التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,869
عدد  مرات الظهور : 162,400,569

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > تحرير فلسطين قضيتنا > فلسطين تاريخ عريق ونضال شعب > إسرائيليات > اعرف عدوك
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 04 / 04 / 2011, 25 : 11 AM   رقم المشاركة : [1]
الدكتور خليل البدوي
دكتوراه آداب/دكتوراه طب/صحفي وفنان تشكيلي/مؤلف وكاتب ومحلل سياسي

 الصورة الرمزية الدكتور خليل البدوي
 





الدكتور خليل البدوي is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: جمهورية العراق

Llahmuh الحلف الاستعماري وقضية فلسطين

اللوبي الصهيوني العالمي
الحلف الاستعماري وقضية فلسطين
دور مجموعات الضغط واللوبي الصهيوني في قضايا السياسة في المنطقة والعالم.


تأليف:
محمد علي سرحان


المقدمة
الكتاب الذي بين أيدي القارئ دراسة وبحث سياسي واسع عن اللوبي الصهيوني العالمي وتأثيره مع الحلف الاستعماري على فلسطين الذي نشأ بين مؤسس الحركة الصهيونية العالمية "ثيو دور هرتزل" صاحب كتاب "الدولة اليهودية" وبين الدول الكبرى التي كانت لها مصلحة في بعث "المسألة اليهودية" وتهجيرها بالتخطيط المسبق من أوروبا إلى منطقتنا العربية، رغم أن أوروبا تتحمل مسؤولية المجازر والمحارق ضد اليهود وليس شعوبنا ودولنا وأوطاننا، لأن تلك المسألة كما يوضح هرتزل نفسه هي ذات منشأ أوروبي بكل المقاييس بطبيعتها وتناقضاتها وخلافاتها ومآسيها وبمساعيها الشاملة.

تتكشف من خلال الدراسة هذه برأيي "أسبابها الأوروبية" وتتحملها أوروبا أدبياً وأخلاقياً وقانونياً. وللامبراطوريات الأوروبية والنظام النازي الهتلري الدور الكبير في إشعال النار تحت رمادها، وأدت إلى حدوث المشاكل والحروب والمؤامرات والدسائس والفتن الرهيبة بهدف إشاعة الفوضى والتخلص منها نهائياً بدعم تصوراتها التوراتية الأصولية المستمدة من العنصرية والاستيطان أنتجتها كمادة غنية لهمجيتها، واستناداً على عقليات منغلقة التي نضحت بها الحروب الصليبية ودفعت حملة نابليون بونابرت إلينا والتآمر على شعوبنا بالتخطيط للمؤامرات الدولية المحاكة جيداً مع المنظمات الفاشية والعنصرية والاتحادات الصهيونية وحتى مع أثرياء اليهود قبيل هرتزل بمئات السنين.
التاريخ حافل بمسلسلات تثبت حقائق لا مناص منها، من أهمها أن الدكتور هرتزل اعترف بنفسه بأن فكرة الدولة اليهودية هي فكرة بسيطة وباهتة بالنسبة له ولغيره سرعان ما شجعتها الأوساط الاستعمارية المتعاونة مع شركة آل روتشيلد وغيرها، وتمخضت عنها وعود بريطانية (وعد كامبو أيار 1917) (ووعد بلفور تشرين ثاني 1917) ودور الكنيسة الأمريكية والحركة الدبلوماسية البريطانية- الأمريكية بتشجيع الاستيطان اليهودي على أرض فلسطين لأسباب تتراءى أمامنا الآن بعد عشرات السنين من التآمر.

لا يمكن تغطية الموضوع من جميع أطرافه وإلا احتاج فعلياً إلى موسوعة كبيرة لكن البحث والدراسة فيه احتاجت إلى وقت وجهد ليسا قليلين وبخاصة أن تسليط الضوء على اللوبي الصهيوني العالمي وحقيقته والدور الأميركي والأوروبي في اقتلاع وتشريد شعبنا له دلالات عميقة، وما نعانيه اليوم من الكيان الصهيوني الاستيطاني الاستعماري وأساليبه ضد شعوبنا العربية، واقترافه لأبشع المجازر والقتل والإرهاب تعيد لأذهاننا طبيعة وأهداف الحركة الصهيونية التي لا تختلف عن النازية بل هي أشد وطأة منها على حياتنا ومستقبلنا لأنها تقتلع وتستوطن وتسرق تاريخنا وأرضنا وبيوتنا وتزوّر الحقائق من أجل إقناع غيرنا بأنهم عادوا من الشتات إلى ما يسمى بـ"أرض الميعاد"؟!..
ويطرحون شعارهم الخطير من "النيل إلى الفرات" بأسلوب همجي ومتعصب لا تحده حدود وانطلاقاً من دستورهم "بروتوكولات حكماء صهيون" الذي يعتبر من أخطر كتبهم الدينية السرية ويستندون عليه على أساس أنهم "شعب الله المختار" بحقد أعمى بربري ومتوحش معادي لكل الشعوب وأمم الأرض وبالأخص شعبنا الفلسطيني.

لقد أعربت معظم الدول العربية عن استنكارها من الدور المؤثر الذي يمارسه اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ومجموعات الضغط اليهودية التي وجدت في محاولات جر دولة عظمى إلى سياسة العداء المستمر للعرب وحقوقهم العادلة بتشجيع سياسة إسرائيل العدوانية والعنصرية والاستيطانية، حيث أكد البيان الختامي الصادر عن الدورة (34) لمجلس الاتحاد البرلماني العربي، انتقاداته لمحاولة جر مجلس الشيوخ الأمريكي بعد الكونغرس الأميركي للموافقة على نقل السفارة الأميركية إلى القدس العربية، مشيراً إلى أن تلك المحاولة تتعارض كلية مع قرارات الشرعية الدولية وأن السلام والاحتلال متناقضان لا يلتقيان وتوضح تلك المحاولات الدور الخطر لـ اللوبي الصهيوني منذ زمن بعيد في دعم السياسات العدوانية ضد شعوبنا العربية بدءاً من اغتصاب فلسطين 1948 حتى تأمين مستلزمات الدعم العسكري والمالي والأمني في حروب إسرائيل ضد العرب.
ورغم أن العرب اختاروا السلام كاستراتيجية ثابتة لهم على أساس استرداد الأراضي العربية المحتلة بالكامل على قاعدة العدل والشمولية ومرجعية مدريد وقرارات الشرعية الدولية (242-338) و(425) في جنوب لبنان وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم وأراضيهم بقرار (194) إلا أن كل ذلك كان حبراً على ورق.

من هنا يمكننا الدخول في هذا الكتاب لنعطي رؤية عن دور مجموعات الضغط واللوبي الصهيوني ومدى تأثيرهما على السياسة الخارجية الأميركية ودعمهما للكيان الصهيوني ويعتبر الكتاب أساساً عن اللوبيات الصهيونية في العالم، لما يحتله الموضوع من أهمية باعتبار أن الحلف الاستعماري غير المقدس تشكل بين الدول الكبرى تحت النجمة الصهيونية منذ زمن بعيد، ولا يزال تشابك مصالحهما الاستراتيجية مؤثراً على مصير ومستقبل الأجيال والشعوب العربية، والدول الكبرى تحاول توفير الفرص والمناخات لجعل الدول والشعوب العربية تابعة وغير مهيئة للوحدة أو التطور أو مواجهة الكيان الصهيوني. سنجد في محتويات هذا الكتاب ما يمكن اعتباره كشف حقائق وأدوار مجموعات الضغط اليهودية واللوبي الصهيوني على الإدارات الأمريكية وفرنسا وروسيا ودول أخرى بهدف الشراكة الكاملة مع المشروع الصهيوني الاستعماري والاستيطاني في منطقتنا ومناطق أخرى من العالم.

قدمت في هذا الكتاب العديد من القضايا التي تكشف خفايا الدور الصهيوني العالمي ومنظماته المتعددة للوصول إلى أهداف خطط لها ثيودور هرتزل في كتابه "الدولة اليهودية" والحجج الواهية التي استند عليها وضغطه على السلطان عبد الحميد الثاني للاستيلاء على فلسطين، إضافة إلى أمور تاريخية جرى تحليلها ودراستها بشكل موضوعي محاولاً تسليط الأضواء على ما يهمنا من طبيعة اللوبي الصهيوني العالمي وتتبع مسارات عديدة لأدوار مثيرة لعبها نابليون بونابرت قبيل هرتزل، وفشل الحملة الفرنسية على بلاد الشام ودور كل من (الملك فاروق والملك عبد العزيز آل سعود) وحرصهما المشترك على استبعاد المؤامرة الدولية عن فلسطين وشعبها ودور (التروست الاستعماري اليهودي) في تحريك السياسة الخارجية الأمريكية تجاه بلادنا أو اتجاه إيران وباكستان والهند أو تجاه روديسيا والكونغو وجنوب أفريقيا.

إضافة إلى دور (لجنة البحث اليهودية العالمية) وتفاصيل دقيقة عن دورها العالمي سابقاً ولاحقاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، والتطرق إلى احتفالات "كيولاه" وماذا تعنيه تحركات يهود مصر أو يهود إيران وآسيا الوسطى وارتباط الحاخامية في الاسكندرية بالحركة الصهيونية ومخططاتها مع بريطانيا ودور اتفاقيات "كامب ديفيد" التي لعبتها لضرب منجزات العهد الناصري، لا شك أن الشعب المصري ضمن أمته العربية ودوره فيها له أبعاد وأدوار قومية غير سهلة، وفي هذا المجال أدخل لأعرّف القارئ العربي بالدور الكبير الذي مارسته الحركة الصهيونية الروسية أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ودور جادة "جيليني شيفسكي" اليهودية في تجميع العناصر المعادية لثورة أكتوبر منذ البداية والتحريض الذي قام به دينكين وجماعاته السرية، ودور كل من "دزيرجنسكي" رئيس المجلس الثوري العسكري و"موسى أورتيسكي"، إضافة إلى امتداد الأعمال السرية للحركة الصهيونية السيبيرية ودور (بيريا)[1] وزير الداخلية ومستشار ستالين وكشف عصابة "اليونكر" وعصابة لجنة الأطباء العليا في موسكو التي قتلت ستالين مسموماً؛ والسؤال لماذا قتل ستالين من قبل اليهود؟! ونعود إلى دراسة دور اللوبي الصهيوني في فرنسا، ومحاولات الضغط اليهودي-الصهيوني على غاندي للاعتراف بوعد بلفور، ثم نظرة على وضع التسوية قبيل انتخابات 1999، ومواضيع أزمة المياه كجزء من الحرب السرية، وأخيراً كشف بعض الحقائق عن التسليح النووي الإسرائيلي.

