منحدر الرموز
[align=justify]
التأمل في التاريخ الرمزي للشعب العربي يفضي إلى حقيقة انحدار متواصل للائحة الرموز. و هو انحدار يعكس المآل القاتم للمبادرة العربية في كل المجالات الحيوية و التي تختصر في استكمال الإنعتاق السياسي و ترميم النتوءات الغائرة التي اجتاحت النظام الإقليمي العربي بالإضافة إلى البحث العلمي و بناء الإستطاعة العسكرية العربية. و قبل استعراض التدهور الرمزي للإنسان العربي، من الضروري أن نسترجع بعض الإضاءات التاريخية الحساسة جدا. إذا كانت الشرعية الدولية تتعاطى مع الملفات النووية لكل من إيران و كوريا الشمالية بمنطق الندية، فمن الضروري أن نتذكر أن نفس الشرعية الدولية اغتالت العالم النووي العربي يحيى المشد و أجهزت على البرامج النووية العربية في العراق و ليبيا بواسطة الحل العسكري المباشر أو غير المباشر المتجسد في حجم التهديد المسلح الذي وجهته الولايات المتحدة إلى الزعيم الليبي القذافي القاضي بإجبارية التخلي عن مجمل النشاطات النووية و إلا فإن مصير ليبيا سيتشابه مع مصير العراق.
إن خصوصية التعاطي الأورو-أمريكي مع المشاريع النووية العربية تؤدي إلى ايجاد قاعدة موضوعية للفصل بين نوعين أساسيين من المخاطر المحدقة التي تواجه هاجس الديمومة الإستراتيجية لإسرائيل، و هما : "القنبلة النووية الإسلامية" التي ساهم في تشكيلها هواري بومدين و ذو الفقار علي بوتو في شبه الجزيرة الهندية قبل أن تتعرض للتحييد السلبي بعد تدبير مقتل الرئيسين، و " القنبلة النووية العربية" التي لم تمكنها القوى العالمية من جميع فرص الحياة التي استحدثتها، ففرنسا التي عقد رئيس وزرائها جاك شيراك اتفاقا يتعين بموجبه نقل الخبرة الفرنسية في المجال النووي إلى العراق خلال سبعينيات القرن الماضي، اغتيل كبير خبراء المشروع النووي العراقي يحيى المشد في أحد فنادقها بسبب خلاف حول جودة المواد التصنيعية التي كانت باريس تزود بها الطرف العراقي. لقد وصل المشروع النووي العراقي إلى مراحل أكثر تقدما من مماثله الإيراني، بيد أن المجتمع الدولي استعمل الحل العسكري المباشر ضد العراق بينما يلوح بالحصار الإقتصادي تارة و بإنعاش المفاوضات تارة أخرى في الموضوعين النوويين لإيران و كوريا الشمالية. قد يعتقد بعض المتابعين لتطورات منطقة الشرق الأوسط أن الدعم الروسي لطهران و الدعم الصيني لبيونغ يانغ يفسران المرونة الدولية إزاء المشروعين النوويين للبلدين، أذكر هذا الفريق من المحللين بالعلاقات الممتازة التي نسجها الرئيس العراقي صدام حسين بالصين و روسيا و هما في منتصف مسارهما الشيوعي، قبل أن تتحولا قسرا إلى اقتصاد السوق و هو التحول الجذري الذي تزامن مع صعود المشروع النووي الإيراني. أ لا تدل هذه المعطيات التاريخية على الخوف الذي يستوطن الذات السياسية الغربية من امتلاك العرب للسلاح النووي؟ لقد أصبح جليا أن الغرب أكثر حرصا على حرمان العرب من السلاح النووي مقارنة بحرصه على حرمان الدول الإسلامية من نفس السلاح. خطورة هذا السلاح تكمن طبعا في ارتباطه الوثيق بحلحلة القضية الفلسطينية، و هو الإرتباط الذي يثبت أن العمق العربي للقضية الفلسطينية أشد خطورة على وجود اسرائيل من العمق الإسلامي للقضية. البعد العربي ينطوي على مكونين رئيسيين : الهوية العرقية و الإنتماء الديني، بينما يقتصر البعد الإسلامي على مكون الإنتماء الديني.
يجدر بنا أن لا ننخدع بالصراع الخطابي المستعر بين إيران و العالم الغربي، فنفس الممارسات الإرهابية التي تنفذها اسرائيل في فلسطين تنفذها إيران ضد الأحوازيين و العراقيين. و للذين يعلقون آمال التحرير على القنبلة النووية الإيرانية المرتقبة، أقول : لدينا قنبلة نووية إسلامية في باكستان منذ عقود و لم تحقق أي مكتسب للقضية الفلسطينية. أما تركيا فوقوفها الإعلامي إلى جانب غزة لا يجب أن ينسينا أن الطائرات الإسرائيلية تستخدم الجو التركي لأغراض تدريبية تطبيقا لإتفاقية تبادل الخبرات العسكرية الموقعة بين تل أبيب و أنقرة. في هذا السياق يعاب على العرب عدم تطبيقهم للنفاق السياسي الذي برعت فيه دول شرق أوسطية تستمد فاعليتها الإقليمية من هذا النفاق السياسي المكشوف، فإيران تغطي على اضطهادها للأحوازيين و العراقيين بتوجيه تأييد إعلامي إلى المقاومة في لبنان و فلسطين، و تركيا لجأت إلى نفس الأسلوب بعد أن لمس ساستها تزايد النفوذ الإيراني الإقليمي. علينا أن لا ننسى أن "المعتدلين العرب" هم الذين ينسقون بين المقاومة و اسرائيل و هم الذين قدموا الحصة المالية الكبرى لإعادة إعمار قطاع غزة. مواقف إيران و تركيا و فنزويلا جيدة، لكننا مطالبون بوضعها في سياقاتها المناسبة بعيدا عن الإنفعالات العاطفية التي تتماهى مع مقولة الأب الروحي للصهوينية بن غوريون : "العرب مجرد ظاهرة صوتية".
في بدايات القرن العشرين التي اتسمت باندلاع الثورات الشعبية، كان الرمز العربي المطلق: "البندقية" يستمد قوته من مقولة جمال عبد الناصر :"ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، و ازداد رمز بندقية المقاومة رسوخا بين ثنايا الجماهير العربية عقب اطلاق مسيرة تاميم القطاعات الطاقية و بناء المشاريع النووية العربية، ثم غادرت الثورة النطاق الواقعي إلى النطاق الرومانسي، فأصبح "السلام الإنتهازي" مرجعا للسياسات العربية بينما ظلت البندقية معشوقة الجماهير، و قد كانت هذه الفترة بداية الطلاق بين الشعوب العربية و أنظمتها الحاكمة. و توالت الإنتكاسات، فأصبح الرمز :"السلام السلبي" إلى أن أصبح للأمة العربية رمز من نوع جديد هو ....الحذاء و لمسيرة الخلاعة بقية.
قال عمر بن الخطاب :"أبتغي لو يقوم حاجز بيني و بين الفرس فلا أذهب إليهم و لا يأتون إلي".
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|