[طلعت سقيرق]

[align=justify]
جاء في الصحف يوم الاثنين 19/1/2009 أن فصائل المقاومة الفلسطينية أعلنت " من دمشق أمس وقف إطلاق النار في غزة مطالبة تل أبيب بسحب قواتها من القطاع في غضون أسبوع واحد .. وجاء موقف المقاومة الفلسطينية بعد أقل من 24 ساعة من إعلان الحكومة الإسرائيلية وقف إطلاق النار من جانب واحد "..
هل كان على غزة أن تتعرض لحرب عالمية حقيقية أحرقت الشجر والبشر والبيوت والهواء والماء وكل ما هو حي أو موجود على مدار أيام انفتحت فيها جهنم حقيقية طالت كلّ شيء أمام عالم صامت كالقبور؟؟... ألا نقلل من قيمة القبور كثيرا ؟؟.. !!..
- هل أنت يائس إلى هذا الحد ؟؟..
نظرت في عينيها .. بكيت كطفل .. مسحت بيدها دموعي وضمتني إلى صدرها :
- حرام أن تبكي وأنت الذي يزرع في قلوبنا الأمل .. ماذا يقول غيرك ؟؟.. ماذا يفعل غيرك؟؟.. على أقل تقدير ارفع رأسك افتخارا بصمود ومقاومة أهل غزة ..
تمنيتُ أن آخذها إلى أبعد مكان في الكون وأحكي لها عن قهري ..لا أريد أن أرى أحدا .. لا أريد أن أسمع أحدا .. تكفي وحدها كي تسمع هذا النشيج الذي يملأ كل ذرة في كياني .. هل ستمسح دموعي أم ستترك لدموعها أن تطلع شجرا من وجع ؟؟!!..
الطريق إلى وحدتي.. غبش .. ضباب .. شيء من صور مشوشة .. أسير إليّ بخطوات بطيئة قتيلة .. أريد أن ألتقي بذاتي وإن للحظة !!.. أنظر في المرآة فأشاهد وجها كئيبا مسكونا بالكثير من الهم .. أبحث في المرآة عن وجه آخر ألبسه أمام الناس في زمن الضياع فلا أجد !!.. أقترب مني قليلا وأهمس في أذني :" هل أنت بخير ؟؟".. تجيب الجهات في كريات دمي :" لا شيء بخير ".. تقول جوارحي:" في غفلة من الزمن .. أو ربما في وقت هارب من قاموس المعاني كانت السكين أشدّ فتكا من كل معاني الفتك .. البيوت ما عادت بيوتا .. الهواء ما عاد هواء .. الناس مجرد جثث تتراكم ودم يسيل وقطع من لحم .. من يحفظ للأطفال أجوبة مقنعة عن عالم مكتوب بكل هذا اللؤم والكره والحقد والفظاعة والإجرام ؟؟!!من سيقنع التاريخ الذي يأتي أننا كنا صامتين إلى هذا الحد ، وتائهين إلى هذا الحد ؟؟.. ماذا سنقول للأيام القادمة عن عالم كان يتفرج بوقاحة على وقوع المذبحة في غزة ؟؟!!..".. أنظر في المرآة أكثر .. وجهي مختلط بالدم والصمت والدهشة !!.. أسأل وجهي : هل أنت أنت ؟؟.. لا يجيب .. المرآة تنظر إليّ بدهشة .. أدير وجهي إلى هذه الجهة وتلك ، يبقى وجهي في المرآة ثابتا لا يتحرك .. أستغرب .. هل أصيبت المرآة بالجنون ؟؟.. أرفع يدي إلى الأعلى ، فتهزأ المرآة مني وتنزلها إلى الأسفل .. أبتعد بعد شعور خانق بالغثيان .. أحاول أن أتذكر اسمي .. يقع عصفور بحجم كفي على حافة النافذة ، أرفعه ، كان ميتا .. هل تموت العصافير قهرا ؟؟.. لو كانت هنا لسألتها عن اسمي ..وحدها تحفظ تفاصيلي وكل شيء عني رغم بعد المسافات بيننا .. لكن من المفترض أن ينزل المطر في هذا الفصل .. أهمس في أذني :" ربما ضيعت اسمك في زحمة الغثيان ".. لا أرد .. هناك ظمأ ما يغتالني .. يرفع مسدسه ويفرغ رصاصاته في رأسي ..
جثة أمشي على الطرقات .. يعجبني منظر الجثث وهي تتجول في الشوارع .. للجثث ملامح غريبة .. أهم شيء في هذه الجثة أو تلك أنها لا تملك من أمرها شيئا .. أقول عليّ أن أتمرن على وضع الجثة..للجثة طقوس لا يعرفها إلا الموتى .. وبما أنني صرتُ جثة بين هذه الجثث عليّ أن أحسن التصرف حتى لا أتهم بالجنون !!.. لابد أنني سأتقن كل شيء خلال فترة قصيرة ..سأكون مثل البقية في هذا العالم .. جثة تعرف كيف تتصرف كجثة !!.. يبدو الأمر مضحكا لي .. يفترض وهذا ليس سرا أن ينبع التصرف مني بشكل طبيعي ما دمت مجرد جثة !!..