لقد تطلع اليهود والصهاينة إلى أدوار فعالة على المسرح الدولي بدعم بريطانيا والولايات المتحدة المطلق لتأمين الموارد الأولية ومناطق استثمار النفط، وطرق المواصلات الاستراتيجية، والسيطرة على الإنتاج الزراعي والصناعي منذ عام 1918، علق ولسون قائلاً: "أعتقد بأن الأمم الحليفة قد قررت وضع حجر الأساس لانبعاث الدولة اليهودية في فلسطين بتأييد تام من حكوماتنا وشعوبنا في الولايات المتحدة وبريطانيا"؟!
لنجد أن الجهد المبذول من أجل إخراج الكتاب في أبواب موثقة يهدف إلى إعطاء صورة شاملة عن حقيقة اللوبي الصهيوني العالمي الذي نشأ ولا يزال إلى يومنا هذا بين الحركة الصهيونية العالمية المتبلورة في أدائها ووظيفتها وبرامجها مع أداء وسلوكيات وأهداف الدول الكبرى التي سعت منذ اللحظات الأولى للمؤتمر الصهيوني الأول إلى إخراج السيناريو المطلوب والمتفق عليه لاستبعاد "المسألة اليهودية" عن أوروبا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ودور الصهيونية والماسونية العالمية والأثرياء اليهود بإشعال تلك الحروب، ورغم ضحايا رحى المعارك التي ذهب فيها الملايين من البشر (40 مليون) وبالأخص بين أعوام (1940-1945) يغالي اليهود المتعصبون والصهاينة في قضية (المحرقة النازية) فلم تكرس الدعاية الغربية إلا للقتلى اليهود (بينما لم يسلط الضوء على غيرهم) الذين ماتوا أو قتلوا نتيجة البرد والأمراض والجوع في السجون والمعتقلات النازية كغيرهم من السجناء الكاثوليك أو الأرثوذكس أو اليساريين أو الاشتراكيين أو الماركسيين أو الليبراليين؟!.

ولعل اتهام ألمانيا بالمحرقة النازية وابتزازها طيلة السنوات الماضية دفع المؤرخ ديفيد أرفينغ لرفع دعوى قضائية في محاكم بريطانيا ضد الكاتبة اليهودية المتعصبة (دبورة لبشتات) وتأييد أثرياء اليهود لها مع أهودا باراك الذي اعتبر ربحها للقضية انتصاراً للعالم الحر، بينما أكد أرفينغ بأن المحرقة خدعة صهيونية لاستجرار عطف الدول الغربية الكبرى لتأييد تهجير اليهود إلى فلسطين ودعم الحركة الصهيونية وخفايا العلاقة التي تربط الجستابو فرع (11/112) مع المنظمات الصهيونية (أرغون- وهاشومير وهاتسعير- وشتيرن) ومع غولدا مائير أو مع شركة هآفارا لها دلالات هامة[2].

لقد لعبت الدول الكبرى بحلفها المقدس مع الحركة الصهيونية العالمية أدوار خطيرة لاستبعاد "المسألة اليهودية" عن أوروبا باتجاه المنطقة العربية والإسلامية كي تبقى تلك المناطق ملحقة بالمصالح الاستعمارية كعامل جوهري للتوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، فما العمل لإيجاد الوسائل والطرق لاستعادة حقوقنا القومية المشروعة وإعادة بناء دولة فلسطين الديمقراطية؟ لعل تأنيب الضمير الذي أعلن عنه شلومو بن عامي وزير الخارجية الإسرائيلي (السابق) وعلق عليه السيد هنري سيغمان المسؤول في المجلس اليهودي الأمريكي تعبر عما أحدثته انتفاضة الأقصى ودماء شبابها (جرحى وشهداء) من هزة عنيفة في نفوس البعض، ودعوة سيغمان للإسرائيليين الساسة والقيادة لاتخاذ أفكار شلومو بن عامي كبداية للاعتراف بالحق الفلسطيني كشعب وكمشكلة وطنية كبرى تتحمل إسرائيل و"الصهيونية العالمية" مسؤوليتها، وإعادة الحق المغتصب إلى أصحابه الشرعيين ربما يخفف المعاناة والجهود باتجاه وقائع جديدة تجد الحلول طريقها نحو الاعتراف (بمسألة فلسطين) من قبل حكام بريطانيا والولايات المتحدة. إذاً كم من الشجاعة وتأنيب الضمير يلزم لغزاة لا يفهمون. لقد كانت رؤية "ريتشارد مورفي" مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق وكبير الباحثين في مجلس العلاقات الخارجية في صحيفة "المستقبل" اللبنانية (18/10/2000م ص 14) متناقضة وهشة إلى حدود بعيدة جداً فهو في الوقت نفسه الذي يؤكد فيه على: "أن الولايات المتحدة ما زالت تدعم بكرم وسخاء جهود (إسرائيل) للتوصل إلى الأمن القومي وأنها القوة المتفوقة في المنطقة، إلا أنها لا تزال تشعر بأنها مهددة"؟!

لنلاحظ كم هي متناقضة تعبيرات مورفي، فهو يؤكد بأن "إسرائيل" ((قوة متفوقة)) وفي الوقت نفسه ((مهددة)) إن القوى المتفوقة هي التي تهدد دول وشعوب المنطقة، لا بل وتمارس سياسة الإبادة والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، والمضحك في آرائه تلك ما يظهر بأن ((الأميركيين والإسرائيليين والفلسطينيين)) ((يتعرضون إلى أعمال العنف)) كيف يمكن تفسير هذه الرؤيا السخيفة لكبير الباحثين، إذ من أين تتأتى أعمال العنف على الأطراف الثلاثة المذكورة هذا من جهة ومن جهة أخرى كيف يمكنه تغطية أعمال حكام "إسرائيل" الإرهابية والدموية بإيقاف ((نزف الدماء كأولوية)) بقصد طمس حقيقة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع خلال انتفاضة الأقصى إذ هنالك أكثر من 30 ألف جريح ومشوه وأصحاب عاهات دائمة بفعل ممارسات جيش الاحتلال الوحشية المقصودة إضافة إلى أكثر من (6) آلاف شهيد؟! أين هي اتفاقيات جنيف والقانون الدولي؟! إن الذي يتخبط في عملية السلام الآن هي الولايات المتحدة وسياستها الخارجية الفاشلة لا بل وسياسة حكام "إسرائيل" الفاشية، والفارق هنا أن السياسيين في الإدارات الأمريكية كالغزاة الصهاينة لا يفهمون، إلا إعطاء التوجيهات والنصائح للرضوخ للصهاينة الغزاة من قبل سماسرة الأوطان والشعوب.

محمد علي سرحان
دمشق 10/10/2001


***

الباب الأول
الصهيونية العالمية من بنيامين فرانكلين ((إلى نابليون بونابرت ووعد بلفور))


1 تحذيرات بنيامين فرانكلين:

حذر مؤسس الولايات المتحدة بنيامين فرانكلين في خطابه أمام المجلس التأسيسي الأمريكي عام 1789م أي بعد إعلان الدستور الأمريكي في عام 1787م، مخاطباً السادة النبلاء في ذلك الوقت: "لا تظنوا أن أمريكا نجحت في الابتعاد عن الأخطار بمجرد أن نالت استقلالها، فهي ما دامت مهددة بخطر جسيم لا يقل خطورة عن الاستعمار نفسه، وسيأتي ذلك الخطر من تكاثر اليهود وسوف يصيبنا ما أصاب البلاد الأوروبية التي تساهلت مع اليهود الذين سعوا للقضاء على تقاليد أهلها ومعتقداتهم وفتكوا بحالتهم المعنوية وشبابها لأنهم أشاعوا الرموز والأفكار الخاصة بالماسونية الإباحية واللاأخلاقية التي كرسوها بين النخب الحاكمة ثم أفقدوهم الجرأة على العمل وجعلوهم ينحون باتجاه الكسل والتقاعس والفوضى"، بما حاكوه من فتن وحيل لمنافسيهم بالسيطرة على المؤسسات الاقتصادية والأمنية والمالية[3]، فأذلوا أهلها وأخضعوهم لمشيئتهم وقدرات خفية أساؤوا فيها للإنسانية والتقدم البشري ورفضوا الاختلاط بالشعوب التي يعايشونها، بعد أن كتموا أنفاسها ولاحقوا خيرة أبنائها وأمسكوا بزمام حياتها ومستقبلها.

***

2 المذابح الأوربية ضد اليهود (1384-1350)
يمكننا الرجوع قليلاً للتاريخ الوسيط في أوروبا لمعرفة المذابح الأوروبية المرتكبة ضد اليهود بين أعوام 1348م-1350م حيث أدت الفتن المشبعة بالحقد الأعمى إلى نتائج رهيبة ضد يهود أوروبا وبالأخص في ستراسبورغ بالنمسا فبسبب من دور المرابين اليهود والتجار وأصحاب المصارف فيها دعت الجمعيات العمالية والحرفية إلى قتل اليهود وإفنائهم لأنهم يحتكرون المال والسلع والاستثمار، ولكن ممثلي الطبقات الغنية في مجلس المدينة المذكورة رفضوا الحملة ضدهم لأن اليهود وممثلي مجلس المدينة جنوا الأرباح الخيالية من الربا والتجارة اليهودية، أما الكنيسة والأمراء والفرسان أيدوا الحملة ضدهم التي قادتها الجمعيات الحرفية للتخلص من ديون الربا واحتكار الأسواق والمصارف، فشبت الحرائق في أملاك اليهود بل وأحرق البعض منهم أحياء في أنحاء الزاس وستراسبورغ ضمن الساحات العامة وفي عام 1348م وبعد أن ذبحت بورجوازية المدينة جميع اليهود في المدينة المسماة "نيدلينفن" استولوا على جميع أملاكهم وطردوهم منها، وتحرر هؤلاء من ديون اليهود المفروضة عليهم، ورغم أن إدارة مجلس المدينة المذكورة قاومت تلك الأعمال إلا أنها رضخت لأنشطة الطبقة الجديدة ويقول سيسيل روث: "عهود اليهود المظلمة بدأت من عصر النهضة الأوروبية، ولهذا نؤكد أن عصر النهضة بدأ من نقطة الفتك باليهود أنفسهم وملاحقتهم"[4].

