رسام الكاريكاتور محمد سباعنة
الكاريكاتور في فلسطين كالرسم في البارود وعلينا أن
نرفض كل ما يلوث صورة النضال الفلسطيني المشرق
علي سمودي
أعرف ما أعرف عنه ،أنه رسام كاريكاتور شاب، وأعرف كيف بدأ يتسلل لقلوب الناس باصراره على أن يكون بينهم ، هذا الشاب صاحب الملامح الطفوليه، يحمل في داخله ملامح شعبه، هذا ما قرأته من أعماله اليومية المتتاليه ليعلن في مساحة ورقته البيضاء أن فلسطين ما زالت هنا، فهو ضاحك باك، صامت ممتلئ بالضجيج ،ساكن يسكنه زلزال، محب يملأه ألف ربيع لوطنه وهو يحضر لمعرضة (( حالة شغب 4 – عائد الى حيفا )) داخل الخط الأخضر وتحديدا في مدينة حيفا.
البطاقة الشخصية
هو محمد عبد الغني سباعنة ، مواليد الكويت 1979 ، أنهى دراسته الثانويه في الأردن، عاد بعدها الى أرض الوطن ليبدأ تعليمه الجامعي في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، وبعد تخرجه انتقل للعمل في الجامعة العربية الأمريكية في جنين كمصمم ومشرف فني في دائرة العلاقات الدولية والعامة ، اضافة الى عمله كرسام كاريكاتير في عدة صحف ودوريات ومواقع الكترونية، أحببت تعريفه لنفسه ، انا محمد سباعنه ، ولدت في الإغتراب لتزرع أمي في صدورنا ملامح الوطن كأنها تحملنا أمانة الرجوع، فرجعنا، عائلتي فقيره، بسيطه، لكنها تعرف تضاريس الوطن، و ارضعتني امي هذا الموروث .
البداية
كيف كانت بداياتك الفنية؟ ولماذا جملة "ذراع يسقط منه رغيف الخبز..." التي تعنون بها موقعك الالكتروني؟
يضحك سباعنه ويقول أنا لست من تنظيم يساري ولكن الجوع والفقر محفزان للابداع وسبب في وجوده كما هما سبب للثوره وأرضيه خصبة لها، يقول مارست الجوع والفقر، فكانت علاقتي بالطبقة الكادحة، علاقة شرعية جدا، فأنا أبن شرعي لهذه الطبقه، ابتداء من عائله فقيره، انتقالا لحياة جامعية اختلط فيها العمل في المقاهي والفنادق ورسم البورتريه مع كوني طالب جامعي، لا استطيع ولا اريد التنصل من هذا الارث، لأن ما يخرج على أوراقي اليوم هو نتيجة ما مضى من تفاصيل صعبة ومضنيه ، ليس من السهل في مجتمعنا العربي ان تخلط ما بين حياتك الجامعية والعملية في آن واحد ، فنظامنا التعليمي صارم، و وضعنا الاقتصادي صعب، فكان هناك صراع مر نتج عنه هذا الانسان الماثل أمامك .... ويتذكر سباعنة ضاحكاً عندما وبخه مسؤوله عن العمل في أحد الفنادق في مدينة نابلس لأنه كان يرسم على المذكرات الداخلية وفواتير الفندق. هذا ما خلق مني رسام كاريكاتير وما أعطاني القدرة على التعبير و قدم لي لغة ادافع بها عن هذه الطبقة الكادحة المعدمة.
تحمل رسومك دائما شخصية "أبو فايك"، ماذا تمثل هذه الشخصية؟ وكيف جاءت؟
أبو فايك ، أنسان فلسطيني عربي ، ذكي صريح ، مشاغب ، جائع ، منتفض ، يتحرك بسلاسة ما بين الحدث السياسي العربي والفلسطيني والعالمي ليعود ثانية الى الحالة الإجتماعية ، لا ينتمي الى فصيل ، لا ينتمي لحدود ، يبحث عن حريتة ولا أعني بالحرية حرية الأرض فقط ، يحارب الأحتلال و لا أعني الإحتلال الإسرائيلي فقط ، فالجوع والجهل والظلم والفساد أيضا قوى احتلالية أستعمارية علينا رفضها فلسطينيا وعربيا ، أبو فايك صديقي الذي أحاوره يوميا ، وأحاول ان يكون صديق لكامل الشعب إذا تجرد هذا الشعب من حدودة الفصائلية .
