التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,843
عدد  مرات الظهور : 162,298,089

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > تحرير فلسطين قضيتنا > فلسطين تاريخ عريق ونضال شعب > التاريخ والتأريخ والتوثيق > تاريخ و تأريخ
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 01 / 01 / 2008, 17 : 01 AM   رقم المشاركة : [1]
الباحث أحمد محمود القاسم
كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني

 الصورة الرمزية الباحث أحمد محمود القاسم
 




الباحث أحمد محمود القاسم is a splendid one to beholdالباحث أحمد محمود القاسم is a splendid one to beholdالباحث أحمد محمود القاسم is a splendid one to beholdالباحث أحمد محمود القاسم is a splendid one to beholdالباحث أحمد محمود القاسم is a splendid one to beholdالباحث أحمد محمود القاسم is a splendid one to beholdالباحث أحمد محمود القاسم is a splendid one to behold

الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى المبارك

الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى المبارك


الكاتب والباحث/احمد محمود القاسم

ارتبطت بالمساجد صفات الطهارة والقداسة، فهي أماكن خُصصت للسجود والركوع والذكر والدعاء، وبقدر طهارة الكلمات، التي يرددها الساجد ونقاءِ الجُمل، التي ينطق بها الذاكر الحق، صارت الأنفاس في المساجد، أنقى منها فيما سواها من الأرض، لكن المساجد، ليست جميعا في مكانة المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى المبارك؛ فهذه المساجد الثلاثة، ترتفع درجتها على غيرها؛ إذ شهدت بذور التوحيد، وثبات الأنبياء والصدّيقين في وجه المِحَن، من أجل نشر دين الله في أرضه.
ذُكر المسجد الأقصى في القرآن صراحة وإشارةً، ضمن الحديث عن القدس وأرضها المباركة، كما أثنى النبي على المسجد المبارك، وجعل لزيارته آدابا وأحكاما.
إذا كنا الآن، نطلق اسم "المسجد الأقصى" على الجامع المعروف لدينا في أقصى الجنوب الشرقي من ساحة الحرم، ونسمي البناء المقبَّبَ فوق الصخرة المباركة باسم (مسجد قبة الصخرة)-فإن أسلافنا كانوا يسمون أرض الحرم القدسي الشريفِ كلَّها، باسم "المسجد الأقصى"، والتي تضم الكثير من الآثار الإسلامية.
المسجد الأقصى:
هو أحد البناءات التاريخية العريقة، بناه أول مرة أبو الأنبياء, إبراهيم -عليهما السلام- ثم جدد بعد ذلك بمئات السنين، ويقال أيضا ان الذي بناه أول مرة هو سيدنا آدم عليه السلام.
ولم يتيسرْ للمسلمين فتح بيتِ المقدس ومسجدِها الأقصى في زمن النبي-صلى الله عليه وسلم-إلا أن المسجد المبارك، شهد أحداثا عظيمة في ذلك الزمن، فكان نهايةً لرحلة الإسراء وبدايةً للمعراج، كما ظل قبلة للمسلمين، طوال تواجدهم في مكة، وسبعة عشر شهرًا بعد الهجرة.
حين جاء الخليفة (عمر) بن الخطاب-رضي الله عنه- إلى مدينة بيت المقدس فاتحا، مكث فيها عدة أيام، وأقام مسجدًا متواضعا، صلى فيه المسلمون زمنا، وجُدِّد المسجد أيام الأمويين في عهد خلافة الخليفة عبد الملك بن مروان وابنِه الوليد، وبُني وقتَها مسجد آخر لأول مرة فوق الصخرة (مسجد قبة الصخرة) التي كانت قبلة الأنبياء..
تتابعت الدول والأُسَر الحاكمة للمدينة المقدسة، واهتموا بالمسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة اهتماما كبيرا، ومن هؤلاء:الخلفاء العباسيون، والحكام الفاطميون، والأيوبيون- وعلى رأسهم صلاح الدين-وحكام المماليك، وحكام الدولة العثمانيون.
