دعة من العيش , لوفرة منتجاتهم الزراعية , غير أنه مرت عليهم فترات غير آمنة , نتيجة للحروب مع المسيحيين , إذ هم على ثغر , ومن هنا ربما تسوء أحياناً حالهم المعيشية والاقتصادية , فنرى كيف أن بلنسية مثلاً تمتدح في عصور بأنها دار أمن ورخاء , وتوصف في آونة أخرى بأنها دار بعوض وفقر ووباء . ومن هنا يمكن القول بأن الحياة الاقتصادية في الأندلس كانت بين صعود وهبوط متأثرة بالحياة السياسية .
رابعا : الحياة العقلية .
لقد ساهم الحكام في تعطيل هذا الجانب إذ رفضوا علوم المنطق والفلسفة واعتمدوا
على الكتاب والسنة واتهموا كل من يهتم بهذه العلوم بالزندقة ، وقد احرق المنصور ــ احد وزراء الدولة الأموية ــ كل مل كان في خزائن الحكم من كتب الفلاسفة يقول صاحب كتاب " نفح الطيب " : " وكل العلوم لها عندهم حظ إلا الفلسفة والتنجيم " .
وبعد أن أخمدت جذوة هذه العلوم في المشرق عادت للظهور مرة أخرى في الأندلس وقد برعوا في فن المعمار فقد بنا الناصر قصر الزهراء الذي كان عدد أبوابه يزيد على خمسة عشر ألف باب ، واشترك في العمل فيه عشرة ألف رجل ، ومن الدواب آلف وخمسمائة ، وجلب إليه الرخام من إفريقيا والحوض المذهب من القسطنطينية ، وقد حوى الكثير من النقوش وزينه بالتماثيل . يقول احد الشعراء واصفا إحدى التماثيل :
كأنه واعظ طـــال الوقـــــوف به *** ممـــــــــــــا يحـــــدث عـــــن عــــاد وإرم
فانظر إلى حجر صلد يكلمنا *** أشجى وأوعظ من قس لمن فهم
كما كثرت الصناعات عندهم من نسيج وأواني ...... وغيرها
وقد اكتسبت المرأة مكانة رفيعة في الدولة فهذه ولادة بنت المستكفي تفتح صالونها الأدبي للأدباء والوزراء ، وهذه زوجة عبد الرحمن الناصر تشارك زوجها موكبه في شوارع قرطبة وهي سافرة الوجه على رأسها قلنسوة وقد توشحت بسيف .
أما في مجال الغناء فقد نقل زرياب الغناء الشرقي مع شيء من التغير .
خامسا : الحياة الأدبية .
تأثر أدباء الأندلس بأدباء المشرق ، وإن كان أدبهم تميز بملامح خاصة تميزه وذلك نتيجة البيئة التي عاشوا فيها . ولذلك جاء أدبهم مصورا لتلك الحياة أصدق تصوير .
ولكن هنالك ملاحظتين تجدر الإشارة إليهما بالنسبة لشكل الشعر الأندلسي ومدارسه
الملاحظة الأولى : إن الشعر الأندلسي سار في أوزانه وقوافيه وأغراضه في الطريق الذي سار فيه المشرق ، ولا يستثنى من ذلك إلا الموشحات والزجل ولعل من أسباب ذلك :
1ـ شعور الأندلسيين بأنهم جزء من العالم العربي ، وأنهم حملة التراث العربي كالمشارقه .
2ـ كما كانوا يرون أن المشرق مهد اللغة العربية وموضع ظهور الإسلام ومكان الخلافة الأولى .
وكان من أثار ذلك ما يلي :
أـ عكوفهم على الشعر القديم .
ب ـ القيام برحلات إلى المشرق للقاء العلماء والحج .
ج ـ استقدام علماء إلى الأندلس للتدريس بمساجدها ومنهم " أبو علي القالي صاحب كتاب " الامالي " كما كان منهم من رجال الفنون والموسيقى " زرياب " الذي احدث في الموسيقى تجديدا كبيرا . وقال عنهم ابن بسام صاحب كتاب " الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة : " إن أهل هذه الأفق أبو إلا متابعة أهل المشرق يرجعون إلى إخبارهم رجوع الحديث إلى قتادة حتى لو نعق بتلك الآفاق غراب أو طن بأقصى الشام والعراق ذباب لجثوا عليه وتلوا ذلك كتابا محكما " .
وعندما راء الصاحب بن عباده كتاب " العقد الفريد لابن عبد ربو " والذي ألفه على نفس نهج كتاب " عيون الأخبار لابن قتيبه " قال : " هذه بضاعتنا ردت إلينا " .
الملاحظة الثانية : إن مدارس الشعر في الأندلس لم تكن واضحة كما هو الحال في المشرق فمدرسة المحدثين التي يمثلها " بشار بن برد ، وأبو نواس " والخلاف بينهم وبين المحافظين ، ثم مدرسة الاتجاه المحافظ الجديد كل ذلك ليس له اثر واضح في الشعر الأندلسي ، حتى يمكننا تقسيم الشعراء هناك إلى مدارس أدبية ولعل السبب في ذلك هو أن الشعر الأندلسي ظهر متأخرا زمنيا فكل اتجاه في المشرق يظهر في الأندلس بعد قرن تقريبا
عوامل ازدهار الأدب الأندلسي :
1ـ الطبيعة الخلابة التي امتلأت بالجمال سواء في الخضرة أو الماء أو الطيور أو الحيوانات المختلفة أو الزهور أو الثلوج ، وذلك نتيجة لخصوبة الأرض ووفرة المياه
يقول ابن خفاجه واصفا لها بعد أن سحرته الطبيعة :
يا أهــــــل أندلــــــــــس لله دركـــــــم *** ماء وظل وانهار وأشجــــــار
ما جنة الخلد إلا في دياركم *** ولو خيرت هذه كنت اختـار
لا تحسبوا بعدها تدخلوا ثغراً *** فليس ادخل بعد الجنة النار
2ـ المرأة وجمالها الأخاذ ، إذ كانت المرأة وراء إبداع كثير من الشعراء والكتاب .
3ـ التقلبات السياسية والأوضاع الاقتصادية المتغيرة ، نتيجة الحروب والأزمات.
4ـ الترف الذي كان يعيش فيه أهل الأندلس أحيانا ، مما دفع كثير من الأدباء والشعراء إلى ابتكار أجناس أدبية جديدة ، كالموشحات وشعر الزجل .
5ـ تشجيع الحكام للأدب وإغلاق الباب أمام علوم الفلسفة والمنطق .
6 ـ الجرأة التي اكتسبوها من المسيحية وتساهل رجال الدين .
7 ـ محاولة إيجاد شخصية مميزه تختلف الشخصية الشرقية ، ويظهر ذلك في ابتكار الموشح .
8 ـ الجمع بين العلوم فقد يكون الطبيب شاعرا والفقيه أديبا .
مما يلفت النظر شيوع الشعر في المجتمع الأندلسي ، إذ لم يكن الشعر وقفًا على الشعراء المحترفين ، وإنما شاركهم في ذلك الأمراء والوزراء والكتاب والفقهاء والفلاسفة والأطباء وأهل النحو واللغة وغيرهم ، فالمجتمع الأندلسي بسبب تكوينه الثقافي القائم على علوم العربية وآدابها ، ثم طبيعة الأندلس التي تستثير العواطف وتحرك الخيال ، كل ذلك جعل المجتمع يتنفس الشعر طبعاً وكأنما تحول معظم أهله إلى شعراء , وسوف نتحدث هنا عن اتجاهات الشعر الأندلسي وأغراضه الشعرية .
اتجاهات الشعر الأندلسي :
اتجه الشعر في الأندلس إلى ثلاثة اتجاهات :
الاتجاه المحافظ : الذي يهتم بالموضوعات التقليدية ويتبع منهج القدماء في بناء القصيدة من حيث الأسلوب البدوي ، حيث تحوي ألفاظه جزالة وعبارات لا تخلو من خشونة وحوشيّه ، أما بحوره فطويلة وقوافيه غنائية ، ويحتذي هذا الاتجاه نماذج المشرق.
أما الغزل فكان يعبر عن الحب الصادق ، فلا مجال إلا لفارس عاشق أو عاشق فارس يُذكر بعنترة بن شداد ، ولعل أهل الأندلس كانوا يتمثلون عالم الآباء والأجداد حيث الصحراء والكثبان والواحات وهم في عالم يبعد عن ذلك العالم ، وكأنهم يستلهمون العالم المثالي ، وبالرغم من ذلك كان لهذا الاتجاه سماته الخاصة في الشعر الأندلسي ، وقد جعلت تلك السمات لهذا الشعر ذاتية مستقلة وطبعت الملامح الأولى للشعر الأندلسي وميزته عن الشعر المشرقي ، ومن أشهر شعراء هذا الاتجاه عبد الرحمن الداخل وأبو المخشي والحكم بن هشام وعباس بن ناصح وغيرهم من شعراء الفترة الباكرة.
الاتجاه المحدث : وهو الاتجاه الذي حمل لواءه بالمشرق مسلم بن الوليد وأبو العتاهية وغيرهما من دعاة التجديد ، الذين ثاروا على الاتجاه المحافظ وطرقوا موضوعات جديدة بأسلوب متنوع ، خالفوا فيه طريقة القدماء في بناء القصيدة، وعرفت الأندلس هذا الاتجاه على يد عباس بن ناصح ، حيث نقله من المشرق، وتمثل الاتجاه المحدث في الأندلس باهتمامه بأغراض لم تكن قائمة بذاتها في القصيدة من قبل ، فظهرت القصائد بأسلوب قصصي لا يخلو من روح الدعابة والسخرية ، أما صوره فتتألّف من عناصر حضرية في لغة يسيرة الألفاظ وإيقاع يميل إلى البحور القصيرة والقوافي الرقيقة ، ويعد الشاعر يحيى بن حكم الغزال من أشهر رواد هذا الاتجاه.
الاتجاه المحافظ الجديد : الذي ظهر في المشرق بسبب تطرف الاتجاه المحدث ومن ثم هو محاولة لإعادة الشعر العربي إلى طبيعته وموروثه دون جمود أو بداوة، وقد عمد هذا الاتجاه إلى الإفادة من رقي العقل العربي بما بَلَغَتْه الثقافة العربية الإسلامية من نهضة واسعة في مجتمع توفرت له أسباب الحضارة ، وكان هذا الاتجاه محافظًا في منهج بناء القصيدة ولغتها وموسيقاها وقيمها وأخلاقها وروحها، ولكنه مجدد في المضمون وفي معاني الشعر وصوره وأسلوبه ، ويمثل أبو تمام والبحتري والمتنبي دعائم هذا الاتجاه في المشرق، وقد عرفت الأندلس هذا الاتجاه على يد نفر من الأندلسيين رحلوا للمشرق وعادوا للأندلس بأشعار البحتري وأبي تمام، وكانت فترة الخلافة في ذروة نضجها، إذ كان المجتمع الأندلسي في هذه الفترة قد تجاوز الانبهار بالمستحدثات الحضارية التي بهرت شعراء القرن الثاني وأصبح أكثر استقراراً وتعقلاً، ومن أعلام هذا الاتجاه ابن عبد ربه وابن هانئ والرمادي وغيرهم .
أغراض الشعر الأندلسي
لم يخرج الشعر في هذا العصر عن الأغراض التي عرفت في العصور السابقة إذ نظموا في المدح والوصف والغزل ..وغيرها غير أنهم توسعوا فيها فأضافوا رثاء المدن وطغى وصف الطبيعية على جوانب الوصف الأخرى ويمثل الشعر احد جوانب الحضارة الأندلسية فقد عبر عن قوالب تلك الحضارة وعن مضمونها وطبيعة الصراعات السياسية والتغيرات الاجتماعية في الأندلس .
أولا : وصف الطبيعة .
لم يستحدث هذا الفن في الأندلس إنما قد سبقهم المشرق إليه فقد وصف البحتري بركة للمتوكل ، ووصف المتنبي شعب بوان ، ولكن هذا اللون قد كثر في الأندلس لما قابلتهم به الطبيعة من جمال كقول ابن خفاجه في وصف النهر :
لله نهــر سال فــي بطحـــــــاء *** اشهى وروداً من لمى الحسناء
متعطـف مثل الســــــــــــــــــور كأنــــه *** والزهــــر يكنفه مجـر سمـــاء
قد رق حتى ظن قرصا مفرغا *** من فضــةٍ فــي بردةٍ خضــراء
كذلك يقول ابن خفاجه في وصف الجبل :
وأرعن طمــــــاح الذؤابة باذخ *** يطاول أعنــان السمــاء بغارب
يسد مهب الريح عن كل وجهة *** ويزحـــم ليــــلاً شهبه بالمناكب
وقور على ظهر الفـــــلاة كأنه *** طوال الليالي مفكرٌ في العواقب
وهو القائل :
يا أهـــل أندلس لله دركـــــم *** ماء وظل وانهار وأشجار
ما جنة الخلد إلا في دياركم *** ولو خيرت هذه كنت اختار
ويقول ابن هاني الأندلسي في وصف المطر :
ألؤلؤٌ دمع هذا الغيث أم نقـط *** ما كان أحسنه لو كان يلتقط
غمائم في نواحي الجو عالقة *** حفل تحدر منها وابل سبـط
وهذه الشاعرة حمدونه بنت زياد تصف " وادي الاشات "
أباح الدمع أسراري بـــوادي *** له للحسن أثــــارٌ بــــــوادي
فمن نهر يطوف بكل روض *** ومن روض يرق بكل وادي
وقد غزا هذا اللون جميع مجالات النظم حتى المدح والرثاء ، ومن المدح قول ابن زيدون في مدح الوليد بن جهور :
وللجهــــور بن الــوليد خــلائق *** كالروض أضحكه الغمام الباكي
وفي الرثاء الممزوج بوصف الطبيعة قول ابن عامر في رثاء زوجته :
ألا يا زهرة ذبلت سريعاً *** أضن المزن أم ركد النسيم
فلم يأتي شعر الطبيعة عندهم كغرض قائم بذاته إلا في القطع القصار فأكثره يأتي ممتزجا بأغراض أخرى .
ثانيا : رثاء المدن .
لم يكن شعر الرثاء في معناه التقليدي الذي هو تعديد محاسن المتوفى من الأغراض الرائجة فقد ظل الرثاء يحذو حذو نماذج الشعر الشرق حيث يستهل بذكر الفواجع ، ووصف المصيبة التي حلت بموت الفقيد ، وعادة تستهل القصيدة بالحكم وتختتم بالعظات والعبر ، كقول أبو الوليد الباجي في رثى ولديه وقد ماتا في الغربة :
رعـــى الله قبرين استكانا ببلــدة *** هما اسكناها في السواد من القلب
لئن غيبا عن ناظـــــري وتبوءا *** ففؤادي لقد زاد التباعد فـي القرب
يقر بعينــــي أن أزور ثراهمـــا *** والصف مكنــون الترائب بالترب
أما رثاء المدن والممالك فهو الغرض الأندلسي الذي نبعت سماته وأفكاره من طبيعة الاضطرابات السياسية في الأندلس، فكان مجال إبداع في الشعر الأندلسي ومن روائع ما قيل في رثاء المدن قصيدة أبي البقاء الرندي في رثاء اشبيلية :
لكل دور إذا ما تم نقصـــــانُ *** فلا يغر بطيب العيش إنسان
هـي الأيام كمــــــــــا شاهدتهــا دولٌ *** من سره زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تبغي على أحدٍ *** ولا يدوم على حالٍ لهـا شانُ
وقد كان سقوط مدينة طليطلة في أواخر القرن الخامس الهجري بداية المأساة فهي أول بلد إسلامي يدخله الفرنجه ، وكان ذلك مصاب جلل هز النفوس هزا عميقا . يقول شاعر مجهول يرثي طليطلة في قصيدة مطلعها :
طليطلة أباح الكفر منها حماها *** إن ذا نبــــــــــأ كبيــــــــرُ
ألم تك معقــلا للدين صعــــبــاً *** فذلله كمـــا شـاء القديـــــرُ
وكانت دار إيمــــــان وعلــــــــــم*** معالمها التي طمست تنيرُ
ومن أهم المراثي التي ربطت بين المأساة الذاتية والسياسية قصيدة أبي بكر بن عبد الصمد في رثاء مملكة اشبيليا وأميرها الشاعر المعتمد بن عباده يقول :
ملك الملــــوك أسامـــع فأنادي ؟ *** أم قد عدتك عن السماع عوادي
لما خلت منك القصور ولم تكن *** فيهـــا كما قد كنت في الأعيـــاد
وقد خرج الشعراء من كل ذلك عبر والمواعظ كقول جعفر بن عثمان الذي كانت تهابه الأسود فأصبح بعد الاعتقال يخيفه الثعلب يقول :
لا تأمنـــن من الزمـــــــــــان تقلب *** إن الزمــــــــــان بأهلــــه يتقـلب
ولقد أراني والليوث تهابني *** فأخافني من بعد ذلك الثعلب
ثالثا : الاستنجاد .
وهذا النوع من الشعر قديم في الأدب العربي فالجاهلي عندما تغير عليه قبيلة كان يرفع صوته مستنجد بحلفائه وأهل قبيلته ومثلهم فعل الشعراء في العصور اللاحقة . أما شعر الاستنجاد في الأدب الأندلسي فقد انفردت به قصائد كثيرة ، كقول عبد الله البلنسي يستنفر عرب الهلالية بالمغرب للدفاع عن الأندلس :
أقيموا إلى العليا هوج الرواحل *** وقودوا إلى الهيجاء جرد الصواهل
وقوموا لنصر الدين قومه ثائـر *** وشدوا علــى الأعداء شده صائـــل
وكقول ابن الآبار مستنجداً بأبي زكريا والي تونس :
أدرك بخيــــلك خيــــل الله أندلــــــــــــــــــــــــس *** إن الطريق إلـــى منجاتها درســـــــــــــــــــــــا
وهب لها من عزيز النصر ما التمست *** فلم يزل منك عز النصر ملتمســا
ولم يقف نداءهم على الملوك والخلفاء بل تعدى ذلك إلى غيرهم فهذا لسان الدين بن الخطيب يخاطب رسول الله ( ص ) مستنجداً به
إلا يا رسول الله ناداك ضارع *** على النأي محفوظ الوداد سليمه
وقال في قصيدة أخرى :
دعاك بأقصى المغربين غريب *** وأنت على بعد المزار قريب
كما استنجدوا بالأولياء والصالحين فهذا عبد الله بن الخطيب يخاطب ضريح أبو العباس السبتي بمراكش قائلاً :
يا ولــــــــــــــــــي الله أنت جــــــواد *** قد قصدنا إلـــــــــــــــــــــى حمـــاك المنيـع
راعنا الدهـر بالخطوب فجئنا *** نرتجي من علاك حسن الصنيع
قد جعلنـــــــــــــا وسيله تربك الزاكي *** زلفه إلــــى الله العلــــي السميـع
لكن كل تلك التوسلات لم تجدي أمام هذا الفقد الجليل الذي أصاب الدولة الإسلامية فلم يبقى إلا الأطلال التي وقف عليها الشعراء كما وقف أجدادهم ، يقول السهيلي واقفاً على أطلال بلدته :
يا دار أيــن البيـــــض والآرام *** أم أين جيران علـي كـــــــــــــــــــــرام
لما أجابني الصدى عنهم ولـم *** يلج المسامع للحبيب كـــلام
طارحتُ ورق حمامهـــا مترنما *** بمقال صب والدموع سجام
رابعا : الاستعطاف .
لقد تضافرت عوامل عدة لشيوع هذا النوع من الشعر منها التنافس بين الشعراء لنيل الحظوة عند الملوك وترتب على ذلك ما ترتب من تحاسد وكيد قد يؤدي بالغريم إلى السجن فلا يملك هذا إلا الاعتذار والاستعطاف ، كما إن الحزبية والدعوة إلى أمير معين تتطلب معادة آخر ينزل العقوبة متى كتب له النصر زد على ذلك اهتمام الحكام بالشعر لأنه سلاح يرفع من شأنهم ويسجل مآثرهم .
وهذا أبو بكر بن عمار يتمرد على ملك إشبيليه وينفرد ببلنسية بعد أن اقطعها مما أضطر الملك لا نزال العقوبة به فيقول مستعطفا المعتضد :
سجاياك إن عفيت أندى واسمــح *** وعذرك إن عاقبت أجلى وأوضح
حنانيك في الأخذ برأيك فلا تطع *** عداتي ولو اثنوا علـــي وأفصحوا
نعــــــــم لي ذنب غير أن لحلمكــــــم *** صفـــاه يزل الذنب عنها فيسمـــــــح
وإن رجائــــــــــــــي أن عندك غير مـــــــــا *** يخــوض عدو اليوم فيه ويمـــرح
كذلك نظم ابن زيدون قصيدة يستعطف فيها أبا الحزم بن جهور من داخل السجن ليفرج عنه يقول فيها :
أبا الحـــزم إنــي في عتابك مائل *** على جانب تأوي إليه العلا سهلــي
أئن زعم الواشون ما ليس مزعما *** تعذر في نصري وتعذر في خذلي
أأنفض فيك المـــدح مــن بعد قوة *** فلا أقتري إلا بناقصــــــــــــــة الغزلــــــــي
ويطول به السجن حتى يصل إلى مرحلة اليأس فيدعوا أصدقاءه خارج السجن للتمتع بالحرية ، يقول مخاطباً صديقه أبا حفص بن برد :
ما ترى في معشر مالوا *** عن العهــد وخاســوا
كلهــــم يسأل عن مــــا *** لي وللذئب اعتســـاس
أقسا الدهــــر فللمــــا *** ء من الصخر انبجاس
واغتنم صفـــو الليالــي *** إنما العيـــش اختلاس
خامسا : المديح .
أما شعر المدح فكان موجه إلى الأمراء والخلفاء والحكام ، وكان يتناول جانبين من حياتهم :
أ ـ الصفات التي يخلعها الشاعر على ممدوحه من شجاعة وكرم ووفاء .
ب ـ انتصارات الممدوح التي هي نصر وعز للإسلام والمسلمين ، ثم وصف للمعارك الحربية .
وقد تختلف طريقة بناء قصائد المدح بين شاعر وآخر ، فبعضها كان ينهج نهج الأقدمين فيبدأ بمقدمة طللية ونسيب ووصف للرحلة ثم يتخلص إلى المدح ، بينما نجد من يعمد إلى موضوعه مباشره دون مقدمات ، ويقدم صنف ثالث بين يدي ممدوحه شيئا من الغزل أو وصف الطبيعة والشكوى والعتاب وعقب ذلك ينتقل إلى المدح ، ومن أشهر شعراء الأندلس في هذا الغرض " ابن حمديس ، وابن هاني ، وابن زيدون ، وابن دراج القسطلي .
يقول ابن حمديس مادحا الأمير أبا الحسن على بن يحي :
تفشي يداك سرائر الأغماد *** لقطاف هام واختلاء هوادي
إلا علـــــــــــى غزو يبيد به العدى *** لله من غزو له وجهــــــــاد
وطلـــــــــــــــوع رايات وقود جحــــــــافل *** وقراع أبطال وكر جياد
ويقول ابن هاني مادحا إبراهيم بن جعفر :
لا أرى كابن جعفـــــــر بن علــــي *** ملكــــــاً لابســـــاً جلالـــــه مــــُلك
مثل مــــاء الغمــــام يندى شبابــــــاً *** فـــــي حُلتــــــــي تــــوق ونُســــــــك
يطأ الأرض فالثرى لؤلؤ رطب *** وماء الثرى مجاجـــه مســــــك
ويقول ابن زيدون مادحاً الوليد ين جهور :
للجهـــــور أبــــــــي الوليد خلائـــــــق *** كالروض أضحكه الغمام الباكي
ملك يسوس الدهر منه مهذب *** تدبيـــــــــره للمـــــلك خيـــــــــــــــر مــــــلاك
جارى أباه بعدما فات المــــــدى *** فتــــــــلاه بــــيــــــــن الفـــــــــــــون والإدراك
ومن الشعراء من غالى في مدحه كابن هاني الأندلسي ومن ذلك قوله في مدح المعز لدين الله الفاطمي :
ما شئت لا مــا شاءت الأقدار *** فاحكم فأنت الواحد القهار
هذا الذي تجدي شفاعته غدا *** وتخـــــمـــــــــد إن تــــراه النــــــــــــار
وذلك لتعاطفه مع الفاطميين فيرى أن أميره يرتفع عن مرتبة البشر حتى تحل فيه روح الأنبياء وروح الله كما يظهر ذلك في قوله في المعز عندما نزل مدينة رغادة المغربية
حل في رغاده المسيح *** حل بهــــــا آدم ونـــــــوح
حل بها الله بالمعالــــي *** وكل شيء سواه ريح
ومن المديح أيضا قول ابن مقانا الاشبوني يمدح إدريس بن يحي بن علي بن حمود والذي كان يضرب بينه وبين الرعية حجابا :
وكأن الشمـــــــس لمــــــا أشرقــــــــت *** فانثنت عنها عيون الناظرين
وجه إدريس بن يحي بن علي *** بن حمــــــــــــود أمير المـــــؤمنين
أنظــــــــــرونا نقتبس من نوركـــــــم *** إنه مـــن نـــــــور رب العـــــالمين
فما كان من الأمير إدريس بن يحي إلا أن رفع الحجاب الذي يحجبه عنه بيده .
سادساً : الغزل والمجون .
وجد الغزل في كل المنظومات الجاهلية ومع تقدم العصور استغل بذاته ووصل قمة استغلاله عند ابن أبي ربيعة ، أما في الأندلس فقد تميز شعر الغزل عندهم بالجرأة والصدق فالمستمع لشعرهم يكاد يحس بعطر الورد و نداوة الموقع ويشاهد فيه تساقي كؤوس الحب ولا يلاحظ فيه شكوى الحرمان إلا قليلاً عند ابن زيدون .
يقول ابن عبد ربو متغزلاً :
يا من تقطع خصره من رقةٍ *** ما بال قلبك لا يكــــــون رقيقا
وقد كانت الموشحات ميداناً خصباً للغزل ومن ذلك قول ابن سهل :
هل درى ظبي الحمى أن قد حمى *** قلب صب حله عـــن مكنس
فهــــــــو فــــي نار وخفــــــــــــــــق مثلمـــــــــــا *** لعبت ريــــــح الصبا بالقبـــــــس
وقد كانت للمرأة دورٌ كبيرٌ في إنعاش هذا النوع من الشعر وذلك بتحللها من القيود الشرقية ومجاهرتها فهذه ولادة بنت المستكفي تكتب على ثوبها :
أنا والله أصلـــــــــــــــح للمعــــــــالـــــــــــــــي *** وأمشـــــــــي مشيتـــــــي واتيه تيهـــــــا
وأمكن عاشقي من صحن خدي *** وأعطــــي قبلتي من يشتهيهــــــا
وهذه حفصة الركونية تجاهر بحبها لجعفر بن سعيد قائلة :
أغار عليك من عيني رقيبي *** ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أني خبأتك في عيونـــــي *** إلى يوم القيامة ما كفانــــــي
ولا شك أن الإباحية المطلقة تؤدي إلى نوع من الشذوذ فهذه حمده الغرناطية تتغزل في فتاة مثلها فتقول :
لها لحـــــظ ترقـــــــده لأمـــــــــــر *** وذاك الأمر يمنعني رقادي
كان البدر مات له شقيق *** فمن حــــــزن تسربــــل بالحداد
وقد اشتهر ابن سهل في غزله بغلام اسمه موسى يقول فيه :
كأن الخال في وجنات موسى *** ســــــواد العتب فـــــــــي نور الوداد
وخــــــط بصدغــــه للحســــــن واواً *** فنقــــــط خده بعــــــــــــــض المــــــــــداد
لواحظـــــــه محيـــــــــــــــــــــرة ولكــــــــن *** بها اهتدت الشجون إلى فؤادي
سابعا : الهجاء .
لم يلق رواجا كبيرا بين شعراء الأندلس ، فكان حظه من أشعارهم قليلاً إذا ما قيس بغيره من الموضوعات . ومن أمثلته قول ابن زيدون في المعتضد :
لقد سرنا أن النعي موكل *** طاغية قد حم منه حمام
كذلك يقول يحي بن سهل هاجياً :
أعد الوضوء إذا نطقت به *** متذكرنَ من قبل أن تنســــــى
وأحفظ ثيابك أن مررت به *** فالظل منه ينجس الشمس
ثامنا : الفلسفة .
كما طوع شعراء الأندلس الفلسفة للشعر والشعر للفلسفة ، فصوروا الخواطر النفسية والتأملات الفكرية مما يُعد مجال إبداع في هذا اللون من الشعر، ونمثل لهذا الغرض بقول أمية بن عبد العزيز:
وما غربة الإنسان في غير داره ** ولكنها في قرب من لا يشاكله
أو قول الآخر:
تفكر فــــــي نقصان مالك دائمــــًا *** وتغفل عن نقصان جسمك والعمر
ويقول الشاعر الغزال:
أرى أهل اليسار إذا تُوُفُّوا *** بَنوا تلك المقابر بالصخـــور
أبوْا إلاّ مُبَاهـــــــاة وفخــــــــــرًا *** على الفقراء حتى في القبور
إذا أكل الثرى هذا وهـــذا *** فما فضل الغنيّ علـى الفقير
خصائص الشعر الأندلسي :
1 ـ سهولة الألفاظ وتجنب الألفاظ الصعبة أو الحوشية مما يؤدي بالشعر إلى الانسجام والإلفة ، ونلاحظ ذلك في أبيات البطليموس :
ورآو حصى الياقوت دون نحورهم *** واستبدلــــوا منه النجوم عقودا
2 ـ الإبداع في التشبيهات والكنايات وغيرها من ألوان البيان كقول الشاعر في وصف ساق زنجي :
وزنجي آتى بقضيب نـــور *** وقد زفت لنا بنت الكـــــروم
فقال فتى من الفتيان صفه *** فقلت الليل أقبل بالنجــوم
3 ـ غلبت مظاهر الطبيعة على أشعارهم فحينما تنظر إلى وصف المدن والغزل تجد نفسك في روض من الرياض تشم عبيرها .
4 ـ غلب الخيال على أشعارهم ، فجمال الطبيعة واعتدال المزاج وخصوبة الفكر ظهر جليا في أشعارهم فهذا ابن مشرف القيرواني يقول في مجيء الصبح بعد الليل
مطل الليـــــــــل بوعد الفلـــــــــق *** واشتكـــــــــى النجــم طـــول الأرق
ولاح الفجــــــر خدا خجـــــــــلا *** حال من رشح الندى في عرق
5 ـ لا يعتمد الشاعر على المحسنات البديعية إلا نادرا وربما أن السبب في ذلك هو نبذ شعراء المشرق لها ومن ذلك حسن التعليل قول أحدهم :
قالوا الحبيب شكى جعلت فداه *** مرض ألـــــــــــــم بعينه كالعنـــــــدم
فأجبتهــــــــــم مازال يفتك لحظـــــه *** في مهجتي حتى تسربل بالدم
6 ـ الإلمام بحوادث التاريخ وشخصياته .
7 ـ الجرئة والوضوح وربما جاء ذلك للتسامح من رجال الدين والتأثر بالمسيحية .
فيما سوى ذلك فهو يشبه الشعر العربي فقد وقف هؤلاء على الأطلال وقدموا بالنسيب واستغلت المواضيع كما أنه لم يخرج عن هيكل الموضوع للقصيدة العربية وإذا خرجت الموشحات فهو خرج نسبي .
واستحدث أهل الأندلس فنّين من فنون الشعر هما :
1ـ الموشح 2ـ الزجل
أولا : الموشحات .
وهي فن شعري خاص عمل للغناء في بدايته , وكان في بدايته مقتصراً على غرض الغزل , ثم كتبت الموشحات في أغراض أخرى , واشتهر به كثير من الوشاحين أمثال ( عبادة ابن ماء السماء , الأعمى التطيلي , ابن القزاز , ابن بقي , أبو بكر ابن زهر , ابن سهل , ابن الخطيب الأندلسي ) .
تعريف الموشح : هو كلام منظوم على وزن مخصوص ، وبعبارة أخرى : هو شعر تحرر من قيود الوزن والقافية نسبيا . وهو ضرب من ضروب الشعر استحدثه المتأخرون بدافع الخروج على نظام القصيدة والثورة على النهج القديم للقصيدة وانسجاماً مع روح الطبيعة الجديدة في بلاد الأندلس واندماجاً في تنوع التلحين والغناء.
العوامل التي ساعدت على ابتكار هذا النوع من الشعر في الأندلس :
1ـ حياة الترف التي كانت سائدة وشيوع مجالس الغناء والموسيقى في فترة شهدت استقرار سياسياً .
2ـ امتزاج العرب بالأسبان فكان من الطبيعي أن يظهر أدبا خاصا بهذه الشخصية الهجين .
وفي القرن السادس الهجري ظهر اهتمام كبير بفن التوشيح مجددا فجمع ابن الخطيب موشحات في كتاب سماه " جيش التوشيح " ، كما عقد لها ابن خلدون فصلا في مقدمته ، وكذلك فعل المقري في " نفح الطيب " .
سبب تسميتها بالموشحات:
سمي موشحاً لأناقته وتنميقه تشبيهاً له بوشاح المرأة. فالموشحات الشعرية إنما سميت بذلك لأن تعدد قوافيها على نظام خاص جعل لها جرساً موسيقياً لذيذاً ونغماً حلواً تتقبله الأسماع ، وترتاح له النفوس ، وقد قامت القوافي فيها مقام الترصيع بالجواهر واللآلئ في الوشاح فلذلك أطلق عليها (الموشحات) أي الأشعار المزينة بالقوافي والأجزاء الخاصة ، ومفردها موشح ينظم فمعناها منظومة موشحة أي مزينة
يقول صاحب لسان العرب نقلاً عن الجوهري في صحاحه: ( الوشاح يُنسج من أديمٍ عريض ويُرصّع بالجواهر، وتشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها ).
المراد بالعاتق: مابين العنق والكتف ، وبالكشح : الخاصرة التي يدور الحزام حولها.
ولعل هذا النوع من الوشاح مما كان يتخذه أهل البوادي ، فينسجون أديماً عريضاً من سيور رفيعة ، ثم يرصّعونه بالجواهر المختلفة الأقدار والألوان على نسب خاصة، ثم تشده المرأة في الأعراس ونحوها بين عاتقيها وكشحيها بصيغة التثنية أي أنها تتخذ وشاحين، وربما فعله بعض النسوة مبالغة في الزينة أو تظاهراً بالغنى والثراء.
ويقول الأستاذ مصطفى السقا في كتابه المختار من الموشحات تعليقاً على السطور السابقة: ( هذا أصل معنى الموشحات كما جاء في معاجم اللغة ، وقد توسع العرب في الكلمة ، فأطلقوها مجازاً على أشياء منها القوس فتكون في وضعها على الكتف أشبه بالوشاح ، ومنها الثوب يلتف به صاحبه كما كما يوضع الوشاح بين العاتق والكشح ، ومنها السيف سموه وشاحاً على التشبيه به لأن صاحبه يتوشح بحمائل سيفه فتقع الحمائل على عاتقه الأيسر ويكون الأيمن مكشوفاىً، وربما يُسمى السيف وشاحة ـ بالتاء ـ أيضا كما يُقال إزار و إزارة ، وقد يُسمى الكشح وشاحاً لأن الوشاح يُعقد عند الكشح يُقال امرأة غرثى الوشاح إذا كانت هيفاء.
ولذا لا يقال قصيدة موشحة لأن لفظ القصيدة خاص بأشعار العرب المنظومة في البحور الستة عشر كما جاءت في علم العروض.
ظهورها ونشأتها:
والموشحات قد نشأت في الأندلس أواخر القرن الثالث الهجري ( التاسع الميلادي) وكانت نشأتها في تلك الفترة التي حكم فيها الأمير عبد الله ، وفي هذه السنين التي ازدهرت فيها الموسيقى وشاع الغناء من جانب ، وقوي احتكاك العنصر العربي بالعنصر الاسباني من جانب آخر، فكانت نشأة الموشحات استجابة لحاجة فنية . أولاً : ونتيجة لظاهرة اجتماعية ثانياً : أما كونها استجابة لحاجة فنية فبيانه أن الأندلسيين كانوا قد أولعوا بالموسيقى وكلفوا بالغناء منذ أن قدم عليهم زرياب وأشاع فيهم فنه والموسيقى والغناء إذا ازدهرا كان لازدهارهما تأثير في الشعر أي تأثير، وقد اتخذ هذا التأثير صورة خاصة في الحجاز والعراق حين ازدهر فيهما الغناء والموسيقى في العصر الأموي ثم العصر العباسي، وكذلك اتخذ هذا التأثير صورة مغايرة في الأندلس حين ازدهر فيها الغناء والموسيقى في الفترة التي نسوق عنها الحديث ، فيظهر أن الأندلسيين أحسوا بتخلف القصيدة الموحدة إزاء الألحان المنوعة، وشعروا بجمود الشعر في ماضيه التقليدي الصارم أمام النغم في حاضره التجديدي المرن، وأصبحت الحاجة ماسة إلى لون من الشعر جديد يواكب الموسيقى والغناء في تنوعها واختلاف ألحانها ومن هنا ظهر هذا الفن الشعري الغنائي الذي تتنوع فيه الأوزان وتتعدد القوافي، والذي تعتبر الموسيقى أساساً من أسسه فهو ينظم ابتداء التلحين والغناء ، و أما كون نشأة الموشحات قد جاءت نتيجة لظاهرة اجتماعية فبيانه أن العرب امتزجوا بالأسبان ، وألفوا شعباً جديداً فيه عروبة وفيه اسبانية وكان من مظاهر الامتزاج أن عرف الشعب الأندلسي العامية اللاتينية كما عرف العامية العربية ، أي أنه كان هناك ازدواج لغوي نتيجة للازدواج العنصري.
تطور الموشحات:
وقد كانت فترة نشأة الموشحات كفترة نشأة أي فن من حيث مشاهدتها لأولى المحاولات التي غالباً ما يعفى عليها الزمن، ومن هنا ولبعد الزمن بتلك الفترة لم تبقَ لنا من هذه الموشحات الأولى التي نظمها مقدم و أمثاله أي نماذج. ولكننا نستطيع أن نتصورها موشحات بسيطة كلها باللغة العربية ماعدا الخرجة التي تكتب باللغة الأندلسية المحلية ، كما كانت ترضي معانيها ولغتها و أغراضها حاجة الأندلسيين حينئذ ، وتعكس اختلاط عنصريهما وامتزاج لغتيهما وشيوع الغناء والموسيقى بينهم.
وقد تطورت الموشحات بعد فترة من نشأتها تطورات عديدة وكان من أهمها تطور أصابها في القرن الخامس الهجري أيام ملوك الطوائف ، ثم تطور آخر بعد ذلك بقليل فرع عنها ما يسمى بالزجل حتى أصبح هذا الاتجاه الشعبي ممثلاً في لونين: لون الموشحات وقد صارت تكتب جميعاً باللغة الفصحى، ولون الأزجال وقد صارت تكتب جميعاً باللغة العامية ، وانتقل هذان اللونان من الأندلس إلى المشرق فكثر فيه الوشاحون والزجالون ، وعرفهما كذلك الأدب الأوروبي، فتأثر بهما شعراء جنوب فرنسا المسلمون (التروبادور) كما تأثر بهما كثيرون من الشعراء الأسبان الغنائيين، وانتقل التأثير إلى الشعر الايطالي ممثلاً في عدة أنواع مثل النوع الديني المسمى (لاوديس) والنوع الغنائي المسمى (بالاتا).

