قضية إقرت وكفر برعم(من مواد الموسوعة الفلسطينية-القسم الأول-المجلد الأول)
قضية إقرت وكفر برعم (من مواد الموسوعة الفلسطينية – القسم الأول - المجلد الأول) :
بعد انتهاء العمليات العسكرية في شمال فلسطين بين القوات الصهيونية والقوات العربية في خريف عام 1948 احتل الجيش الإسرائيلي قريتي كفر برعم وإقرت والقرى المجاورة لهما في 31/10/1948 . وبعد زمن قصير من الاحتلال أعلنت المنطقة المحاذية للحدود منطقة أمن بموجب أنظمة الدفاع (الطوارئ) التي سنتها سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين سنة 1945 , واستغل وزير الدفاع الإسرائيلي صلاحياته وفق هذه الأنظمة فأعلن أن المساحة الواقعة بين الحدود اللبنانية والسورية شمالا وطريق نهاريا- ترشيحا- حرفيش – سعسع – صفد الرئيسي , ومن هناك إلى جنوبي بحيرة طبرية جنوبا, وبين البحر غربا, والحدود السورية – الأردنية شرقا , أعلن أنها منطقة أمن . وهذه المساحة هي نصف مساحة الجليل تقريبا, وتحتوي على العديد من القرى العربية. كذلك أعانت منطقة المثلث المأهولة بالعرب في أواسط البلاد منطقة أمن .
ولقد طبقت هذه الأنظمة أول ما طبقت ضد سكان قرية إقرت, ففي 13/11/1948 أبلغ الجيش الإسرائيلي سكان القرية " بأن هناك هجوما عربيا وشيكا, وأن عليهم في الوقت الحاضر أن يغادروا قريتهم القريبة من الحدود إلى منطقة أخرى بصورة مؤقتة ". ولقد أذعن السكان للأمر وتوجهوا إلى قرية الرّامة التي تقع في وسط الجليل على طريق عكا- صفد . وهناك أقيم للمهجرين من إقرت مخيم , ثم تدبروا أمرهم بالسكن في بعض بيوت الرامة , وبعد حوالي أسبوعين رفع سكان قرية إقرت طلبات كثيرة إلى السلطات طالبين السماح لهم بالعودة , إلا أن طلباتهم رفضت . وقد استمرت المفاوضات أكثر من سنتين دون جدوى , إلى أن أدرك السكان أنهم لن يعادوا عن طيب خاطر إلى قريتهم فرفعوا قضيتهم إلى المطارنة والأساقفة وزعماء الكنيسة الكاثوليكية , وحتى إلى البابا نفسه, فلاقت من الجميع التأييد .
ولما اتضح لسكان قرية إقرت أن هذا الحشد الهائل من التأييد لقضيتهم لم يجد نفعا توجهوا إلى المحكمة العليا بشكوى ضد وزير الدفاع والحاكم العسكري طالبين إعادتهم إلى بيوتهم .
وفي 31/7/1951 قررت المحكمة" أنه لا يوجد أي مانع قانوني من إعادة القرويين – وليس اللاجئين – الذين يحملون جنسية إسرائيلية إلى أراضيهم ". وأضافت المحكمة أن أراضي إقرت لا تعتبر متروكة, " ولذا لايمكن وضعها تحت تصرف القيّم على أموال وأملاك العدو" مثل ما جرى في قرى عربية أخرى .
لكن قرار المحكمة لم ينفذ , فحاول السكان العودة إلى القرية , وظلوا أكثر من شهر في نقاش عقيم مع الحاكم العسكري ووزير الدفاع حتى تسلموا آخر الأمر أوامر بالخروج من قريتهم. إلا أن السكان تقدموا في الحال باستئناف إلى لجنة الاستئناف التي صادقت على أوامر الطرد بحسب أنظمة مناطق الأمن .
وحتى يقطع سكان إقرت أملهم في العودة إلى قريتهم قامت قوات الجيش الإسرائيلي في 25/12/1951 بنسف جميع بيوت القرية. وفي 6/2/1952 نظرت المحكمة العليا في شكوى جديدة توجه بها إلى سكان القرية, ولكن دون نتيجة .
أما سكان قرية كفر برعم فقد تم ترحيلهم عن قريتهم في 15/11/1948 , أي بعد ثلاثة أيام من ترحيل سكان إقرت, فتوجهوا إلى قرية الجش المهجورة القريبة من أراضي كفر برعم فأقاموا في الأكواخ والخيام على أمل العودة قريبا إلى قريتهم . إلا أن المدة الزمنية المحددة التي أعلنت عنها السلطات العسكرية انتهت دون أن يسمح لسكان القرية بالرجوع .
توجه سكان هذه القرية أيضا, بعد تردد, بشكوى إلى المحكمة العليا التي أصدرت في أوائل أيلول 1953 أمرا تمهيديا يجبر السلطات على إبداء الأسباب التي تمنع سكان القرية من العودة إلى بيوتهم. عندئذ قامت القوات الإسرائيلية في 16/9/1953 بمهاجمة القرية برا وجوا ودمرتها تدميرا كاملا . وقد تمّ تقسيم أراضي كفر برعم بعد ذلك بين كيبوتز برعام وموشاف دوفيف .
لقد صودرت أراضي قريتي إقرت وكفر برعم بموجب قانون استملاك الأراضي الذي أقرته الكنيست في 20/3/1953 واستملكت أراضي كفر برعم في 27/8/1953 وأراضي إقرت في 3/9/1953 . وقام المستوطنون الصهيونيون بتسخير سكان القريتين للعمل أجراء عندهم .