إذا كان المسجد الأقصى، قد خضع مع مدينة بيت المقدس للسيطرة الصليبية، في أواخر القرن الخامس الهجري، فإن العصر الحديث، قد حصل له احتلالين غربِيَّيْن آخَرَيْن هما:
1-الاحتلال البريطاني في عام 1917م.
2-الاحتلال الصهيوني في عام 1967م.
الأقصى في القرآن:
ليس هناك دليل على رِفعة المسجد الأقصى وسموّ مكانته، أبلغُ من أن يُذكر في القرآن الكريم في معرِض الثناء والمدح.. إنها قصة كتاب ومسجد، فالكتاب سِجِلٌّ، يحوي كلمة الوحي الأخيرة الخالدة، لهداية أهل الأرض، والمسجدُ جزء مباركٌ من الكوكب، الذي يعيش فوقه الإنسان بخيره وشره، و صراعاته ومنافساته على السيطرة والنفوذ، من أجل غَرَض أو عَرَضٍ، أو من أجل دين ومعتَقَد..
لقد احتفى القرآن بالمسجد الأقصى، واحتفل بمن شرّفه وتشرف به من الأنبياء والصالحين الذين عاشوا في كَنَفِهِ، ودَعَوْا إلى الله فيه، وفيما حوله من الأمكنة والأنحاء المباركة، غيرَ أن الكتاب العزيز، لم يصرح باسم المسجد المبارك، إلا في موضع واحد منه، مرتبط بالحديث عن المعجزة الرائعة، معجزة (الإسراء والمعراج)، التي سافر فيها خاتم المرسلين محمد-صلى الله عليه وسلم-على جناح القدرة الإلهية، وفي زمنٍ من الليلِ يَسِيرٍ، من بيت الله الحرام في مكة المكرمة، إلى المسجد الأقصى في القدس المباركة، وأتمّها نحو عوالمَ أخرى في السماوات، حتى بلغ سدرة المنتهى.يقول الله سبحانه وتعالى:
(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) (سورة الإسراء: 1).
تتوالى في كتاب الله، الإشارات إلى البيت المقدَّس، والبلد الذي يحويه، مما ينطق بالمكانة الخاصة للمسجد والبلد كليْهما.
فيقول القرآن على لسان النبي موسى بنِ عمران-عليه السلام:
(يا قوم، ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدّوا على أدباركم.. ) (سورة المائدة:21)، فالأرض المقدسة، هي المطهَّرة المباركة، والمراد بها مدينة بيت المقدس، بما فيها وما حولها، وقد أُمر بنو إسرائيل بدخولها قبل الميلاد، باثني عشر قرنا تقريبًا، لكنهم لم يستجيبوا لنبيّهم، وجَبُنُوا عن دخول بيت المقدس، فحُرِمُوا خيرَ الجهاد في سبيل الله- تعالى-حتى كان زمن.
عن سليمان يقول القرآن:
(وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ، إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ). (سورة الأنبياء:81)،
عن سبأ يقول الله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا امنين). (سورة سبأ: 18).
الأقصى في سُنّة نبيّ الإسراء:
منذ جاء أبو ذرّ الغفاري من ديار قبيلته غفار، ليجاورَ النبيَّ-صلى الله عليه وسلم-في المدينة، ويَصْحَبَه في رحلة الحياة المؤمنة-وهو حريص على تعلّم الدين من نبي الرحمة؛ لذلك كان أبو ذر يسأل كثيرا عما لا يعلم، مما يرى فيه نفعا وفائدة، وها هو أبو ذر يقول: قلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ.
قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الأقْصَى.
قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً.." (رواه البخاري ومسلم).
والتقط سَمْعُ أبي هريرة من الفمِ النبوي الطاهر، إحدى آيات التكريم الإسلامي للمسجد الأقصى، فنَقَلَ إلينا قولَ النبي-صلى الله عليه وسلم:
"لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ-صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-والَمَسْجِدِ الأَقْصَى" (صحيح البخاري).