وانقسم اليهود إلى قسمين:
قسم أول: فرض عليه الاندماج في المجتمعات الأوروبية إلى الحد بتغيير ديانته اليهودية إلى المسيحية كما حصل في روسيا، واسبانيا، والبرازيل، وكما حصل مع (يهود الدونما) في الامبراطورية العثمانية والدخول في معترك المنافسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القادرة بالهيمنة على مواقع القرار أساساً في الحرب الخفية.
قسم ثان: غادر أسوار "الغيتو" في أوروبا الشرقية وانخرط بالأفكار والعمليات الثورية والراديكالية إلا أنه دعا إلى الهجرة اليهودية على أساس الاعتراف بالدولة اليهودية التي دعا إليها هرتزل حيث قدم تفسيرات جديدة لمسار المسألة اليهودية تختلف عن تفسيرات الاتجاه الديني المتعصب الذي لم يرض بأي شكل تسويغ مفهوم الدولة بالعلمانية لأن الوعد الرباني لم يكتمل بعد، وهم (الحريديم)، أي من (الخلوتصيم)[5].

هذا ما يفسر التناقض بين الاتجاه الديني المتعصب كأحزاب:
(ناطوري كارتا)، و(حركة شاس) فالأولى لا تعادي العرب بشكل فج بل تقف ضد المشاريع الصهيونية برمتها وضد الاستيطان بينما الثانية تعادي العرب بشكل خطير وتؤيد الاستيطان بكل أشكاله هذا التشتت الواسع في الحركة اليهودية الدينية والحركة الصهيونية العلمانية له خلفياته الدينية والروحية والسياسية والاستعمارية فحتى أقرب حلفاء اليهود في أوروبا رفضوا مشاركتهم في برلماناتهم. فهذا اللورد شافتسبري الذي لا يمثل أياً من الاتجاهين بل يمثل الاحتكارات الكبرى، دعا اليهود إلى الهروب من القتل والمحارق والمذابح التي أعدها الأوروبيون لهم، أي باختصار الهروب من جحيم أوروبا إلى مكان آمن يقيمون عليه دولة يهودية خاصة بهم[6].

لقد عارض شافتسبري اليهودي الاحتكاري صاحب رؤوس الأموال الضخمة مع أبناء آل روتشيلد وشركاتهم الواسعة إلى عدم دمج اليهود في المجتمع الأوروبي أو البريطاني والدعوة إلى التحرر المدني، فهؤلاء اليهود القادمون من روسيا وآسيا الوسطى وبولونيا وهنغاريا لا يستحقون العيش في أوروبا لأنهم أصحاب فتن ومشاكل تجعل أوربا المتحضرة بؤرة فساد لهم بكل ما يحمله الفساد من معنى، لقد ركز أدموند روتشيلد واللورد شافتسبري لتهجيرهم بالقوة إلى "أرض الميعاد" على أساس ما ورد في التوراة أو ما ورد في كتاب هرتزل وبهذه الصورة شكلت الزعامة اليهودية وزعيم الصهيونية العالمية هرتزل رؤية مشتركة، رغم أن التناقض لم يكن له أن يظهر على السطح مطلقاً بل كان هنالك تفاهم كرسه فيما بعد بن غوريون وغولدا مائير وييغال آلون بتوحيد الهاغاناه والمنظمات الصهيونية في ما يسمى بـ"جيش الدفاع الإسرائيلي" بعد عام 1950م[7].

أما مع بداية عام 1920م بدأ بشكل واضح في تاريخ منطقتنا العربية انتقال أنشطة الصهيونية إلى مرحلة متصاعدة من أعمال العنف والإرهاب وحملت عقيدة إجرامية متمثلة بالهجوم والاقتحام التي أعدت بشكل مدروس ومخطط له سلفاً بسفك الدماء والتدمير وتنشيط عمل الأيدي الخفية المتمثلة بمنظمات (الهاغاناه)م. الدفاع القومي ونادي النبي موسى وحزب جابوتنسكي وبيغن وأرغون وشتيرن واتسل وليحي وفي عام الدماء الأول قتل (يوسف ترامبدور) صديق جابوتنسكي بعد اشتباكات مع العرب.
وعملت بريطانيا على تأسيس (المؤسسة العسكرية) بعيد انتدابها في فلسطين وعين (ب. شالوم شطريت) مديراً عاماً لشرطة طبريا وشمال فلسطين ثم مديراً لشرطة تل أبيب ثم وزيراً للشرطة "الإسرائيلية" بمساعدة بريطانيا عام 1933م، وسعت بريطانيا بشكل مستمر متعاونة بين استخباراتها والمنظمات الصهيونية إلى تهجير اليهود.
وأقيمت عام 1938م (سرايا الليل الخاصة) بمباركة القوات البريطانية ومساندتها وتم تنفيذ المجازر والمذابح بحق الشعب الفلسطيني حينذاك بموافقة بريطانيا وتتحمل المسؤولية كاملة عنها حتى الآن[8].

3 محاولات تكوين الشعب خارج أرض فلسطين
عند مراجعة وثائق فلسطين وكتاب "الدولة اليهودية" لهرتزل يلاحظ الباحث والمحلل أن مشروع هرتزل اتسم بمغالطات تاريخية وسياسية كبيرة جداً. إضافة إلى كونه مالأ واستجر عطف الدول الأوروبية والسلطان العثماني للوصول إلى أهدافه التوراتية بالمال والضغوط السياسية لشراء وطن ليهود العالم، هؤلاء اليهود منذ آلاف السنين لم يجمعهم جامع ولا سوق مشتركة ولا إنتاج مشترك وإن تشابهت أعمال المرابين الجشعين منهم، ولم يكن لديهم وطن أو أرض توحدهم في إطار ما أسماه هرتزل "شعب يهودي" أو "أمة يهودية" فالأمة الألمانية والأمة الفرنسية مشكلتان منذ آلاف السنين وتتمتع كل منهما بميزات حقيقية، أما ادعاء هرتزل فذلك نابع من "الحلم التوراتي الديني" الممزوج بحلم صهيوني وأحباء صهيون في التخلص من الاضطهاد والفقر الذي تعرضوا له في أوروبا في القرون الوسطى[9].

ولعل تبنيه لإقامة دولة يهودية تجمع يهود الشتات، بضمان عامل جوهري (التهجير) إذ كيف يمكن للتهجير أن يؤسس لدولة تحمل ميزات الشعب، أو الأمة، وهو يؤكد بأن ما جاء في كتابه من العقائديات وكان كتابه مجرد فكرة متواضعة لم يدر كيف ستستقبله الطائفة اليهودية وأكبر برهان على ذلك أنه اقترح إقامة كيان لليهود في الأرجنتين[10].
وهو يحاول رشوة السلطان عبد الحميد الثاني كي يأذن له بمسألة اعترافه بحقوق "الشعب اليهودي" في الإجراءات التي اقترحها فإن تقدمات اليهود ستصبح ضريبة سنوية تدفع إلى صاحب الجلالة السلطان(*) وسيبدأ بضريبة مائة ألف جنيه مثلاً تزداد حسب رأي هرتزل سنوياً.

بهذا الشكل تمكنت الدول الأوروبية ومصالح أغنياء اليهود من التخطيط جيداً للتخلص من المشكلة اليهودية بدعم انبثاق الهوية اليهودية الجديدة التي وفرت لها الظروف من خلال اضطهاد اليهود في أوروبا، أما اسحق دوتيشر فأراد من اليهود أن يتعرفوا على يهوديتهم في أرض اللبن والعسل لمجرد أن يهاجروا إلى الدولة اليهودية بعد عام 1948م، إذ لا بد لهم أن يعرفوا ذلك في مطار بن غوريون حيث سيساعدهم موظفو الهجرة والاستيعاب بمعرفة يهوديتهم في أرض الدولة، فهم إذا قبل مجيئهم إلى الدولة ليسوا يهوداً (صهاينة) بل يهوديتهم مزعومة ليس إلا، والهجرة والتهجير هي بالنسبة للدولة مضاعفة عدد السكان مرات ومرات عبر الحبل السري (التهجير) وليس عبر تكوين الشعب والأمة تكويناً طبيعياً، وقانون العودة الإسرائيلي الذي صدر عام 1950م خطط له منذ زمن بعيد جداً من أيام بونابرت حتى هرتزل تضمن بأنه يحق لكل يهودي أن يهاجر فوراً إلى الدولة ضمن إجراءات إدارية وقانونية وأسطورية، حسب (الهالاغاه) وأرض الميعاد[11]، عبرت أفواج المهاجرين اليهود وتدفقها عن اعتبارات خاصة فهم يأتون بمهاجرين جدد إلى فلسطين تحت تأثير الدعاية الصهيونية، والإسرائيلية لإعادة مزجهم في مجتمع هو ليس مجتمعهم، وفي وطن هو ليس وطنهم، تختلف فيه التركيبة الديمغرافية السكانية عما كانوا عليه في روسيا أو الولايات المتحدة أو في أي مجتمع سكاني آخر، فتتحول المستوطنات إلى جزر ومعسكرات مسلحة لها تركيبة كيانية سياسية واجتماعية وعقائدية شبيه تماماً (بالغيتو) اليهودي سابقاً وهي لا تستطيع الانسجام مع الوسط العربي بل تضع العراقيل أمامه وتحاول الاعتداء عليه ونسف جذوره التاريخية في إطار دائم من حالة العنصرية والإرهاب المنظم والطوارئ ضمن إطار من الصراع المفتوح: السياسي والديني والاجتماعي وحتى الصراع العسكري.

وظهر ذلك جلياً في انتفاضات الشعب الفلسطيني المتكررة وبالأخص أعوام 1987م و2000م في انتفاضتين متواليتين ظهر فيهما الاحتلال الصهيوني العنصري مشجعاً لأعمال المستوطنين الإجرامية ضد القرى والمدن الفلسطينية، عوضاً عن الصراع السياسي والعقائدي الداخلي وطيبعة الانتماءات الدينية والحزبية والفارق بين العلمانية والدينية في معالجة أمور الحياة المختلفة.
ويعتبر المجتمع الإسرائيلي مختبراً بشرياً غريباً في تركيبته فتتوزع اللوحة على:
-40% أوربيون وأميركيون من يهود (الأشكنازيم) و(الخلوتصيم).
-20% أفارقة (يهود سود).
-17% من اليهود العرب (والسفارديم) و(الحريديم).
-20% من الشعب الفلسطيني.

