الحوت و الزورق
قصة
جان ألكسان
قراءة : نزار ب. الزين
تدور قصة الحوت و الزورق للأديب السوري جان ألكسان ، حول العملية الإستشهادية التي قادتها دلال المغربي في قلب الأرض المحتلة في الحادي عشر من آذار/ مارس 1978 :
" أفرغت دلال المغربي حقيبتها من الأوراق التعيسة الصفراء و من برقيات الإحتجاج و الإستنكار ، و ملأتها بالقنابل ..
بدأت الحكاية الجديدة ..
بدأت عملية حك بذور التراخوما في العيون المحرقة بحجر النار ..
و يا آذار ..
ليست مصادفة أن تكون وعد الربيع
فأنت في شهر الثورات
و أنت في شهر البطولات
و تحية لذكرى دلال المغربي و رفاقها ..."
أليست هذه العبارات إلى الشعر أقرب ؟ أليست قصيدة نثرية ؟ فلنصغ إليه أيضا يتحدث بلسان واحد من رفاق دلال ، في يوم عرس دلال الإستشهادي ، و بنفس الأسلوب الشاعري :
" أعوام و أعوام ، و الجرح يتحول إلى دمل كبير ، ينز صديدا و انتظارا ، و الصراخ يتحول إلى دوي يثقب الأذن و الشغاف و لب العظام ..
أعوام و أعوام ..
و أنا ما أزال أقبع في مكاني مذعورا ، آكل خبزي و أعد جنازات الشهداء ...
سئمت الجلوس هكذا على رصيف الزمن ..
أفرك عيني و أعد جنازات الشهداء ..
أحك جلدي و أعد جنازات الشهداء ...
آكل خبزي و أعد جنازات الشهداء
أستنشق غبار الطريق ، و أعد جنازات الشهداء ..."
لقد سئمت دلال المغربي و رفاقها ، الجلوس في عطالة على رصيف الزمن ، فأفرغوا حقائبعم من أوراق العرائض و البيانات و الإحتجاجات ، و عبؤوها بالبنادق و المتفجرات ، و مضوا إلى قلب العدو ، يزرعون الرعب في مسلسل الإنتقام لدير ياسين الذي ابتدؤوه و لن ينتهيَ قبل عودة الحق العربي في فلسطين .
" انظروا إلى الصورة ، هذا الضابط يسحب قميصها إلى أعلى ، لا يصدق أنها امرأة ، هذه التي جاءت تهز الأرض تحت قدميه و تزرع الخوف و الذعر في كيانه "
إنها إنذار ، المرأة العربية ، صارت ندا للرجل العربي ، إن من جاء يهز الأرض تحت الأقدام ، إمرأة ؛ جاءت تشارك في الخلاص من الحوت الهمجي ..
" الحوت الأزرق .. الأسود .. الحوت الذي لا لون له .. الحوت الذي يسرق كل الألوان ، الحوت الذي سرق أحلامي ، و بيارتي ، و سرير طفلي ..
الحوت الذي جاء سمكة متسللة ، و اصبح حوتا .
من يستطيع أن يجابه الحوت ؟
سوى زورق !!!
إنه زورق من نوع جديد ، لا كزوارق الصيد ، و لا كزوارق خفر السواحل ، و لا كيخوت المترفين أو المخدرين ..
زرق يحمل الغضب ، و القنابل ...
و العينين البنيتين ... "
ألم تلاحظ – قارئي- تشابها بين الحوت الأزرق لجان ألكسان ، و دلال عاشقة البحر و الزيتون لسهيل الخالدي ؟
أسلوب جان ألكسان في الحوت و الزورق – كما سبق أن قلت – فيه خط شاعري واضح مع الضرب على أوراق متناثرة ، تنتقل من برشاقة من مأسي المخيمات ، إلى عبث الساسة ، و مساومات تجار القضية الذين آن لعيونهم أن يحكها حجر النار، لأن آخر الطب الكي ، فكان الزورق المحمل بالغضب الماحق ، خرج ليعارك الحوت الذي كان قد ابتلع الأرض و الماء و كل شيء حي ، أوراق من هنا و هناك رصت بغير ترتيب ، و لكن بشكل مفهوم و ممتع .
عندما قابلت الأستاذ جان ألكسان في دمشق أجريت معه الحوار التالي :
- الخط النضالي كان واضحا أيضا في روايتك النهرالتي شرفني عرضها على القارئ العربي في الكويت بتاريخ 7/8/1982 على صفحات ملحق الرأي العام الثقافي ، و إن كان نضالا بلا طائرة أو دبابة ، فهل أدبك كله التزام ؟
= نعم ، أعتبر نفسي كاتبا ملتزما بالمعنى القومي و الإنساني للكلمة ، إلتزامي ينبع من إيماني بأنني فرد من أمة مستهدفة بالعدوان ، و هي تناضل من أجل تحقيق العدل ، و ليس لأديب أو كاتب يعيش في هذه المنطقة ، و ضمن هذه الظروف الصعبة ، أن يرتاح ، أو أن يمارس الكتابة المترفة .