بمن تأثرت من رسامي الكاريكاتور؟
ناجي العلي، يقول سباعنة، ويضيف، أعترف بخوفي حين أقول بأن لوحاته الكاريكاتوريه هي لغتي الأولى، فقد كان أبي يحضر لنا الصحف اليومية الكويتية يوميا، فتشكل أمي من كاركاتيرات ناجي العلي لوحات حائط، تمثل وجباتنا اليومية التي تغذي تعلقنا بفلسطين، واضاف، تجربة ناجي العلي تجربه مقدسة في تاريخ النضال الفلسطيني ، أشعر بالغيره و الغضب عندما اقرأ أو أسمع عن رسامين الكاريكاتير ينسبون أنفسهم لمدرسة حنظلة ، ليس من حقي أو من حق أي فنان أو رسام فلسطيني أو عربي أن ينسب نفسه عنوة له، لا يحق لأي من كان أن يمر عن أسم ناجي العلي كأنه فقط أغناء لحديثه، ولا يحق أيضا بأن يوضع حنظلة على شاشات التلفزه في أحد الفيديو كليبات يمسك بيد فنانة وهي تنهي تصوير أغنيتها ، هذا استهتار بناجي و بحنظلة لا يمكن قبوله ، فلهذا كله أخاف أن أقول اني تعلمت من حنظلة ، حتى وهي حقيقة فلست أنا من يوهب نفسه هذا الوسام بل شعبي وأرضي وجمهوري وما تعبر عنه أعمالي السابقه والقادمة.
كيف تقيم لنا تجربتك الفنية الذاتية؟
ليس تواضع ، أو انكار لما مضى ، ولكن في الحقيقة، لا يمكنني أن أقيم أين سباعنه ، ولست أنا من يستطيع الإجابة على هذا التساؤل، بدأت من محب يرسم على قصاصات الورق ، الى صحف دورية ، ومن ثمه الى جريدة فلسطينية يومية، وعدة صحف أخرى، طبعت كتابي الأول في الكاريكاتير عام 2005 بمساعدة الدكتورة سميره البرغوثي بدعم من حكومة لوكسومبورغ ، مع ترجمت اللوحات الى الفرنسية ، أطلقت موقعي الكاريكاتوري قبل عام ونصف ، وأقمت عدة معارض داخل وخارج البلاد ، وشاركت في معارض عربية ودولية ، أقدمت على عدة خطوات على المستوى المحلي الفلسطيني ، العربي والعالمي ، أفرح أكثر بكثير عندما أمر عن واجهة محل او بقاله صغيرة وقد علقت احد كاريكاتورياتي عليه، عندما يصلني بريد الكتروني او اتصال يؤيد أو يعارض احد اعمالي، افرح بأعمالي التي تنشر في مواقع عربية وعالمية و أفخر أكثر برأي الناس في أعمالي فلهم ارسم ولهم أطلق آرائي الحادة أحيانا، والجريئة أحيان أخرى .
