المذاهب الأربعة في فلسطين
1 - المذهب الحنبلي: المنسوب إلى الأمام أحمد بن حنبل (780-855م)، وقد تأخر ظهور هذا المذهب في فلسطين إلى القرن الخامس الهجري وذلك بسبب الدولة الفاطمية التي قضت على المذاهب، وكان على فلسطين انتظار قدوم الأيوبيين ليعيدوا المذاهب إلى التعاملات الإسلامية، ومن أسباب تأخر المذهب الحنبلي في فلسطين أيضاً عدم وجود قضاة حنبليين، إضافة إلى تشدد الحنابلة وتعصبهم واختلافهم مع العامة واستخدام الشدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . انتشر المذهب الحنبلي في أواسط القرن الخامس الهجري بدءاً من القدس على يد أبو الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي المقدسي الحنبلي (توفي عام 1092م)، وقد كان فقيها واعظاً زاهداً، وقد عمل بعده زين الدين بن نخبة الحنبلي المعروف بابن نجا الحنبلي على نشر الحنبلية في القدس وما حولها وقد كان صلاح الدين يسميه عمرو بن العاص، ويعمل برأيه ويحضر مجلسه.
اشتهر عدد كبير من فقهاء الحنابلة بالوعظ وعملوا في الفقه والتدريس والتفسير، منهم أبو الفرج عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب السعدي وعز الدين أبو بركات عبد العزيز بن علي بن عبد العزيز البغدادي المقدسي الحنبلي. عين صلاح الدين أربعة أئمة بعد الفتح للصلاة في المسجد الأقصى فكان إمام الحنابلة يصلي بالمسجد الواقع تحت المدرسة السلطانية خلف منارة باب السلسلة، لكن هذه الوظيفة تركت لعدم وجود حنابلة في القدس، ومن فقهائهم المشهورين في فلسطين قاضي القضاة شمس الدين العمري العليمي الحنبلي المولود في الرملة، ولكن معظم الحنابلة كانوا من القادمين إلى القدس وليسوا مقيمين فيها.
2 - المذهب الحنفي: نسبة إلى أبو حنيفة النعمان الكوفي 699-767م، وهو من أقدم المذاهب المعمول عند مسلمي اليوم، وقد غلب على سواه من مذاهب السنة.
كان أمام الحنفية في فلسطين في عهد صلاح الدين يصلي بقبة الصخرة المشرفة، أما عن كيفية انتشار المذهب الحنفي فقد قامت الدولة العباسية بنشره في الأقاليم التابعة لها، فكانت الحنفية سائدة في الشام بين الشعب ونظام الحكم أيضاً.
انتهت رياسة المذهب الحنفي في القدس إلى قاضي القضاة خير الدين محمد بن محمد بن عمران الغزي المقدسي الحنفي، وقد وقف السلاطين وفاعلو الخير المدارس والزوايا على المذهب الحنفي، مثل الزاوية الحنفية بجوار المسجد الأقصى التي وقفها صلاح الدين الأيوبي.
من أهم المدارس الحنفية في عصر المماليك مدرسة الملك المعظم شرف الدين عيسى التي عرفت بالمدرسة المعظمية ومن شيوخها الأمام كمال الدين إسماعيل الشريحي وشمس الدين أبو عبد الله محمد الديري وخير الدين أبو المواهب خليل بن عيسى الباترتي وعلاء الدين أبو الحسين على بن شرف الدين عيسى بن الرصاص. ومن المدارس التي اشتهرت في العصر المملوكي وكانت تتبع المذهب الحنفي المدرسة المنجكية والمدرسة القادرية والمدرسة العثمانية والمدرسة التنكرية، ونذكر أنه في العهد المملوكي تحول كثير من فقهاء الشافعية إلى المذهب الحنفي، ولما استولي العثمانيون على مصر حصروا القضاء في المذهب الحنفي، وقام محمد علي بإلغاء العمل بالمذاهب الأخرى غير المذهب الحنفي في مصر، وما يزال المذهب الحنفي سائداً في كثير من البلدان إلى اليوم.
3 - المذهب الشافعي: نسبة إلى الإمام أبي عبد الله محمد بن أدريس القرشي الهاشمي الشافعي المولود بغزة عام 767م والمتوفى في مصر عام 819م.
انتشر مذهب الإمام الشافعي في فلسطين فكانت من معاقل الشافعية في القرن الثالث الهجري، وقد قام الشافعيون في القرن الرابع بالاستئثار بالقضاء في الشام وفلسطين، وعاني المذهب الشافعي مثل بقية المذاهب مع قدوم الدولة الفاطمية، لكن مع مجيء الدولة الأيوبية حدثت الانتعاشة الكبرى حيث كان المذهب الشافعي هو مذهب الدولة الأيوبية الرسمي.
وجاء المماليك البحرية وظل سلاطينها شافعية حتى استحدث الظاهر بيبرس مبدأ القضاة الأربعة، لكنه ميز المذهب الشافعي بتوليه النواب في سائر البلاد وأفرده بالنظر في مال الأيتام والأوقاف، واستمر ذلك حتى قدوم العثمانيين الذين حصروا القضاء في الحنفية، ولم يؤثر في انتشار الشافعية في مصر وفلسطين.
عند سقوط القدس في أيدي الصليبيين استشهد عدد من فقهاء الشافعية مثل الشيخ أبو القاسم مكي بن عبد السلام بن الحسين بن القاسم الأنصاري الرملي، أسره الصليبيون ثم قتلوه، كما قتل أيضاً أبو القاسم عبد الجبار بن أحمد بن يوسف الرازي، وعندما استرد صلاح الدين القدس كان إمام الشافعية يصلي بالناس في الأقصى، وكانت الشافعية فقهاً يدرس كمادة رسمية في المسجد الأقصى.
من أشهر مدارس الشافعية في فلسطين المدرسة الصلاحية ومن شيوخها بهاء بن شداد وابن عسكر الدمشقي. وقد كانت هذه المدرسة مصدر إشعاع علمي وثقافي وظلت كذلك لقرون طويلة، ومن المدارس الشافعية الشهيرة المدرسة الناصرية والمدرسة البدرية والمدرسة الميمونية.
ساهم علماء الشافعية في حركة التأليف فوضعوا الكثير من المصنفات في الفقه والحديث وأنفقوا على العلم من جيوبهم ومنهم من اشتغل بالعلم تبرعاً.
اعتبر العصر الذي سبق العصر العثماني العصر الذهبي للشافعية إذ كان لها سلطاناً مطلقاً على بلاد الإسلام الوسطى، وما يزال المذهب الشافعي يحظي بالمكانة الأولى في بعض البلدان.
4 - المذهب المالكي: انتشر المذهب المالكي في الحجاز وبغداد وفارس والبحرين وقطر والكويت والسودان والمغرب العربي، وفي الأندلس، لذا لم تكن له مكانة خاصة في فلسطين كما كان لبقية المذاهب.