عروبة شنكان - أديبة قاصّة ومحاورة - نائب رئيس مجلس الحكماء - رئيسة هيئة فيض الخاطر، الرسائل الأدبية ، شؤون الأعضاء والشكاوى المقدمة للمجلس - مجلس التعارف
جولة في ذكريات رجل!
كثيرا ما تهيب من دخول منزل عائلتها الذي مضى على ابتعادها عنه عقوداً مؤلمة، يذكره مثقفو تلك الحقبة من شعراء وأدباء ومثقفين كان مؤلف من طابقين يترك شعوراً بالهيبة لدى من يزوره، على إحدى تفرعات شارع عتيق ضم عبق الياسمين بين شوراعه وفوق أرصفته الفرنسية الطراز.
كان يشبه المتاحف المفعمة بالأصالة، في قاعة أنيقة، ورغم المساحة الضيقة كانت عشرات الكتب مرصوصة في مكتبة أنيقة فيها عبق المتنبي والمعري وغوته وشكسبير، عندما زارها أُعجب كثيراً بذكائها، وأناقتها وأفكارها، كان مُقبلاً على الحياة مثل فارس يمتطي صهوة جواده، لايتعب من ريح المواجهة.
صوفي في عشقه شاعرٌ يقبل على لقاءها كما يقبل على قصيدة في أوج تكوينها، منحها ذات زيارة إهداءً بسيطاً لكُتيب من تأليفه، حلقت كما الفراشة بين قوافيه، تشوق عناقها في أوج قراءتها لكلماته، فهمت بأن عليها الإتزان في قراءة كلماته، وبأن عليها أن تقرأ في منأى عن حضوره، لتتفرغ لصداقته كما تفرغت لمصاحبة نهر القرية، فاستوطنت ضفافه.
كان من الصعب تفسير كيف استوعبت تلك المكتبة الصغيرة مساحة قلبين، اتسعا حباً لتفيض مشاعر الهيام شلالات تترك على خديها جداول ينابيع من جوري وياسيمن دمشقي لم ينافسه على حبها سوى سيجارته التي كان يواظب على إقحامها في جلساته عندما كانت تقترب منه مصافحة عينيه بعبارات وادعة تحفظها من مجموعات الكتب التي كانت تحتفظ بها في مكتبتها الأنيقة الصغيرة.
وزع قلبه بالتساوي مابين حضورها، ومتعة تدخينه سيجارته التي شاركته أحلى لحظات حياته، تركت في قلبه الأثر الكبير ليحتفظ به دواءً له في لحظات غيابها الصعبة، كثيرا ما كان يحدث قلبه عنه، وكثيرا ماكان يشعر بطاقة إيجابية تجعله يشعر ببعض من السرور وتمنحه الاطمئنان.
لم تكن تحدثه كثيراً، لكنها عندما تتكلم تترك في نفسه أثر ساقية تحفر طريقها بهدوء، يتغلغل في كيانه يعشق أفكارها، تلك الطفلة الصغيرة كبرت، ونالت كل ما تشتهيه، صار بطلها ذات قضية، وصارت بطلته التي ستأتي بعد قليل وتعيد لكيانه حرية ترتيب الكلمات كما يشتهي كبرياؤه، وكما تشاء هي كأنثى مفعمة أنوثة.
مر الزمن، وأخطأت عجلات الدهر بالمسير، ذات أمسية خريفية بينما يسترجع وصف كلماته في سيرة عاشقة طرق الموت بابه، حط أوراقه بجانبه توسد ذراعه لتحلق روحه في فضاءات واسعة تنأى عن الدنيا لتدخل عالم البرزخ، أما هي بقي يكبر حلمها بأنه سيعود يوماً ما، فارساً فوق صهوة جواده!
عروبة شنكان - أديبة قاصّة ومحاورة - نائب رئيس مجلس الحكماء - رئيسة هيئة فيض الخاطر، الرسائل الأدبية ، شؤون الأعضاء والشكاوى المقدمة للمجلس - مجلس التعارف
رد: جولة في ذكريات رجل!
