مديرة وصاحبة مدرسة أطفال / أمينة سر الموسوعة الفلسطينية (رئيسة مجلس الحكماء ) رئيسة القسم الفلسطيني
|
الاستيطان الصهيوني بعد 1967 (من مواد الموسوعة الفلسطينية- القسم الأول- المجلد الأول)
[frame="2 98"]
الاستيطان الصهيوني بعد 1967 (من مواد الموسوعة الفلسطينية – القسم الأول – المجلد الأول):
أ – لمحة تاريخية: يشكل الاستيطان الاستعماري حجر الزاوية في الفكر الصهيوني, والقاعدة التي قامت عليها الدولة الصهيونية, والأساس الذي تعتمده لإضفاء صفة الأمر الواقع السكاني على توسعاتها العسكرية المتتالية .
ويختلف الاستيطان الصهيوني عن أشكال الاستيطان الاستعماري التي عرفها العالم في العصر الحديث كلها,لأنه يستند في تبرير وجوده إلى فلسفة ذرائعية وادَعاء ديني, ويعتمد سياسة الأمر الواقع التي تساندها القوة العسكرية.
ولما لم تكن فلسطين بلدا خاليا من السكان فقد كان على الصهيونية أن تقوم بطرد سكانها العرب الذين يشكل وجودهم عائقا أمام حركة الاستيطان الصهيونية. ومن هذه الزاوية شكلت عمليات مصادرة الأراضي وتهجير السكان العرب الوجه الآخر لعملية الاستيطان . ففي بعض الحالات كان لابد من طرد السكان العرب أولا لإقامة مستعمرة ما. وفي حالات أخرى كان قيام المستعمرات يؤدي إلى طرد السكان العرب أو تفتيت كثافتهم تمهيدا لإجلائهم .
عندما أعلن قيام (إسرائيل) في 15/5/1948 كان عدد المستعمرات اليهودية التي أقامتها الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية 285 مستعمرة أقيمت على شكل حزام متكامل من القلاع العسكرية الاستيطانية حول الخطوط التي حددها قرار التقسيم لعام 1947 . وخلال الفترة الممتدة حتى عدوان حزيران 1967 والتوسع الإسرائيلي الجديد أقامت الحكومة الإسرائيلية والوكالة اليهودية ومؤسسات الاستيطان المختلفة 587 مستعمرة أخرى تركزت كلها في المناطق الفلسطينية التي ضمتها (إسرائيل) بالقوة زيادة على حدود قرار التقسيم لضمان تهويد هذه المناطق, وتم إسكان حوالي 180 ألف مستوطن فيها. وقد جاء ذلك تنفيذا لتعليمات بن غوريون القائلة إن حدود (إسرائيل) هي حيث يشعر جنودها أنهم في مأمن .
وبعد حرب حزيران 1967 واحتلال (إسرائيل) الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء ومرتفعات الجولان سارعت (إسرائيل) إلى تنفيذ السياسة الاستيطانية نفسها التي نفذتها في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها في حرب 1948 زيادة على حدود التقسيم. وبدأت بعد حزيران مباشرة عمليات الاستيطان الصهيوني الواسعة في كل أنحاء الأرض الفلسطينية والعربية المحتلة, في محاولة لجعل الاحتلال الجديد أمرا واقعا, وتحويل خطوط وقف إطلاق النار إلى حدود مرحلية جديدة(لإسرائيل) يتم تثبيتها بفرض الأمر الواقع الاستيطاني الصهيوني فيها إلى أن يتم إلحاقها رسميا بدولة (إسرائيل) , كما حدث للقدس في 30/7/1980, والجولان في 14/12/1981.
إن النظر إلى حركة الاستيطان الصهيوني في المناطق المحتلة بعد عام 1967 يؤكد نية (إسرائيل) ومؤسساتها وأحزابها عدم التخلي عن شبر واحد من الأراضي المحتلة الجديدة. فالأحزمة الاستيطانية الأولى جاءت محاذية وملاصقة للحدود في الأغوار والجولان وقطاع غزة, وحتى في المناطق المحاذية لفلسطين في سيناء.
