وِقفـــةَ صدقٍ أمام الله
[align=justify]استهــــــلال :
في منتصف الستّينيات من القرن الماضي، زرتُ الجمهورية العراقية لتسويق كتابي المحاسبيّ الإبتدائيّ العمليّ التدريبيّ لمكتباتها العمومية الرسمية ، بعد حصولي على موافقة وزارية لقبول الكتاب المذكور في المكتبات العامة لكلّ من الجمهوريتين العربية السورية ، والعراقية.
وفي يوم من أيام الجُمَع ، قصدت مسجد الإمام الجيلاني يرحمه الله في بغداد للصلاة فيه، وخلال الخطبة روى الخطيب في سياق خطبته الرواية التالية :
في بداية العهد الإسلامي المحمّديّ، مرّ رجل من المشركين، وهو في طريقه لوجهته ،على متسوّلٍ مُقعدٍ مُعوّق ، فاقد الساعديْن والساقين ، كان يجلس تحت شجرة ظليلة، وهو يقول مكرّراً :
الحمد لله ... الحمد لله ....
فتوقف الجاهليّ المُشرِك أمام المتسوّل قائلاً له بسخرية :
ياهذا ... ماذا أبقى لك ربّك في جسدك وفي حياتك لتحمده عليه ..؟!!!
فأجابه المتسوّل بلجهة إيمانية صادقة:
الحمد لله الذي أبقى لي لساناً أقول به: الحمد لله.
فارتعشتْ جوارحي ممّا سمعتُ من الخطيب وانفعلْت، ونظرْتُ إلى ماأنا عليه من نعم الله، فخجلْتُ من نفسي واستغفرْتُ وحمدتْ .
ومنذ ذلك الحين إلى الآن، وعند كلّ بلوى تُصيبني و/أو تنزاح عني ،أردّد في سرّي وفي علني ،جملةَ المتسوّل المُعاق .. فاقد الساعدين والساقين ، والفقير المُعدم وهو يحمد الله على نعمة اللسان فيه .
ولكنّ بعضَنا يجأر عند ابتلاءٍ ربانيّ يحلّ فيه، من غير صبرٍ ولااستغفارٍ ، بل يشتكي ويبكي ويعترض على ماأصابه متسائلاً بجهلٍ وجهالة :
(ماذا فعلْتُ ياألله لتوقع عليّ عقابك).
وكأنّي بالله يردّد قولته في قرآنه:
(وماظلمناهم ولكن كانوا أنفسَهم يظلمون).
وفي قصيدتي أدناه ، أقف أمام الله ذليلاً ، راجياً منه أن يُبقى لي لساني حيّاً رطبا بحمده في حياتي ، وألاّ يَبلى في مماتي .
[/align]
القصيـــــــــــدة
شعر : عبد المنعم (محمد خير) إسبير
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلهـي قـدْ أتَيْتـُكَ في مَتابـــــــــــــي
وروحي تَرتَجي رُحْمَى الحِســــــابِ
*
وجِئتُكَ في المَشيبِ ، ولَسْتُ أُلْقــــي
مَعاذيري عَلَى سَفـَهِ الشّبـــــــــابِ
*
فَمـا الأوزارُ يَغْفِـرُها اعتــــــــــــذارٌ
ولكِـنْ رَحمـَةٌ بَعـدَ المَتــــــــــــــــابِ
*
فيارحمانُ هـَلْ تُنجي مُحِبّــــــــــــاً
حَميلَ التَّوْبِ مِنْ سوءِ المــــآبِ؟
*
مُحِبّـــــــــاً ، يلتقيـكَ بِكــــــــــــلِّ آنٍ
بما في الكَونِ مِنْ عَجَبٍ عُجــــــابِ
*
ففي الإبكارِ، لُقيا ضَوْءِ صُبْـــــــحٍ
تبَسَّـمَ مِنكَ فابتَسَـمَ اكتئابــــــــــــــي
*
وفي الإصباحِ ، لُقيـــا فَـــــوْحِ ورْدٍ
تَضَوَّعَ مِنْ طيوبِكَ في الرّوابـــــي
*
وفي هَدْءِ العَشِّيِّ أهيمُ وَجْـــــــــداً
فأعلـوْ بالتّبصّـُرِ للسّحــــــــــــــابِ
*
وفي عُمْـقِ التَّفَكُّرِ كنتُ أســــري