- يا حبيبي ذهبت بعيدا ما بك تعال إليّ .. هناك متسع من الوقت لنعيد ترتيب الأشياء .. تعال وخذ ما شئت من عمري ..دعني فقط أمسح عن خديك كل هذا الدمع وعن دفتر أيامك كل هذا الوجع .. تعال فالعربات لا بد أن تصعد إلى الأعلى وينهض النهار من جديد .. تعال فأنت أنشودتي وفرحي وترحي .. تعال بك أكتمل وبي تكتمل .. تعال لأضمد جراحك بكل أيام عمري فهناك متسع من الوقت لينهض صباح الخير من جديد .. تعال يا حبيبي وحاول أن تنظر إلى شمس نهار قادم ..تعال ..
أخاف من نظرات طفلة مقطوعة القدمين تحكي عن وجعها ..ماذا أقول لها حين تحدق طويلا في وجهي؟؟ .. ماذا أقول لها حين تسألني عن دم الأطفال المسفوح على مساحة عالم مجنون ؟؟.. هل أستطيع أن أبرر لها صمتي ؟؟.. ماذا أقول لطفل احترق لحمه وتحول إلى رماد ؟؟.. ماذا أقول لبنت فقدت كل عائلتها وجلست تنظر بعينين تائهتين إلى ما تبقى من بيت مدمر ؟؟.. ماذا أقول لها وهي ترفع ثوبا ممزقا وتقول :كان هذا لأختي القتيلة ؟؟.. وترفع آخر وتصرخ هذا ثوب أمي ؟؟.. ماذا أقول لهواء صار مسكونا برائحة الدم والدمار والقتل والخراب ؟؟..
أعد قهوة صباح بارد لجثتي .. أضع رجلا على رجل عفوا عظما على عظم ..أصب شيئا من القهوة في جمجمتي الفارغة .. أتناول لفافة تبغ أدخلها بين عظام الفكين وأشعلها من عالم مشتعل .. أمشي فتصطك العظام بالعظام .. أتصور أنني أخرج قليلا إلى شارع من شوارع مدينة بعيدة كنت بنيتها ذات يوم في عالم من حلم .. هناك أرتمي على شاطئ بحر لا ينام .. سأكون وحدي .. ربما تكون معي تلك التي أسميها وردتي .. سأحكي لها عن أمنيات كثيرة لم تنكسر في العالم الذي بنيت .. ستحكي لي عن حبنا المجنون وذلك العرزال الذي سيكون لنا وحدنا .. أذهب بعيدا ثم أقترب مني .. يوقظني اصطكاك العظام بالعظام .. ماذا سأقول للولد الذي كان يرى العالم بعينين جميلتين فأحرق النازيون الجدد عينيه فصار منظرهما بركة من حزن ؟؟.. سأحكي له عن وقت سكتت فيه المدن وأدمنت داء الصمت والهذيان .. لكن لا بد أن يقول لي أعرف كل شيء فلا داعي لأن تتلو أنشودتك الخرساء في وقت لا مكان فيه لأي شيء .. سأقول له : ماذا ترى بعد أن فقدت عينيك ؟؟.. سيقول صرت أرى وجوه الناس على حقيقتها .. ربما يعرف أنّ خارطة الكرة الأرضية قد شاخت أكثر مما يجب .. ربما يعرف أكثر منا أنّ لون الوجوه صار حقيقيا إلى حد بعيد ..
أغرق في الطريق الذي أمشيه .. أنتبه إلى وجهي وهو يمشي معي .. يلقي التحية فلا أرد .. كنت غير منتبه إلى شيء .. أبحث عن جزء من ذاتي .. السيارات مسرعة كعادتها تنفث دخانها القاتل وتلعن الهواء المثقل بأسئلة مبهمة .. أريد أن أفتح عينيّ لأرى أي شيء .. تلفظ المرآة وجهي وترجمه بجمرات من أسئلة .. أجلس أمامي وأحدق في البعيد .. الطرقات هي الطرقات .. أنظر في عينيّ .. أبحث عن نافذة وعصفور قتيل ..أريد أن أضحك ..أن أفرح .. فأنخرط في بكاء مرير .. وتعلن دقات الساعة عن مرور زمن ما .. الأزمنة هي الأزمنة .. الصور هي الصور .. ألتقط آخر خيط من نهار يحاول أن يمر .. وعلى مقربة مني تسقط جمرة بحجم دمي .. أتناولها وأمضي في شارع طويل .. هل هو الشارع الذي مشيته من قبل ؟؟..الأشياء لا تتشابه إلا في ظلمة الليل .. يناديني الشباك المفتوح .. أطل على حارة ضيقة .. ومن البعيد تمد بنت من نار يدها ملوحة .. أضحك وأبكي معا .. ترتفع يدي .. ألامس نجمة بعيدة .. أعود إلى قهوتي .. إلى الشارع .. إلى ذاتي .. تكر الصور .. وتبقى في البال صورة واحدة .. صورة واحدة تنسخ الصور ..
[/align]