إن التعريف بالاستيطان الصهيوني في المناطق المحتلة بعد عام 1967 يقتضي تقسيمه إلى الأقسام الأربعة التالية:
1) الضفة الغربية بما في ذلك القدس .
2) قطاع غزة .
3) سيناء ومشارف رفح.
4) مرتفعات الجولان .
وقد ذهب بعض الذين درسوا الاستيطان الإسرائيلي إلى تقسيمه قسمين هما:
ما تمَ في عهد حكومات المعراخ من 1967 إلى 1976 .
وما تمّفي عهد حكومتي الليكود من 1977 حتى 1982 .
لكن الحاجة إلى مزيد من الإيضاح, وعدم وجود فروق جوهرية في السياسة الاستيطانية بين المعراخ والليكود, يفرضان دراسته وفقا للمناطق الجغرافية الأربع السابقة .
ب – الاستيطان في الضفة الغربية : قامت السلطات الإسرائيلية بتطبيق نمطين من الاستيطان في الضفة الغربية يختلفان في المظهر ويتفقان في الهدف والنتيجة . فقد سارعت الحكومة الإسرائيلية إلى إعلان ضم مدينة القدس إليها في 27/6/1967 في محاولة لإضفاء نمط مزيف من الشرعية على احتلالها للمدينة . وأباحت بهذا القرار لنفسها ولمؤسساتها المختلفة حرية ممارسة التهويد ومصادرة الأراضي وإقامة الأحياء السكنية وإجلاء السكان العرب من مساكنهم وهدمها, وتوسيع المخططات الهيكلية لمدينة القدس على حساب أراضي القرى والمدن العربية المجاورة شرقا وشمالا وجنوبا .
أما في باقي مناطق الضفة الغربية فقد كان الأمر خلاف ذلك, إذ شرعت (إسرائيل) تفرض الأمر الواقع الاستيطاني عن طريق إقامة الأحزمة الاستيطانية في الأغوار , ثم على سلاسل الجبال المحاذية,ثم في المناطق المحاذية لخطوط الهدنة لعام 1948, ثم في مجمعات استيطانية مكثفة حول المدن العربية الرئيسة , خاصة في منطقتي نابلس والخليل .
في المراحل الأولى للاستيطان التي تلت حرب حزيران بدأت الحكومة الإسرائيلية تقيم سلسلة مما أسمته نقاط المراقبة الأمنية على امتداد خطوط وقف إطلاق النار, ثم أخذت توسع هذه النقاط شيئا فشيئا حتى تحولت خلال السبعينات إلى مستعمرات زراعية. في الوقت نفسه كانت عمليات إنشاء مستعمرات أخرى قائمة على قدم وساق تحت مختلف الأشكال والذرائع. وكانت عمليات تضخيم المستعمرات وتوسيعها على حساب الأراضي العربية تتم جنبا إلى جنب مع عمليات إنشاء المستعمرات الجديدة .
عشية تسلّم الليكود السلطة عام1977 كان المعراخ قد انتهى من إقامة 48 مستعمرة في مختلف أنحاء الضفة الغربية (عدا الأحياء السكنية في القدس وحولها). وكانت عمليات الاستيطان قد بدأت تتم في إطار لعبة مسرحية يجري إعدادها بدقة وتقوم فيها المجموعات الاستيطانية (وغالبا ما تكون جماعة غوش إيمونيم) باحتلال مساحات من الأرض في مواقع استراتيجيه محددة ومتفق عليها, وإعلان إقامة مستعمرة جديدة فيها. فتبادر الحكومة إلى إرسال جنودها متظاهرة أنها تحاول إجلاء هؤلاء المستوطنين , إلا أن الأمر ينتهي إلى تثبيت هذه النقطة الاستيطانية ومدّها بالدعم وإطلاق يدها للتوسع على حساب الأرض المجاورة .