مخترع فن التوشيح :
اختلف المؤرخون حول مخترع فن التوشيح فقال ابن بسام : " هو محمد بن محمود القبري " ، وذهب ابن خلدون إلى أن مخترع هذا النوع من الشعر : " هو المقدم بن معافى القبري " . وأي كان الاختلاف فإن محاولاتهم تلك كانت محاولات ساذجة وبسيطة ، حتى جاء عباده بن ماء السماء فرفع شأنها وقد قال : " بن زهد وكل الوشاحين عيال على عباده "
أجزاء الموشحة:
تتعدد أجزاء الموشحة التي تتركب منها ولكل جزء من هذه الأجزاء اسم يميزه عن غيره، وحتى نستطيع توضيح الأجزاء على الطبيعة فإنه يحسن بنا أن نقدم موشحة ثم نشير إلى كل جزء من أجزائها في نطاق المصطلحات التي نمر على ذكرها. وقد وقع الاختيار على هذه الموشحة القصيرة لابن مهلهل التي يصف فيها الطبيعة وصفاً رقيقاً:
النهر سلّ حساما *** على قدود الغصون
وللنسيــــــــــــــــم مجــــــــــال
والروض فيه اختيال
مـــــــدّت عليه ظــــــلال
والزهر شقّ كماما *** وجداّ بتلك اللحــــــون
أما ترى الطير صاحـــــــــا
والصبح في الأفق لاحــا
والزهر في الروض فاحا
والبرق ساق الغماما *** تبكي بدمع هتـون
1. المطلع أو المذهب : كلاهما اصطلاح يطلق على مطلع الموشحة الذي يتكون عادة من شطر أو شطرين أو أربعة أشطر وهو هنا في موشحة ابن مهلهل يتكون من قسمين أو شطرين أو غصنين هما:

النهر سلّ حساما *** على قدود الغصون
وقد تختلف قافية الغصنين كما هو الحال في المثال السابق، وقد تتفق كما هو الحال في إحدى موشحات ابن زهر:
فتق المسك بكافور الصباح *** ووشت بالروض أعراف الرياح
2. الدور: وهو مجموعة الأبيات التي تلي المطلع ، وإن كان الموشح أقرع فإن الدور يقع في مستهل الموشح ، ويتكون الدور من مجموعة من الأقسمة لا تقل عن ثلاثة ولا مانع من أن تزيد عن ثلاثة بشرط أن تتكرر بنفس العدد في بقية الموشح وأن تكون من وزن المطلع ولكن بقافية مختلفة عن قافيته وتلتزم في أشطر الدور الواحد. والدور في الموشح موضع التمثيل هو:
وللنسيــــــــــــــــم مجــــــــــال
والروض فيه اختيال
مدّت عليه ظـــــــــــلال
3. السمط: هو كل شطر من أشطر الدور، وقد يكون السمط مكوناً من فقرة واحدة كما هو في الحال في موشحنا هذا، وربما يتألف من فقرتين كقول الشاعر.
آه مما أجــد شفني ما أجـد
قام بي وقعد باطش متئـــد
كلما قلت قد قال لي أين قد
4. القفل: هو ما يلي الدور مباشرة ويسمّى أيضاً مركزاً ، وهو شبيه بالمطلع في الموشح التام من جميع النواحي أي أنه شبيهه في القوافي وعدد الأغصان وليست
الموشحة مشروطة بعدد ثابت من الأقفال . والقفل في موشحنا هو:
والزهر شق كماما *** وجداً بتلك اللحون
5. البيت: وهو في الموشحة غيره في القصيدة ، فالبيت في القصيدة معروف أما في الموشحة فيتكون البيت من الدور مضافاً إليه القفل الذي يليه وعلى ذلك فالبيت في موشحنا هو:
وللنسيــــــــــــــــم مجــــــــــال
والروض فيه اختيال
مُدّت عليه ظـــــــــــــلال
والزهر شق كماما *** وجداً بتلك اللحون

