دمعة جمعة
قبل رمضان السابق بأسابيع قليلة فتح مسجد الرياض بشارع القدس بعد حوالي ثلاثة أشهر من إغلاقه؛ حيث نكست أبوابه مدة فلم نكن نسمع غير الأذان.. ثم بعد مدة حتى ذلك الأذان.. قد غاب عنا؛ كنت قد اشتقت إلى سماع الصلاة التي أسمعها قريبة في بيتنا_ البيت الذي فيه نشأت_ إلى إطلالة من النافذة أو من سطح البيت لاختلاس نظرات على المصلين يوم الجمعة وقد ملأوا الشارع ...
إلى أن جاء يوم أعود فيه من بيتي إلى بيتنا قبل المغرب بدقائق.. وما إن دخلت حتى هل الأذان مبشرا... بل قبل ذلك مررت بالمسجد فرأيته زاهيا جميلا.. كأنه بني جديدا وكل ما فيه أنيق وجديد أيضا.. حمدت الله أني لا أعرف كيف تزغرد النساء حينها... لأني شعرت بتلك الرغبة.. الرغبة في أن أزغرد ولو أني بالشارع فأنا عادة إن سمعت زغرودة طويلة أطلق العنان لضحكة طويلة ... اكتفيت بدموع حلوة دافئة ملأت عيني..
وما إن صدح صوت المؤذن " الله أكبر" حتى رفرف قلبي فرحا وانتشاء... يااااااه!!!! يا له من شوق وزاد فرحي أن هذا الأذان كأنه انتظرني فلم يكن قبله أذان بعد فتحه إلا بقدومي.. ياللبهجة! .. ذاكرتي تخبرني أنه كان يوم سبت؛ وكان علي انتظار زهاء أسبوع للفرح بسماع الخطبة المحلقة من المسجد إلى بيتنا... وكان ذلك.. وكانت الفرحة العارمة.. وفرحة سكان حي الرياض بادية على وجوههم.. فهم الذين أسهموا في إصلاح المسجد... أهل الحي وحدهم من اتفقوا على إصلاحه.. وأسهم كل فرد بقدر استطاعة جيبه.. ولو بدرهم كان بها سعيدا يفخر أنه منحها لهذا المسجد الذي يهبه خشوعا.. وبحينا أيضا مكتبتين لبيع الكتب كبيرتين.. هما بشارع القدس إضافة إلى تلك القديمة الصغيرة( مكتبة ابا خلافة)؛ أصحاب المكتبتين يبدو أنهما أكثر الأشخاص إسهاما.. خاصة المكتبة التي لا يتجاوز عمرها خمس عشرة سنة... قد تعلق أهلها بالمسجد.. لعل ذلك لأن المكتبة أمامه مباشرة..
لم تطل الفرحة بالعيون.. لم يستمر عناق الأحباب بالحي.. لم تدم تلك الابتسامات التي تشع من الشفاه كأنها الشموس...
وانقطع سماعنا لكلمات يصل صداها البيوت المجاورة: "[...] فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة" ...
فالسيدة كورونا قد غزت العالم.. ومنعت الناس من مزاولة ما اعتادوا عليه... حتى الصلاة بالمسجد... وأغلق المسجد من جديد.. وما عدنا نسمع إلا الأذان.. فلا روح طيبة تحلق بهذا الجو إلا روح ذلك المؤذن.. وانتظرنا وانتظرنا.. وشدنا الشوق لصلاة التراويح فما عشناها.. وشدنا الحنين لليلة القدر بروحها الإيماني.. وكانت عنا شبه بعيدة.. ثم تقنا لصلاة العيد وما أديت...
وبعد مدة أخيرا ها قد أطلقت بعض المساجد لكن دون صلاة الجمعة.. ولم يكن من بينها مسجدنا _ مسجد الرياض_
ثم قبل أيام استبشرت خيرا بزيادة عدد المساجد التي سمح لها أخيرا أن تفتح وتؤدى بها الجمعة... وكنت فرحة .. أخيرا مسجدنا سيفتح... أخيرا سيقبل أهل شارع القدس وزنقة صلاح الدين الأيوبي وزنقة الأردن وزقة آل عمار وغيرها على ارتياده بعد شوق.. فهو رغم إغلاقه كان السكان قد اتفقوا على إبقائه نظيفا دائما.. وسهروا على ذلك...
حتى صدمت بسماع أذان واحد وقت الظهر.. يا إلهي!.. لعل أذني أصابهما الصم فلم تسمعا الثاني والثالث... لكن لا ... فعلا لم يكن مسجدنا الأنيق من المساجد التي سمح لها بأن تشرع أبوابها للمصلين...
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|