تسارعت عمليات الاستيطان في الضفة الغربية بعد تسلم الليكود الحكم, وبخاصة خلال فترة مفاوضات مايسمى بالحكم الذاتي بعد التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد. ففي هذه الفترة أطلقت حكومة الليكود يد جماعة غوش إيمونيم للقيام بعمليات استيطان واسعة شملت كل أنحاء الضفة الغربية , وعززّت هذه الحملة بسلسلة من الأوامر والتشريعات والقرارات الرسمية التي تسهل عمليات الاستيلاء على الأراضي , ومن بينها إعلان حق (إسرائيل) في مصادرة الأراضي العامة والأراضي الصخرية في الضفة (حوالي مليون ومائتي ألف دونم) , والأمر ذو الرقم 59 الصادر عن الحاكم العسكري العام الذي يعطي الحاكم العسكري سلطة تحويل أية قطعة أرض إلى ملكية عامة , وإعطاء أصحابها مهلة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع للاعتراض , وإبراز الأوراق الثبوتية المؤيدة لاعتراضهم. ومن بين هذه القرارات أيضا القرار الذي اتخذ في أيلول 1979 وسمح بموجبه للأفراد والشركات اليهودية بشراء الأراضي في الضفة . ويذكر أن الشراء كان محصورا في الكيرن كايميت قبل صدور هذا القرار .
بلغ مجموع الأراضي التي صودرت حتى الربع الأول من عام 1982 في الضفة الغربية وفقا للأرقام التي نشرتها الصحف في المناطق المحتلة , وهي أرقام لا تشير إلى الحقيقة كلها, بلغ 2,213,784 دونما, أي ما يعادل 40,25% من المجموع الكلي لمساحة الضفة الغربية وهو 5و5% مليون دونم. ومن هذه الأراضي المصادرة 1,300,000 دونم أملاك دولة , ومنها117,657 دونما ما تزال مغلقة لأسباب أمنية مزعومة .
إن النظر إلى الخريطة الاستيطانية للضفة الغربية كما تمت في عهدي المعراخ والليكود يظهر أن ثلاثة أحزمة رئيسة من المستعمرات تقسم الضفة الغربية إلى ثلاث شرائح على النحو التالي:
1) سلسلة مستعمرات الأغوار على امتداد الجانب الغربي من نهر الأردن وحتى عين جدي (وفقا لمشروع آلون ).
2) سلسلة المستعمرات التي أقيمت على امتداد المرتفعات الشرقية للضفة الغربية , وتمتد من الجنوب الشرقي لبيت لحم جنوبا على امتداد سفوح سلسلة مرتفعات الجبال المطلة على الأغوار وحتى بيسان شمالا. وهي سلسلة المستعمرات التي تشكل الحاجز الأمني في منطقة رام الله والبيرة (وفقا لمشروع دايان ),
3) سلسلة المستعمرات الممتدة من القدس جنوبا إلى جنين شمالا بمحاذاة خطوط الهدنة (وفقا لمشروع شارون ).
هذه السلاسل والأحزمة الطولية تتقاطع عرضيا مع التجمعات الاستيطانية التي دعا إليها مشروع شارون وخطة دروبلس. ويمكن تمييز التكتلات العرضية التالية في نطاق مشروع شارون :
1) التكتل الاستيطاني بسلاسله الثلاث التي تقسم الضفة الغربية إلى شطرين منفصلين تماما .
2) التكتل الاستيطاني حول مدينة الخليل .
3) التكتل الاستيطاني حول منطقة بيت لحم.
4) التكتل الاستيطاني حول منطقة رام الله.
5) التكتل الاستيطاني حول مدينة أريحا .
وتهدف هذه التكتلات إلى تحويل المدن العربية في الضفة إلى جزر منعزلة, وتحويل التجمعات السكانية فيها إلى أقليات مفتتة تسهل السيطرة عليها ومحاصرتها تمهيدا لإجلاء سكانها تدريجيا . وإذا كانت الأطواق الاستيطانية حول بعض المدن لم تكتمل بعد فإن مشروع شارون الاستيطاني حتى عام 1985 ينص على استكمال هذه الأطواق بحيث يصبح عدد المستعمرات في الضفة في نهاية العام المذكور 141 مستعمرة.