فالمسجد الأقصى، واحد من المساجد الثلاثة الكبرى، التي لا يجوز السفر إلى موضع بقصد التعظيم إلا إليها، مع أن صفة المسجد، يمكن أن تنطبق على كل رقعة من كوكب الأرض الواسع.
ليس هذا فقط، بل يطوّق الإسلامُ جِيدَ المسجدِ الأقصى على لسان خاتم الأنبياء برتبة أخرى من الرتب العالية، والذي حفظ لنا ذلك أمُّ المؤمنين أمُّ سلمة-رضي الله عنها-فقد سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَقُولُ:
مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، أَوْ عُمْرَةٍ، مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ-أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" (سنن أبي داود).
بل يَروي أبو الدرداء قولَ النبي-صلى الله عليه وسلم:
"الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة" (الطبراني).
هي إذن أخوَّةٌ، عَقَدَهَا الإسلام بين مساجده الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى. وإذا كانت المساجد عموما هي خير البقاع، فإن هذه الثلاثة الكبارَ من بينها، هي أعظمُها فضلا ومنزلةً كما بينت سنة الحبيب-صلى الله عليه وسلم.
أحكام المسجد الأقصى وآداب زيارته:
يَعتقد المسلمون أن البقعة التي يَحِلُّ فيها الإسلامُ حاكما ودينا لأهلها-تصيرُ ملكا لهذا الدين وأصحابه، وتصبح لها قداسة تشبه قداسة العِرض، واحترامٌ يكاد يشبه احترام الدين. ويزداد الأمر عند أهل الإسلام أهمية، إذا كانت هذه البقعة مرتبطة بشعائر الدين، كالمساجد، وتتضاعف المنزلةُ أضعافا كثيرة، إذا كانت البقعة هي المسجد الأقصى الذي باركه الله- تعالى- وبارك ما حوله، فهنالك تصبح الحماية والحفظ والصيانة والرعاية، واجبًا على الأمة والأفراد.
يمثل المسجد الأقصى القبلة الأولى للإسلام، التي كانت صلاة المسلم، و لا تصح إلا باستقبالها، حتى حُوِّلت القبلة إلى المسجد الحرام، فما كان التحويل تقليلا من شأن المسجد الأقصى الذي بناه (إبراهيم) -عليه السلام-وإنما كان عودةً إلى الأصلِ الأصيلِ، والبيتِ الحرامِ، الذي بناه أيضا أبو الأنبياء وخليلُ الرحمن إبراهيمُ-عليه السلام-ومَن احترم الأصل وأجلّه، فقد احترم الفرع التابع له، وأعْلَى من شأنه.
وإذا كانت المساجد كلُّها لله، فإن ثلاثة منها تبوّأتْ منزلة خاصة، وهي:
1-المسجد الحرام2 -المسجد النبوي 3-المسجد الأقصى المبارك.
فيجوز للمسلم أن يخرج من بيته: منفقا من ماله، مغتربا عن أهله، ليزور هذه المساجد- دون غيرها-معظِّما لها ومُقدِّسا.
جاء في الحديث قولُ رسولِ اللهِ-صلى الله عليه وسلم:
"من أَهَلَّ بعمرة من بيت المقدس غُفر له". وقد استجابت جموعٌ من الصحابة والتابعين والعلماء والأمراء لهذا النداء المبارك، فأهَلُّوا بالحج والعمرة من بيت المقدس، فبقيت القدس مقصدا ووجهة لكثير من أهل الصلاح والعلم. والقدسُ والشام هي أرض المحشر يوم القيامة، ويستحب لزائر القدس أن يصلي في مسجدها، وأن يختم القرآن هناك إن استطاع، ويهل بعمرة أو حجة، ويتجنب الوقوع في المخالفات الشرعية والمعاصي.