[نصيرة تختوخ]

سقطت كل كلمة من قلبك في قعر نصك و في وجدان كل قارئ هي تغوص بحثا عن أحاسيس تلتحم بها..الألم ذاته والضياع و التشرد في الذات أصاب نفوسا عربية بل إنسانية كثيرة .
العجز و الشعور به يوقظ الضمير و يجعله يؤرقنا و يعذبنا و يبكينا, أنت تمشي جثة من بين جثث كثيرة تتحرك في شارع عربي وهناك من يذهب لعمله و يعود بخطى مومياء ويرى الناس من حوله آلات تتحرك مبرمجة تعمل بجد من أجل أحلام صيفية وتقتنع بكلام المذياع و التلفاز و الجريدة ..وتأبى كسر القيود و تجاوز البرامج.

عميق هو الجرح و قاسية هي الأحدث و مفزعة هي الصور لكنك أتقنت التعبير وأجدت رسم النفق الذي تجولت فيه جثة تأبى أن تموت.

تقديري و احترامي

[نبيهة كمون]

في يوم ما نظرت الي المراة فما زادتني الا احتقارا لذاتي ...تركتها هاربة للمجهول الذي رسمه صمتي وعدم مبلاتي بطلب ابسط حقوقي وهي كرامتي

[راضية الزهراء]

استاذي الكبير,لكلماتك النارية وقع خاص على قلوبنا التي ما زالت تنزف ألما على اهل غزة,والتي ما زالت احداثها وصورها المروعة وصراخ نسائها وأطفالها وكل البشر محفورا في اذهاننا,فأين نذهب بكل هذا؟ ثقيل هو الحمل, وثقيل خزينا وعارنا بين اسطر التاريخ.فلتصفحي عنا يا غزة.لك مني كل التقدير والاحترام استاذي الكريم.

[رشيد الميموني]

صورت -أستاذي - حالة من حالات كل من عايش هذا الظرف الموغل في السواد .. رددت صدى كل الأصوات .. مشيت جثة ، فلم تكن جثتك الوحيدة .. نظرت إلى المرآة فكانت انعكاسا لكل من نظر إلى نفسه وقد تعرت إلى درجة المسخ .. من منا لم يبتكرلنفسه مونولوجا غلب عليه العتاب واللوم و التأنيب ؟ ..
هل لا زلنا نحس بمرورالزمن ؟ هل نعي أمكنتنا ؟ ربما كنا نعيش في الأزل .. سواء في الماضي السحيق أو في المستقبل البعيد .. لكننا - وكلماتك تؤكد ذلك - لسنا منتمين لهذا الزمن .. فقد غشينا الظلام فلم نعد نرى شيئا .
وتعلن دقات الساعة عن مرور زمن ما .. الأزمنة هي الأزمنة .. الصور هي الصور .. ألتقط آخر خيط من نهار يحاول أن يمر .. وعلى مقربة مني تسقط جمرة بحجم دمي .. أتناولها وأمضي في شارع طويل .. هل هو الشارع الذي مشيته من قبل ؟؟..الأشياء لا تتشابه إلا في ظلمة الليل ..
نعم .. يبقى في الأخير أن نقول : "لا شيء يبقى كما هو .."
دمت بكل الحب .