وتنفيذا لهذا المشروع قرر آريل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي في مطلع شباط 1982 إقامة أربع عشرة مستعمرة جديدة في الضفة الغربية خلال شهر آذار 1982 موزعة على النحو التالي:
1)مستعمرتان حول مدينة الخليل, وهما حبير في الشرق, ولاهف في الغرب.
2) سبع مستعمرات في منطقة جنين وهي:اماتسيا , وادولام, ونجوهوت, ومتسفيه, وتيلم, وتيرتسي , وبلاس جرزيم.
3) خمس مستعمرات في منطقة جنين وهي: ملوح, وفرات, وجان, وحريش, وبيت هعرباب.
هذا بالإضافة إلى ثلاث مستعمرات جديدة ستقام في منطقة الأغوار. وفي هذه الأثناء يجري العمل في شق وتوسيع طريق آلون التي تربط سلسلة مستعمرات المرتفعات الشرقية المطلة على الأغوار بعضها ببعض.
أما عدد المستوطنين الذين يقيمون في مستعمرات الضفة, باستثناء الأحياء السكنية العشرة حول القدس, فيبلغ حوالي 30 ألف مستوطن وفقا لما أعلنه آريل شارون أثناء جولته التي قام بها في مستعمرات الضفة برفقة 170 من أعضاء الجباية اليهودية الموحدة في مطلع شباط 1982.
ويذكر أن مشروع دروبلس الاستيطاني للسنوات الخمس التي تنتهي في أواخر عام 1983 يقتضي أن يصبح عدد مستعمرات الضفة مابين 136 و150 مستعمرة يراوح عدد سكانها مابين 120و150 ألف مستوطن, عدا سكان الأحياء اليهودية حول القدس الذين سيصل عددهم إلى 120 ألف مستوطن. إن عدد المستعمرات التي أقيمت حتى نهاية 1981 في الضفة الغربية والقدس هو 121 مستعمرة, عدا الأحياء السكنية العشرة التي أقيمت حول مدينة القدس . وفي حال تنفيذ قرار شارون الأخير سيصبح عدد المستعمرات في الضفة 135 مستعمرة بعد آذار 1982, وفي ذلك المستعمرات الثلاث التي تقررت إقامتها في الأغوار .
ويمكن دراسة الاستيطان في الضفة الغربية من خلال ثلاث مناطق رئيسة ,هي: الأغوار, والقدس, والخليل ونابلس.
1)الاستيطان في الأغوار: كان الاستيطان في غور الأردن هدفا رئيسا ومبكرا لحكومات المعراخ, وقد شكلت هذه المنطقة الخط الأول للاستيطان لطبيعتها الأمنية من جهة , ولما تحمله من دلالات استراتيجيه وسياسية كبيرة من جهة أخرى. فمنطقة الأغوار تسيطر على محاور العبور إلى الضفة الغربية, وتؤدي دورا كبيرا في تحقيق مطامع (إسرائيل) التوسعية في الضفة. إن السيطرة على الأغوار تعني ضمّ الضفة الغربية والسيطرة على مساحات واسعة من أراضي الغور الزراعية, وعلى كميات كبيرة من مخزون المياه فيها .
وقد سارعت السلطات الإسرائيلية بعد حزيران 1967 إلى تفريغ مناطق
الأغوار الغربية من سكانها بشكل قسري وجماعي تحت ستار الدواعي الأمنية ومنع التسلل بين الضفتين . فطردت الآلاف من المزارعين والبدو, وصادرت وأغلقت مئات الآلاف من الدونمات بعضها ملكية خاصة والقسم الأكبر منها أراض أميرية , ثم شرعت تقيم سلسلة من نقاط المراقبة الأمنية تمتد من جنوبي بيسان شمالا إلى عين جدي غربي البحر الميت جنوبا.