حدودُ المسجدِ الأقصى وصفتُه:
ما تقع عليه العين في أرض الحرم القدسي، هو من أبدع، ما صنعته يد الإنسان، فهو من زخرفة الفن بالموضع الرفيع، ومن متانة الصنع في الذروة العالية.. كم من ناظر إليها لا تشبع عيناه مع طول التحديق، وكم من مندهش من جلال الأثر، لا ينتهي اندهاشه مع انصرافه إلى بيته وأهله!!
والحرم القدسي، يشمل:1-المسجد الأقصى 2-مسجد قبة الصخرة، وما حوليهما من منشآت، حتى الأسوار.
أضلاع الحرم القدسي الشريف:
طول ضلعه من الجهة الغربية (490م) أربعُمائة وتسعون مترا، ومن الجهة الشرقية (474م)أربعمائة وأربعة وسبعون مترا، ومن الجهة الشمالية (321م) ثلاثمائة وواحد وعشرون مترا، ومن الجهة الجنوبية (283م) مائتان وثلاثة وثمانون مترا.
تبلغ مساحة المسجد الأقصى من الداخل أربعة آلاف وأربعمائة (4400م2)، طوله (80م) ثمانون مترا وعرضه (55م) خمسة وخمسون مترا، وقد جُدِّدت جميع أعمدته القديمة، ووحّدت أشكالها، وعددها ثلاثة وخمسون عامودا مستديرا من الرخام، وتسع وأربعون سارية مربعة من الحجارة. وارتفاع الأعمدة والسواري خمسة أمتار، قامت فوقها أقواس حجرية، اتساع كل منها تسعة أمتار، وتربط بين الأعمدة، مشدات نحاسية منقوشة، طولها تسعة أمتار، بين العقود المحمولة على الأعمدة.
للحرم القدسي أحد عشر بابًا:
فعلى الجانب الشمالي له سبعة أبواب، وإلى الشرق باب واحد، واثنان على الجانب الغربي، وباب على الناحية الجنوبية، وأبواب المسجد الأقصى متساوية، لكن أوسطها هو أعلاها وأجملها، حيث إنه مزخرف بالفسيفساء الملونة التي تغلب عليها الزُّرْقَةُ. في مقدمة المسجد سبعة أرْوِقة، فإلى جانب الأبواب الشمالية: رواق أوسط مرتفع قليلاً، وثلاثة أروقة في جهة الشرق، ويناظرها ثلاثة في جهة الغرب.
قبة المسجد، ترتفع سبعة عشر مترًا عن الأرض، تكسوها الفسيفساء الجميلة في انسجام بديع متناسق. في قبلة المسجد الأقصى، كان يقف منبر نور الدين محمود بن زَنْكي، ومحراب صلاح الدين، الذي تعرض للإحراق بمؤامرة صهيونية عام 1969م.
للحرم مجموعة من المآذن والقباب أهمها:
القُبة الوسطي، وقبة السلسلة، وقبة سليمان.
له أربع مآذن: واحدة عند باب الأسباط، وثانية عند باب المغاربة، وثالثة عند باب الغوانمة، ومئذنة باب السلسلة.
زُود الحرم القدسي بمجموعة من الأسْبِلَةِ للشرب والوضوء، من أكبرها سبيل قايتباي.
يبدو المسجد عملا معماريًا رائعًا، يجمع بين البساطة والجلال، ويحكي تاريخ المسلمين معه عبر أكثر من ألف وأربعمائة عام. ويرجع جزءٌ كبير من فخامة المسجد، إلى سعة بيت الصلاة، سعة تملأ النفس روعة وإجلالاً وبهجة، مما جعل المعماري المسلم، يَكتفي بسقفه بالخشب.
البناء الأول للمسجد الأقصى:
يشعر المؤمن، بأبوّة حانية لكل موحد في شخص نبي الله إبراهيم-عليه السلام-ذلكم النبي الذي هاجر إلى ربه، بعد أن قضى واجبه تجاه قومه، ودعاهم إلى الله، وأقام لهم الحجة على ضلالهم.