- أحد الناقد عقب على مجموعة قصصك الأخيرة بقوله :
" لقد بدأت القصة القصيرة ، ذلك الفن الجميل – يوما بعد يوم – تفقد سحرها ، أمام طغيان الأفكار و الوظيفة "
فما هو ردك عليه ؟
= إنه مجرد رأي لا يعبر إلا عن موقف صاحبه ، فالوظيفة إن كان المقصود بها العمل الرسمي أو الإعلامي ليست تهمة بل مواكبة حياتية يمكن أن تغني الكاتب و تجربته ، و أنا ضد التعريف القائل بأن القصة القصيرة هي " كذبة جميلة منسجمة "
- باعتبارك صحافي إضافة لكونك أديبا ، هل حقا ما يثيره البعض من أن الصحافة تضعف الأدب ، فكتاباتك الصحافية – مثلا - أضعاف إنتاجك الأدبي ، فهل ذلك مؤشر على طغيان الصحافة فيك على الأدب ؟ فقد انتبه أحد نقادك إلى ذلك فقال :
" في قصة المزنة لجان ألكسان أكثر من تحقيق صحافي ، مما يشير إلى النزعة الصحافية المتأصلة لدى الكاتب ، فالهم الإعلامي ، و أعني مخاطبة الجمهور العريض ، حاضر في الصياغة تلبية للكتابة القصصية "
فهل وظفت أدبك لصالح الصحافة ، أم جندت الصحافة للذود عن الأدب و رفعة شأنه ؟
= لقد طرحت هذه التهمة أكثر من مرة ، و نوقشت أكثر من مرة ، و لست مع إطلاق هذا الحكم ، لأنه حكم غير موضوعي ، فعملي الإعلامي ليس فقط وظيفة لأكل الخبز ، إنه جزء من عملي الأدبي ؛ ففي مجتمع مثل مجتمعنا لا تزال فيه نسبة الأمية مرتفعة فيه ، و لا تزال مشاكل النشر و الإعلام المرئية و المسموعة " إذاعة – مسرح – سينما – تلفاز " تطغى فيه على وسائل النشر المطبوعة و المقروءة " الكتاب – الصحيفة – المجلة " ، لا بد للأديب كلي يصل بأدبه إلى القواعد الجماهيرية الواسعة " و هذا هو الهدف الرئيسي للأدب " أقول لا بد من اعتماد الوسائل كلها أو بعضها ، و أظن أن مشاهير الكتاب في العالم ، عملوا ردحا طويلا في الصحافة ؛ من هنا لا أرى أن هناك جوابا محددا على السؤال المطروح " هل وظفت أدبي لصالح الصحافة أم جندت الصحافة للذود عن الأدب " فإنتاجي في القطاعين مرهون لشعبي و وطني و أمتي العربية .
- إن بعض الفنانين يعارضون إلحاق أبنائهم بالوسط الفني ، و بعض الصحافيين لا يشجعون أبناءهم على الإنتماء إلى مهنة المتاعب ، و بعض الأدباء يبعدون أبناءهم عن الأدب مهنة المفلسين ، فما موقفك من أبنائك في هذا ؟ فسؤالي هذا بنيته على ملاحظتي حول ظهور اسم خجول يحمل لقب عائلة " ألكسان " فهل هو إبنك أم شقيقك ؟ و إذا كان هذا أو ذاك فكيف تأثر بك ؟ و كيف تساعده ليكون الأديب الثاني في العائلة ؟
= عمار ألكسان الذي تسأل عنه ، و الذي يكتب تحقيقات صحافية ، هو ولدي البكر ، و قد درس في المعهد الطبي السني بجامعة دمشق ، و تخرج ضمن هذا الإختصاص ، و لكن ميله للكتابة و الصحافة كان أقوى ، و لذا ترك مهنة طب الأسنان ، لينخرط في مهنة البحث عن المتاعب – كما يسمونها – و قد تركت له حرية الإختيار ، دون أن أفرض عليه رأيا ، لأنني واثق من وعيه . و أنا بالمناسبة لا أساعده لأنه يرفض أية مساعدة من هذا النوع ، بل و يعتبر نفسه أحيانا متفوقا عل ، و هذا ما يبعث السعادة في نفسي .
- أزمة الكتاب العربي من حيث ندرة قرائه ، ماذا تقترح لعلاجها ؟ و من المسؤول عن هذه الأزمة ؟ ياس الناس الذي أدى إلى سلبيتهم ؟ أم عدم تجاوب الكتاب مه إهتماماتهم ؟ أم طغيان النتلفزة ؟ أم ارتفاع سعر الكتاب ؟
= الكتاب العربي في أزمة ؟.. هذا صحيح ! و الأزمة مستفحلة منذ سنين ، و لها اسباب كثيرة يمكن أن نفندها في عشرات البنود ، تبدأ بكلفة الكتاب و لا تنتهي بتوزيعه و تسويقه ، و لا أظن لدى أحد وصفة جاهزة لعلاج هذه المشكلة .
- هل يمكن أن تعرف القارئ بنبذة قصيرة عن سيرتك الذاتية ؟
= * أنا من مواليد مدينة الحسكة شمال شؤقي سوريه عام 1935 .
* صحافي منذ ربع قرن .
* متزوج و لي ثلاثة أولاد : عمار ، رنده ، و سامر .
* عضو في اتحاد الصحافيين ، و اتحاد الكتاب العرب .
* أصبح عدد مطبوعاتي اثنتين و عشرين كاتبا ، منها ست مجموعات قصصية ، و رواية واحدة ، و ست كتب توثيقية موسوعية ، عن حرب تشرين ، و ست مسرحيات ، و كتاب في النقد ، و آخر في أدب السيرة ، و واحد عن السينما ، و واحد عن سد الفرات ؛ أما العمل الجديد الذي أعتز به ، فهو كتاب عن السينما في الوطن العربي ، و قد اسعدني أنه سيطبع في سلسلة " عالم المعرفة " في الكويت ، و هو أول محاولة من نوعها لتوثيق السينما في الوطن العربي ، بصورة شاملة تعتمد التأريخ و التحليل و التقويم .
============================
*
نزار بهاء الدين الزي
نسوريمغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب
ArabWata
الموقع : www.FreeArabi.com