جمال الروح
لذة العين الصور الحسنة ولذة الأذن الأصوات الطيبة ولذة القلب المعرفة ولا معرفة أعز من معرفة الله ولا لذة أعظم من لذة معرفته ومن حكمة الله تعالى في خلقه أن جعل قلب الإنسان ينفر من الفراغ لتكون همة البحث والمعرفة لدى الانسان للوصول لأشرف موجود تنتهي إليه كل الحقائق ، وليس العالم من حفظ العلم من كتاب فإذا نسي ما حفظه صار جاهلا إنما العالم من يأخذ العلم من ربه أي وقت شاء بلا حفظ ولا درس ، قال ابن عربي : اعلم أن علومنا وعلوم أصحابنا ليست من طريق الفكر إنما هي من الفيض الإلهي .
وهذا فيه إشارة من قوله تعالى في محكم كتابه العزيز (وعلمناه من لدنا علما ) الآية ، فاللدني هو ما ينفتح سره في القلب، فإذا تولى الله أمر القلب فاضت عليه الرحمة وأشرقت أنواره وانشرح الصدر وتلألأت الحقائق.
فسبحان الله العظيم ،
تكلم قوم عند العارف بالله بوبكر الشبلى فى الصفات ، فقال رحمه الله : اسكتوا ، فان ثمة متاهات لايخرقها الأوهام ولاتستوعبها الأفهام وكيف يمكن الكلام فى صفات من تجتمع فيه الأضداد من قوله تعالى ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) الآية من سورة الحديد ، خاطبنا على قدر افهامنا
انتهى قول أبوبكر الشبلي
فهو سبحانه الظاهر ، ولكن اذا سألت شخصا عن هذا المعنى سيقول لك أنه لا يرى الا المكونات ، لأن ما تبادر الى هذا الشخص حسب فهمه ومبلغ علمه وادراكه أن المرئيَّ بالبصر لابد أن يكون جسما ، ولكن هذا الاعتقاد في حق الله مستحيل ، لأن الله تعالى أخبر بحجة حاسمة أنه سبحانه لا تدركه الأبصار ، ونرجع ثانية الى قول العارف بالله أبوبكر الشبلي أنه سبحانه خاطبنا على قدر أفهامنا ومداركنا التي خلقها بفضله ورحمته وعنايته
وهو أعلم أن عطاءه لعبده من نصيب عرفانه انما يتنزل على القلب ، وهو فضل وعطاء ورحمة ومعرفة لا تُكيف ، لأن العقل سجين في عالم الكم والكيف والعلة والمعلول والفوق والتحت والزمان والمكان وهو عبارة عن آلة فاشلة كل الفشل في مجال هذا العرفان المبهر ، واذا أطلَّ العقل بمواهبه من خلف سُجُفِ الغيب على ما ينعم به القلب من قرب مولاه عز وجل، ومشاهدته، والأنس به، والمعية معه، فاللسان الذي ينطق به ليعبر عن إطلالته ينطق خطئا ، ذلك أن كمال النعيم في الدار الآخرة به سبحانه برؤيته، وسماع كلامه، وقربه ورضوانه، وهو أيضا بشرى لأهل القرب في دار الدنيا وهناك من يزعم أنه لا لذة في الآخرة إلا بالمخلوق من المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح، وهم مخطئون في ذلك ، لأن اللذة والنعيم التامين في حظهم من الخالق تعالى أعظمُ مما يخطر على البال أو يدور بالخيال ، ففي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم في صحيحيهما: "وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مُضِرَّة ولا فتنة مُضِلة"
فالمؤمن الذي وثق بعرفان ربه غمرته رحمة وانشراح وصفاء وعطاء من الله
وكان في شهود وحضور ، وهو ملتذ بروح هذا العرفان
كلما هبت نسائمه كسته الأنوار وهو في بقاء مشهد العلم والتحقق من أنه الظاهر بلطف الهي
غامر ، وقد يزعم كثيرون أن اللذة الجسدية صارخة فى إحساسها مدوية فى الشعور بها وتمنح صاحبها عنفوان اللحظة وبهجتها، وهم بذلك يغفلون ما بعد اللحظة أى ما يستتبع اللذة العارمة التى تجتاح الجسد من جراء فعل ما، فالغالب أن انقضاء اللحظة وزوال الشعور بتلك اللذة الآنية يخلف حسرة وألما أو سخطا فى غالب الأحيان، ولهذا فإن اللذة الجسدية عابرة يتبعها ندم على انقضائها وفوات زمنها ينقض جل الشعور المصاحب لها فتكون كمن نقضت غزلها أنكاثا من
بعد قوة ، ولا ينكر قيمة اللذة الروحية التى هى سعادة فى ذاتها إلا من لم يعيش لحظاتها، ويعايش قوة وثبات رسوخها فى الأنفس، فهى كموجه هادئة تنساب برفق لتشمل بفيض عذوبتها يباب الأنفس فتحيل قفارها إلى جنات غناء فى لحظات، وتوجه القلوب قبلة السعادة عوضا عن شؤم اليأس وظلام الكآبة، ولكونها بتلك الصفة فهى تستمر، وقد تتعاظم مع مرور الوقت لتأصل الإحساس بها وتعود النفس على معانقة ذاك الشعور المفعم روحانية والمحلق فى رحابة الرحمات الربانية التى تتنزل على أصحاب تلك النفحات الشعورية، والجميل فى تلك اللذة أنها لا تتأثر بمنغصات مادية قد تحيط بصاحبها، فهى لا تعنى بالماديات من ثروة أو جاه، بل قد نجد من يتمتع بتلك اللذة الروحية ويعيش سعادتها وهو معدم أو نكرة بمقاييس البشر، لكنه يعيش حالة السلام النفسى والنشوة المتولدة من لذة روحية يعجز غيره ممن يحيطون به من الولوج لسعات وظلال رحماتها ، وما تنعم العبد بصفاء كصفاء عرفانه بمولاه مستجليا صفة أنه سبحانه الظاهر فكم فيها من الأسرار الخالصة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله المكرمين وعلى كافة المرسلين وعباده الصالحين .
https://www.youtube.com/watch?v=GmPB...&feature=share