ويلاحظ ازدياد اليهود الخلوتصيم الروس والشرقيين والاشكنازيم بسبب من التواتر الطائفي والطبقي والإيديولوجي بلوحة الفسيفسائية ذات الطابع العرقي والديني، وهنالك صراع حقيقي بين اليهود الأرثوذكس واليهود المحافظين واليهود العلمانيين الذين يمثلون الأغلبية في الولايات المتحدة وإسرائيل والصراع المفتوح بين (الحسيدية) و(النصية) اعتبر المفكر اليهودي البولوني "اسحق دويتشر" أن اليهود بسبب من البيئة المحيطة المعادية لهم استمروا كونهم يهود وبوصفهم يملكون ميزات يهوديتهم أما الذين ذابوا في المجتمعات فقد منحتهم الحياة التجدد والوقوف بوجه إسرائيل على اعتبارها تمثل غيتو يهودي كبير انتقلت باليهود من الغيتو الصغير إلى الغيتو الأكبر[12].

كثيرة هي أساطير اليهود وخرافاتهم التي تتجلى في الانقسام الداخلي حول تفسيرات توراتية بين تفسير خيالي وتفسير ماساداوي[13] توراتي مستند على أحداث خيالية تحض على طقوس بدائية حباً بالقتل والإجرام، والانتقاص من جميع بني البشر، وذلك ما نجده في العصر الإسلامي، ودور اليهود فيه حتى نهاية العهد العثماني وموقف السلطان عبد الحميد ضدهم، وعدم تخليه عن شبر من أرض فلسطين.
ظهرت بينهم أيضاً حركات مريبة في ظل الإسلام لعل أشهرها حركة الداعية اليهودي "أبو عيسى الأصفهاني" الذي عاش في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي دعا أبناء طائفته إلى التجمع في كيان له صفة سياسية وعقائدية به، وبعد وفاته جاء بعده (الراعي) أو (الداعي) يودجان وتنسب إليه طائفة يهودية تدعى (اليودجانية) كذلك ظهر في سوريا أيام الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز يهودي (سيرنوس) ادعى أنه المسيح ودعا إلى مجتمع فوضوي ملتزماً بالحرية المطلقة وإلغاء سلطة الخليفة وتعطيل الشرائع السماوية وإباحة النساء دون زواج.

كما قام كردستان يهوذا (داوود الرائي) المولود في مدينة آمد بكردستان 1163م باستخدام علوم السحر والشعوذة وعلوم الدين اليهودي ومارس عمله بإتقان وادعى أنه المسيح المنتظر ودعا لاحتلال فلسطين وإعلان دولة إسرائيلية وأشاع الفوضى في المجتمع الإسلامي، وظهر في المدينة المنورة (خيبر) داوود الرأوبيني 1490م مدعياً بأنه الوريث الشرعي للعرش اليهودي في خيبر التي احتلها الرسول الأكرم وتعاون مع بابا روما وملوك أوروبا ومدوه بالسلاح والأموال لطرد المسلمين من (خيبر) وقابل كليمنت السابع في الفاتيكان 1524م واستقبلوه باحتفال ضخم رسمياً وبحضرة ملك البرتغال، رغم أن اليهود حينها دخلوا في المسيحية في اسبانيا والبرتغال، أما ديجو بيريز (سالمون مولخو) فقد قام المسيحيون بحرقه لأنه ارتد عن المسيحية إلى اليهودية بتهمة الكفر وألقي القبض على داوود الرأوبيني الذي اتهم بالسحر والشعوذة والكذب فسقط بين أيدي الإسبان وسجن ثم قتل مسموماً[14].
إضافة إلى ذلك كله فشلت محاولات الدعوة إلى إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، قبيل هرتزل لم يتمكن هؤلاء اليهود المشعوذون القيام بأية حركة تذكر من أجل ذلك، حتى أن الأسر اليهودية بعد محاكم التفتيش في إسبانيا هربت إلى أمستردام، وفرانكفورت ولندن أي إلى غرب أوروبا حتى شرقها أو إلى الولايات الأوروبية الداخلية، إيطاليا وشمال أفريقيا وإيران والعراق.

وقصص عائلة يوسف النسيء دليل على محاولات تجميع أنفسهم لتشكيل مجموعات ضغط. وعلاقة يوسف مع (موشيه هامون) طبيب السلطان العثماني بالقسطنطينية تمثل حالة التشرد والضياع والبحث عن الذات ووالد موشيه هامون (يوسف هامون) من الهاربين من محاكم التفتيش الإسبانية عام 1492م، فكان موشيه ووالده مقربين من السلاطين بايزيد الثاني وسليم الأول وحصلا على حظوة كبيرة في حضرتهما، وتمكن موشيه من أن يكون له نفوذ واسع في أوساط الامبراطورية، أما خالة يوسف النسيء (غراسيا) من أغنياء لشبونة والبندقية، فقد صار مع خالته من أكبر أغنياء وتجار الشرق الإسلامي وأطلق على المعبد اليهودي في استانبول (معبد غراسيا منديس) وتزوج يوسف بـ(ريتا ابنة خالته) وخططا فيما بعد للسيطرة على السلطان سليمان الثاني وحكمه وبمساعدة موشيه هامون، قبل ظهور هرتزل بـ ثلاثة قرون لاحتلال أجزاء من فلسطين في سبيل الوصول إلى أحلام توراتية بائدة.
طالب يوسف النسيء من السلطان تقديم إقليم (طبريا) ليكون ملجأ يهودياً- قومياً لليهود من تعسف وظلم الإسبان وأعطاه أيضاً أرخبيل جزيرة نيكسوس في اليونان حتى سمى نفسه حاكماً ودوقاً لطبريا ومتصرفاً ببحر إيجه[15].

في نفس تلك الفترة تقريباً (1648م-1658م) عند التمرد القوزاقي الذي قاده بوغدان شميلي نزاكي ضد بولونيا ويهودها المقيمين في أملاك النبلاء الكاثوليك في بولونيا، تجذرت محاولات عديدة من الشعوب وقياداتها لطرد اليهود واقتلاعهم وقتلهم لما أدوه من أدوار خطيرة عبر الدسائس والمؤامرات، واحتكار التجارة[16].
هنالك العديد من المواضيع والتواريخ التي يمكن كشفها في سلسلة الأحداث التاريخية التي ترصد الغيتو اليهودي أو دور زعامات يهودية حاولت الدعوة لتشكيل تجمعات، أو وطن ما في أماكن متعددة، وتوجهاتهالجعل فلسطين توراتية قبل هرتزل بمئات السنين، حتى إن أفكار هرتزل الأولية عما يسمى (الدولة اليهودية) كانت مجرد أفكار متواضعة فحسب وهي دعوات مأخوذة عن ارتباط مصالح البارونات في المستعمرات البريطانية مع مصالح الشركات اليهودية وبخاصة شركات آل روتشيلد، وبالأخص بعد ظهور النفط واكتشافاته في عام 1917م- وعام 1936م حيث كرست المصالح المشتركة للهيمنة على منابع النفط وتطوير مواقفها الاستراتيجية فيما بعد وكانت "إسرائيل" ولا تزال ركيزة متقدمة لتلك المصالح.

إلا أن المؤرخ اليهودي يسرائيل شاحاك، كعالم اجتماع في المجتمع الإسرائيلي اليوم، حاول التأريخ للمسألة اليهودية بشكل مثير فعلاً، فاعتبر اتساع حركة التنوير والتحر اليهوديين، من ظلم المحاكم الحاخامية التي لا تقبل إلا بشهادات اليهود ولا تقبل بأي شكل كان شهادات غير اليهود أضف إلى أنه أكد بأن النساء اليهوديات ممنوعات من الشهادة أمام تلك المحاكم وأن المجتمع اليهودي يعتبر المرأة غير اليهودية (عاهرة) واعتبر انتهاك حرمة يوم السبت من قبل أي طبيب وما شابه لإنقاذ حياة أي شخص يهودي مسألة إنسانية ودينية أما إنقاذ غير اليهودي، فذلك معادٍ للدين اليهودي و(الهالاغاة).
كذلك فإن بيع الأراضي لغير اليهود في دولة "إسرائيل" ممنوع قطعاً ويعتبر خارجاً عن الشريعة اليهودية.

اليهود لم يكونوا منذ زمن بعيد جداً ضحايا للحقد غير العقلاني ومعاداة السامية بل احتلوا مراكز اجتماعية، فبعد تشردهم الثاني تحولوا إلى طبقة وسطى ورجال نبلاء وأمراء وحاكمين بين الفلاحين والأقنان، فإن الكثير من الثورات والتمردات والانتفاضات التي قام بها فلاحو أوروبا الشرقية (بولونيا) إنما كان ضد مضطهديهم المباشرين أي التجار وأصحاب الأموال والمصارف من اليهود.
أما التعاون الذي قام في إسبانيا في العصر الذهبي للإسلام بين (اليهود والإسلام). فقد ازدهر بشكل واسع بعد انهيار الخلافة الأموية ونشوء الممالك والمدن البربرية الصغيرة مثل مدينة (غرناطة) حيث كانت فئات التجار والضباط يحكمون السكان العرب المحليين.
لكن القائد صلاح الدين الأيوبي عين طبيبه الخاص يهودياً وهو المؤرخ والطبيب ابن ميمون (حاكماً ومتصرفاً بالمجتمع اليهودي) وفرض على مجتمعه قوانين دينية- يهودية صارمة وحظي (الغيتو) بحكم ذاتي مستقل، وهذا الحكم كان يخدم النخب الحاكمة اقتصادياً ومالياً داخلياً وخارجياً، رغم أن للغيتو حياته الخاصة الدينية والقانونية والاجتماعية في مدن عربية أوجدت تشريعات الأحوال الشخصية خاصة بزواج وحياة اليهود فيها، دون وجود لأية ظاهرة اضطهاد ضدهم.
لقد تأثر شاحاك بالعلماء والفلاسفة اليهود أمثال سبينوزا ضمن التصورات العلمانية التي كان يقودها مع الشعراء والأطباء والفلاسفة حيث شهد هؤلاء معاناة واسعة من الاضطهاد الأوروبي عبر التاريخ وليس من الاضطهاد الإسلامي أو العربي.

