جمال الروح
[align=justify]
عندما نتحدث عن الأدب والأديب والفن والإبداع والثقافة المنتجة بكل أنواعها ، يفترض أن نتوقف بشكل مباشر عند عمق وأعماق الإنسان ولا وعيه ، هذا العمق الذي عليه أن يحمل دلائل ودلالات تشير إلى المنتج أو النص المكتوب .. والناقد الحاذق يستطيع أن يفهم هذا العمق وصفاته من خلال الأثر المنتج ، وإن لم يجد رغم تمكنه من أدواته ، فعليه أن يحكم بأن الأثر لا يعبر تعبيرا صادقا عن مبدعه ، وأنه أثر مصنوع غير مطبوع ، إذ لا معنى لأثر لا تجد فيه البصمة الحقيقية لعمق الكاتب ، ولروحه ولا وعيه ..
أول صفة يفترض أن يتمتع بها المبدع الكبير هي جمال الروح .. وقد يظن أن مثل هذه التركيبة بسيطة هينة سهلة موجودة عند كثيرين .. لكن حين تجادل وتناقش وتحاكم النص أو الأثر والمنتج تتبين لك أشياء غريبة عجيبة لا تصدق أنها موجودة عند من حباهم الله بنعمة الإبداع .. من ذلك : الغيرة ، الحقد ، الكره ، الضغينة ، نفي المبدع الآخر، التهجم على كل شيء ، التهكم على المحيط الثقافي بمجمله ، عدم التفريق بين الجيد والسيئ من النصوص .. أخذ الإبداع كمطية للوصول إلى غايات رخيصة ، تحويل الإبداع إلى سلعة ، المدح على طول الخط ، تفضيل ما تكتبه الأنثى لأنها أنثى لا من أجل جودة النص .. وهكذا تطول القائمة وتزداد مما يرينا إلى خلل موجود في ذات المبدع وروحه وأعماقه لا يمكن أن تجعله مبدعا كبيرا مهما حاول ، وإن ملك الأدوات وكبر فإن الخلل لا بد واقع في جزء من أجزاء عمله الإبداعي ..
جمال الروح يعني نقاء في الذات تعطي الآخرين حقهم وتعطي الذات حقها ولا تنحني من اجل غايات رخيصة .. هذه الروح تتحول إلى شعلة سحرية تعطي النص أو الأثر عاطفة غريبة وقوة لا تضاهى .. فالروح التي وثقت بذاتها وأدبها تتجرد عن الصغائر وترقى دائما إلى الأعلى وترفض أن تكون مطية لأحد ، كما ترفض أن تكون مدية تغرس في ظهر أحد .. هنا ينتفي خلل الأعماق وتبرز الجماليات التي تنعكس بريقا مدهشا في العمل الإبداعي ..
قد نجد نصوصا جيدة عند شعراء اتصفوا بالبخل أو الغيرة ، ونسأل كيف يجتمع الجمال وقبح البخل مثلا ؟؟.. الجواب يكمن في السير بأناة نحو عمق النص أو الأثر، ستجد بخلا غريبا في العاطفة وخللا في التوازن بين جماليات النص .. مهما حاول الشاعر الشحيح أن يغطي نصه بغلالة من جمال ، فلا بد أن تكتشف شيئا يدلك على أن صاحب النص أو الأثر بخيل وان هناك طمعا حتى في القصيدة ، وبخلا حتى في إيراد الجماليات ..
جمال الروح خلاص تام من كل أثر وعلامة للقبح ، وأشد ما يظهر ذلك ويبين ويتضح عند الشاعر لأنه أشدّ ارتدادا إلى ذاته وانفعالاته وإحساساته .. وتأتي الإبداعات الأخرى لاحقة لذلك ، حتى تكاد تختفي الآثار في الدراسة الواعية .. لأن الناقد أو الدارس يغطي الكثير من انفعالاته بما يستجر من نصوص و أعمال الآخرين دارسا منقبا باحثا مدققا ..
فما اجمل أن تصفو الروح وترقّ في كل نوع أو جنس إبداعي ، حتى نصل إلى قمم مثلى في العطاء ..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|