يا صحيح الفؤاد قَلبي جَريح...وَبسيف الهوى قَتيل ذبيح.
من الأمثلة السابقة ندرك معا أن فوارق مرادفات هذه المرة تخص اللفظتين " قلب" و " فؤاد" فما الذي يفرق بين اللفظتين ؟
جاء في لسان العرب: والقَلْبُ: مُضْغةٌ من الفُؤَاد مُعَلَّقةٌ بالنِّياطِ. ابن سيده: القَلْبُ الفُؤَاد، مُذَكَّر، صَرَّح بذلك اللحياني، والجمع: أَقْلُبٌ وقُلوبٌ، الأولى عن اللحياني. وقوله تعالى: نَزَلَ به الرُّوحُ الأمِينُ على قَلْبك؛ قال الزجاج: معناه نَزَلَ به جبريلُ، عليه السلام، عليك، فَوَعاه قَلْبُك، وثَبَتَ فلا تَنْساه أَبداً. وقد يعبر بالقَلْبِ عن العَقْل، قال الفراءُ في قوله تعالى: إِن في ذلك لَذِكْرى لمن كان له قَلْبٌ؛ أَي عَقْلٌ. [•••] وَرُوي عن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، أَنه قال: أَتاكم أَهل اليَمن، هم أَرَقُّ قلوباً، وأَلْيَنُ أَفْئِدَةً، فوَصَفَ القلوبَ بالرِّقة، والأفْئِدَةَ باللِّين. وكأَنَّ القَلْبَ أَخَصُّ من الفؤَاد في الاستعمال، ولذلك قالوا: أَصَبْتُ حَبَّةَ قلبِه، وسُوَيْداءَ قلبه[•••]. وقال بعضهم: سُمِّي القَلْبُ قَلْباً لتَقَلُّبِه؛ وأَنشد
: ما سُمِّيَ القَلْبُ إِلا مِنْ تَقَلُّبه، * والرَّأْيُ يَصْرِفُ بالإنْسان أَطْوارا
وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، أَنه قال: سُبْحانَ مُقَلِّب القُلُوب! وقال اللّه تعالى: *ونُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهم وأَبصارَهم*. قال الأزهري: ورأَيت بعضَ العرب يُسَمِّي لحمةَ القَلْبِ كُلها، شَحْمَها وحِجابَها: قَلْباً وفُؤَاداً، قال: ولم أَرهم يَفْرِقُونَ بينهما؛ قال: ولا أُنْكِر أَن يكون القَلْبُ هي العَلَقة السوداءُ في جوفه".
وعن الفؤاد بالمصدر ذاته: " والفؤادُ القلب وقيل وسَطُه وقيل الفؤاد غِشاءُ القلبِ والقلبُ حبته وسُوَيْداؤُه[•••]" "
في القاموس المحيط: القلب الفؤاد أو أخص منه، والقلب: العقل ومحض كل شيء.
وفي المعجم الوسيط القلب: عضو عضلي أجوف يستقبل الدم من الأوردة ويدفعه في الشرايين وهو معلق بنياط في الجهة اليسرى من التجويف الصدري. وقد يعبر بالقلب عن العقل. وقلب كل شيء وسطه ولبه ومحضه. ونجد كلمة القلب بمعنى قَلَبَ الشيء أي جعل أعلاه أسفله أو باطنه ظاهره قال الشاعر : وما سمي القلب إلا من تقلبه . والعرب يستخدمون كلمات مثل: (القلب واللب والفؤاد) للتعبير عن العواطف والأفكار التي تنشأ في داخل الإنسان أو باطنه. ويستخدمون العقل مجازاً لأن العرب وغيرهم من الأمم في العصور القديمة كانت تعتقد أن القلب هو مركز العقل.
إن بحثي هذه المرة في الفرق بين اللفظتين جعل التعمق فيه يكبر، وإن كنت أستعين غالبا بمراجع إلكترونية لقلة توفري على الكتب الورقية المرتبطة بهذا الميدان، وقد لاحظت أن الاختلاف لا يكمن فقط في معنى اللفظتين ، ولكن كذلك في تحديد المقصود بكل منهما وموضعهما، لدرجة أن بعض المقولات يمكن أن تظهر الفرق عميقا بين " القلب" و"الفؤاد".
عندما نتأمل قليلا الآيات القرآنية ، ونبدأ بالآية العاشرة من سورة القصص ننتبه إلى أن الله عز وجل ما اختار لفظة فؤاد أو قلب ليجعل لكل منها مكانا معينا إلا لحكمة في ذلك، وكذلك عندما نقرأ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن قلوب وأفئدة أهل اليمن نجد أنه وضع فرقا بين اللفظتين. إذن فما القلب؟ وما الفؤاد؟ قيل : إن القلب موضعه الصدر ، والفؤاد هو غشاؤه ، وما يمكن أن يثبت ذلك قول الله تعالى:
* ولكن تعمى القلوب التي في الصدور* لكن هناك قول آخر عندما نستمع إليه أو نقرأه نتساءل: " ماذا يقصد الله تعالى بقوله * التي في الصدور* ؟ هل هناك قلوب في موضع آخر غير التي في الصدور؟ لماذا حدد الله تعالى بهذه الآية موضع القلب؟" يقول الدكتور علي منصور كيالي: " القلب في القرآن الكريم هو مركز تفكير الإنسان ويقع في مقدمة رأس الإنسان أي الناصية لأن الكذب يأتي منها * ناصية كاذبة خاطئة* وقد استدل على ذلك بقول الله تعالى : * أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها *
* فتكون لهم قلوب يعقلون بها * ، أما الفؤاد فيرى أنه هو مؤخرة دماغ الإنسان حيث يتم تلقي المعلومات من الحواس الخمسة [...].