لقد اعتبر شاحاك بأن معظم مواقف اليهود كانت نابعة من (العجز والقلق) لا من الكراهية والحقد، وأن (الهالاغاة) اعتبرت شريعة يهودية داخلية ضمن المجتمع اليهودي (الغيتو) وموجهة أساساً إلى اليهود أكثر مما كانت موجهة إلى الأغيار (غير اليهود) بما فيها اضطهاد النساء اليهوديات وحسب (باروخ كيمر لينغ) فإن شاحاك لعب لعبة خطيرة في كتابه (التاريخ اليهودي- والديانة اليهودية) إلا وهي لعبة عتاة الرجعيين حينما تطرق لتأريخ المسألة اليهودية من خلال المؤسسة اليهودية واستند على تعريف (الغوييم) من دائرة المعارف اليهودية "التلمودية" و"العبرانية" فهو قد واجه مشكلة أساسية تتمثل بشخصيته ودوره في التأريخ لليهود من خلال (التزامه بالحركة الصهيونية العالمية) التي تسببت بطرد الشعب الفلسطيني من أرض وطنه ودياره، ذلك الشعب الذي لا يعتبر مسؤولاً عن المحرقة النازية المزعومة وهو لا يستحق ذلك الاضطهاد الأميركي والأوروبي واليهودي المفروض عليه حتى الآن[17].

الخطورة تكمن هنا برؤية شاحاك أنه اعتبر اليهودية ديناً متجانساً وليس بوصفها نظاماً اجتماعياً دينياً مغلقاً ومعقداً غير متجانس ونظام استيطاني إرهابي ويستخدم "الديا سبورا" لبناء دولته بالتآمر مع الدول الاستعمارية الكبرى والأيدي الخفية أما أفكار يسرائيل شاحاك التي اعتمد فيها على أسس نظرية هلامية لم تكشف فعلاً حقيقة الدور الخفي للصهيونية العالمية حيث كرست التصورات التآمرية بأجلى صورها في (البروتوكولات) لأن شاحاك اعتبر أن تطور المسألة اليهودية جاء في إطار تاريخي طبيعي للمسألة اليهودية- وما تبعها، لكن دور الحركة الصهيونية العالمية لم تنشأ في سياق التاريخ بل هي حركة معادية لتاريخ منطقتنا العربية ومحطمة لآمال ومصير الشعب الفلسطيني لأن تاريخ الحركة اليهودية- والصهيونية هو جزء من تاريخ أوروبا نفسها وبخاصة (المسألة اليهودية) التي تحدث عنها كارل مارك وانتقدها جيداً وهي أساساً غير تاريخ الشعوب العربية والإسلامية ولم يكن منهجه منهجاً سليماً بل عقيماً[18].

لذا أكد هرتزل وغيره أن الصهيونية يمكن أن تكون حلاً جزئياً جداً للمسألة اليهودية لأن جزءاً صغيراً من يهود أوروبا يريدون الهجرة إلى "أرض الميعاد" أينما كانت تلك الأرض في الأرجنتين، أو الكونغو، أو قبرص، أو فلسطين.
إلا أن بن غوريون دعا إلى تهجير يهود الشتات كلهم إلى أرض الكيان الصهيوني- الجديد في فلسطين متوجها برغبات بريطانيا الاستعمارية ومدعوماً منها.
إن حقيقة "الدياسبورا" في فكر وممارسات القيادات الصهيونية كانت متناقضة، وبخاصة أن اليهود الأغنياء في أوروبا الشرقية أو في بقية أنحاء العالم لا يريدون الهجرة إلى تلك الدولة، بل فقراء ومضطهدو اليهود هم الذين وجب تهجيرهم. وهذا ما رمى إليه سمولنسكن: (نحن مدعوون ألا نحاول الذهاب إلى الأرض المقدسة دفعة واحدة بل يرغب الرب أن تكون الهجرة على دفعات).

وأكد بنسكر: (إن الفائض من اليهود غير القابلين للاندماج في وطن آمن لا تنتهك حرمته).
لا ريب أن دعوة الحركة الصهيونية لبناء المستعمرات لم ينتج بنفسه نمطاً يوافق طبيعة وأخلاق وعنصرية ذلك العقل اليهودي وشخصيته إلا بكونه مشروعاً استعمارياً وعلى أن تكون الدولة اليهودية استيطانية وذات خصوصية فريدة، ركز عليها هرتزل كدولة روحية وثقافية لليهود فقط، هي بالتالي دعوات عنصرية خالصة معادية لشعبنا الفلسطيني والشعوب العربية والأمم الأخرى[19].
4 الحلف غير المقدس تحت النجمة الصهيونية
عند القيام بالبحث عن الدور الذي لعبته الدول الرأسمالية الكبرى للتخلص من المشكلة اليهودية في أوروبا يلاحظ بأنها خططت عن سابق إصرار وعبر كل أشكال الخداع والتضليل تارة وعبر التآمر المباشر والصريح الفعال تارة أخرى، حرصاً منها على تفكيك (الغيتو اليهودي) فيها لأنه شكل بؤر توتر ومشاكل لها أو عبر ترحيلهم وتهجيرهم أكان ضمن الدول والمدن الأوروبية للاندماج بالنهضة الصناعية وتبني آراء ثورية أو ليبرالية أو تبني آراء بورجوازية وإقطاعية رجعية أساسها ديني متعصب فمن المذابح التي تعرضوا لها في أوغسبورغ إلى مذابح نيدلينفن سنجد أن الأوروبيين لم يتحملوا وطأة الاضطهاد الطبقي والاقتصادي المفروض عليهم من المرابين اليهود وأصحاب المصارف مما أدى إلى الثورة عليهم.

وإذا كان (سيسيل روث) يؤكد أن عهود اليهود المظلمة قد بدأت بعصر النهضة الصناعية والتجارية الأوروبية فهي جاءت لتدلل على الدور الرجعي للمرابي اليهودي من جهة وللغيتو اليهودي من جهة أخرى مما حدا بالأوروبيين- وبالأخص فئة الأمراء البروجوازيين المتعصبين مسيحياً[20] إسدال الستار على المنافس اليهودي لأنه استغلالي وجشع ومتوحش إلى درجة أن الجمعيات الحرفية والمدن تعرضت للجوع والإفلاس جراء ذلك الدور اليهودي وحديث اللورد شافتسبري له مدلولاته أيضاً في أعوام (1801-1885).
أضف إلى أن حملة نابليون بونابرت على مصر وبلاد الشام حملت الفتنة قبل أن تبدأ، فعلاقته مع حاخامات فرنسا الذين اجتمع بهم قبل حملته لعبت الدور الأهم في حملته (فالورقة الإسلامية) و(الورقة اليهودية) المطبوعتان في باريس، وعن طريق حاخامات فرنسا لعبت الدور الخطير في الأحداث السياسية حينذاك بعد أن اقتنع الشعب المصري وقيادته بأن الورقة الإسلامية لا لبس ولا غموض فيها، وهم يرحبون بقائد كبير مثل نابليون لأنه (قرأ القرآن الكريم وحفظ بعضاً من آياته) ويحترم المسلمين والإسلام، ولم يدرك هؤلاء أنه يدس السموم في العسل.

لقد أكد نابليون أنه على اليهود الاعتماد على فرنسا لكي تخلصهم من نير العبودية في أوروبا وجور الاضطهاد المسيحي المتعصب باعتبار أن لفرنسا كما لروما أرثاً يهودياً ستدافعان عنه، وإلا ماذا نفسر التسلسل التاريخي للأحداث بنظر الأوروبيين فقبل استصدار وعد بلفور البريطاني (2) تشرين الثاني 1917 أصدر المسؤول الفرنسي في خارجيتها وعد كامبو في شهر أيار عام 1917، كل ذلك يدل على التأثير اليهودي والصهيوني الخطير جداً على الأوروبيين.
إذاً لم تكن البعثات التبشيرية بعثات حضارية كما يدَّعي الغرب بل بعثات استطلاعية للحملات الاستعمارية ولم تكن بالأساس إلا لبناء (دولة توراتية) تمثل العنصرية الاستيطانية بأجل صورها والتعاون وثيق الصلة بين المصالح الاستعمارية وبين اليود والأوروبيين لتوجيه الأنظار إلى أعداء وهميين تحولوا فيما بعد إلى أعداء حقيقيين.
وكسبت الصهيونية معركة من معاركها منذ البداية لكن لن تكسب الحرب كلها ولو لبعد حين وظهر جلياً كم كانت الصهيونية ولا تزال وكيلة استعمارية مدللة لأوروبا وفيما بعد للولايات المتحدة فهي تحرك مصالحها وتمثل القمة الإدارية والسياسية المهيمنة على مواقع قراراتها وتحركاتها لأنها كما قال بنيامين فرانكلين أصبحت عبدة تحت النجمة الصهيونية.

أولاً: دور نابليون بونابرت- لدعم الحلم التوراتي:
اعتبر نابليون من القادة العسكريين القلائل في العالم الذي استخدم مهاراته المتعددة لغزو دول المنطقة وبالأخص مصر بما تحمله من تاريخ وحضارة وموقع استراتيجي هام، ورغم ما قيل عن حملة نابليون من إيجابيات وسلبيات، إلا أنها استطاعت أن تشكل بالنسبة لفرنسا البعد الاستراتيجي لدعم وجودها في مختلف المناطق العربية.
إلا أن انكسارها في روسيا وانتقال العديد من اليهود للعيش في المدن الروسية بعد أن استسلم الجنود والضباط الفرنسيين للروس، استطاع بونابرت أن يلحق هزائم عديدة بجيوش كبيرة، إلا أنه وحسب أهم المصادر العربية ووثائق (الحربية المصرية- والفرنسية) لعب هذا القائد العسكري الكبير أدواراً مثيرة للشك والريبة، وحملته الاستعمارية على مصر والساحل السوري قبيل اتفاقيات سايكس بيكو وفي العهد العثماني استطاعت أن ترسل منشورات ورسائل إلى الشعب المصري والسوري أن الحملة العسكرية لها طابع حضاري وإنساني ويهدف من ورائها دعم الإسلام والمسلمين.

ويقال إن رسالته إلى شيوخ مصر سبقته والتي أكد فيها احترامه للإسلام، وأنه مطلع على القرآن الكريم الذي يحترمه ويجله ككتاب مقدس للمسلمين، وعبر هذه الخديعة وغيرها من أساليب القائد العسكري الأوروبي النشيط المتطلع إلى توسيع نفوذ الامبراطورية الفرنسية كشف النقاب بعيد حملته العسكرية على مصر وبعد سنوات طويلة أنه قدم ورقتان واحدة علنية للشعب المصري المسلم وأخرى سرية لليهود والحاخامات في الاسكندرية والباب العالي، وفرنسا وإيطاليا:
أولاً-الورقة الإسلامية: وجه الورقة هذه إلى المسلمين في مصر وأنه على دراية واسعة بالإسلام ويعتبر صديقاً عزيزاً للخليفة وولي الإسلام في الباب العالي، واعتناقه للإسلام وحبه للدين الإسلامي والقرآن الكريم لا يضاهيه أي حب واهتمام آخر، ولم يستدرك المصريون أن ذلك الموقف لنابليون ليس له أي أساس فعلي، وبسبب عاطفتهم وبساطتهم صدقوا كلامه وتعاملوا معه على أساس أنه واحد منهم، وسيفيد الإسلام، لكنه هدف من وراء ذلك إضاعة الوقت وتمرير الفتن والمؤامرات لصالح اليهودية- والصهيونية بالخبث والدهاء الذي فطر عليه[21].