وبعد هجرته إلى أرض الشام وأرض الحجاز، لم يكن الخليل ليتوقف عن الاستمساك بدين الله-تعالى- وإعلانه ذلك في العالمين، والْتمس أن يقيم للتوحيد صُروحا من البَشَر والأبنية، فترك ولديْه إسماعيلَ وإسحاقَ وذريتَهما الصالحة أعلاما من بعده، يدعون مِثْلَه إلى الحنفية، كما رفع بناء البيت الحرام ومعه ولدُه البكر إسماعيل..
والبيت الحرام هو أول بيت وُضع للناس مختصا بعبادة الله- تعالى- وأخبر حفيد إبراهيم المكرّم محمد- عليه الصلاة والسلام- بأن المسجد الأقصى شُيّد بعد مسجد مكة بأربعين عاما‏، وإذا كان إبراهيم هو أول من بنى المسجد الحرام- وهذا هو الراجح- فمعنى ذلك أن المسجد الأقصى بُني في عصره، وإذا شئنا الدقة فقد بُني في سنواته الأخيرة.
نبحث في الزمن القديم- قبل مولد السيد المسيح بقرابة ألفي عام- فنجد أولى الناس بإقامة هذا الصرح، وتشييد هذا البناء، هو سيدنا إبراهيم نفسه، وهناك بالفعل روايات تفيد أن إبراهيم- عليه السلام- هو الباني الأول للمسجد الأقصى.
القرآن لم يهتم بالحديث عن بناء المسجد الأقصى، اهتمامه بتسجيل بناء المسجد الحرام، وما صاحب ذلك من جو روحاني، وتفانٍ من العبدين الصالحين إبراهيم وإسماعيل في تنفيذ أمر المولى الجليل- سبحانه- ذلك أن المسجد الحرام هو الأصل، وهو القبلة الخالدة لكل مؤمن، وتكريمه تكريم لكل بيت أقيم لعبادة الله-تعالى.
(إن أولى الناس بإبراهيم لَلَّذِينَ اتبعوه، وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) [سورة آل عمران: 68] هكذا عبّر القرآنُ- وهو يناقش أهل الكتاب-عن أن أحق الناس بالانتساب إلى إبراهيم- عليه السلام-هم المؤمنون الحقيقيين دون غيرهم. فأرسى القرآن قاعدة الولاء والانتساب، على أساس الإيمان وصحة المعتقَد، وقياسا على هذا، فإن أولى الناس بنبي الله-عليه السلام-هم مَن آمن به وتابعه، والرسولُ الخاتم الذي أثنى عليه، والأمة الخاتمة.
لقد جدد بناء المسجد الأقصى قبل الميلاد بنحو ألف سنة، ولا شك أنه فعل ذلك كما ينبغي، حتى صار البيت مقصدا للمؤمنين، وقبلة لهم.
منتهى الإسراء ومبتدأ المعراج:
كانت الرحلة الأولى لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-إلى بلاد الشام، في صحبة عمه أبي طالب، حيث صَحِبَه في رحلة تجارية، ومحمد شاب صغير لم ينزل عليه الوحي بعد، لكنّ العام العاشر من البعثة النبوية أي: والرسول في الخمسين من عمره-أتى ومعه رحلةٌ شَمِلَ التكريمُ فيها الإنسانَ والمكانَ: الإنسان في شخص النبي الخاتم، والمكان في شخص المسجد الحرام والمسجد الأقصى.
بدأت رحلة الإسراء في ليلة مكّية، غَفَتْ فيها العيون، وملأ النومُ ما بين أجفانها-من المسجد الحرام، وتخطّتْ ذوي السلطان من الخَلق، فما منعتها قوةُ رُومٍ ولا بأس فُرس، والبُراق الذي يركبه النبي يضع رِجْلَه عند آخر نقطة يراها بصرُه الحادّ، ويطوي المسافات طيًّا، لتنتهي خطواتُه عند المسجد الأقصى.
وصافحت عينا النبيِّ- صلى الله عليه وسلم-المسجدَ محيّيةً، ونزل عن البراق، وربطه في الحلقة التي يربط فيها الأنبياء دوابَّهم عند زيارتهم المسجد الأقصى، وخطا النبيُّ خطواتٍ غفل البشر النيام عنها، ودخل المسجد الأقصى، وصلى لصاحب المُلك والأمر ركعتيْن.