كيف تقيم تجربة رسم الكاريكاتور في فلسطين من وجهة نظرك؟
رسم الكاريكاتور في وطن كفلسطين كالرسم بالبارود، فتاريخها مليء بالاحداث المؤلمة، والاعمال البطولية، والتناقضات التي تتوزع من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، ومؤلم أكثر ما عايشناه من واقع في العام 2007 على أرض فلسطين، وما زلنا نعيشه مع بداية العام الجديد، والذي أشد ما نخشى من نتائجه تقسيم فلسطين الى ضفة وغزة، و مؤلم ان تهاجم و تنتقد هذه التنظيمات التي حملت على عاتقها هم شعبها لسنين طوال ، في لحظات كان عليك ان تلحد بهذه الممارسات التي وصمت تاريخ نضالنا هذه الوصمة السوداء المؤلمة ، لكن على الطبيب الجراح، أن يجرح الجسد ليجتث منه الأورام ، لم يكن من السهل أن تعلن حربك على ذاتك ، لكن كان من المستحيل أن تصمت ، او تظل ترثي نفسك بما مضى من نضال مشرق ، علينا بعض الأحيان ان نعلن رفضنا لكل ما يلوث صورة شعبنا المناضل ،حتى لو تطلب الأمر أن تكون حاد جدا، وهذا ما يغني التجربة الفلسطينية ليس فقط في فن الكاريكاتور، ولكن أيضاً في كل الجوانب وخصوصاً الثقافية منها.
ولا نفصل نفسنا عن الوضع العربي او العالمي ففلسطين جزء من كل ، فالعراق ولبنان تصدرت في الكثير من الأوقات أعمالي ، وانتقدت السياسة العالمية الأمريكية في العراق ، حاربنا في الجنوب ككل انسان عربي محب لقوميته لكن بالغالب أنطلق كما ينطلق الجميع من والى فلسطين .
أما بالنسبة لرسامينا وللأسف فهناك رسام الحزب ورسام للطائفة والقبيلة وهناك من يدعي وينصب نفسة خليفة لناجي العلي و في نفس الوقت تجد أعمال له لاتحمل توقيعا او إشارة لمن قام برسمها خوفا من ما يحملة العمل من موقف ، وتجد أيضا من يوازي سياسة حزبه دون البحث في سلوكها على الأرض مبتعدا عن ما يمس حزبه ، وانا اتكلم عن فنانين موجودين الآن على الأرض يرسموا وينشرو في صحفنا و صحف عربية ويدعون أنهم خلفاء للشهيد ناجي العلي!!! ، أتمنى أن ينتمو لفكرة أن ما يقومون به هو استكمال و ترسيخ لنضال شعبنا وأنه أمانه ملقاه على عاتقنا.
حالة شغب أسم معرضك الأخير ، لماذا حمل الشغب عنوانا لة ؟ ومن أين انطلق ؟
شغب، لان الكاريكاتور حالة من الشغب والتمرد على الواقع الذي نعيشة ، بحاجة هذه القضية الى شغب يخرج من الشارع البسيط ، شغب الشارع الجائع للرغيف والارض والحرية ، انطلقت بهذا المسمى ليعلن حالة الرفض للصراع الفلسطيني الفلسطيني أولا ، وللقتل الإسرائيلي للإنسان الفلسطيني، وتجسيداً للتاريخ وللحاضر، ولحلمنا في المستقبل ، شغب يحرر الجسد العربي، من حالة الصمت او الموت، الذي يتسلل مرتديا رداء الجوع للشارع، فيتحول الجائع من ثائر متمرد، الى شخص يبحث عن قوته، ويختصر حلمه في مساحة رغيف عصي البلوغ ، وان حضر يمتطي مذاقة المر بذل وصوله.
إبتدأ المعرض بشكل هامشي في جنين في الجامعة العربية الأمريكية ، وأعتبر أن انطلاقته الحقيقية كانت من قلب حصار مدينة نابلس، عندما أقيم في جامعة النجاح الوطنية برعاية رئيسها الدكتور رامي الحمد الله ، انتقل بعدها الى مدينة رام الله ، في مركز خليل السكاكيني، وكان اهداءً لروح الشهيد ناجي العلي حيث أقيم في الذكرى العشرين لاستشهاده، وأحضر الآن لاقامته في السادس من هذا الشهر في مدينة حيفا بالتعاون مع عدد من الأخوة الصحفيين والكتاب، تحت عنوان(( حالة شغب 4 – عائد الى حيفا ))، كما يجري التحضير وبتعاون عدد من الأصدقاء الى اقامة المعرض في العاصمة الأردنية عمان، وفي مدينة الناصرة الفلسطينية، وكان من المفترض نقلة لمخيم عين الحلوة في لبنان ولكن توقف التنسيق مع الأخوه هناك بعد أحداث مخيم نهر البارد، وأتأمل أن استطيع نقلة لمدن و عواصم عربية أخرى .
