عبير صراص – إذاعة هولندا العالمية
في صالة مزدحمة في أمستردام عرض الاسبوع الماضي الفيلم الفلسطيني للمخرج محمد العطار بعنوان "قصة القدس الشرقية". يتابع الفيلم السياسات التي تبنتها الحكومة الإسرائيلية وبلدية القدس لتهويد المدينة وتوسيع حدود البلدية وفرض الإجراءات التعسفية التي تحد من الوجود الفلسطيني في المدينة وترغم الأهالي على الهجرة.
يبدأ العطار قصة القدس الشرقية بمزج رائع وسريع بين مشاهد الحياة اليومية في القدس ترافقه موسيقي حديثة أخاذة. مشاهد عادية من المدينة القديمة: المصلين في كنيسة القيامة، والساجدين في صلاة الجمعة، الأطفال يلعبون في الشوارع، بائع الكعك بالسمسم والذي تشتهر به مدينة القدس، واليهود المتدينيين في البلدة القديمة. للوهلة الأولى يعتقد المشاهد أنه على وشك أن يشاهد فيلما عن القدس مدينة السلام المتعددة الديانات والخلفيات ونموج للتعايش بين الثقافات المختلفة.
لكن الفيلم سرعان ما يفصح عن حكاية أخرى أكثر واقعية وهي حكاية القدس الشرقية منذ استيلاء اسرائيل على الجزء الغربي في العام 1948 ومرورا بسقوط القدس الشرقية بما فيها البلدة القديمة في حرب الأيام الستة عام 1967.
بعد فترة وجيزة من احتلال القدس أقدمت الحكومة الإسرائيلية على توسيع حدود البلدية من ستة كيلومترات مربعة إلى 70 كيلومتر مربع لتضم بذلك معظم الأراضي التابعة للقرى والبلدات المحيطة بالقدس الشرقية. كما يروي العطار قصة حي المغاربة في البلدة القديمة الذي قامت البلدية بهدمه بعد احتلال المدينة لإنشاء الساحة الواسعة التي نراها اليوم حول حائط البراق.
ويوثق العطار في فيلمه الانتهاكات التي يتعرض لها أهالي القدس الشرقية الفلسطينين من تدمير بيوتهم غير المرخصة وإلغاء إقامة (وهو ما يدعى بسحب الهوية) لجميع الغائبين والمقدسيين والمقدسيات اللواتي تزوجن من أهالي الضفة الغربية وانتقلن للعيش هناك.
تكمن قوة الفيلم في الأمثلة المؤثرة التي يطرحها المخرج والتي لا تبقى أي شك بأن السياسة الإسرائيلية لبتر القدس الشرقية عن باقي الأراضي الفلسطينية وترحيل أكبر عدد ممكن من سكانها ومنع البناء والتوسيع للأهالي العرب. ويوثق الفيلم أيضا هذه السياسات على ألسنة مجموعة من الشخصيات السياسة البارزة وناشطين في حقوق الإنسان في اسرائيل. من بين هؤلاء المقدسيين ميرون بن فينيستي، والذي شغل منصب نائب رئيس بلدية القدس من 1971-1978 تحت قيادة العمدة تيدي كوليك. ويعترف بين فنيستي في المقابلة بأنه أجرى بحثا بعيد حرب الأيام الستة ووجد أن ما لا يقل عن 10,000 فلسطيني هجروا من القدس الغربية وأصبحوا لاجئين في القسم الشرقي من المدينة. أما الشخصية المثيرة الأخرى فهي أفراهام بيرغ المتحدث السابق باسم الكنيست ومستشار رئيس الوزراء السابق إيهود باراك.
يأخذك المخرج عبر فيلمه في جولة للتعرف على ما تعنيه السياسات على الحياة اليومية للمقدسيين. من بين هؤلاء السيدة نهلة عسلي. سيدة فلسطينية تحمل أوراق وصورة بيتها التي هجرت منه. تقف نهلة أمام بيتها القديم: "لم يغيروا شيئا في البيت، هذه هي الأبواب الحديدة الأصلية" وتشير إلى شجرتي الرمان والأكادينيا في الحديقة الخلفية اللتان بقيتا في الحديقة التي ترعرعت فيها نهلة. ينتهي المشهد بنهلة قائلة:
"نحن نعيش في فانتازيا وهم يعيشون في حالة انكار، ولا بد أن نعود كلانا إلى الواقع يوما ما".
المشهد الأكثر تأثيرا في الفيلم هو وقائع تدمير بيت مقدسي من البيوت غير المرخصة. يمنع أهالي القدس الشرقية من بناء البيوت على أراضيهم التي أعلنتها البلدية مناطق خضراء أي مناطق طبيعية، أو بحجة أن البلدية لم تقم بتخطيط المنطقة بعد، مما يعني أنها غير مرخصة للبناء. أما الحصول عل رخصة للبناء في المناطق المخصصة فيستغرق سنينا في معظم الأحيان ويكلف العائلة أموالا طائلة قد تتجاوز تكلفة البيت نفسه. وهذه جمعيها عوامل تدفع المقدسيين للبناء غير المرخص والذي يكون عرضة للتدمير في أي وقت. يقول الناشط الإسرائيلي ميئير ميغاليت في الفيلم بأن البناء غير المرخص يكون عرضة للهدم في أي لحظة ما بين 24 ساعة 24 عاما مما يجعل الأهالي يعيشون في خوف دائم من أن تتعرض بيوتهم للهدم في أية لحظة. وحسب الاحصائيات التي تنشرها المنظمات الحقوقية الإسرائيلي فإن البلدية تهدم سنويا 50-100 بيت عربي في القدس الشرقية، وترغم أصحاب البيوت على دفع تكاليف الهدم.
ينتاب المشاهد بعد مشاهدة الفيلم شعورا بالغضب وربما الحسرة على ما يجري في القدس الشرقية. يترك المخرج المشاهد دون استعراض أي حلول عملية لقضية القدس ويطرح عليه سؤالا دون جواب قائلا: "عندما تصبح صخور القدس أكثر قداسة من الأهالي، ألا تفقد هذه المدينة قدسيتها"?
الرسالة التي يبعثها العطار في الفيلم واضحة فالقدس مدينة لها مكانة خاصة في قلوب الفلسطينيين المسيحيين منهم والمسلمين ولن يتخلوا عنها. يقول العطار: القدس جزء من روح الشعب الفلسطيني ويجب أن تكون جزء أساسيا من أي معاهدة سلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. لكن السياسة الإسرائيلية منذ احتلال القدس هي سياسة تهويد القدس وجعلها مدينة أبارتايد (فصل عنصري) وهذا ما أريد أن أنقله للجمهور الغربي في فيلمي".
الصالة التي عرض فيها الفيلم في مركزde Balie الثقافي كانت مكتظة بالمهتمين والناشطين السياسيين. كما حضر العرض الأول للفيلم رئيس الوزراء الهولندي السابق دريس فان أخت والمعروف عن تعاطفه مع القضية الفلسطينية، ووزير الخارجية الهولندي السابق هانس فان ميرلو.
[/align][/frame]