بعد هذه الصحبة القصيرة العميقةِ، عُمقَ الخشوعِ النبوي في الصلاة، غادر الرسول المسجد والمدينة، وقد ثبتت في ذاكرته الكثير من معالمِها وصفاتِها.. وأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَدَحَيْن مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ، قَالَ جِبْرِيلُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ.."(رواه البخاري).
وكانت هذه نهاية الرحلة الأولى: رحلة الإسراء.
كانت رحلةً مختارة من اللطيف الخبير-سبحانه- ربطت بين رسالات السماء من لدن إبراهيم وإسماعيل إلى خاتم النبيين، وربطت الأماكن المقدسة لشرائع التوحيد جميعًا، وكأنما هي رحلة لإعلان وراثة الرسول الأخير للأنبياء قبله، واحتضان رسالته هذه المقدسات كلَّها.
في مشهد كوني بديع، حضرته الملائكة، وسيرت أمره القدرة الإلهية، بدأت رحلة جديدة أكثر جلالا وأبعد مدى، وكان المبتدأ من الحرم القدسي الشريف، حيث عُرج برسول الله- صلى الله عليه وسلم- واخترق نحو مواضع الجلال في السماوات العلا.
في اليوم التالي، وفي الحِجر عند الكعبة، كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يخبر قريشا بما شاهد ورأى في إسرائه، والقوم كأنهم وجدوا ضالتهم في تأكيد كذب هذا الرجل، وهو الذي صيغ قلبه ونفسه من الصدق مع الله، والنفس والخَلْق، فاجتمعوا حوله يطالبونه بوصف بيت المقدس، التي يعرفها الكثير من تجّارهم، فروى لهم ما رأى بدقة وإحكام، والقوم مندهشون يفتحون عيونهم وأفواههم، وتضاعف عون الله لعبده، مما حكاه النبي- صلى الله عليه وسلم- في قوله:
"لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ، قُمْتُ فِي الْحِجْر، ِ فجلي اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ" (رواه البخاري).
قبلة المسلمين الأولى:
احتفظ المسجد الأقصى بإجلال الأنبياء والرسلِ- فكانوا يأتونه للصلاة والتعبد فيه، حتى أصبح قبلة لهم، ولما بعث الله خاتم النبيين محمدًا-صلى الله عليه وسلم - بقي على طريقة الأنبياء قبله، في وضع المسجد الأقصى، موضع الإجلال، حتى جعله الله قبلته وقبلة المؤمنين به، في الصلاة طوال وجود المسلمين في مكة، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس، والكعبةُ معترضةٌ بينهما، حتى هاجر إلى المدينة، ومرت عليه هناك سبعة عشر شهرًا، وهو على هذه الحال، فأذِنَ الله له بأن يتحول إلى المسجد الحرام، ويتخذه قبلةً له ولأمّته إلى يوم القيامة، والتصق بالمسجد الأقصى شرفُ أنه القبلة الأولى للأنبياء، والقبلة الأولى أيضا لخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.إن اختيار الكعبة قبلة للصلاة عند المسلمين، لا يعني أن المسجد الأقصى فَقَدَ رتبتَه ومكانته بين بقاع الأرض الطاهرة، بل هو- حسب التصور الإسلامي- واحد من أطهر بقاع الأرض وأعظمها.
ثالث الحرمين:
جمعتْ بين الأماكن المقدسة في الإسلام (المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى) أخوّةٌ عميقة، بعمق إخلاص الأنبياء الذين عاشوا فيها، وعبدوا الله عليها، وجاهدوا حولها..
والمسجد الأقصى في القدس، هو ثاني الحرمين من الناحية التاريخية، فقد بُني بعد المسجد الحرام في مكة بأربعين سنة، في حين بُني المسجد النبوي في المدينة المنورة بعدهما بزمن طويل-في السنة الأولى لهجرة خاتم الأنبياء-صلى الله عليه وسلم.