ويبدو من النظر إلى شريط مستعمرات الغور أنها تمت في نطاق مايسمى بمشروع آلون الذي يهدف إلى تجنب الكثافة السكانية العربية قدر المستطاع تطبيقا لمبدأ "أكبر مساحة من الأرض وأقل عدد من السكان". وتنسجم هذه المعادلة مع البرنامج السياسي لحزب العمل الذي يحتفظ بإمكانية التوصل إلى تسوية سلمية مع الأردن يتم بموجبها الاحتفاظ بالأشرطة الاستيطانية والتخلي عن المراكز الآهلة بالسكان حفاظا على الأغلبية اليهودية في الدولة الصهيونية .
وسرعان ما تحولت المراكز الأمنية التي أقيمت في الأغوار وعلى السفوح الشرقية لمرتفعات الضفة إلى مستعمرات مدنية زراعية أخذت تتوسع تدريجيا على حساب الأرض العربية المجاورة , وكانت مستعمرة "محولا" أول نقطة مراقبة أمنية تتحول إلى مستعمرة دائمة في شباط 1968 . ويبلغ عدد المستعمرات التي أقيمت في الأغوار وعلى مشارفها 28 مستعمرة . ويمكن اعتبار سلسلة المستعمرات التي أقيمت على سفوح المرتفعات الشرقية للضفة الغربية امتداد لمستعمرات الأغوار . وقد شرعت الحكومة الإسرائيلية تقيم هذه السلسلة من المستعمرات في أوائل السبعينات كجزء من المخطط الشامل لتهويد الضفة الغربية تحت ستار "الحق التاريخي" لليهود في أرض (إسرائيل) الكاملة. وهي الذريعة التي تستخدم لتبرير عمليات الاستيطان الواسعة في هذه المناطق .
2) الاستيطان في القدس: منذ اللحظة الأولى لاحتلال القدس كان واضحا أن هناك إجماعا تلتقي حوله أحزاب التجمع العمالي الحاكم وأحزاب اليمين المعارضة, وهو أن القدس ستكون العاصمة الموحدة للكيان الصهيوني, وأن الانسحاب منها أمر غير وارد على الإطلاق. وقد جاءت الممارسات التالية لتؤكد هذه الحقيقة, ففي أعقاب صدور قرار ضم القدس في 27/6/1967 باشرت السلطات الإسرائيلية عمليات التهويد فحلّت مجلس أمانة القدس العربية, وألغت الإدارات العربية, وفي ذلك المحاكم, وربطت مرافق الخدمات العامة بالبلديات الإسرائيلية للقدس التي يترأسها تيدي كوليك, وعزلت القدس عن الضفة الغربية اقتصاديا وجمركيا وتنظيميا , ثم شرعت تنقل الدوائر والوزارات الإسرائيلية إليها. وفي الوقت نفسه كانت عمليات هدم المنازل العربية في البلدة القديمة وترحيل السكان العرب منها تسير جنبا إلى جنب مع عمليات هدم المنازل والبنايات الوقفية أمام ساحة البراق لتوسيعها. ثم أعطيت شركة"إعادة إعمار الحي اليهودي" حق بناء أول حي سكني لليهود في القدس العربية, وهو الحي اليهودي في البلدة القديمة الذي أقيم فيه, حتى عام 1982, 468 وحدة سكنية .
وفي الوقت الذي كانت تتم فيه عمليات الهدم وبناء الحي اليهودي في البلدة القديمة كانت حركة استيطان أخرى تتم في نطاق حدود أمانة القدس على شكل طوق من الأحياء السكنية يحيط بالمدينة من الناحيتين الشمالية والجنوبية. وكان حي أشكول في الطرف الشمالي الغربي للقدس أول الأحياء السكنية التي أقيمت حول المدينة ضمن الحدود التنظيمية لأمانة القدس العربية. أما الحي السكني لطلبة الجامعة العبرية فقد بدئ بإنشائه في أواخر عام 1967 .
