الصغيرة والأب
د. ناصر شافعي
حملقت الطفلة الصغيرة في وجه أمها الغاضب .. أخذ يدور في عقلها الصغير أسئلة كثيرة , لا تجد لها جواب !.
كانت ثورات و إنفعالات أمها الدائمة و المتكررة , وصوتها الغاضب الصارخ , يقابله خوف و وجوم للطفلة الصغيرة !
حملقت الصغيرة في وجه أبيها الصامت الحزين , الذي يقبلها ويحتضنها ويضع بين يديها الصغيرتين عملة معدنية صغيرة .. تقبض عليها و تبتسم .
كانت تتأمل - في صمت – أباها , الذي يعود قرب المغرب .. يتصبب العرق من جبينه .. يمسح بمنديله الرمادي القذر تراب وعرق جهد يوم عمل شاق . تجري الصغيرة نحو أبيها .. تحتضنه .. ترفع ساعديها الصغيرين و تلمس بكفيها وجه أبيها الدافئ المتعب .. يرفعها إليه .. يضمها إليه في حب و حنان و يقبلها . تصرخ الأم و تطلق اللعنات .. وتنتزع الصغيرة من أحضان أبيها . تجلس الصغيرة تحت قدمي أبيها صامتة .. تسأل نفسها في حيرة أسئلة كثيرة , لا تجد لها جوابا . تتأمل حذاء أبيها المترب .. تنظر بعيون دامعة إلى وجه امها الغاضب الساخط .
تضع الأم أمام أبيها بقايا من طعام الأمس .. وفتات من الخبز الجاف . ينظر الأب إلى الصغيرة في حنان و يبتسم .. يرفعها إليه لتجلس بجواره .. تلتهم الصغيرة الطعام في نهم .. ينظر الأب إليها في حنان .. وتنظر الصغيرة إلى أمها في حذر و خوف !
وقبل أن تجد الصغيرة إجابة لما يدور في عقلها من أسئلة , وجدت نفسها أمام مجموعة أخرى من الأسئلة المختلفة , لا تجد لها جوابا !
لا تعرف الصغيرة كم مر من شهور أو سنين .. كفت الأم عن الغضب و الصراخ .. وإحتضنت الصغيرة في حنان .. ضمتها إلى صدرها .. بللت وجه طفلتها بدموع ساخنة .
جلست الصغيرة ساعات طويلة أمام الباب في إنتظار عودة أبيها .. حملقت في وجوه النساء اللاتي يصرخن في غضب ويكيلن السباب و الشتائم لأبيها : " الخائن .. النذل .. الجبان " .. وكلمات أخري لا تعرف لها معنى .. الطلاق .. الضرة .. النفقة .. المحكمة !
حملقت الصغيرة في وجه أمها الصامت الحزين .. تجري الصغيرة إلى أمها .. تحتضنها .. وتقبلها .. ترفع ساعديها الصغيرتين اليها .. وتلمس بكفيها وجه أمها المبلل بالدموع . ترفع الأم صغيرتها إليها .. تضمها .. تقبلها .. وتبكي .