أشرت خلال حديثك الى أن أشخاص هم من ساهموا معك باقامة معارضك، أين المؤسسات الثقافية ؟
نعم نقل المعرض من مدينة لأخرى بجهد شخصي، وبمساعدة أشخاص آمنو بما أقدمة للناس وللوطن أشكرهم جميعا ومنهم وليس حصراً الاستاذ الدكتور وليد ديب، والاستاذ الدكتور رامي الحمد الله، الأستاذ نبيل عمرو، رضوان ياسين، الصحفية أسماء عزايزة، رشا حلوة، ولكن كان أولى لو أن مؤسسة ثقافية تبنت هذا العمل وقامت برعايته، ولكن ربما لما تحمل لوحات المعرض لنقد لاذع كما وصف المعرض تم تجنب رعاية المعرض بشكل كامل من احدى المؤسسات .
كلمة أخيرة، والى أين أنت ذاهب ؟
أبتدأت طريق صعبة ومضنية ، وصلت لما وصلت له من حب الناس و تقديرهم لما أفعل ، أنا اليوم أعلن "أبو فايك " عائدا الى حيفا في معرضي هناك ، أطوف المدن الفلسطينية و احاول الدخول للمدن العربية أيضا ، أرسم أنشر أخاطب الناس ، وأبحث عن رأيهم بما أقوم ، أنا جزء من شعب أحاول أن امثله ، أحاول أن انقل رسالته ،ولا أجزم بأني نقلتها و لا أؤكد أني رسول لهذا الشعب فأنا أحاول ، أتمنى أن انال رضى ربي وشعبي عما أقوم به ، ألى أين لا أعرف الى أين ولكن ما أعرفه وأصر عليه هو أن استمر بما أفعل ، ولا أعلم الى أين سينقلني هذا الشئ.
المصدر: جريدة القدس - فلسطين, 6 كانون الثاني (1)
العالم العربي يتمثل بالرجل العاري يجلس على محيط من النفط ولكن يمد يده ليشحد ..
(( وطن الأبن البكر لأب سكن زنازين الليل))
لحظات... بداية فجر... وملامح ليل... وأنت تترجل عن حلمك كي ترمي ملامح الفجر على أطراف الليل، بل تلقي بملامح فجرك على وشاح اليل، وشكل آخر في الزمن الآخر، وأنت وأنت.... أنت، لم تعلن أنت الرحيل... رغم وعيد الأرض الدائم لك ولنا به... لم تعلنه أنت بل أعلنه المدججون بما ليس نملك، المدججون بما ليس لهم.... من أرض أو وطن... فالحكاية حكاية وطن..
ها نحن لسنا إلا نحن.... هات حريتك... اغرس بيديك السلاسل... وعينيك اللواتي يرهقنا بهما شكل الغد... تجرد من ذاتك.... وهات هويتك... وأصعد معنا لليل آخر... جنود وليل وطعم آخر للحرية في القيد.... هل تخبئ في هذا الجسد شيئاً من ذاتك؟... اخلعها عنك سلمنا ما تملك... نقودك هويتك ذراعيك قامتك وسلمنا ما لست تملك، حبك، حريتك، وطنك النابض في هذا الجسد، أو سلمنا عنوة غدك، اصعد معنا فأنت هم جميعا، تقدمنا إلى الليل... أرباب الليل يخافونه يا فارس الفجر تقدم بقامتك لتزرع لنا الفجر، وانتزع عن ملامحهم أرضنا فبيدك وقيدك أنت الآن حر يا فارس النهارات القادمة، ويا فارس تاريخنا الآتي للفجر تقدم.