سدّت الأحياء السكنية التي بنيت حول مدينة القدس المنفذين الشمالي والجنوبي للمدينة . أما المنفذ المتبقي في اتجاه الشرق فقد خطط لسده في المرحلة الاستيطانية التالية التي تقرر أن تتم في نطاق الخطة الاستيطانية للقدس الكبرى. وتشكل مجموعة مستعمرات معاليه أدوميم الطوق الأبعد لإغلاق المنفذ الشرقي للمدينة. أما الطوق الأقرب فقد خطط لإقامته على أراضي قريتي العيزرية وأبو ديس التي تمت مصادرتها لهذه الغاية .
يبلغ عدد الأحياء السكنية التي بنيت في إطار الطوق الداخلي حول المدينة عشرة أحياء أقيم فيها 16,319 وحدة سكنية .أما المستعمرات التي أقيمت حول القدس في نطاق مايسمى "مشروع القدس الكبرى" الذي يقتضي اقتطاع قسم كبير من أراضي الضفة الغربية , بما في ذلك 9مدن و60 قرية عربية, أي حوالي 30% من المساحة الكلية للضفة, فقد بلغت حتى الآن 18 مستعمرة .
ولا تتوقف الخطورة التي ينطوي عليها طوق المستعمرات حول القدس وفي منطقتها(رام الله والبيرة) عند حدود تهويد المدينة بأغلبية سكانية يهودية مطلقة, أو ابتلاع مساحات واسعة من الأراضي العربية المحيطة بها, ولكنها تتمثل في تمزيق الضفة الغربية وشطرها إلى نصفين منفصلين وفقا لما توخته المشاريع الاستيطانية الرامية إلى تفتيت الضفة الغربية جغرافيا وسكانيا بالأشرطة الاستيطانية وشبكات الطرق الطولية والعرضية وفقا لمشروعي آلون وشارون .
3) الاستيطان في منطقتي الخليل ونابلس: كانت مستعمرة كفار عصيون أول مستعمرة إسرائيلية تقام في الضفة الغربية في موقع المعسكر الأردني على الطريق بين بيت لحم والخليل في 27/9/1967. وقد شكلت معسكرات الجيش الأردني في كل أنحاء الضفة الغربية المراكز الأولى للاستيطان , ثم جرى توسيعها فيما بعد على حساب الأراضي العربية المجاورة .
ولعبت العوامل الدينية دورا هاما في توجيه الاستيطان اليهودي إلى مدينة الخليل في وقت مبكر. فبعد كفار عصيون التي تحولت الآن إلى طوق كامل من المستعمرات يعزل مدينتي الخليل وحلحول عن بقية أنحاء الضفة الغربية من الناحية الشمالية توجهت حركة الاستيطان إلى مشارف مدينة الخليل الشمالية الشرقية , جرى توسيعها أكثر من مرة, وأصبحت تضم الآن مجلسا بلديا ومحكمة صلح.
وفي الوقت الذي كانت أطواق المستعمرات تحاصر فيه مدن بيت لحم وأريحا ورام الله كانت مدينة الخليل هدفا لمحاولات الاستيطان في داخلها(البلدة القديمة) وحولها من جهاتها الأربع . وقد شهدت سنوات حكم الليكود حملة واسعة لمصادرة الأراضي حول مدينة الخليل بهدف عزلها وتطويقها تماما بالمستعمرات .
أما في منطقة نابلس فقد جاءت الحملة الاستيطانية في وقت متأخر نسبيا(النصف الثاني من السبعينات) لأن الكثافة السكانية العربية العالية في هذه المنطقة شكلت عائقا في وجه العمليات الاستيطانية المبكرة. وبالنظر لوعورة المنطقة لم يكن تأسيس مستعمرات زراعية تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي أمرا سهلا. وعلى الرغم من ذلك تم تأسيس أكثر من ثلاثين مستعمرة في نطاق مخطط واسع للسيطرة على مفارق الطرق الإستراتيجية في الشمال وإكمال الاتصال الاستيطاني بين منطقة الأغوار ومنطقتي شفا عمرو والساحل الفلسطيني.