طوال السنوات التي انقضت لم يتوقف أهالي القريتين العربيتين عن المطالبة بإرجاعهم إلى أراضيهم. ولقد علمتهم التجربة عدم الاعتماد على وعود الأحزاب السياسية الصهيونية بعدما تبين كذبها غير مرة .
عرضت السلطات الإسرائيلية بعد ذلك تعويضات على أهالي قريتي كفر برعم وإقرت . وفي صيف 1972 ورد على لسان روفين ألوني نائب مدير دائرة أراضي إسرائيل أن تسعين عائلة من كفر برعم قد أعيد توطينها ولكن دون أن توقع على اتفاقات رسمية بذلك , إلا أن ست عائلات منها تلقت 155,000 ليرة إسرائيلية و 272 دونما من الأراضي مقابل أراضيها. وأشار آلوني إلى أن ثمانين عائلة من قرية إقرت سيعاد توطينها في (إسرائيل ) وهذه العائلات تملك 3,000 دونم . وقد وقعت اتفاقيات مع 55 عائلة فمنحت 700 دونم من الأراضي الخصبة وتعويضات وصلت إلى 700,000 ليرة إسرائيلية مقابل 1,500 دونم تملكها.
إلا أن ادعاءات آلوني كانت باطلة من أساسها, فلقد وقعّ سكان قرية إقرت على رسالة مفتوحة نشرت في جريدة هآرتس رفضوا فيها بيانات آلوني ووصفوها بأنها كذب محض , إذ لم تغادر قرية إقرت أسرة واحدة سواء قبل قيام (إسرائيل) أو بعده . وأكدوا أن عدد العائلات التي رفضت توقيع الاتفاقيات بلغ 126 عائلة تمثل 616 شخصا يملكون 4,500 دونم من الأراضي الزراعية, وقد قبلت 31 عائلة فقط بالتعويضات .
وجدد سكان إقرت وكفر برعم مساعيهم للعودة إلى قريتهم عام 1972 على أثر إلغاء العمل بقانون مناطق الأمن العسكرية. وفي ذلك العام قرر المطران يوسف ريّا مطران الروم الكاثوليك البدء في إعادة ترميم كنيسة إقرت التي أصيبت بأضرار جسيمة عام 1951 . وفي حين سمحت السلطات الإسرائيلية بإعادة بناء الكنيسة , لم تسمح للقرويين بالعودة إلى أراضيهم. ولقد انتهز سكان قرية إقرت فرصة السماح لهم بترميم الكنيسة ليثيروا قضيتهم على أعلى المستويات , وقد أوصلوا هذه القضية إلى رئيسة الوزراء آنذاك غولدا مائير .
اجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي في 23/7/1972 لينظر في مسألة السماح لسكان قريتي إقرت وكفر برعم بالعودة , وقرر رفض طلب سكان القريتين دون بيان أسباب هذا الرفض. ودل ذلك على خشية السلطات الصهيونية من أن تشكل حادثة القريتين سابقة يستند إليها سكان بقية القرى العربية المستملكة , مما يضعف الأيديولوجية التوسعية العنصرية .
أثار رفض الحكومة طلب سكان قريتي كفر برعم وإقرت احتجاجات واسعة , وقام السكان بتوجيه رسائل مفتوحة إلى رئيس الدولة آنذاك زلمان شازار ورئيسة الوزراء غولدا مائير وأعضاء الكنيست والمثقفين اليهود وغيرهم عرضوا فيها مأساتهم . إلا أن ذلك لم يجد نفعا بالرغم من أنه حرّك بعض المثقفين اليهود إلى جانبهم . ولما حاول بعض سكان القريتين العربيتين الاعتصام في أطلال بيوتهم تصدت السلطات العسكرية الإسرائيلية لهم بناء على طلب دائرة أراضي إسرائيل التي تدعي ملكية أراضي القريتين وأجلي المعتصمون بالقوة . وقد جرح العديد من السكان وتم الاعتداء على رجال الدين بالضرب كما اعتقل آخرون .
وقاد المطران يوسف ريّا في 23/8/1972 عدة آلاف من المتظاهرين اليهود والعرب في مسيرة احتجاجية انطلقت من بوابة يافا في القدس إلى مبنى رئاسة الحكومة الإسرائيلية. ونظم الصهيونيون المتعصبون مظاهرات مناهضة هتفوا فيها ضد العرب متهمين إياهم بأنهم أعداء "يتبعون منظمات التخريب ".
خرجت قضيتا كفر برعم وإقرت إلى خارج الأرض المحتلة إذ عرض المطران ريّا القضية على الفاتيكان طالبا التدخل لمصلحة السكان, إلا أن (إسرائيل) رفضت مثل هذا التدخل .
وفي عهد حكومة الليكود الذي كان يتظاهر وهو في المعارضة بالموافقة على إعادة سكان القريتين, أعيد طرح موضوع إعادة سكان إقرت وكفر برعم , وكان هناك اتجاه عام في الحكومة ضد عودة أهالي إقرت, أما بالنسبة إلى سكان كفر برعم فقد انقسم الوزراء أنفسهم . ثم لم يلبث الموضوع أن جمد بعد أن اتخذت اللجنة الإقليمية للتخطيط والبناء في الجليل قرارا يجعل منطقة كفر برعم منطقة غابات ويمنع السكن فيها, بالإضافة إلى أنها وقرية إقرت تدخلان في نطاق منطقة الأمن .
وهكذا ستظل قضية إقرت وكفر برعم شاهدا حيّا على مدى الاضطهاد الذي يلاقيه العرب في وطنهم على أيدي الصهيونيين من جهة , وعلى مدى تمسك العربي بأرضه ووطنه من جهة أخرى.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|