من ناحية الفضل-الذي يمنحه الله لما يشاء ولمن يشاء من خلقه- يأتي المسجد الأقصى في المنزلة الثالثة بين مساجد الدنيا كلها، بعد حرمي مكة والمدينة.. وحرمُ مكة بناه أبو الموحِّدين سيدنا إبراهيم، وبنَى الموحِّدون من ذريته حرمي المدينة والقدس، فجاء حرم الأب سابقا في الفضل حرم الأبناء؛ لأنه جزء من دين خاتم الأنبياء، كما كان جزءا من دين أبي الأنبياء، كما يمثل القبلة والوجهة الثابتة التي ارتضاها الله لعباده مع استقرار الوحي وختمه بآخر رسالات السماء..
إذا كان حرما مكة والمدينة، قد عطرتهما الوحي المنزَّل على إبراهيم ومحمد-عليهما الصلاة والسلام-فإن حرم بيت المقدس، قد عاين بركة الوحي، لذلك صحب المسجد الأقصى المبارك مسجدي مكة والمدينة في رحلة السبق والفضل، فالصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، فيما سواه، والصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، فيما سواه، والصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة فيما سواه، وتتساوى كل بقاع الدنيا بعد هذه الثلاثة.
الخليفة عُمَر بن الخطابُ في الحرم القدسي:
داست أقدام عشرات الأجيال من البشر في مشاهد متكررة على تراب القدس، والمدينة تطل على أصحاب هذه الأقدام كل زمن، بعين فاترة غير مهتمة أحيانًا، وبثغر باسم، وقلب مسرور أحيانًا، وكم لقيت القدس من الأنبياء والصالحين والعلماء والعباد!
كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، واحدًا من الشخصيات الكبيرة التي مرت بتاريخ القدس والمسجد الأقصى المبارك، فقد بدأت القدس عهدَها الإسلامي عام (16 هجرية) ست عشرة من الهجرة، أي في خلافة الفاروق عمر، وتسلم أمير المؤمنين حينها مفاتيح المدينة من سكانها، وكانت لعمر مع المسجد الأقصى، والحرم القدسي حكاية:
دخل الخليفة عمر، مدينة بيت المقدس، و عليه هالةٌ تكسُوه من التواضع، مع أنه دخلها منتصرًا، قد ذلت له الجيوش الرومانية الجرارة، وتقدم نحو الحرم القدسي في طائفة من الصحابة والمجاهدين المسلمين، وهو يعلم منزلة هذا الحرم في الإسلام، فدخله ملبيًا من الباب الذي دخله منه النبي-صلى الله عليه وسلم-ليلة الإسراء، وصلى في محراب داود تحية المسجد، وهناك أيضًا أَمَّ جَمْعَ المسلمين الفاتحين في صلاة الصبح، يَجهر من كتاب الله –تعالى-بسورتَيْ (ص، والإسراء) في قلب المسجد والمدينة، التي طالما سَمِعت ترتيل الأنبياء الخاشع، ودعاء المؤمنين من قبلُ.
لما سأل عمرُ عن الصخرة التي كانت قبلة الأنبياء، عرفه كعب الأحبار موضعها، لكنه وجد الرومان قد أهانوها، فاتخذوها مزبلةً، إهانةً لليهود الذين اتخذوها قبلةً لهم، فأمر عمرُ بتنظيف الصخرة، وشارك المسلمين في كَنْسِ ما حولها بردائه.
استشار عمر مَنْ حولَه في موضعٍ يَبني فيه مسجدًا، فأشار كعب الأحبار-الذي كان يهوديا وأسلم-بموقعٍ شمال الصخرة، لكن ذلك لم يُعجبْ عمرَ، ورأى أن يجعله في مقدم بيت المقدس، عندَ ما يُسمَّى "موقع هيرود الملكي"، حيث أقام أول بناء في الإسلام ببيت المقدس.