ومن الجدير بالذكر أن 90% من مستعمرات منطقة نابلس أقيمت خلال سنوات حكم الليكود , ولاسيما بعد التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد إذ تسارعت عمليات الاستيطان بشكل محموم .
جـ - الاستيطان في قطاع غزة : واجهت حركة الاستيطان الإسرائيلية في قطاع غزة مشكلتين رئيستين هما الكثافة السكانية العالية وندرة الأراضي الزراعية الصالحة للاستيطان لأن الأرض الصالحة للزراعة في القطاع كانت مستغلة كلها . ولذلك جهدت السلطات الإسرائيلية في العمل على خلخلة الكثافة السكانية بإخلاء مخيمات اللاجئين بحجة إعادة تنظيمها وشق شوارع واسعة فيها, الأمر الذي أدى إلى ترحيل سكان المخيمات وإعادة توطينهم في أماكن أخرى خارج القطاع(الضفة الغربية والمناطق المحاذية من سيناء).
وقد تركز الاستيطان الإسرائيلي في القطاع على الأخص جنوبي مدينة غزة, وفي الشريط الساحلي شمالي العريش, وكان ذلك مع بداية السبعينات لأن الجو الأمني في القطاع لم يكن مهيأ للبدء في الاستيطان بعد حزيران مباشرة .
وقد أقيمت أول نقطة للناحال عام 1970 , ثم تحولت فيما بعد إلى مستعمرة كفار دوم. وحتى نهاية عهد المعراخ كانت خمس مستعمرات قد أقيمت جنوبي مدينة غزة في محاولة لعزل القطاع عن سيناء, ولخلق تواصل جغرافي استيطاني بين مستعمرات القطاع ومستعمرات مشارف رفح/العريش.
أما في عهد الليكود فقد أقيمت ست مستعمرات أخرى في القطاع. وذكرت الصحف الإسرائيلية أن مستعمرة جديدة قد أقيمت في منطقة بيت لاهيا على أرض مساحتها 4آلاف دونم, ولم تذكر الصحف اسم هذه المستعمرة .
د - الاستيطان في مشارف رفح وسيناء: عملت (إسرائيل) منذ احتلالها سيناء على تحقيق أحلامها القديمة في تهويد أجزاء واسعة من الصحراء لخلق حواجز سكانية بين مصر وفلسطين . وقد انصبّ الاستيطان الإسرائيلي على ثلاث مناطق رئيسة هي:
1) منطقة شرم الشيخ لضمان السيطرة الدائمة على مضائق تيران .
2) مشارف رفح لخلق حاجز بشري يهودي يفصل قطاع غزة عن العريش .
3) الشريط الساحلي على امتداد خليج العقبة للسيطرة على الخليج , ولخلق اتصال سكاني بين إيلات وشرم الشيخ .
لم تكن هناك أية مشاكل أمام العمليات الاستيطانية في منطقة شرم الشيخ والشريط الساحلي بسبب عدم وجود سكان عرب في هاتين المنطقتين اللتين كانتا من المناطق العسكرية المصرية. لكن المشكلة الحقيقية كانت في مشارف رفح والعريش شمالي سيناء حيث تعيش مئات العائلات البدوية على الرعي والزراعة وتستثمر عشرات الآلاف من الدونمات بعضها ملكية خاصة وبعضها أراض أميرية.
في عام 1972 قامت (إسرائيل) بمصادرة 120 ألف دونم من أراضي البدو وطردتهم منها في ظروف بالغة القسوة بعد أن هدمت مساكنهم وأتلفت مزروعاتهم ودمرت خزانات المياه التي يعيشون منها .