كل الشكر خولة المرور والتعليق والتقييم الذي سرني جدا
بانتظارك على الدوام مع التحية والتقدير
مودتي
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: جولة في ذكريات رجل!
ما يميز هذه التحفة الأدبية هو ذاك الحوار المندس بين ثنايا الحروف رغم أن النص يخلو من اي حوار ..
نحس بالبطلين يتحدثان دون انقطاع ونلمس في همسهما الخفي ونظرات أعينهما ذاك العشق الجميل التي منحته عروبة ما يكفيه من البهاء ليزيد رونقا ..
ورغم النهاية المحزنة ,, وهذا ما يطبع معظم كتابات عروبة ، ورغم رائحة الموت التي جعلت الفراق أبديا ، فإن النص يحتفظ بنكهة الحب وطعم العشق المتفشيان بين ردهات المنزل العتيق وبين رفوف الكتب المتراصة .
أحييك عروبة وأشكرك على هذا الإمتاع التي تهدينه إيانا لدى كل قراءة لحرفك الشجي .
محبتي بلا حدود .
عروبة شنكان - أديبة قاصّة ومحاورة - نائب رئيس مجلس الحكماء - رئيسة هيئة فيض الخاطر، الرسائل الأدبية ، شؤون الأعضاء والشكاوى المقدمة للمجلس - مجلس التعارف
رد: جولة في ذكريات رجل!
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عزة عامر
قصة هادئة التفاصيل , بدأت بوقع ناعم ! وانتهت بذات الوقع , لكن الأخير أشبه بالحزن السائل من فوهة الصمت الرفيع .
مبدعة كعادتك .
تحيتي .
كل الشكر لهذه القراءة العميقة لنصي المؤلم الذي جاء نتيجة اصطدام أحزان الأمس بآلام اليوم
مودتي وتقديري
عروبة شنكان - أديبة قاصّة ومحاورة - نائب رئيس مجلس الحكماء - رئيسة هيئة فيض الخاطر، الرسائل الأدبية ، شؤون الأعضاء والشكاوى المقدمة للمجلس - مجلس التعارف
رد: جولة في ذكريات رجل!
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني
ما يميز هذه التحفة الأدبية هو ذاك الحوار المندس بين ثنايا الحروف رغم أن النص يخلو من اي حوار ..
نحس بالبطلين يتحدثان دون انقطاع ونلمس في همسهما الخفي ونظرات أعينهما ذاك العشق الجميل التي منحته عروبة ما يكفيه من البهاء ليزيد رونقا ..
ورغم النهاية المحزنة ,, وهذا ما يطبع معظم كتابات عروبة ، ورغم رائحة الموت التي جعلت الفراق أبديا ، فإن النص يحتفظ بنكهة الحب وطعم العشق المتفشيان بين ردهات المنزل العتيق وبين رفوف الكتب المتراصة .
أحييك عروبة وأشكرك على هذا الإمتاع التي تهدينه إيانا لدى كل قراءة لحرفك الشجي .
محبتي بلا حدود .
الأمس رغم مرارته، ترك لنا صورا توحي بأحلى التعابير التي تخفف من آلام الحاضر، أغلب النصوص التي تنبش الذاكرة تكون مريرة ومحزنة، ونحن نستلهم منها قصصنا ، كل الشكر المرور والتعليق مع مودتي وتقديري.
أستاذ التعليم الإعدادي مسجل بسلك الماستر :تحليل الخطاب :يهتم ب الزجل والقصة القصيرة جدا . الخاطرة وقصيدة النثر مشرف في أقسام الزاجل - القصة القصيرة جداً – فيض الخاطر – قصيدة النثر
رد: جولة في ذكريات رجل!