شيَّدَ أميرُ المؤمنين هذا المسجدَ من ألواح الخشب وجذوعِ الشجر، ووسَّعه لكي يستوعب أكبر عدد من المصلين. هذه هي قصة الحرم القدسي الشريف وقصة المسجد الأقصى المبارك بشكل موجز جدا، توضح مكانة الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى عند الأمة الاسلامية قاطبة، ولهذا فان امة الإسلام تتدافع عليه لتفديهما بكل ما تملك، بأرواحها وأموالها وآلامها وآمالها، وسيأتي اليوم الذي يتحرر فيه الحرم القدسي الشريف من رجس اليهود الصهاينة المحتلين، مهما طال الزمان.

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg ALAQSA.JPG‏ (39.6 كيلوبايت, المشاهدات 2)
نوع الملف: jpg الحرم .jpg‏ (86.1 كيلوبايت, المشاهدات 3)
نوع الملف: jpg الأقصى-3.JPG‏ (31.0 كيلوبايت, المشاهدات 1)
توقيع الباحث أحمد محمود القاسم
 الكاتب والباحث احمد محمود القاسم
AHMAD_ALQASIM@YAHOO.COM
الباحث أحمد محمود القاسم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06 / 06 / 2010, 35 : 03 PM   رقم المشاركة : [2]
عادل سلطاني
شاعر

 الصورة الرمزية عادل سلطاني
 





عادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond reputeعادل سلطاني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

رد: الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى المبارك

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخي الفاضل الباحث المؤرخ المحترم أحمد محمود القاسم إنه لمن دواعي الغبطة والسرور أن يشعر المسلم الحق من خلال ما جاد به قلمكم في هذا المنتدى الواعد بالعودة إلى الأصول والمنابع الأولى التي يستلهمها المسلم في أي مكان من المعمور والتي يتيحها المسجد كمؤسسة إسلامية إجتماعية لها دورها الريادي في إرساء التنشئة الإيمانية الصحيحة الصرف من مصادر الوحي اللدنية القرآنية السنية التي لا يأتيها الباطل من بين أيديها أو من خلفها ، فهذه المؤسسة الإيمانية هي الجامعة المثلى لتخريخ إطارات المستقبل الإيمانية لأمتنا إذا أحسن استغلالها بطرق مثلى سليمة ، فحينما تعود ثقافة المسجد عموما وتفعل في الواقع الإجتماعي ترسي بدورها للفعل الإسلامي الوارث الإستخلافي الذي يبعدنا عن الغثائية السائدة في مجتمعاتنا التي تصمها السلوكات الغثائية المنحرفة
فشكرا على هذا الطرح الفاعل الجاد الذي نحن في أمس الحاجة إليه في هذا الراهن الغثائي القاتل دمت ودام قلمك المجاهد ناقدا ومبصرا
تقبل تحيات أخيك عادل سلطاني
عادل سلطاني غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الماسونية والمسجد الأقصى مازن شما القدس في ألمٍ وليلٍ داج 0 27 / 09 / 2014 31 : 05 AM
تكبير العيد من الحرم المكّي ومن المسجد الأقصى وغيره ( عدة فيديوهات) هدى نورالدين الخطيب الملف الصوتي و المرئي الديني 14 21 / 08 / 2012 25 : 11 PM
44 عاماً والمسجد الأقصى يئنّ تحت نير الإحتلال .. إلى متى يا أمتي!!! مقبولة عبد الحليم أهلنا في الداخل الفلسطيني شعب عصي على التهويد 3 04 / 06 / 2011 14 : 06 PM
تهويد الحرم القدسي الشريف (من مواد الموسوعةالفلسطينية- القسمالأول- مجلد ثاني) بوران شما الموسوعة الفلسطينية 11 17 / 06 / 2010 37 : 02 PM
6 يونيو/حزيران: وزارة الأوقاف تدعو لنصرة القدس والمسجد الأقصى مازن شما فلسطين في القلب ( منوع) 0 03 / 06 / 2008 13 : 12 AM


الساعة الآن 09 : 09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|