وفي مَسْـرايَ يَزدادُ اقتـرابـــــــــي
*
إلهي، جِئتُ في أحمـــالِ خِطْئـــــــي
لعلَّ الخِطءَ يُذهِبـهُ صَّـــــوابــــــي
*
فوحدكَ تَحْسُبَنّْ حسناتِ فِعــــــــــلٍ
ويُنْكِرُهُـا أبو خِلْـبٍ ونــــــــــــابِ
*
فإنَّ الّلؤمَ أعْمَى عَنْ جميلــــــــي
ويُبْصِرُ عَثْرَتي طَيَّ الضَّبـــــــــابِ
*
ويقرأُ سيّئـــــــاتٍ في كتابـــــــــــــي
ويَحــــوي صدرُهُ سوءَ الكِتـــــــــابِ
*
أصَمٌّ أبْكَـمٌ في ذِكْـرِ خَيْــــــــــــــــرٍ
دَفوقُ السُّمِّ في ظَهْرِ الغِيــــــــــابِ
*
وجاء( البعضُ )يرميني حِرابـــــــــاً
فأدمى القــــلبَ من طعن الحِـــــراب
*
فمنهم من رمــــى عند اقترابــــــــي
ومنهم من رمـــى بعدَ اغترابــــــــي
*
صَبَرْتُ على العَداءِ(1)جمــيلَ صَـبْرٍ
فطبعــــي لايميــــل إلى احتــــــــرابِ
*
وإنّـــي قد خُلِقْـــــتُ بلا نيــــــــــــوبٍ
وإنّـــي لستُ من أنســـالِ غـــــــــابِ
*
وهَجـــرُ المرءِ خيرٌ إنْ تمــــــــــادى
وحُسْـــنُ الهجْرِ دربٌ للإ يــــــــــــابِ
*
فكمْ أحْسَنْتُ للمَعْسورِ صُنْعــــــــــــاً
مَخافـةَ عُسْرَةٍ تأتي لِبابــــــــــــــي
*
فقامَ الغــــــَدْرُ يَرْميني بإفـْـــــــــــكٍ
بإعساري ولَمْ يَرْحَمْ مُصابـــــــــي
*
أرادَ اللهُ لي عُسْـــــراً مُنيـــــــــــــراً
فَمَيَّزْتُ الحَبيبَ مِنَ الحُـــــــــــبابِ(2
*
ومااسْتَكْبَرْتُ في قَوْمـــي، فعِنْـــدي
فقيـــرُ القَوْمِ مُثــــرٍ في صِحابـــــي
*
ولكنَّ الكثيـــــرَ يَتيــــهُ فَخْـــــــــراً
بِعَقْــلٍ ضَــــلَّ بالمــالِ السَّـــــــرابِ
*
فدِيْـــنُ المَرْءِ في عَقْــــــــلٍ حَصيفٍ
لَفَخْرٌ والسِّوَى مِثْلُ الهَبـــــــــابِ(3
*
وكَمْ حارَبْتُ للمَظلومِ ظُلْمـــــــــــــــاً
وأرْجَعْتُ الحقــــوقَ منَ الذِّئـــــــــابِ
*
وكَــم حاولْتُ أنْ أحمي سفيهـــــــــاً
وأحمي (وارثَيْهِ) من التّبــــــــــاب4
*
فضيّـــعَ ماحَمَيْـــتُ وفيـــــــــــرَ إرثٍ
وألقَى (نعمتيهِ) إلى العُبـــــــــــــــابِ
*
فأمْسَتْ عِفَّتـــي مِنْ زُهْــــدِ كَسْـــــبٍ
تَنالُ(الكَسْـــبَ!)من ناب ارتيـــــــــابِ
*
فهذا ما صنعتُ لِخَيـــــــْرِ غيــــــــري
بِظنّـــي، للنّجاةِ مِنَ العــــــــــــذابِ
*
فإنْ أكْرَمْتَني بِرَحـــــــيمِ حُكْــــــــمٍ
فأنْتَ اللّهُ يارَحْـــبَ الجَنــــــــابِ(5
*
وإنْ عَذّبْتني عَـــــدْلاُ فدَعْ لــــــــي
لِسانَ الحَمْــــــدِ حيّاً في تُرابــــــــي
*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)العَداء بفتح العَين : الظّلم .(2) الحُباب: الحيّة (3)الهَباب: الهَباء وهو التّراب الّذي تُطَيِّرُهُ الرّيح في الهواء. (4) التّباب: الخسارة /الهلاك.(5) رحَبُ الجَناب:الكثير الخير والعَطاء
ملاحظة: التنسيق اختلف بين الأصل والنقل. مما اضطرني إلى وضع عجز البيت تحت الصدر.