نكبر وتكبر ذكرياتنا داخلنا ؛ تبحث عن منفذ في اتجاه الأماني الممكنة
راائع بوحك
أستاذ التعليم الإعدادي مسجل بسلك الماستر :تحليل الخطاب :يهتم ب الزجل والقصة القصيرة جدا . الخاطرة وقصيدة النثر مشرف في أقسام الزاجل - القصة القصيرة جداً – فيض الخاطر – قصيدة النثر
رد: جولة في ذكريات رجل!
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة arouba shankan
كثيرا ما تهيب من دخول منزل عائلتها الذي مضى على ابتعادها عنه عقوداً مؤلمة، يذكره مثقفو تلك الحقبة من شعراء وأدباء ومثقفين كان مؤلف من طابقين يترك شعوراً بالهيبة لدى من يزوره، على إحدى تفرعات شارع عتيق ضم عبق الياسمين بين شوراعه وفوق أرصفته الفرنسية الطراز.
كان يشبه المتاحف المفعمة بالأصالة، في قاعة أنيقة، ورغم المساحة الضيقة كانت عشرات الكتب مرصوصة في مكتبة أنيقة فيها عبق المتنبي والمعري وغوته وشكسبير، عندما زارها أُعجب كثيراً بذكائها، وأناقتها وأفكارها، كان مُقبلاً على الحياة مثل فارس يمتطي صهوة جواده، لايتعب من ريح المواجهة.
صوفي في عشقه شاعرٌ يقبل على لقاءها كما يقبل على قصيدة في أوج تكوينها، منحها ذات زيارة إهداءً بسيطاً لكُتيب من تأليفه، حلقت كما الفراشة بين قوافيه، تشوق عناقها في أوج قراءتها لكلماته، فهمت بأن عليها الإتزان في قراءة كلماته، وبأن عليها أن تقرأ في منأى عن حضوره، لتتفرغ لصداقته كما تفرغت لمصاحبة نهر القرية، فاستوطنت ضفافه.
كان من الصعب تفسير كيف استوعبت تلك المكتبة الصغيرة مساحة قلبين، اتسعا حباً لتفيض مشاعر الهيام شلالات تترك على خديها جداول ينابيع من جوري وياسيمن دمشقي لم ينافسه على حبها سوى سيجارته التي كان يواظب على إقحامها في جلساته عندما كانت تقترب منه مصافحة عينيه بعبارات وادعة تحفظها من مجموعات الكتب التي كانت تحتفظ بها في مكتبتها الأنيقة الصغيرة.
وزع قلبه بالتساوي مابين حضورها، ومتعة تدخينه سيجارته التي شاركته أحلى لحظات حياته، تركت في قلبه الأثر الكبير ليحتفظ به دواءً له في لحظات غيابها الصعبة، كثيرا ما كان يحدث قلبه عنه، وكثيرا ماكان يشعر بطاقة إيجابية تجعله يشعر ببعض من السرور وتمنحه الاطمئنان.
لم تكن تحدثه كثيراً، لكنها عندما تتكلم تترك في نفسه أثر ساقية تحفر طريقها بهدوء، يتغلغل في كيانه يعشق أفكارها، تلك الطفلة الصغيرة كبرت، ونالت كل ما تشتهيه، صار بطلها ذات قضية، وصارت بطلته التي ستأتي بعد قليل وتعيد لكيانه حرية ترتيب الكلمات كما يشتهي كبرياؤه، وكما تشاء هي كأنثى مفعمة أنوثة.
مر الزمن، وأخطأت عجلات الدهر بالمسير، ذات أمسية خريفية بينما يسترجع وصف كلماته في سيرة عاشقة طرق الموت بابه، حط أوراقه بجانبه توسد ذراعه لتحلق روحه في فضاءات واسعة تنأى عن الدنيا لتدخل عالم البرزخ، أما هي بقي يكبر حلمها بأنه سيعود يوماً ما، فارساً فوق صهوة جواده!
نكبر وتكبر ذكرياتنا داخلنا ؛ تبحث عن منفذ في اتجاه الأماني الممكنة
راائع بوحك