ونحن من بعدك...عيوننا تراقبك في غيابك فهو ليس الأخير لكنه الطويل، فكل غياب على المحبوب طويل، تراقبك العيون ويهرب النبض منا لك ومنك لنا، جدل العشق قصيدة لسنابل المفردات الباحثة عنك في تفاصيل الليل، وأنت تغيب تودع في رحم زوجتك جنينك القادم، وتشتاق لحظة الوداع لملامح لم ترها بعد.. وتشتاق لصراخ لم تسمعه بعد، وتحب خطاه التي لم تبدأ، وأمك اعذريني فلي رحم في الأرض غير رحمك، لي أم أخرى هي لك أيضا فلا تغاري منها علي، فأنت من زرعتها فيّ وأنت من نسجتي بداخلي شيئا من شكل زيتونها، وأنا أخوك.... تصلبت في داخلي الصور... لأني زرعت في داخلي يومك هذا ولم أزرع فيه بردك.... وقفنا على شرفة النهار ننتظر وداعك... ورحلت... أدركت أنك ترحل في الليل... أعتذر لشموخك فقد بكيت عندما أيقنت أنك رحلت في ليل بارد.... هي لحظة الصدق ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.... أعلم لماذا يسرق الجبناء النهار ليلا ولكن لم أعرف بعد لماذا يسرقونه في الليل البارد...
تقدم... ينزعون عنك ملامحهم... يطلقون يديك... فهل يا ترى ما فائدة أن تفك قيدي داخل جدران الزنزانه ؟؟؟؟ وحدي وجدرانكم... وذاكرتي تغسل المكان بملامح كل شئ خارجها... هي اللحظة الأولى... لا أزرع في صدى الصمت إلا بكلماتكم انتم... حين أعلنوا عني الرحيل... ورغبتي في أن أعرف ملامح المكان الجديد... رغبتي في قهره لا لرغبتي في أن اسكنه... يداي طليقتان الآن داخل جدران زنزانة... أتحرك داخل عتمة كل شئ وفيها... أتحرك في عتمة كل شئ هنا أتلمس كلمات من خطو على جدرانها أسماءهم...لا أعرف أحمد ومحمد وفلان ولكني اعرف أني مشيت على خطاهم... فأحببتهم من ملامح كلماتهم على ذات الجدران.... لا أعرفهم جيدا لكني آلفهم وأحبهم... هكذا هم... أعلم من ملامحهم كم أحبو هذه الأرض... ورائحة العرق المتصبب منها وهي لاتحس الا بما يجري فيها... لا تملك الزنزانة نبضا إلا نبض من فيها وبدونهم هي ميتة لذلك تحبنا الزنزانه لأنها بنا تحيا و نكرهها لأننا بها لا نحيا... لها شكل يختلف بشكل من سكنوها لكنها...
وعدتك بأني هنا، كم يغيب الحاضر فيك، وكم يحضر الغائب عنك، ألأنه حاضر دوما ذكرته أنت؟ أم تذكرينا دوما في ثناياك لأننا وطن؟ صفة للضد في الحرية أنت أم سبب لها أم أنا لنعرف طريقها ندق أبوابك؟ شكل المنفى على أرض وطن، أم شكل من أشكال الوطن أم فريضة لسيرتنا الذاتية؟ أم رحم لأبناء النهار؟ وكيف يكون رحم النهار بمثل عتماتك؟ في رحمك ولست أمي... في ثناياك ولست عقيدتي... في أحضانك ولست معشوقتي... أكتب ما طاب على جدرانك ولست تاريخي... أخرجي من ذاكرتي وأنا اسكنك أيتها الزنزانة.