وفي شباط 1973 م بدأت عمليات الاستيطان الإسرائيلي في مشارف رفح فأقيمت النواة الاستيطانية الأولى التي تحولت عام 1975 إلى مدينة يميت (جرى تفكيك هذه المستعمرة حين استعادت مصر سيناء) . أما البدو المرحلون فقد خيرتهم الحكومة الإسرائيلية بين التعويض النقدي أو الاستيطان في بيوت خاصة أو الحصول على أراض جديدة في منطقة الداهنية, لكن معظمهم رفضوا هذه العروض.
ويبلغ عدد المستعمرات التي أقيمت حتى شباط 1982 في شريط مشارف رفح- العريش 15 مستعمرة. وقد ازدادت الكثافة السكانية في هذه المستعمرات بعد تشكيل حركة وقف الانسحاب من سيناء في النصف الأول من عام 1980, وهي حركة يمينية متطرفة ترمي إلى منع الانسحاب الإسرائيلي من سيناء المقرر في نيسان 1982 بالقوة ويتزعمها أعضاء في الكنيست من بينهم حاييم دروكمان وغيئولا كوهين .
وقد رصدت الحكومة الإسرائيلية في كانون الأول 1981 مبلغ 8,5 مليار شيكل لتعويض مستوطني سيناء اليهود الذين سيجري نقلهم للاستيطان في النقب والضفة الغربية .
أما القطاع الشرقي الجنوبي من سيناء فيبلغ عدد المستعمرات التي أقيمت فيه تسع مستعمرات تحيط بمضائق تيران من الجهتين الشمالية والجنوبية, ومعظمها مستعمرات قروية , ماعدا مدينة أوفيرا. وترتبط هذه المجموعة الاستيطانية بمجموعة مشارف رفح بمستعمرتين هما دي زهاف ونبيعوت اللتان أقيمتا في موقع القريتين العربيتين دهب والنوبية .
هـ) الاستيطان في هضبة الجولان : لم يكن هناك أي خلاف في الأوساط الإسرائيلية الحاكمة أو المعارضة حول الاستيطان في هضبة الجولان. فمسألة الانسحاب من الجولان, بالنسبة إلى المعراخ, أمر غير وارد على الإطلاق حتى في نطاق أية تسوية إقليمية مع سورية. وانطلاقا من ذلك بدأت (إسرائيل) بعد حزيران 1967 مباشرة تثبت واقعا استيطانيا جديدا في الهضبة يحول دون الانسحاب منها. ولم تكن الكثافة السكانية العربية المتبقية في الهضبة بعد الحرب والاحتلال (حوالي 13ألف نسمة) عائقا أمام عمليات الاستيطان .
وبالرغم من الطابع العسكري المبكر لمستعمرات الجولان, فإنها تكيّفت مع الطبيعة الجغرافية للهضبة, ومع الأهداف الاستعمارية الحقيقية للاستيطان الصهيوني . ففي المناطق الوعرة أقيمت مستعمرات صناعية, وفي المناطق ذات الأراضي الزراعية الخصبة, وخاصة الجنوبية, أقيمت مستعمرات زراعية, وفي المنطقة الوسطى ذات الأرض الزراعية المحدودة والمياه القليلة أقيمت مشاريع زراعية مكثفة من النوع الذي لا يحتاج إلى مساحات واسعة من الأرض .
وكانت ميروم هغولان أول مستعمرة تقام في الهضبة السورية في 16/7/1967, وقد أنشئت في شمال غرب القنيطرة, ثم تلتها مستعمرة كفار شاريت. ويبلغ عدد المستعمرات التي أقيمت في عهد المعراخ 26 مستعمرة في حين أقيمت سبع مستعمرات بعد تولي الليكود السلطة. وقد أقيمت مستعمرتان جديدتان خلال شهر آذار 1982 هما كينغ ومنغوخا, وذلك في نطاق الخطة الاستيطانية التي قررها شارون , وبعد موافقة الكنيست على القانون الأساسي لضم الجولان في 14/12/1981 , وبذلك يصبح عدد المستعمرات في الهضبة السورية المحتلة 35 مستعمرة .
[/frame]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|