ثانياً: الورقة اليهودية
شكلت الورقة اليهودية لنابليون بونابرت قمة الدهاء والكذب فقد أظهرها أمام أسوار القدس وعكا ويافا موجهاً الورقة "كنداء ليهود العالم"[22] لكي يحزموا أمورهم للرجوع إلى فلسطين باعتبارها أرض يهودية أخرجهم منها العرب والمسلمون من مئات السنين، إذ لم توزع الورقة في فلسطين ومصر فحسب بل وصلت إلى حاخامات الباب العالي وروما وباريس ودول أوروبية أخرى وكان نداءه يرتكز على:
أ- مساندة نابليون بونابرت لليهود بخطابه كي يدعموا مشروعه الاستعماري وإعطائهم فرصة تاريخية بأنهم "شعب الله المختار" "والفريد" الذي ينتظر وجوده القومي في المنطقة العربية بمباركة فرنسا وأخذ الثأر التاريخي من الشعوب الإسلامية والكنيسة الشرقية.
ب- إن فرنسا تقدم لليهود يدها لأنهم سيحملون لها مساندة كبيرة وبالتالي سترعى فرنسا حلم اليهود بالمستقبل للتخلص من نير العبودية في أوروبا ومناطق أخرى من العالم، باعتبار أن فرنسا تحمل إرث اليهود وإسرائيل وستدافع عنهما بقوة.
ج- إن نابليون أراد أن تكون مدينة القدس عاصمة للاحتلال الفرنسي وعلى أنه سينتقل إلى دمشق التي اعتبرها مدينة يهودية تابعة لداوود، ويرجع تفكيره إلى أن صلاح الدين الأيوبي الذي انطلق من دمشق كعاصمة له ضد الرومان والصليبيين وعملائهم اليهود سيتم تأديبه وهو في قبره؟!، لذلك يجب استرجاع القدس ودمشق أيضاً.
(وهنالك كتب لبعض الكتاب اليهود الفرنسيين الذين يذكرون بان جوبر، وحلبون، وحرستا، وجبال برزة "إبراهيم الخليل" مقدسة، وغيرها قدسها اليهود قبل آلاف السنين، ويرجعون أسمائها إلى اللغة العبرية، بينما تدحض السريانية والسريان والآرامية مزاعم اليهود الكاذبة).

إن ملفات وزارة الحربية الفرنسية ووثائق الحملة الفرنسية على مصر والرؤية الاستراتيجية الخطيرة لنابليون بونابرت ويهود فرنسا- حينما كان العالم ينتقل من القرن الثامن عشر إلى القرن التاسع عشر- تدلل صفحاتها على الدور الاستعماري- اليهودي لحملة بونابرت على مصر وبلاد الشام.
وورقة نابليون لليهود هي وثيقة إدانة تاريخية لنابليون وحملته الاستعمارية والتي سبقت "تشكيل اللوبي اليهودي في فرنسا" بعشرات السنين وسبقت وعد كامبو في أيار من عام 1917م وهي في السياق التاريخي السياسي شكلت بالنسبة للوكالة اليهودية العالمية نقطة ارتكاز للاستناد والاعتماد عليها وعلى وثائق فرنسية- وبريطانية خطيرة تدّعي دفاع نابليون عن مقدسات مزعومة لليهود والمسيحية في مصر وسوريا والباب العالي.

لقد سعت الدول الثلاث فرنسا وبريطانيا وأمريكا إلى تشكيل "جمعيات سرية يهودية" التي ساندت الجيوش الاستعمارية لاحتلال المشرق العربي ودعوة نابليون كانت صريحة إلى يهود العالم بأن هلموا إلى تشكيل "جمهورية يهودية" تخلد بأعماقها المملكة الرومانية (المسيحية- اليهودية) في العصور الحديثة انتقاماً من العرب والإسلام.
وكانت شركة آل روتشيلد حامية الاستيطان الأوروبي- واليهودي في مستعمراتها تدعم تصورات اليهودية العالمية دون أدنى اعتراض ووفقاً لتوجهات بالمرستون التي بدأ بتنفيذها في بلاد الشام استدعت حاخامات القدس والباب العالي باسم ما يسمى سكان اليهود في المنطقة وكان عددهم قليلاً جداً بالنسبة إلى عدد السكان العام، وذلك بطرح مطلبين أساسيين:
1- إعلان قبول يهود العالم تحت الحماية الانجليزية والفرنسية لا بل ودعا نابليون لها قبل بريطانيا بفترة مبكرة.
2- التوجه بالرجاء الخاص إلى حكومة بريطانيا العظمى بأن تسهل لليهود استعمار فلسطين وتشجيع حركة الاستيطان فيها، وكان نابليون غير بعيد عن تلك الأفكار البريطانية، فقد قال شافتسبري في مذكراته:

"ذهبت ومعي البارون روتشيلد لمقابلة بالمرستون وكان روتشيلد متأثراً بشدة بفكرة هي أبعد درجة من أفكار بالمرستون مشيراً- الأخير- إلى خريطة كانت أمام رئيس الوزراء البريطاني قائلاً: "طردتم محمد علي باشا من بلاد الشام وكان العثمانيون قبله، والسلطان العثماني لا ريب مهزوم، فحكمه في الشام ضعيف وهنالك فوضى، والطوائف تناحر وعليكم أن تضعوا في الحسبان بدلاً من تلك القوة حتى تضبطوا الأمور هنالك وطن قومي ليهود العالم في بلاد الشام يساند تطلعاتنا في كل شيء"؟!.
كما استغلت اليهودية العالمية هزيمة حاكم مصر لتدفع بموجات يهودية للهجرة من أوروبا إلى فلسطين، رغم أن (محمد علي باشا) استفاد من أحد الضباط الفرنسيين ويدعى (سيف) ببناء المدارس الحريبة والمدفعية وسلاح الفرسان، وإذا كان بالنسبة للبعض أن الحرب والغزو هما وسيلتان من أهم الوسائل للسيطرة على الشعوب وجزء من السياسة بوسائل أخرى فإنه من الخطأ تصوير التاريخ على أنه مؤامرة ويقف مع الكتائب الأقوى، فالأشد تورطاً في الخطأ تصويره على أنه مصادفة والتاريخ البشري مجموعة أفكار ومصالح وخطط وإرادات أمم وشعوب وزعماء وصراعات بين مصالح فئات وقوى تريد الهيمنة والتفوق على غيرها للاستفادة منها وتحقيق مصالحها ونفوذها بشتى الإمكانات بما فيها الوسائل العسكرية الأكثر همجية.

ثانياً: الصهيونية المسيحية والتآمر الدولي:
لا بد من الإشارة في السياق التاريخي نفسه بأن هنالك قضايا هامة في سياق تلك الأحداث شكلت محطات هامة للعمل التآمري:
1- عام 1850م بناء أول مستوطنة يهودية زراعية في ضواحي القدس بدعم من القنصل الأمريكي.
2- عام 1875م قام ذرائيلي أول رئيس وزراء بريطاني بمساندة أسرة روتشيلد بشراء حصة مصر في شركة قناة السويس، حيث كان الخديوي إسماعيل دائناً يريد بيع أسهمه في شركة قناة السويس لليهود الأغنياء وكان المبلغ المطلوب في حينها (4) ملايين جنيه ذهباً عداً ونقداً.
3- 1877م: بعد سنة واحدة من شراء أسهم الخديوي إسماعيل عملت أسرة روتشيلد اليهودية لتمويل إنشاء أقدم مستوطنة لليهود في فلسطين على مساحة تقدم بـ2500 فدان وهي مستعمرة (بتاح تكفاه).
4- 1882م: تذرّعت بريطانيا بوجود اضطرابات في مصر بُعيد ثورة أحمد عرابي فقامت باحتلالها في السنة نفسها إذ قام البارون ادموند روتشيلد بتنظيم أول هجرة يهودية جماعية إلى فلسطين حتى وصل عددهم حينذاك إلى 24 ألف يهودي.
وخلال عشر سنوات قامت أسرة روتشيلد وأسرة لازار ببناء عشرات المستعمرات تمهيداً لاغتصاب فلسطين كلها وتسريب عناصر من العصابات الصهيونية إليها.

من هنا لا يمكننا تجاهل التواريخ والأحداث الخطرة التي ظهرت في المنطقة بعد ذلك وكيف يمكننا التساؤل الآن في القرن الحادي والعشرين عن دور الولايات المتحدة النزيه في عملية السلام في المنطقة وهي التي كرست جهودها لدعم تصورات الاستيطان اليهودي منذ أكثر من مئتين سنة إنه التساؤل المشروع عن تضافر القوى والشركات العالمية لدق مسمارها في نعش الامبراطورية العثمانية وظهور دور الولايات المتحدة على مسرح الأحداث العالمية ودفعتها المصالح الاحتكارية والتنسيق مع الاحتاكرات اليهودية بشكل مريب لتحقيق المآرب المشتركة، وهي التي كانت القوة الاقتصادية والعسكرية البعيدة عن الحرب العالمية الأولى والثانية أو بعيدة عن المشاركة بهما لتمرير صفقات السلاح وأرباحها الخيالية، وأعطتها موارد اقتصادية خيالية بتهريب رؤوس الأموال من أوروبا إليها مما أدى إلى بناء قوتها العسكرية الضخمة.
5- (1784-1865)م كان اللورد بالمرستون مدافعاً سياسياً وفكرياً وروحياً عن فكرة التهجير اليهودي ومدافعاً عن فكرة الاستيطان اليهودي في بلاد الشام، وكانت الامبراطورية البريطانية تتقاسم نفوذها مع فرنسا ضماناً لدحر الامبراطورية العثمانية والقيصر الروسي، وكرست بريطانيا جهودها خلال مئات الأعوام لخدمة مآرب اليهود والصهيونية فطبعت لهم (بروتوكولات حكماء صهيون)[23] عن طريق الحاخامات واللوردات المتعاونين والمشجعين لهجرتهم واستيطانهم للأراضي المقدسة، فقد دعا بالمرستون إلى عدم محاربة السلطان العثماني والدعوة لإقناعه بضرورة هجرة اليهود إلى فلسطين بعكس ما دعا إليه تشرشل الذي حض على القضاء نهائياً على الامبراطورية العثمانية و(محمد علي باشا) لأنهما يقفان عقبة أمام بريطانيا واليهود وعلى أنه لا يمكن الاستفادة من الباب العالي لأنه المدافع الأول عن المسلمين ومقدساتهم فمن الضروري التآمر على السلطان وتقطيع أوصال دولته بمساندة مصطفى كمال أتاتورك، وشكلت حملة نابليون حينذاك إحدى الحملات الأوروبية العسكرية لإخراج أوروبا من مأزقها لصالح إقامة الكيان اليهودي في بلاد الشام ضد محمد علي باشا ونظامه القوي وضد الامبراطورية العثمانية والسلطان في لعبة قديمة لما يسمى بتوازن القوى في البلقان أيضاً.