وأقف هنا لأبحث عن أي هناك غائب عنه وحاضر فيه وفيّ، أقف هنا حيث لا ظلال لقامتي، ولا تفقد هي كينونتها، وأقف هنا حيث المكان يخرج من ذاكرة الوقت، ويعج برائحة الرماديات في كل شيء، أبحث عن قصاصات الورق، لأكتب شيئا، أبدأ حروفك باسمه، وليد لم يأت بعد، وأنهيه به.. وليدي الذي لم يخلق بعد، انسج حروفي بشكل الحب، وبطعم الشوق، وأزف لمن هم فيّ وفيهم بأني أحب، وأمتطي داخل زنزانتي أمتطي صهوة سبعة أخيلة، وأترجل عن قيدي وعن عتمة زنزانتي، وأمتهن النهار، وأخط على جدران زنزانتي شيئا له، الآتي الذي لم يأت بعد، وليدي القادم، فهل سيمتهن في أبيات قصيدته لغتي؟ وهل سيكمل بريشته ألوان لوحتي ؟
أترى ظلمتك إذ وعدتك بالنهار؟ أم ظلمت النهار أذ تأخرت مقطورته عن القدوم؟ أم أن للأحرار متكأ في شرفات الليل؟ أم أننا أنا وأنت وليدين لم يولدا بعد؟؟؟
وأنت.... يسألني مرتكبا إثم تاريخه... ليقول....من أنت؟ أنا أنا حين ترتدي بذاتك تاريخي، أنا أنا وانت تتقمص كينونتي، أنا شكل من أشكال سقوطك عن ظلالي حين ترغب بالنهوض بركام وهمك، وتكرر الخطيئة.... من أنت؟ فأجيب أنا أنا حين تثبت أنك لست أنا ولست بشهوتك لامتطاء ذاكرتي بغيا، لتنجب بغيا فتات الشيء من أرضي، أنا أنا تراكمات مجد تسرب من حقدك ليبني من أنفاسة شكلا للغد، أنا مملكة للمرايا التي تقف الثورة أمامها، أنا حكاية ابتدأت قبل ارتسام تضاريس وجهك، ومازالت تكتب لما بعد زحفك لماض، أنا كثافة الفكرة حين تحمل أسمه هو من لم يولد بعد، أنا الوعد بأنه قادم، أنا تاريخ ولادة الفجر، وأنا هم جميعا وهم أنا ونحن جميعا لسنا أنت ولسنا ضميرا مستترا فلا الشمس تستتر ولا الستار يغطي الأحرف الأولى من عقيدتنا، وتكرر الخطيئة من أنا؟ اغفر لذنبك ولا تقل من أنت؟؟؟ قل من أنا ؟؟؟؟
أعترف كيف ارتكبت الوطن ؟؟؟
أعتذر فلي فيها شكل آخر، أعددت أقلامي ونسجت للكلمة بيتا، وقرأت تعاويذا كتبت على صدر القصيدة، ونثرت عطرا على شكل الموت، وحللت طلاسم الرغبة في الجسد الواحد فللجسد حدود تختلف بملامح ساكنها، وللوطن حدود تختلف باتساع السماء، طاردت الغيم وقرأت له حكايتها لتنام في شكل آخر مطرا على أرض وطني.
خارج حدود وهمك، سيولد وطن، وخارج حدود زنزانتك يتربص بالليل وطن، فرحة الميلاد لطفل ولد يمتطي عقيدة الإنتظار، طفل ولد بعينين باحثتين عنك، هذا بكاء الجوع لرحيق أم أم عطر أبيه، هذا اشتياق القامة الهشه لاعتلاء قامتك أم سيتقن فن الصهيل فالخيول تمتطي لحن الصهيل، هذا ارتجاف البرد أم هو البحث عن دفء عينيك المتسعتين، قف يا وطن قف خلف السلك في لقائه الأول، قف، في لقائك الأول، سيحتضنك بعينيه، سيقبلك بعينيه، سيعلمك كم يحبك بعينيه، قف واقرأ ملامح وجه ابيك خلف السلك الشائك، اقرأها إحفظها أتلوها.... وإياك إياك أن تحفظ ملامح القيد والسلك الشائك..
*رسام الكاريكاتير
محمد سباعنه
http://www.jffra.com/temp/