هنا أيضا نجد اختلافا بين المفسرين والشراح في تحديد ما القلب؟ وما الفؤاد؟ ويربطون كلا منهما بالعقل..، وإن كانوا يجمعون على أن القلب هو تلك المضخة التي تضخ الدم في القفص الصدري إلا أن الاختلاف تطرحه آيات الذكر الحكيم المرتبطة بالعقل والتفكر والتدبر بالقلب، ومما يستدل به علي منصور أيضا أننا نستطيع القول " قسا تفكير الإنسان فأصبح جامدا، بينما مضخة القلب إن أصبحت قاسية كالحجارة فإن الإنسان يموت، وكذلك يقول الدكتور علي: " إذا مرض القلب الذي هو المضخة يبقى إيمان الإنسان وتفكيره سالما لكن إذا مرض الدماغ يدخل الإنسان في مرحلة الجنون مستدلا على ذلك بقول الله سبحانه: * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا * كما أن قول الله سبحانه * أم على قلوب أقفالها * يثبت أن العقل هو الذي يقفل لا القلب لأن القلب إن أقفل توقفت الدورة الدموية.وبهذا الرأي فإن القلب هو الذي يقع في الناصية ( العقل)
وهناك من قال بأن القلب في مكانه وهو نفسه العقل، و أن الفؤاد هو المخ أو الدماغ..
والآن فلننتبه معا؛ إن نحن عدنا للآية العاشرة من سورة القصص قد يتبين لنا أن الفؤاد أقرب وألين من القلب حيث صار فؤاد أم موسى فارغا ، فلا شيء فيه مما يضبط سلوكها بعد أن أحست فقدان صغيرها فكادت تفضح أمرها وأمره بفعل مشاعر الأمومة التي تدفقت داخلها، لولا أن ربط الله على قلبها، ويمكن أن نقول إن الفؤاد هو ما يرتبط بالمشاعر والأحاسيس أكثر، وذلك لمعناه اللغوي ( التفؤد: التوقد والحرقة ) أما القلب فمرتبط بالقوة والتعقل، وكأن الفؤاد هو بوابة القلب، فأم موسى ما إن فرغ فؤادها ( البوابة) حتى ثبت الله سبحانه قلبها . كما نلاحظ أن آيات قرآنية ذكر فيها الفؤاد جاءت معها ألفاظ أخرى هي: " السمع والبصر" ويأتي بعدهما - الفؤاد - مثل: * وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولًا*
* وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* النحل (78).
* وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ * المؤمنون (78).
* الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ* السجدة (7-9).
* قلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ * الملك (23).
بينما القلب يأتي قبلهما غالبا أو مرافقا للآذان والأعين كما في: * أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور * وهذه هي الآية الوحيدة التي أشار فيها الله عز وجل إلى موضع القلب في جسم الإنسان.
* إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد* الآية 37. سورة ق
*خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ*. الآية 7. سورة البقرة.
من خلال الآيات القرآنية يمكن أن نتخذ احتمالين؛ أولهما كما أشار إليه الشيخ الشعراوي أن السمع وظيفة الأذن، والبصر وظيفة العين، وبذلك فالفؤاد هو وظيفة القلب، أي هو الذي يؤدي وظيفة المشاعر وغيرها، ولذلك فهو كان يقترن بالوظائف لا بالأعضاء ( الأذن/ العين)
الاحتمال الثاني، يجب أن تحرك معي يديك وأنت تحاول فهمه، إذا قرأت مثلا:
* خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ* ضع يدك أيها القارئ المتأمل على قلبك، ثم أذنك ثم عينك، ستلاحظ أن وضع يدك على كل مكان يسير بشكل تصاعدي.. ( القلب/ السمع( الأذن) / البصر ( العين) ) لكن لاحظ إن قرأت:
* قلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ» الملك (23).* الآن ضع يدك على مكان السمع ثم البصر ، ...لتصل إلى الفؤاد الذي يجب بالضرورة أن يكمل هذا المشوار التصاعدي حسب من يرى أن الفؤاد هو المخ، والقلب هو في مكانه وهو العقل..
هنا اسمحوا لي أن أسير كذلك إلى ما توصل إليه بعض العلماء مؤخرا حول علاقة الحب بالقلب أو علاقته بالعقل، حيث رأوا أن الحب لا يكون بالقلب وإنما بالعقل الذي وجد في محبوبه أشياء هو يميل إليها ولعل تلك الأوردة الرابطة بين القلب والمخ هي التي تربط بينهما فتجعل دقات القلب تتسارع مثلا..
فالحب حسب اعتباراتهم يبدأ من المخ وليس القلب ، والعقل هو مصدر العواطف...، فهل يمكن أن يكون القلب هو نفسه العقل؟!
دمتم بخير
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني ; 22 / 08 / 2021 الساعة 17 : 12 AM.