كانت الحركة اليهودية العالمية وتنظيماتها السرية تدفع بثقلها العالي باتجاه الانتقال من روسيا وأوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية[24] نظراً لما يلقاه اليهود من تجريح ومذابح وملاحقة من معظم الدول الأوروبية كروسيا، وألمانيا، والنمسا، وإيطاليا، وفرنسا، وقبل ذلك إسبانيا، وكانت قيادة هرتزل، وبن غوريون، وآل روتشيلد تدعم إمكانات الوكالة اليهودية العالمية لتركيز قيادة الحركة في الولايات المتحدة لأسباب كثيرة.

المسألة الأولى: إن قيادة الحركة اليهودية- الصهيونية في أوروبا ومركزها بريطانيا، وألمانيا والنمسا وبولونيا قبيل الحرب العالمية الأولى والثانية عملت على إنشاء جمعيات وبيوت لليهود لمساعدتهم وإعانتهم حيث كان معظمهم مشردين في الشوارع والأزقة ذكرت ذلك غولدامائير في مذكراتها. كان هنالك في (بيت اليهود- جمعية خيرية لإعانة اليهود) في روسيا وألمانيا والنمسا يدفعهم الأوروبيون للهجرة إلى الولايات المتحدة من جهة وتدفعهم قياداتهم السياسية إلى الطريق نفسه على أساس تأمين الاستمرارية والمعيشة والحياة الاقتصادية الأفضل وكان منهم صبيان صغار تحولوا إلى حاخامات وزعماء للحركة الصهيونية واليهودية في العالم منهم "الحاخام صموئيل هليل أيزاكس" الذي هاجر من بولونيا إلى الولايات المتحدة ودعا منها إلى:
1- إقامة السلام العالمي لضمان حق اليهود في الشتات بالعيش الكريم.
2- أن تقوم دولة إسرائيل برضى وموافقة كاملة من شعبها وشعوب بلاد الشام وبدون ذلك ستبقى هذه الدولة عنصرية وفي منطقة معادية لها.
3- الهجرة إلى الولايات المتحدة تكفل ليهود العالم التطور الاقتصادي أفضل من أي منطقة أخرى.

كذلك فإن العالم اليهودي (آنشتين)- كزعيم (للبيت اليهودي) في ألمانيا والنمسا، وكقيادي معروف في الحركة الصهيونية الأوروبية ومن نشطائها- قد دعا اليهود إلى عدم الهجرة إلى فلسطين وطرد شعبها لأن الحركة الصهيونية بذلك ترتكب حماقة جديدة ضد شعب فلسطين ودعاهم للهجرة إلى القارة الجديدة لأنها تؤمن ليهود العالم العيش الأفضل، وقد كان آنشتين يدفع أبناء جلدته بذلك الاتجاه خوفاً من هتلر والنازية والحزب الحاكم في ألمانيا بعد صعود هتلر لسدة الحكم، وهرب إلى الولايات المتحدة خوفاً من أن يستغله هتلر أبشع استغلال، بينما خدم العالِم اليهودي الولايات المتحدة مع علماء يهود، أما بن غوريون فقد قدر الإغراءات العديدة والمدروسة ليهود أوروبا للهجرة إلى كندا واستراليا بأنها إغراءات معادية لأهداف الحركة الصهيونية ووقف ضد دعوة لآل روتشيلد وآنشتين وغيرهم الذين كان لهم أهداف أخرى لدفع اليهود للهجرة إلى أمريكا الشمالية وكندا والبرازيل.

المسألة الثانية: موجات الهجرة اليهودية من أوروبا وبالأخص أوروبا الشرقية، كان عليها أن تتحول إلى بناء ما يسمى بالوطن القومي اليهودي في فلسطين وجنوب لبنان وجنوب سوريا وسيناء، وبينما كان (ناحوم غولدمان) ينتقد بن غوريون على هذه المسألة مؤكداً أنه يدفع المسألة اليهودية إلى حافة الهاوية بتجميعهم في فلسطين؟! دفع اليهود الأحداث قبيل الحرب العالمية الثانية كما حصل في الحرب العالمية الأولى بشكل مثير جداً، فأدى اجتماع مؤتمر (يالطا) بين روزفلت (الرئيس الأمريكي) و(تشرشل رئيس الحكومة البريطانية) وستالين (رئيس الاتحاد السوفيتي) لتقاسم مناطق النفوذ وتأييد قيام دولة إسرائيل بدعمها بقرار خاص من هيئة الأمم (قرار التقسيم)، إلا أن الرئيس الأمريكي روزفلت قام بزيارة مصر، ورسا بمدمرة أمريكية في منطقة البحيرات المرة بالطراد الأمريكي (كونيسي) لكن ماذا حصل بعد زيارته تلك:
1- قابل روزفلت الملك عبد العزيز آل سعود باعتباره الحاكم الأوحد لآبار النفط في السعودية والخليج، فوصفه روزفلت بأنه العربي المتوحش ولكنه "المتوحش النبيل"؟!
2- التقى روزفلت بالملك فاروق ودعاه لأن يكون له دور مهم في الهجرة اليهودية فرفض الملك فاروق هذا العرض بشكل شديد، فوصفه روزفلت بـ"المملوك المتوحش المزركش الشرقي"؟! لكن روزفلت توفي بعد عودته إلى الولايات المتحدة فور رحلته لمصر والبحر الأبيض المتوسط وخلفه (هاري ترومان) إلا أن المشكلة الأساسية والمأزق الحقيقي للسياسة الأمريكية الخارجية هي أن تنامي قدرتها وقوتها في منطقتنا العربية توافقت بشكل ملحوظ مع تنامي دور الحركة الصهيونية في المنطقة وكذلك تنامى دور مجموعات الضغط والابتزاز اليهودية والصهيونية في الولايات المتحدة نفسها وبمواقع اتخاذ القرارات الأمريكية فوصلت الاستراتيجية الأميركية للمنطقة وأمامها كيان استعماري استيطاني ساهمت بإنشائه إلى حد كبير ودعمت استراتيجيته العدوانية ضد دول وشعوب المنطقة ولغزوها واحتلال منابع النفط فيها؟!

من هنا نستطيع فهم طبيعة نشاطات الحركة اليهودية العالمية وتأسيسها المبكر لجماعات الضغط اليهودية ليس في بريطانيا وفرنسا فحسب بل وفي الولايات المتحدة إضافة إلى محاولاتها المستمرة للاستفادة من الوجود اليهودي في اليونان (سالونيك) ومن روما (صقلية) ومن دول أخرى كالبرازيل للاستفادة المدروسة والمخطط لها مسبقاً من مراكز القوى العالمية والقرارات الدولية عبر كل وسائل العنف والإرهاب والخديعة والافتراء والتضليل وعليه استطاعت دفع بريطانيا للمنطقة للانتداب على بعض دولها تحت حجج كاذبة ودفعت فرنسا أيضاً الهدف نفسه مما أدى إلى تقسيم منطقة بلاد الشام والخليج إلى دول ودويلات ولعبت لعبتها الدولية في وعد بلفور عام 1917م وعد كامبو الفرنسي قبيل وعد بلفور بأشهر، إضافة لاتفاقيات سايكس بيكو 1916م، إلا أن الملك عبد العزيز آل سعود ناشد مراراً وتكراراً حكومة الولايات المتحدة بأنها تسعى جاهدة إلى تسوية قضية فلسطين على أساس تقاليد العدل والمساواة للدستور الأمريكي وليس لدستور المنظمات اليهودية (البروتوكولات)، لا أن تختار ممالأة اليهود الملعونين في القرآن الكريم وفي آخر الدنيا، وهدد الملك عبد العزيز بمواقفه تلك الذي سجلها التاريخ بأن الولايات المتحدة إذا ما أيدت قيام "إسرائيل" عبر وعد بلفور فإنها ستخسر وجودها وصداقتها مع المملكة السعودية فوراً.
وعلى الفور أرسل مساعد وزير الخارجية الأمريكي جوزيف كرو (وبالطبع عائلة كرو عائلة يهودية عريقة) إلى وزير الخارجية الأمريكية مذكرة يرد فيها على الملك عبد العزيز آل سعود:
بان د. ستيفن وايز (رئيس المجلس الصهيوني العالمي) ود. ناحوم غولدمان (رئيس الوكالة اليهودية العالمية) وهرمان شولمان يحتجون على تصريحات وتهديدات الملك السعودي، أما ستيفن وايز فكان حاخام أمريكا الأكبر والذي فتح المسألة على النحو التالي:
"إن أبواب فلسطين يجب أن تفتح أمام اليهود رضي بذلك الملك عبد العزيز أم لم يرض"! ورغماً عن الملك عبد العزيز والملك فاروق كرّس روزفلت وبعده ترومان مواقفهما لتأييد أهداف الصهيونية واليهودية العالمية[25].

