كيف نشرح للاطفال حقائق الحياة؟خبراءالتربية يؤكدون على أهميةإخبار الطفل بهذه الحقائق ببساطة واختصار , إلا أنهم يحذرون الآباء من إشراكأطفالهم في مشاكلهم الزوجية لأنهميسيئونبذلك الى تشكيلشخصياتهممستقبلاً –
ولكي نكون أكثر وضوحاً سنأتيبمثال من واقع الحياة . شعرت مدرسةهناءبالقلق عليها , فقدبدت الطفلة التي لم تتجاوز الرابعة من عمرها شاحبة , حزينة , منطوية على نفسها , فاتصلت بوالدتها لتحضر الى الحضانة حتى تبحث معها عنأسبابتلك الأعراض المرضية التي بدت على ابنتها .
علمت المدرسة من الأم أن هناءتعيش في جو أسريمضطرب , بسبب خلافات شديدة بين والديهاوصلت الى حد الطلاق , وعندما سألت المدرسة الأم : - هل أخبرت هناء باختصار عما بينكوبين والدها من مشاكل .. وأنكما تنويان على الطلاق؟ .
نظرت الأم بدهشة الى المدرسة وقالت : لالمأخبرهابالطبع , فهي أصغر من أنتفهم . وكان واضحا للمدرسة عندماتحدثت معهناءأنها كانت تعاني من اضطراب نفسي شديد بسببخلافات والديها , وأنها كانت تعتقد أنهاهي السببفي تلكالمشاكل .
لقد كان منالأفضللو شرحت الأم باختصارلابنتها حقيقة ما يجري بينها وبين زوجها , مؤكدة لها أن لاعلاقة لها بهذه الخلافات , وأنهما لن يتوقفا عن حبها ورعايتها حتى لو انفصلا بالطلاق , إلا أن على الأملاتشرك ابنتها في تفاصيل تلك المشاكل ,وجعلها طرفاً مؤيداً لها , إذ أنها تضرابنتها كثيراً بذلك التصرف لأنها ستكره والدها , ومادام من الطبيعي أن تحب الابنةوالدها , فإنها ستسير بذلك في طريق معاكس لما يجب أن تسير عليه مشاعرها , وسيؤديذلك بها الى أن تشعر بتأنيب الضمير , وقد يجعلها ذلك الكره تنفر منالزواجمستقبلاً .
كيف نتصرف إذا كان الطفل علىوشك إجراء عملية جراحية؟ هل نخبره بما سيحدث له أثناء العمليةوبعدها ؟ , الواقع أننا يجب أن نخبره باختصار عن الألم الذي سيشعر به , وأنه سيستمرفترة قصيرة وسيزول , أي نعده ليواجه التحدي الذي سيقابله , ولايضر أن يحتج الطفلويبكي معبراً عن خوفه , فإن ذلك أفضل من أن يذهب الى المستشفى مسروراً ضاحكاً , ليخرج منها باكياً مجروحاً ممن كان يثق بهما وهما والداه , وقد يسبب له ذلك عقدةنفسية تجعله يخاف الذهاب الى الطبيب مستقبلاً .
إذن , يمكننا أن نقولالحقيقةلطفل العاشرة قبل أسبوعين من حدوث العملية , ونخبر طفلالخامسة قبل أيام قليلة , وإذا شعر الطفل بالخوف واحتج رافضاً إجراءها , فإن بإمكانالأم أن تقول لابنها :
- أعلم أنك خائف .. وهذا أمر طبيعي .. لكن يجب أن تجريالعملية .. وستعطى مسكنا يخفف عنك الألم الذي لن تشعر به أكثر من يومين .
ومن المهم هنا أن ندع الطفل يشعر بمشاعره الحقيقية .. فلا نقول له : - أنتأكبر من أنتبكيكالأطفال الرضع . لأن من حقه أن يعبر عنخوفه .. ألا نبكي نحن عندما نكون حزينين أو خائفين ؟ إننا عندما لانسمح للطفل أنيعبر عن مشاعره الحقيقية .. فإنه سيصاب بأعراض جانبية تضر بصحته النفسية .
ترىهل نقول للطفل حقيقةمرضأخيه إذا كان مصابابسرطان الدم؟ أو أن جده على وشك الموت ؟ أو أن أخاه مريض وبحاجةالى إجراء عملية له ؟علينا أن نخبره باختصار لوسأل .. لأننا إذا لم نجب على سؤاله فإنه سيشعر بالخوف لأنه يرى كل من حوله حزيناًوقلقاً .. كما أننا يجب أن نؤكد له أنه غير مسؤول عما يحدث .. لأن الطفل مثلما ذكرتسابقا يلوم نفسه على مايحدث من أذى لمن حوله إذا كان لايعلم بالحقيقة ..مثلما حدثلعليالبالغ من العمر سبع سنوات عندما اضطرت أخته الى إجراءعملية جراحية , إذ أصبح كما وصفته أمه , يبكي لأتفه الأسباب .. وأهمل دراسته , وعندما حاولت الأم معرفة سبب مايحدث له , علمت منه أنه كان يلوم نفسه على مرض أخته .. ويعتقد أنه المسبب له لأنه يتشاجر دائماً معها , إلا أن أمه شرحت له الحقيقةبااختصارقائلة :
- كل الإخوة يتشاجرون ويضربون بعضهمبعضاً , إلا أن ذلك لادخل له بالنسبة دخول أختك المستشفى , فهي قد ولدت بقلب ضعيف , ونحن مضطرون أن نجري لها هذه العملية لتشفى .ولم تنسَ الأم علامات الارتياح التيارتسمت على وجه طفلها عندما قالت له ذلك .
ترى , هل نقول للطفل الحقيقة إذاتوفىأحد أفراد العائلة ؟ وإذا سأل أين ذهب جسده , هل نخبرهأننا قمنا بدفنه في التراب ؟ , المثال الذي سأسرده يوضح لنا أهمية قول الحقيقةللطفل :
افتقد طفل في الخامسة من عمره أخته عندما غابت عنه لعدة أيام , سألوالدته سبب غيابها .. فقالت له إنها توفيت لأن قلبها كان ضعيفاً .. وعندماسألها:
- وأين ذهبجسدها؟.
أجابته : سأخبرك عندماتكبر .
إلا أن أمه لاحظت على ابنها أنه أصبح يخاف من البقاء وحده في غرفته , أو أن يفتح دولاب ملابسه , ثم بدأ يستفرغ طعامه , واكتشفت تلك الأم فيما بعدبمساعدة طبيب ابنها النفساني أنه كانيخافوجود أختهالمتوفاة في أي مكان في البيت .. لأن والدته لم تخبره بأن أخته قد دفنت في المقبرة .. وعندما أخبرت الأم ابنها بالحقيقة , شعر بالاطمئنانوزالخوفه .
إن منالخطأأن نفكر في توفير الإحساسبالمعاناة عن أطفالنا , لأنهم جزء من حياتنا ولابد أن يواجهوها يوماً , مايحتاجهأطفالنا فعلاً أن نساعدهم على التكيف مع المآسي التي تقع لهم , وهويتعلمون ذلك منا , إذا أخفينا دموعنا , ووضعنا على وجوهنا قناعالشجاعة .. لن يفكروا هم في البكاء للتخفيف عن أحزانهم , رغم أن البكاء وسيلة صحيةللنفس والجسد في مواجهة الأحزان , فلماذا ننكره على أنفسنا وأولادنا؟تحياتي لكم