6. الغصن: هو كل شطر من أشطر المطلع أو القفل أو الخرجة وتتساوى الأغصان عدداً وترتيباً وقافية في كل الموشحة وقلّما يشذ الوشاح عن هذه القاعدة ، وأقل عدد للأغصان في مطلع أية موشحة ، وفي الأقفال والخرجة ، اثنان . وكما سبق القول يجوز أن تتفق قافية الغصنين ويجوز أن تختلف، على أنه من المألوف أن تتكون أقفال الموشحة من أربعة أغصان مثل موشح لسان الدين:
جادك الغيث إذا الغيث همـى *** يـازمــان الـوصـــل بالأنـدلــــس
لم يـكـــن وصــلك إلا حـــلـــماً *** في الكرى أو خلسة المختلـس
7. الخرجة : هي آخر قفل في الموشحة وهي قفل ، غير أنها تقع في آخر الموشحة وهي وما يسبقها من أقفال تشكل أجزاء أساسية في بناء الموشحة وبدون الأقفال والخرجة لا يمكن أن تسمى المنظومة موشحاً.
والخرجة نوعان:
أ. خرجة معربة : وهي التي تكون فصيحة اللفظ بعيدة عن العامية.
ب. خرجة رجلية : أي عامية أو أعجمية الألفاظ وهي المفضلة المستحسنة.
ومثالا لذلك موشح لابن القزاز:

وغــــــــــادة لـــــــم تــــــــزل تشكو لمن لا ينصف
يا ويـــح من يتصـــل بحبل من لا يعســــــف
لمــــــا رأته بــــطـــــــــــــــل وهي غراماً تكلـــــــــــــــــف
غنت وما للأمــــــــــــل إلا إليه مـصـــــــــــــــــــرف
مسيو سيدي إبراهيم يا نوامن *** دلـــــــج فأنت ميب دي نخت
إن نون شنون كارش بيريـــــــم *** تيــــب غـــرمـــــــــــي أوب لــقـــرت
ومعنى هذه الخرجة الأعجمية : ياسيدي إبراهيم ياصاحب الاسم العذب أقبل إلي وفي المساء إن لم ترد جئت إليك ولكن أين أجدك؟.

أغراض الموشحات:
بدأت الموشحات في خدمة الحب والغزل وبمرور الزمان ما لبثت أغراض القول فيها أن تعددت ومافتئت موضوعاتها أن تشعبت فأصبح الوشاحون ينشئونها في فنون الغناء والخمر ، ومجالس اللهو ، و وصف الطبيعة ، والمدح ، والرثاء ، والهجاء وكثيراً ما كانت قصور الخلفاء و الأمراء تضم مجالس الغناء حيث يلتقي الشاعر و الوشّاح والمغنّي والملحن ، فيطرب الخليفة وتكون الفرصة سانحة لأن ينال كل من الوشاح والمغنّي شيئاً من عطاء الخليفة .
على أن الموشحة ما لبثت أن اتخذت طريقاً بعيداً عن الغرض الذي ابتُدِعت من أجله ، فإذا كانت قد بدأت بالقول في الغزل ومجالس اللهو فإنها لم تلبث أن وصلت إلى موضوع القول في الزهد وهو أمر طبيعي فطالما أن الموشحة اتسعت لكي تشمل كل موضوعات الشعر العربي فإنه لا يبدو مستغرباً إذا ما أنشئت الموشحة في الزهد ويقول ابن سناء الملك: " إن ما كان منها في الزهد يقال له المكفر، والرسم في المكفر خاصة ألا يعمل على وزن موشح معروف وقوافي أقفاله ، ويختم بخرجة ذلك الموشح ليدل على أنه مكفرة ومستقيل ربه عن شاعره ومستغفره".
وسنعرض لنماذج من الموشحات الأندلسية تبعاً لأسبقية الموضوع الذي أنشئت فيه ، بمعنى أن نبدأ بعرض الموشحات الغزلية ثم الخمرية ثم وصف الطبيعة وكثيراً ما كانت تتشابك هذه الموضوعات وتشترك كلها في موشحة واحدة ولكن يظل للموشحة وجه متميز على الوجهين الآخرين ، ثم نعرض لموشحات المدائح ، ثم الرثاء ، ثم التصوف .
  • الغزل .
    من أشهر الوشاحين الغزلين الأعمى التطيلي وموشحته تلك التي تعتبر مثلاً أعلى لفن الموشحات عن وشاحي الأندلس الذين استولى هذا الفن على مجامع قلوبهم، وملك عليهم تفكيرهم فأخذوا يتأنقون في رصف الموشحات ويجرون المقارنات بينها، وقد ذكر أن جماعة من الوشاحين اجتمعوا في أحد المجالس في اشبيليه، وقد استحضر كل واحد منهم موشحة ألّفها وتأنق فيها فتقدم الأعمى التطيلي لإنشاد موشحته وما كاد ينتهي منها حتى قام كل وشاح بتمزيق موشحته إجلالاً للتطيلي وإعجاباً بموشحته وفيها يقول:

    ضاحك عن جمان *** سافــر عن بـدر
    ضاق عنه الزمان *** وحـــــــواه صدري
    آه مــــــــما أجـــــــــد شفنـــي ما أجـــد
    قــــام بي وقـــــعـــد باطــش متئـــــــــــد
    كــلمـــــا قلت قـــد قال لي أين قــد

    وانـثنــى خــــــوط بان *** ذا مهـز نضيـــر
    عــــــــابثــــتـــه يــــــــــــدان *** للـصبا والقطـــــــر
  • توشيح الخمر والمجون .
    الوشاحون الذين أجادوا في معاني الخمر هم أنفسهم الشعراء الذين رويت لهم مقطوعات في ذلك الميدان من القول أعجب بها النقاد والمتأدبون ، ولا تكاد تخرج معاني الخمر في التواشيح عن معانيها في القصائد والمقطوعات الشعرية ، وفي مقدمة الشعراء الوشاحين الذين أحسنوا القول في هذا السبيل يحيى بن بقي القرطبي الذي قضى حياته بين الكأس والوتر وحل العذار وله شعر رقيق وموشحات عذبة ، ومن أرق موشحاته في الخمر قوله:
    أدر لـــنــا أكــــــــــــــــــــــــواب *** ينســــــــى به الـــوجـــــــــــــــــد
    واستصحب الجــلاس *** كمــا اقتضــــــــى العهــــــد
    دن بالهــــوى شرعاً ما عشت ياصـــــــاح
    ونـــــزّه الســــمــعــــــــــــــــــا عن منطق اللاحــي
    والحـــــكم أن يدعـى إليــــــــك بـــــالــــــــــــــــــراح

    أنامـــــــــــــل العــــنـــــــــــــــــــــــــاب *** ونقـــــــــــــــــــلك الـــــــــــــــــــــــــــــــــــــورد
    حفـــــــــــا بصــدغــــــــــي آس *** يلويهــــمـــــــــــــــــــــــا الخــــــــــــــــــــــــــد
  • وصف الطبيعة:
    الأندلس باب الطبيعة الخلابة الرقيقة التي خلّد جمالها شعراؤها، فلم يكن معقولاً والأمر كذلك أن يختلف الوشاحون عن اللحاق بركب الشعراء في هذا المجال لقد لحقوا بهم حقاً لكنهم لم يستووا معهم في نفس المرتبة إنما جاءوا في مرتبة تالية ذلك لأن ملوك شعر الطبيعة في الأندلس رفضوا أن يكونوا وشاحين .
    فمن الموشحات الجميلة التي قيلت في وصف الرياض موشحة الوزير الأديب الشاعر أبي جعفر أحمد بن سعيد ، وموشحته قيلت في منتزه جميل في ضواحي غرناطة عُرِف بـ(حور مؤمل) حيناً،و (حوز مؤمل) حيناً آخر.
    وموشحة الوزير الشاعر تجمع إلى وصف الروض وصف النهر الذي خلع عليه الوزير الوشاح عدداً من الألوان البهيجة حين سلّط شمس الأصيل على مائه المفضفض وجعل منه سيفاً مصقولاً يضحك من الزهر الأكمام ، ويبكي الغمام ، وينطق ورق الحمام ، ويصف أيضاً جمال الحور وفتنة الروض التي توحي بالشراب والشراب في الغالب يمد الشاعر أو الوشاح الأندلسي بالغزل الساقي.
    إن موشحة الوزير أبي جعفر موشحة رقيقة وهي من النوع التام لافتتاحها بالمذهب، ولكن خرجتها عامية يقول أبو جعفر بن سعيد:
    ذهبت شمس الأصيل *** فضـــــة النهــــــــــــــــــــــــــــــر
    أي نهر كالمدامــة
    صيّر الظل فدامــه
    نسجته الريح لامـه
    وثنت للغصن لامه
    فهو كالعضب الصقيل *** حـــــــــــف بالشـــــفــــــــــــــــــــــــــــــــــر
    مضحكاً ثغر الكمام
    مبكــياً جفن الغمـــــام
    منطقاً وِرق الحمـــام
    داعــــياً إلــــــى المـدام
    فلــــهذا بالـــقـــبـــــــــــــــــــــــــول *** خـــــــــــط كالسطــــــــــــــــــــــــــــــــــــر
    وعد الحب فـــأخـــلـــــــــــــف
    واشتهى المطل وسـوّف
    ورســـــولــــــــي قد تعــــــرّف
    منــــه بما أدري فحــــرف
    بالله قل يا رسولــــــــــي *** لش يغــــــــــــــــــــب بـــــــــــــــــــدري
    ومن ذلك يقول ابن المهلهل في وصف الطبيعة :
    أمـــــــا ترى الطير صـــــاح
    والصبـح في الأفق لاح
    والزهر في الروض فاح
    والبرق ســـاق الغمـــــــام *** يبكـــي بدمـــع هتون
    كلمة حق يجب أن تقال في شأن موشحات الروضيات بالقياس إلى شعر الروضيات ، إن الوشاحين الأندلسيين على ما بذلوا من جهد وعلى ما أبدعوا من صور وعلى ما وفروا من موسيقى فإن كل موشحاتهم تنحني حياء أمام جلال شعر الروضيات وجماله وما فيه من إتقان وحلاوة ورقة وافتنان .
  • المديح:
    أكثر الموشحات التي قيلت في المديح إن لم تكن جميعها قد مزجت بين الطبيعة والغزل قبل أن تدلف إلى صميم المديح ، ولعل أشهر موشحة في هذا السبيل هي لسان الدين بن الخطيب في مدح الأمير الغني بالله صاحب غرناطة ، وموشحة لسان الدين تعتبر من اللون الراقي المتماسك من هذا الفن رصعها بوصف الطبيعة ، وزينها بالتوريات اللطيفة ورونقها بالصور البديعية ، وداعب الورد ولاطف الآس ، ويغزل وشكا والتاع كل ذلك حتى يجعل هذه المعاني مهاداً يلقي من خلالها بباقات المديح التي أراد أن يقدمها لأميره ولم ينس لسان الدين نفسه حين بسط عليها شيئاً من الفخر، كما لم ينس الرجل الذي سلك نهجه وهو يكتب موشحته ونعني به إبراهيم بن سهل الإسرائيلي في موشحته:" هل درى ظبي الحمى" فقد جعل لسان الدين هذا المذهب خرجة لموشحته، وكرم من خلالها في نطاق من العجب والخيلاء الوشاح الكبير ابن سهل . يقول لسان الدين الخطيب:

    جادك الغيث إذا الغيث همـــى *** يا زمان الوصــل بالأنـــدلـــــــــس
    لــم يكــــــــــن وصـــــلك إلا حـــلمــــاً *** في الكرى أو خلســـة المختلس
  • الرثاء :
    لقد أسهم التوشيح في الرثاء تبعاً لطموحه في تغطية كل موضوعات الشعر، ومن ذلك موشحة أبي الحسن علي ابن حزمون الشاعر الوشاح ذو المقدرة الخارقة على خلق الصورة البارعة اللاذعة من خلال شعره الذي عاش في أواخر القرن السادس و أوائل القرن السابع يقول ابن حزمون في رثاء أبي الحملات قائد الأعنة ببلنسية وقد قتله نصارى أسبانيا:
    ياعين بكـــــى الســراج *** الأزهر النيـــــرا اللامـــــــع
    وكـــــان نعــــــــم الــرتاج *** فكسرا كي تنثرا مدامــع
    من آل سعيد أغــــــر *** مثل الشهـــــــاب المتقــــــــد
    بكى جميع البـــشـــر *** علـيـــــــــه لمـــــــــا أن فــقــــــــــد
    أوزان الموشحات:
    كانت الموشحات ثورة على الأوزان التقليدية للشعر العربي وعلى نظام قوافيه وقد لاحظ ابن سناء الملك أن الموشحات تنقسم إلى قسمين:
  • ما جاء على أوزان أشعار العرب.
  • ما لا وزن له فيها ولا إلمام له بها.
خصائص الموشحات:
ويمكن أن نجمل خصائص ومميزات شعر الموشحات في ما يلي :
1ـ الخروج على أوزان الخليل بن أحمد وإن جاءت بعضها عليها إلا أنها كانت خطوة
في طريق تحرير القصيدة من قيود الوزن والقافية .
2 ـ لم تخرج الموشحة على أغراض الشعر العربي المعروفة ولكنها مزجت بينها .
3 ـ اعتماد الموشح على الموسيقى جعله يخفي الكثير من عيوبه التي تتعلق
بالمعاني
واللغة فأصبحت الموشحة كالمقعد الذي لا يستطيع الوقوف بنفسه إلا بعكاز
الموسيقى
4 ـ لم تضف الموشحات جديدا من جهة المعنى فوصفها بعض المؤرخين بأنها
كانت مرحلة انحطاط بالنسبة للشعر العربي ، وفي ذلك يقول جودة الركابي : " وهذه
المعاني التافهة يسترها طلاء خارجي مستمد من ضروب البيان والبديع " .
5 ـ لم تلج الموشحات إلى ميدان الفكر والفلسفة وربما كان ذلك للقيود التي ضربت
على الأدب آنذاك .
6 ـ يغلب على لغة الموشحات الأندلسية الضعف والركاكة فالوشاح همه إرضاء
العامة .
وأي كان فالموشحات الأندلسية فننا له مكانته الخاصة وهو طفل هجين يستحسن له
الفضل في الخروج عن القيود فهو أكثر نجاحا من المحاولات الشرقية كما أن هنالك
وشاحون أنتجوا لنا موشحات جميلة يفتخر بها بين الفنون الأخرى .
نعرج بعد الموشحات إلى ب‌- فن الزجل : وهو أيضاً من فنون الشعر الأندلسي
المستحدثة كالموشحات وهو فن للغناء أيضاً ، غير أنه يعتمد في لغته على اللغة
الدارجة نسبياً ( اللهجة العامية ) ، وقد يطعم ببعض الألفاظ الأجنبية واشتهر به :
( ابن راشد , وابن قزمان ) وغيرهما ...
ولقد ظهرا في وقت واحد مع ترجيح أن لهما أصلاً مشتركاً في البيئة الأندلسية منذ عهودها القديمة فالفرق بين الموشح والزجل يظهر في:
فن الموشح
فن الزجل
احتضنت بعض العبارات العامية أو الأعجمية في خرجتها وأحياناً في كيانها وبنائها.
فن الشعر العامي
إدخال العامية إلى الشعر مع تحوير في بناء القصيدة وتعدد الأوزان والقوافي
لا يلتزم الإعراب أو الكلمات الفصيحة ويعمد إلى استعمال العبارات الشعبية
أخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه
ظهوره جاء مستهدفاً إرضاء العوام بشعر يفهمونه ويطربون له، يعبر عن خواطرهم ، ويلتقي مع عواطفهم ويتسق مع قدراتهم على الفهم والتذوق والإدراك.
مشاهير شعراء الأندلس
ج/ تمتلئ كتب التراث الأندلسي بأسماء الكثير من الشعراء فمنهم على سبيل المثال لا الحصر :
" عبد الرحمن الداخل ، المنصور ابن أبي عامر المعافري الحاجب ، ابن عبدون ابن زيدون ، ابن وهبون ، ابن رشيق القيرواني ، المعتمد بن عباده ، ابن عبد ربه ، عباس بن فرناس ، ابن هانئ ، ابن عمار ، ابن دراج القسطلي ، يحي بن حكم الغزال ، يوسف بن هارون الرمادي ، أبو المخشي ....وغيرهم " .
النثر في الأندلس
كان النثر في عصور الأندلس الأولى في مجمله كما كان الشعر ، محاكاة للنثر في المشرق ، فما أن تظهر مدرسة نثرية ما إلا ونجد صداها في الأندلس .
غير أن ما يلاحظ في أهل الأندلس هو تميزهم في الجمع بين الكتابة والشعر ، فالمعروف مثلاً في المشرق أن ابن المقفع و الجاحظ وعبد الحميد الكاتب وابن العميد كانوا كتاباً ، والمتنبي وبشار وأبا تمّام كانوا شعراء ، بينما أهل الأندلس شاعرهم كاتب و كاتبهم شاعر مثل ابن زيدون وابن الخطيب وابن شهيد وابن الآبار وغيرهم .
2ـ أهم فنون النثر في الأندلس .
ج/ فنون النثر الفني في الأندلس كثيرة ، ولقد تبلورت في العصور الأندلسية المتأخرة ويمكن تقسيمها إلى :

