ساحة الدراويش
دوم -دوم دوم -دوم- دوم دوم -دوم
دقات الدفوف عالية تارة ومنخفضة تارة ومتتابعة ورتيبة لا ينقطع تواصلها الأبدي
، مملة ولكن تخدر العقل ،وتغيبه ،
وتشل التفكير عما سواها خارج ساحة الدراويش .
جمع غفير أتى من كل فج عميق من المدينة ومن الريف ومن خارج القطر
للأحتفال بمولد السيد الولي الراقد تحت الثرى منذ مئات السنين ولكن كراماته لا تنقطع ،
يصدقها العامة والجهال ويضحك عليها المتعلمون ،
ولكن فى النهاية الكل متجمع فى ساحة الدراويش .
يزيد كل عام على الأحتفال بدعة جديدة من البدع ولا ينفك الناس الائتلاف معها وكلهم على حس صاحب المقام الراقد رفاته فى ذلك المكان ويحيط به الزحام من جميع الاتجاهات ويطبق على قبره ولا يدرى لماذا ولا كيف ولا أين بينما هولا حول له ولا قوة فهو ميت وأمرة أنتهى
ونسمع صوت الدفوف الرتيب
دوم -دوم دوم -دوم -دوم دوم -دوم
والمدح النبوى المختلط بالأغلاط والكفر البين ممن يسوقون هذا الولي لقضاء حوائجهم .. فهناك أمرأة متشحة بالسواد تحيل الولي على زوجها الذى طلقها وأخرى تخلع حجابها باكية مستصرخة ليشفى أبنتها وآخر يدعو لينجح أبنه وآخر لتوسعة الرزق والجميع يتمسح فى صاحب المقام ليقضى مساعيهم
ومددددددددد ياوالى
وسط هذه الدقات نصبت الأسواق والساحات للدراويش من الخيام المزركشة
للأحتفال بمولد العارف بالله على طريقتهم وسط دقات الدفوف
والمديح النبوى
دوم -دوم دوم - دوم -دوم دوم
ففي مدحه كلّ يجيء ويذهب
براه جلال الحق للخلق رحمةً
فكل الورى في برّه يتقلب
بدا مجده من قبل نشأة آدمٍ
وأسماؤه في اللوح من قبلُ تُكتب
جلس المعلم صاحب ساحة الدراويش هو وزوجته على الأريكة العالية المزخرفة بالخيم الملونه المرسومة وكل منهما بيدة الشيشه وبضع مبسمها فى فمه ويتابع الحركة داخل الساحة أمامة ،وهناك صبيانه يدورون فى الجلابيب البيضاء ويحملون الصوانى عليها أكواب من الحلبة والينسون وأطباق الدُقة والعيش الطرى أو الناشف حسب الطلب ،فى حركات سريعة وخفيفة كأنهم يطيرون فى المكان ،
والكل يتمايل.. أجساد متفرقة فى كتلة واحدة على دقة واحدة .. جسد واحد .. أختلفت أعمارهم ونوعياتهم ومنابعهم ولكنهم متلاحمون فى حركاتهم ،لا ينفكوا يتجهون ناحية اليمين إلا إذا لزم عليهم الاتجاه يساراً مع الجمع فى توالى وتتابع بدون وعى مع الدقات
دوم -دوم دوم- دوم- دوم - دوم دوم-
بمبعثه كل النبيين بشرت
ولا مرسلٌ إلا له كان يخطب
بتوراة موسى نعته وصفاته
وإنجيل عيسى بالمدائح يُطنب
بعزته سُدنا على كل أمةٍ
وملتنا فيها النبيون ترغب
نظر المعلم إلى زوجته المعلمة
=أين الفلوس ؟
= دائماً همك الأول الفلوس أنتظر سيسخن الجو بعد قليل .
أنظر .. هذا الرجل من الأرياف يلبس الطاقية الصوف العالية والجلباب الكشمير ،واضح أنه ثرى وجيب جلبابة منتفخ بمحفظة عامرة .
ضحكة شيطانية من المعلم .
= نعم ، شكلة بايع القطن وجاى للمولد .
الرجل الريفى يتمايل بشدة مع دقات الدفوف ويترنح يميناً ويساراً وعين المعلم والمعلمة عليه
صرخ المعلم فى صوت خربشه الحشيش والدخان :
=صلوا على النبىىىىى
سخن الجو وأرتفع صوت الدفوف وزادت حركة المتمايلين وسرعة حركة الصبيان بالمشروبات .
دخل الأن جمع من الشباب بالملابس الحديثة إلى المكان وعلى وجوههم الابتسامات الساخرة ، فهب لهم صاحب الساحة قائلا :
= ياشباب المكان للذكر ومدح سيد الخلق فلامجال للتهريج .
رد علية أحدهم
= نحن لم نأت للتهريج وقد دفعنا على الباب .
دخلوا للصف وتناسجوا وبدأوا فى الألتحام مع الباقين فى التمايل والتفقير
على صوت الدفوف
دوم - دوم دوم - دوم- دوم دوم -
برياه طابت طيبة ونسيمها
فما المسك ما الكافور رياه أطيب
بجاهك أدركني إذا حوسب الورى
فإني عليكم ذلك اليوم أحسب
بمدحك أرجو الله يغفر زلتي
ولو كنت عبداً طول عمريَ أذنب
سقط الرجل ذو الطاقية العالية فى الأرض من شدة الأرهاق والإنهماك فى التفقير والتمايل
فأسرع إلية المعلم والصبيان وسحبوه لخيمة جانبية وفتشوه وأخذ المعلم محفظته ورماه على الرصيف بعيد عن الساحة
ثم رجع لمكانه على الاريكة العالية يدخن الشيشه فى هدوء
= كم معه ؟؟
= ياوليه كلهم ربعمائة جنيه .
= حلال عليك نصفهم .
ناولها النصف
والدفوف تدق دقاتها المعتادة .
دوم -دوم دوم - دوم - دوم دوم-
دخل الحاج علوان .. وهو من كبار تجار المدينة فهب له المعلم للتحية
ونادى على الصبيان:
=هاتوا الينسون
=لا أين طلبى ؟؟
= حاضر تعال معى
وأخذه من يده متقدماً أمامه إلى خيمة جانبية .. البخور فيها يعمى العيون والنفوس لاترى إلا أشباح عارية مرتدية الحرائر الملونة .
تفحصهن وأختار واحدة وأحتضنها فسارت معه يكاد جسدها لا يحتوى على عظام من لين جسدها فهاجت هائجته
وأرتميا فى حجرة جانبيه وعليها الستائر الملونة وموائد المأكولات حتى ينهيا أمرهما
على صوت الدفوف
دوم - دوم دوم - دوم - دوم دوم
سيد الكون مال الخلق وابتعدوا
من أجل فانية في حلمهم سعدوا
تفرق الشمل من ضيق وضائقة
لكن بذكرك صلى الكل واتحدوا
وصاحب المقام غافل عما يحدث من موبقات على حس مولده وصيته
7
7
7
تابع
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|