1. فن التراجم :
والترجمة هي الحديث عن حياة الأعلام البارزين وهي فن نثري عرف بداية ً عند أهل الحديث وتختلف الترجمة من مترجم إلى آخر فثمة من يهتم بنسب المترجم به وميلاه ووفاته وشيوخه وتلاميذه ومؤلفاته ، وغير ذلك بحسب هدف المترجم .
وقد ظهرت لدى المسلمين الكثير من الكتب الخاصة بهذا الفن ككتب الطبقات ، أو الوفيات أو السير ، والترجمة تقترب كثيرا من التاريخ ، ولكن ما نعنيه هي التراجم الأدبية .
وقد عرف هذا الفن في الأندلس ، ومن نماذجه (الغصون اليانعة في شعراء المئة السابعة ) و ( المقتبس من أنباء أبناء الأندلس ) والذي كان مقدمة لسلسلة من الكتب في بابه مثل (جذوة المقتبس ) و (الصلة ) و (صلة الصلة ) و( الذيل والتكملة ) وكتاب ( التكملة ) و(عائد الصلة ).
ويدخل في فن التراجم الترجمة الذاتية ، ومن نماذجها في الأندلس ترجمة ابن الخطيب لنفسه ولوالده في ( الإحاطة ) وترجمة ابن الآبار لوالده ولنفسه في (التكملة)
2. فن الترسل ( الرسائل الأدبية ) وتنقسم إلى :
‌أ- الرسائل السلطانية وهي تلك التي تكتب بشكل رسمي وتصدر عن
دار الحكم موجهة إلى حاكم ٍ آخر أو إلى الوزراء أو على العمال (الأمراء ) ، أو
إلى عامة الناس ، وتسمى بالديوانية .
‌ب- الأخوانية وهي التي يتبادلها الأدباء فيما بينهم .
‌ج- الأدبية الخالصة وهي التي تتحدث في شأن عام أو خاص .
ويمكن إطلاق لفظ الأدبية على كافة المراسلات التي تأخذ شكلا أدبيا وترقى بموضوعها إلى درجة العمومية .
ويمكن أن يدخل في هذا النوع المناظرات والمحاورات التي كانت تتم بين الكتـَّاب.
ومن نماذج فن الترسل في الأندلس :
الرسالة الهزلية والرسالة الجدية لان زيدون ، ورسائل ابن الخطيب الأندلسي المجموعة في كتابه (ريحانة الكتــَّاب ) ورسائل ابن برد الأصغر ، رسائل ابن أبي الخصال ، وحبيب الحميري ، وأبي عمر الباجي ....وغيرهم .
3. كتب النقد الأدبي :
ومن أشهرها (كتاب التوابع والزوابع )لابن شهيد الأندلسي وهو كتاب في نقد الشعراء ، وقد بناه على فكرة أن لكل شاعر ٍ تابعاً من الجن يلهمه شعرا أو يساعده في نظمه وهي فكرة قديمة وجدت في البداية لدى أبي زيد القرشي في كتاب (جمهرة أشعار العرب ) وهو من كتب المشارقة في العصر العباسي .
4. فن المقامات :
وهو فنٌ قصصي ظهر في المشرق بداية ًعند بديع الزمان الهمذاني ، ثم الحريري وقد وجد هذا الفن في الأندلس وتطور شيئاً فشيئاً حتى اقترب من شكل الرسالة ، ومن نماذجه ( مقامات السرقسطي ) و(مقامات النباهي ) و(مقامات ابن الخطيب الأندلسي ).
5. أدب الرحلات :
أشهر رحالتين في التاريخ العربي هما ( ابن بطوطة ، وابن جبير )
وكلاهما من رجال الأندلس ، وقد سجلا ما لقياه في رحلتيهما في كتابيهما المشهورين ( رحلة ابن بطوطة ، ورحلة ابن جبير ) ، ولقد كتب غيرهم كتباً مشابهة لهذين تحدثوا فيها عن رحلتهم ، ولكنها لم تشتهر شهرة هذين الكتابين ، ومن ذلك كتاب ( التعريف بابن خلدون رحلته شرقاً و غرباً ) لابن خلدون الكاتب و الأديب و المؤرخ المعروف ، ومؤسس علم الاجتماع .
6. نثر الدراسات ( النثر التأليفي ) :
وهي تلك الكتب التي كتبت بأسلوب أدبي في موضوعات تاريخية ، أو اجتماعية أو جغرافية ، وجعلها أصحابها على أبواب و فصول ، وهي كثيرة جداً ومن نماذجها : العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي ، وقلائد العقيان للفتح ابن خاقان الأندلسي والمغرب لابن سعيد الأندلسي ، وكتاب العبر و ديوان المبتدأ و الخبر لابن خلدون .... وغيرها .
7. التاريخ :
والتاريخ في أصله علم ، يقوم على رصد الحقائق التاريخية ، وهو أقرب العلوم إلى الأدب ، وبخاصة إذا ما صيغ صياغة أدبية ، ونجد بعض كتب التاريخ التي دبجت في الأندلس ، تتخذ الصيغ الأدبية ، ويمزج المؤرخون الأدب مع التاريخ ، إذ يركزون على الجانب الأدبي أحياناً لبعض الشخصيات التاريخية ، وقد يورد شيئاً من النماذج الشعرية أو النثرية ، ومن نماذج ذلك في التراث الأندلسي الإسلامي (( كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة )) لابن بسام الشنتميري .
8. الخطابة :
عرفت الخطابة عند العرب قبل الإسلام ، وارتقت كثيراً بعد الإسلام على يد خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو الذي جعلها على ثلاثة أجزاء مقدمة ثم موضوع ثم خاتمة ، وتسمي العرب الخطبة الغير مفتتحة بالتحميد بالبتراء و الخطبة الخالية من الاقتباسات النبوية أو القرآنية بالشوهاء ، ويمكن تقسيم الخطبة إلى ثلاثة أنواع من حيث موضوعها ، هي :
· الخطبة السياسية .
· الخطبة الدينية .
· خطبة الوفود .
والخطبة الأدبية هي التي تمتاز بأسلوبها الأدبي الذي يغلب عليه انتقاء الألفاظ و اختيار الجمل و العبارات بعناية ، والمزاوجة بين الأساليب الإنشائية والخبرية ، والمراوحة بين الشعر والنثر .
وقد عرفت الخطابة في الأندلس منذ فتحها ، ونشير إلى النص الخطابي المشهور المنسوب إلى طارق بن زياد ، وتمتلئ كتب التراث الأندلسي بنصوص خطابية كثيرة كما نجد في كتابي المقّري ( نفح الطيب ) و ( أزهار الرياض ) .
9. النثر الصوفي :
ونقصد بالنثر الصوفي الذي عرف في الأندلس الإشارة إلى بعض الكتب التي تحدثت حول فلسفة الحب ، مثل كتاب ( روضة التعريف بالحب الشريف ) لابن الخطيب الأندلسي ، وهو كتاب حول المفهوم الحقيقي للحب الإلهي النقي .
ويدخل في هذا النوع من الكتب ، الكتب التي تحدثت عن فلسفة الحب البشري مثل كتاب ( طوق الحمامة في الإلف و الإيلاف ) لابن حزم الظاهري .
3ـ سمات النثر الأندلسي في عصوره المختلفة وبخاصة بعد نضجه .
آ- استخدام بالمحسنات البديعية ، اللفظية والمعنوية ، مثل السجع والجناس والطباق والمقابلة ، والتورية والكناية والمجاز.
ب- وضوح المعاني ، وبساطة الألفاظ وسهولتها ، و خلو العبارات من الركاكة والحشو .
ج- المزاوجة بين الشعر والنثر .
د ـ المراوحة بين الأساليب الخبرية والإنشائية .
هـ الإيجاز وهو البلاغة.
و ـ صدق العاطفة ، ويبرز في أكثر النصوص الشعرية والنثرية .
ز ـ سمو المعاني والأفكار والموضوعات التي عبروا عنها .
ح ـ جودة الخيال والصورة بحيث يصبح النص قادرا على التعبير والتأثير والإيحاء .
ط ـ نثر المنظوم ، ونظم المنثور .
نماذج من النثر الأندلسي .
( رحلة التوابع والزوابع )
المقصود باالتوابع والزوابع : التوابع : جمع تابعة وتابعة ، وهو الجني والجنية يكونان مع الإنسان يتبعانه حيث ذهب ، والزوابع جمع زوبعة وهو اسم شيطان أو رئيس للجن ، ومنه سمي الإعصار زوبعة ، إذ يقال فيه شيطان مارد كما جاء في القاموس المحيط .
وأقول إن كلمة التوابع : جاءت من فكرة عربية جاهلية قديمة ، من أن لكل شاعر تابعاً من الجن يتبعه ويلهمه ، فالعبقريات الشعرية القديمة ، كان يظن بها أنها تأتي من التوابع ، وهذا يذكرنا بقضية الإلهام في الشعر ، فقضية الإلهام قضية تحدث عنها الشعراء والنقاد قديماً وحديثاً ، والحق أن الشعر إلهام وعبقرية ، و الجن ظن ، وأما الأودية لعبقر وغيرها هي ظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً .

ابن شهيد :
هو أبو عامر أحمد بن عبد الملك بن مروان بن أحمد بن عبد الملك بن شهيد، يعدو
بنسبه إلى غطفان، ولد بقرطبه ومات بها بسبب مرض الفالج الذي ألم به ، كان والده عبد الملك من شيوخ الوزراء في الدولة العامرية مقرباً من المنصور بن أبي عامر الذي كان الأمر له ، وقد كان من أعلام وشعراء الأدب الأندلسي ومؤرخيها.
ولد ابن شهيد في قرطبة وترعرع في حياة منعمة مرفهة نظراً لمكانة والده ، بالإضافة لرعاية المنصور وتدليله له ، وظل ابن شهيد ينعم بالحياة المرفهة في ظل رعاية ملوك وأمراء الدولة العامرية ، حتى بعد أن قام والده بالزهد في الدنيا ودعا أولاده للتقشف، انتقل ابن شهيد من رعاية المنصور ليحظى برعاية المظفر ولي العهد الذي ألبسه الحرير وانعم عليه بالمال والملابس الجديدة، وفي عهد المظفر ارتقى ابن الشهيد في المناصب حتى وصل إلى مرتبة الوزارة، ومن بعد المظفر اتصل بأخيه عبد الرحمن الناصر.
نظراً للمكانة الأدبية والاجتماعية التي حظي بها ابن شهيد عند الملوك والأمراء كثر الحاسدين والحاقدين عليه والذين تنكروا له فبذلوا الجهود للانتقاض من شعره وأدبه ، وسعوا للوقيعة بينه وبين الأمراء ، فتكدرت حياته وزج به في السجن في فترة حكم الحموديين وعاني الكثير من الظلم وأفرج عنه بعد ذلك.
مؤلفاته:
تفرق شعر ابن شهيد ولم يصلنا منه سوى القليل والذي تفرق في بعض كتب الأدب مثل يتيمة الدهر للثعالبي، ووفيات الأعيان لأبن خلكان ، ومن نثره لم يبق سوى فصول من رسالة التوابع والزوابع والتي احتفظ بها ابن بسام في كتابه الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، ومن أثاره الأخرى نذكر كشف الدك وأثار الشك، حانوت عطار ، بالإضافة لغيرها من الأشعار والرسائل المتفرقة بين كتب الأدب.
تعريف موجز برسالة التوابع والزوابع :
اختار ابن شهيد اسم التوابع والزوابع لكتابه كدلالة على المحتوى فالتوابع : جمع تابع وهو الجني الذي يتبع الإنسان ويحبه ويرافقه . أما الزوابع : فهي جمع زوبعة وهي شيطان مارد أو رئيس من الجن .
وتعد رسالة التوابع والزوابع من أشهر مؤلفات ابن شهيد وأهمها وذلك لضمها آرائه الأدبية والنقدية ، واصطباغها بالطابع القصصي وبها الكثير من الخيال ، فتدخل ضمن نوادر التراث القصصي العربي ، وتتمتع بأسلوب فريد قلما نجده في غيرها من الرسائل الأدبية ، فهي تعرض القضايا الأدبية والنقدية في إطار قصصي وذلك عبر مناظرات أدبية بين كل من ابن شهيد وتوابع بعض الشعراء والكتاب ونقاد الجن.
ملخص رحلة التوابع والزوابع
يستفتح ابن شهيد رسالته هذه بإخبار صديقه ” أبي بكر يحيى بن حزم ” ( الذي وجهت إليه الرسالة ) عن أول لقاء له مع تابعه وذلك عندما كان يحاول عبثاً أن يكمل بيتاً من الشعر قائلاً ” فارتج علي القول و أُفحمت فإذا أنا بفارس بباب المجلس و قد اتكأ على رمحه وصاح بي أعجزاً يا فتى الإنس ؟ قلت : لا و أبيك للكلام أحيان و هذا شأن الإنسان فأكمل البيت الأول الذي قلته و عجزت عن إكماله فأثبت إجازته و قلت : بأبي أنت ! من أنت قال : " زهير بن نمير من أشجع الجن " فقلت : " و ما الذي حداك إلى التصور لي ؟ " فقال : " هوىً فيك ورغبة في اصطفاؤك " فقلت : " حيناً " قال : " متى شئت استحضاري فأنشد هذه الأبيات ... " وكنت أبا بكر متى أربج علي و انقطع بي مسلك أو خانني أسلوب أنشد الأبيات فيمثل لي صاحبي
وبعد أن توطدت العلاقة بين ابن شهيد و بين تابعه ” زهير بن نمير ” يطلب ابن شهيد منه أن يحمله إلى أرض الجن ليقابل توابع كبار الأدباء فيحدثنا عن رحلته على حصان تابعته قائلاً : " فصرنا عليه و سار بنا يجاب الجو فالجو و يقطع الدو فالدو حتى ألمحت أرضاً لا كأرضنا و شارفت جواً لا كجونا متفرع الشجر عطر الزهر فقال لي حللت أرض الجن أبا عامر فبمن تريد أن نبدأ ؟ " قلت : " الخطباء أولى بالتقديم لكنني إلى الشعراء أشوق " . فصاح يا عتبه بن نوفل يا من سقط اللوى بين الدخول فحومل .
فظهر له فارس على فرس شقراء كأنها تلتهب فقال له حياك الله يازهير وحيا صاحبك ثم قال انشد فأنشدته فلما انتهيت تأملني عتبه ثم قال أذهب فقد اجزتك " . ثم التقى بشيطان طرفة ، وشيطان ” قيس بن الخطيم” يروي لنا ما جرى بينه و بينه قائلاً: ” فقال لي أنشدنا يا أشجعي و أقسم أنك إن لم تُجد ليكونن يوم شر فأنشدته قولي فلما انتهيت تبسم و قال لنعم ما تخلصت اذهب فقد أجزتك ثم يلتقي ابن شهيد بتابع أبي تمام الذي قال له : " ما أنت إلا محسن مع إساءة زمانك " . و التقى بتابع البحتري الذي أجازه هو الأخر ، إلى أن يصل إلى تابعة أبي نواس (أبا الإحسان) حيث يخبرنا عما دار بينهما قائلاً: ” ثم صاح زهير حياك الله أبا الإحسان ! فجاوب بجواب لا يعقل لغلبة الخمر عليه فقال لي زهير : " اقرع أدب نشوته بإحدى خمرياتك فإنه ربما تنبه لبعض ذلك فأنشدته فصاح من حبائل نشوته ( أأشجعي؟) قلت أنا ذلك فاستدعى ماءً قراحاً فشرب منه و غسل و جهه فأفاق . ثم قال هذا و الله شيء لن نلهمه نحن ثم استدعاني فدنوت منه فقبل بين عيني و قال اذهب فإنك مجاز ."
ثم يفرد ابن شهيد الفصل الثاني للحديث عن توابع الكتاب و الخطباء فيحدثنا عن لقائه بأنف الناقة و هو تابعة ” الإفليلي” حيث تتبدى العدائية المتبادلة بينهما فعندما يُسألُ أنف الناقة ” ما قولك فيه يا أنف الناقة ؟ قال فتىً لم أعرف على من قرأ . فقلتُ و أنا أيضاً لا أعرف على من قرأتَ . قال ألمثلي يقال هذا ؟” ولعل ابن شهيد قد اتخذ من أنف الناقة نموذجاً للأشخاص الذين لا يهمهم ماذا تقول أو ماذا يمكنك أن تفعل بقدر ما يهمهم من أنت و من تكون .
و على كل حال فإن ابن شهيد سرعان ما يلقى تقديراً يناسب إمكانياته وذلك عندما يلتقي بتابعة الجاحظ و تابعة عبد الحميد .
ويحدثنا عن ذلك قائلاً ” ثم قال لي الأستاذان إنا لنخبط منك بيداء حيرة وتفتقُ أسماعنا منك بعبرة وما ندري أنقول شاعر أم خطيب فقلتُ الإنصاف أولى و الصدع بالحق أحجى و لابد من قضاء ، فقالا اذهب فإنك شاعرُ خطيب و انفض الجمعُ و الأبصار إلي ناظرة ، و الأعناقُ نحوي مائلة .
ولعل أكثر الفصول طرافةً في هذه الرسالة هو فصل ” حيوان الجن” حيث يتكلم ابن شهيد فيه عن حيوانات الجن و ميولها الأدبية فيحدثنا عن لقائه بالأوزة الأدبية ولقائه كذلك بمجموعة من حُمُر الجن و بغالهم كانت على خلاف أدبي قائلاً: ” فلما أبصرت بنا أجفلت إلينا و هي تقول جاءكم على رجليه فارتعت لذلك فتبسم زهير و قد عرف القصد وقال لي تهيأ للحكم فقلتُ ما الخطب فأجابته أتان : شعران لحمار و بغل من عشاقنا أُخلفنا فيها و قد رضيناك حكماً .
وهنا يلمح ابن شهيد ساخراً إلى أنه كان من الأجدر أن يفصل أنف الناقة في هذا الخلاف الأدبي .
ثم يتعرف ابن شهيد على إحدى تلك الحيوانات أو با لأصح على تابعة بغلة كان يعرفها ” وقالت لي البغلة : " أما تعرفني يا أبا عمر ؟ " قلت : " لو كان ثمة علامة ! " فأماطت لثامها فإذا هي بغلة أبي عيسى و الخال على خدها ، فبكينا طويلاً و أخذنا في ذكر أيامنا ، فقالت : " ما أبقيت منك ؟ " قلت : " ما ترين " . قالت : " شب عمرو عن الطوق ! فما فعل الأحبة بعدي ، أهم على العهد ؟ " . قلت : " شب الغلمان و شاخ الفتيان و تنكرت الخلان ومن إخوانك من بلغ الإمارة وانتهى إلى الوزارة فتنفست الصعداء ، وقالت : " سقاهم الله سبل العهد و إن حالوا عن العهد ، و نسوا أيام الود بحرمة الأدب ألا ما أقرائتهم مني السلام " ، قلت : " كما تأمرين و أكثر " .
أما لقاء ابن شهيد بالأوزة الأدبية فقد كان آخر أجزاء الرسالة كما نعرفها و هذا اللقاء يشبه لقاء ابن شهيد الأندلسي بأنف الناقة ، تابعة الإفليلي و هذا جزء مما دار بينهما من حديث ” فقلت أيتها الأوزة الجميلة أيحسن بجمالك مقابلة الضيف بمثل هذا الكلام و تلقي الطارئ الغريب بمثل هذا المقال ؟ فداخلها العجب من كلامي فقالت : " أيها الغر المغرور كيف تحكم في الفروع و أنت لا تحكم الأصول ؟ ما الذي تحسن ؟ " . فقلت : " ارتجال الشعر و اقتضاب خطبة " . قالت : " ليس في عن هذا أسألك " ، قلت : " ولا بغير هذا أجاوبك " ، قالت : " حكم الجواب أن يقع على أصل السؤال " . و إنما أردت بذلك إحسان النحو و الغريب اللذين هما أصل الكلام و مادة البيان ، قلت : " لا جواب عندي غير ما سمعت .”
الهدف من رسالة التوابع والزوابع ورأي النقاد فيها :
1ـ الغرض من هذه الرسالة قرض شخصي فهو يريد أن يبين مكانته الأدبية ومقدراته اللغوية المعاصرة الذين كانوا يهضمونه حقه .
2ـ أضاف ابن شهيد توابع الكتاب والمعروف عند العرب توابع الشعراء فقط .
3ـ نلاحظ في أسلوبه المحسنات البديعية والسجع والميل إلى غريب الألفاظ .
4 ـ الرحلة تكشف عن خيال خصب تمتع به الكاتب .
5 ـ ذهب بعض النقاد إلى أن رحلة التوابع والزوابع هذه مقتبسة من أدب المقامات فالمقامة الإبليسية يلتقي فيها صاحبها بالجن ، وربما تأثر كذلك بالجاحظية في النقد والوصف .
6 ـ يرى بعض الباحثين أن ابن شهيد قد تأثر بأبي العلاء المعري في كتابه رسالة الغفران ، والبعض يرى العكس والثابت لهم أنهما متعاصرين وأن ابن شهيد سابقا للمعري بالتأليف وهو الأرجح .
7 ـ وذهب بعض النقاد إلى أن ابن شهيد قد تأثر برحلة الأسرى والمعراج ووصف عالم الغيب في القرآن الكريم .
8 ـ في انشغال ابن شهيد بالحيوان ومناظرته له نقد للمجتمع واتهام له بالجهل .
9 ـ. العمل يقع في مجال القصص الخيالية ولكننا نجدها باسم رسالة لأن القصص كانت تؤلف في شكل رسائل " رسالة الغفران " .
10 ـ الرحلة طويلة لم تحفظ كلها بل حفظ لنا صاحب الذخيرة جزءا منها .
ثانيا : الرسالة الجدية لابن زيدون :
بعث ابن زيدون بالرسالة المسماة بالجدية من السجن ، يستعطف بها حاكم قرطبة حينئذ أبا الوليد بن جهور ، يقول منها :
( يامولايَ وسيّدي ، الّذي ودادي له ، ومَنْ أبقاه الله تعالى ماضِيَ حدّ العزم ، واري زَند الاملِ ، ثابتَ عهدِ النّعمه ، أظمأتني إلى برودِ إسعافكَ ، ونفضتَ بي كفَّ ِحياطَتك ، وغضضتَ عني طرفَ حمايتك ، بعدَ أن نظر الأعمى إلى تأميلي لكَ ، وسَمِعَ الأصمُّ ثنائي عليك ، وأحسّ الجماد بإستنادي إليكَ ، فلا غرو : قد يغصُّ بالماءِ شاربهُ ، ويقتلُ الدواء المستشفيَ به ، وُيؤتى الحذرُ من مأمنه ، وتكونَ منيّةُ المُتمني في أمنيتهِ والحين قد يسبقُ جَهدَ الحريصِ :
كل المصائبِ قد تمرُّ على الفتى ***وتهونُ غير شماتـةِ الحُسّـــاد ِ
وإنّي لأتجلدُ ، وأُرِي الشامتينَ أنّي لريبِ الدَّهرِ لا أتضعضعُ ، فأقول :
هل أنا إلا يد أدماها سُوارُها ، وجبينٌ عضَّ به إكليلهُ ، ومشرفيٌ ألصقهُ بالأرضِ صاقِلهُ ، وسمهريٌّ عَرَضَه على النُار مثقفُه ، وعبد ٌ ذهب به سيده مذهب الذي يقول

فَقَسَا ليزدجروا ومن يك حازماً ***ًفليقسُ أحيانا ً على من يرحـم ُ
هذا العتبٌ محمود ٌعواقبه ، وهذهِ النّبوةُ غمرةٌ ثم تنجلي ، وهذه النكبةُ سحابةُ صيف عن قريبٍ تُقشّع ، ولن يريبني من سيّدي أن أبطأ سَحَابُه ، أو تأخر ـ غير ضنين ـ غَناؤه ، فأبطأُ الدلاءِ فيضا ً أملؤُها ، وأثقل السحائبِ مشيا ً أحفلُها ، وأنفع الحيا ما صادف جدبا ، وألذُّ الشَّرابِ ما أصابَ غليلا ، ومع اليوم غد ٌ ، ولكل أجل ٍ كتاب ، له الحمد على اغتِنَامِهِ ولا عتب عليه في إغفاله .
فإن يكنِ الفعلُ الذي ساءَ واحدا *** فأفعالهُ اللاتي سَرَرنَ ألـوف ُ
أهم المصادر والمراجع :
1- نفح الطيب : لأحمد المقري رحمه الله .
2ـ أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض : لأحمد المقري رحمه الله .
3ـ العقد الفريد : لابن عبدربه
4ـ الأدب الأندلسي : د . أحمد هيكل
5ـ الأدب الأندلسي موضوعاته وفنونه : د . مصطفى الشكعة
6 ـ فن التوشيح : د. مصطفى الكريم
7ـ الأدب الأندلسي : د. عبد العزيز عتيق

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع د.مرتضى بابكر الفاضلابي
 د.مرتضى بابكر الفاضلابي
د.مرتضى بابكر الفاضلابي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مقرر الادب الأندلسي


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وادي الليل رشيد الميموني ملف القصة / رشيد الميموني 2 03 / 11 / 2022 27 : 12 PM
راجية إفادتنا -أي المدن تحافظ على التراث الأندلسي وما هو المالوف؟؟ هدى نورالدين الخطيب الجغرافيا والسياحة العربية 31 04 / 07 / 2020 34 : 11 PM
د.مرتضى بابكر . النقد الادبي القديم د.مرتضى بابكر الفاضلابي هيئة اللغة العربية 2 22 / 12 / 2016 13 : 07 PM
الشهر الأعلى في القراءة -عدد زوار نور الأدب اقترب من 11 مليون زائر ومتابع في شهر واحد هدى نورالدين الخطيب إعلانات إدارية (خاص بالمدير العام فقط) 7 03 / 10 / 2013 30 : 05 PM
بنك نور الأدب للمعلومات / حرف الميم طلعت سقيرق مكتبة نور الأدب 3 02 / 01 / 2012 33 : 12 AM


الساعة الآن 04 : 10 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|