والجدير بالذكر أن روزفلت أخذ مذكرة (جوزيف كرو) لعرضها على تشرشل وستالين اللذين وافقا على المذكرة شفهياً ودون أدنى موقف عملي مضاد لها، وحسب هارولد هوسنز الكولونيل والملحق العسكري بالمفوضية الأمريكية بالقاهرة وهو بالتالي منسق المفاوضات العربية مع (الملك عبد العزيز والملك فاروق) ومع الولايات المتحدة أكد بأن ستالين الذي كان يرافقه (بيريا) قد قال لروزفلت بأنه ليس عدواً لليهود والصهيونية وليس صديقاً لهما، فما كان من بيريا إلا أن استلم من روزفلت وتشرشل مساعدات مالية كبيرة لوضع السم لستالين حينما تحين الفرصة بسبب موقفه هذا؟![26]
تآمرت الحركة اليهودية والصهيونية على ستالين والاتحاد السوفيتي، فدفعت بزعمائها في اللوبي اليهودي- الروسي وبالأخص بيريا لقتل ستالين والتآمر من الداخل على الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية لتأكيد ستالين على تشكيل (حلف وارسو) ومنظومة الدول الاشتراكية كقطب سياسي عالمي جديد ضد بريطانيا وأميركا.
لكن حينما أصبح هاري ترومان رئيساً للولايات المتحدة كان المساند والداعم الأكبر للحركة اليهودية العالمية وحسب مذكرة (إيفان ويلسون) رئيس إدارة شؤون المنطقة العربية في الخارجية الأميركية بأن رئيس اللجنة التنفيذية إلى المؤتمر الصهيوني العالمي حذر الحكومة البريطانية والحكومة الأمريكية على التوالي من ترددهما بإعلان نواياهما المعادية لإقامة دولة يهودية في فلسطين، وأن الحركة الصهيونية ستتخذ كل الإجراءات العملية بما فيها العسكرية والإرهابية على الأرض لتحقيق أهدافها وبأنهم على استعداد للقتال لتحقيق أحلامهم التوراتية وتشكيل فيالق ومجموعات حربية، وبدون دعم بريطانيا وأمريكا لا يمكن تحقيق ذلك الحلم والذي سيكون مفيداً في المستقبل لهما.

وأكد رئيس اللجنة التنفيذية للمؤتمر الصهيوني العالمي أنه يجد في القيادة اليهودية بزعامة ناحوم غولدمان قيادة خائنة وجب عدم الاعتراف بها من الحكومتين البريطانية- والأمريكية وأنه إذا لم توافق بريطانيا وأمريكا على الخطط العسكرية للقيادة الصهيونية في فلسطين (وعصاباتها المسلحة) فإنهما معرضان للقتل أو يطردان من مواقعهم في الحركة الصهيونية.
وكانت تهديدات بن غوريون موجهة لناحوم غولدمان وزملائه أيضاً وبعد أسبوع بالضبط عاد غولدمان ومعه ديفيد بن غوريون رئيس الوكالة اليهودية العالمية عام 1937م إلى فلسطين متفقين على احتلال فلسطين وفرض قوانين الحركة اليهودية- والحركة الصهيونية على شعب فلسطين بقوة السلاح، ودعا بن غوريون بعصبية مطبقة الولايات المتحدة بألا تدفع بريطانيا للتدخل أبداً بهذه المسألة وأن يدعم الانتداب البريطاني الجنود والضباط اليهود للانتساب في الجيش البريطاني أينما كانوا وسحبهم جميعاً للخدمة في سيناء ومصر وفلسطين للقيام بواجبهم باحتلال فلسطين مع العصابات الصهيونية لأن الوقت حان لذلك.

كانت الحركة اليهودية العالمية برئاسة غولدمان فرع الولايات المتحدة وأقواها قد تمكنت من الوصول إلى الرئيس هاري ترومان عام 1945م/ شهر آب/ عبر صديقه الحميم وشريكه السابق في محل للخرداوات (إيلي جاكوبسن) في ولاية منيسوتا الأمريكية، وتحت تأثير عامل الصداقة والضغط المعهود أصدر ترومان قراراً اتخذه بدون علم الوزارات والإدارات في حكومته بأن تسمح الولايات المتحدة بإرسال 100 ألف يهودي مسلح ومدرب بكل عتاد الحرب لاحتلال فلسطين.

وساندت السفن والبوارج الحربية الأميركية التي كانت تتواجد في موانئ حيفا ويافا وعكا غزو فلسطين ليلاً، وعلى مسمع ومرأى من جنود وضباط الانتداب البريطاني وموافقتهم كما وافق أسيادهم على تلك الهجرات المسلحة والمنظمة، واستغرب الملك عبد العزيز آل سعود مما سمعه من إذاعات وتقارير استخبارية من بريطانيا وأمريكا وما قرره ترومان ونقض ما تعهد له روزفلت سابقاً كل ذلك ذهب أدراج الرياح؟!
أما رئيس الوزراء البريطاني (كليمنت أتلي) رئيس الحكومة العمالية كان متضرراً ومتأثراً جداً من النفوذ اليهودي والتأثير الصهيوني المنظم على قواعد حزب العمال البريطاني، وحزب المحافظين، وكان وزير خارجيته (أرنست بيغن) يواجه ويتصارع مع زعيم اليهود الصهاينة في أكثر من مناسبة قائلاً لغولدمان:
"لقد قرأت التوراة جيداً، ولم أجد فيها ما يشير إلى ضرورة أن يمتلك اليهود فلسطين لأنهم أقلية فيها..."
ورد عليه غولدمان:
"وأنا أيضاً قرأت التوراة ولم أجد فيها ما يدل على أن للحكومة البريطانية أي حق باحتلالها فلسطين..؟"[27].

ثالثاً- وعد بلفور المشؤوم 1917م:
بعد كل ما تقدم لا يغفل العرب والمسلمون عن الظروف الإقليمية والعالمية وأنشطة زعماء الحركة اليهودية- والصهيونية العالمية ورؤساء الدول بريطانيا- الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (السابق) ودورهم في تكريس ما أصدره وزير الخارجية البريطاني اللورد (أرثر بلفور) وتعهده للزعيم اليهودي الانجليزي (جيمس روتشيلد) ومجموعته الاستعمارية وراعي الإرهاب والقتل والعصابات الصهيونية بأن تصدر بريطانيا وعداً عن حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين فيما قبل الانتداب وفيما بعده حيث أرسلت رسالة لـ اللورد جيمس روتشيلد:
"إن حكومة صاحبة الجلالة تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وسوف تبذل قصارى جهدها لتسهيل وتحقيق هذا الهدف..."[28]
وعلى أساس أن اليهود والصهاينة سيظلون أصدقاء مخلصين وموالين لبريطانيا فإن "الوطن القومي اليهودي" سيزدهر على حساب هؤلاء العرب الذين يكنون العداء لبريطانيا، لقد كان هربرت صموئيل حاكماً عاماً على فلسطين[29] وقت الانتداب وطبقاً لاعتقاداته الرسمية فإنه من خلال الانتداب لا بد من تطبيق وعد بلفور.
وكانت ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى قد فضحت الحكام، لما يخططون له فكشفت عن مؤامرة وعد بلفور عبر البحارة السوفييت الذين قدموا لميناء حيفا عام 1917م وأوصلوا وثائق اتفاقية /سايكس- بيكو/ لتجزئة المنطقة إلى دويلات من أجل خلق الكيان الاستعماري الصهيوني القادم وتوسيع النفوذ الاستعماري.

إن الشعوب العربية والإسلامية لا يمكنها مطلقاً نسيان الأدوار الخطيرة لأسرة روتشيلد في بناء الدولة العبرية وبخاصة بجمعها للتبرعات الضخمة ومساهمتها لشراء أراضٍ واسعة في فلسطين والضغط على العرش البريطاني لاستصدار وعد بلفور المشؤوم ومن خلال مؤسستها لاستثمار الأراضي الزراعية في فلسطين وجنوب سوريا ولبنان، كذلك أنشأت الحركة الصهيونية العالمية (جمعية دولية) تختلف عن سابقاتها سميت بـ(التروست اليهودي الاستعماري) وكان ذلك عام 1902م، قام ذلك التروست بدور بالغ الأهمية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وبريطانيا فوقف التروست ضد تحرر سوريا والعراق وإيران والجزائر وروديسيا والكونغو والهند ووقفت إسرائيل منذ نشوئها مع النظام العنصري في جنوب أفريقيا نظام الفصل العنصري (الأبرتهيد).
ووسعت الصهيونية أنشطتها في الهند والصين وحاولت مراراً إهانتهما مع قياداتهما التاريخية- غاندي- وصن يات صن ووقفت مع استراتيجية وتكتيك الاحتكارات البريطانية في أندونيسيا وتايوان وكان (ليسل روبين) العضو السابق لمجلس الشيوخ الأمريكي والأستاذ في جامعة هارفرد أن انتقد بشدة الأنظمة الحاكمة في آسيا وأفريقيا وتعاملها الفظ السري والعلني مع الحركة الصهيونية العالمية ومنظماتها الأمريكية والبريطانية وانتقدها لأنها لجأت عملياً إلى إبادة الجنس البشري والتطهير العرقي تحت سياسة تأييد الاستعمار البريطاني.

كذلك تحالفت المنظمة الصهيونية العالمية في نيسان 1967م ورئيسها (لويس بنكوس) مع المنظمة السرية الفاشية المسماة (بروذر بوند) الإخوة اليهود في جنوب إفريقيا والتي كان يدعمها مجلس النواب اليهودي في جنوب إفريقيا.
وإذا انتقلنا من إفريقيا وآسيا إلى أميركا اللاتينية فإن المنظمات الصهيونية العالمية لعبت الدور الكبير فيها وبالأخص في البرازيل ودول أخرى ودفعت بنشاطات (أوراسيو) الملياردير اليهودي الذي يمتلك بمفرده عشرات الشركات السياحية والصناعية والتجارية، وجهازاً إدارياً واستخباراتياً ضخماً بحيث يقدر نشاطه الزراعي فقط بمساحة تزيد عن مساحة لبنان وفلسطين بنسبة الضعف، وعلى أنه يملك مع عائلته مدينة كاملة بكل ما تعني الكلمة من معنى في البرازيل واسمها (سير آدي نوفا) وتسمى عند يهود أميركا (تل أبيب) البرازيل.

هنالك أيضاً تقارير ودراسات صحفية أتت من البرازيل تؤكد أن هنالك دولة إسرائيلية أخرى غير "دولة إسرائيل" في الشرق الأوسط بل في أميركا اللاتينية وتسمى دولة أوراسيو الإسرائيلية وهي وطن ثانٍ ليهود العالم بعد الكيان الصهيوني في فلسطين.
والشيء الخطير الذي سعى إليه أوراسيو كملياردير يهودي في البرازيل بأنه درب يهود البرازيل[30] ويهود أميركا اللاتينية والولايات المتحدة على شكل عصابات ومافيا في معاهد ومدارس عسكرية خاصة به ويرسلهم إلى الخدمة في الجيش الإسرائيلي لاحقاً أو أنه يستخدمهم بالتعاون مع الموساد الإسرائيلي وعصابات المافيا في بعض الدول العربية والغربية حاملين جوازات سفر برازيلية تحت حجج التجارة بالورق أو بالبن والشاي وما شابه ذلك، إضافة إلى تهريب صفقات السلاح واليورانيوم والمواد المشعة لإسرائيل، ويكاد يشكل أوراسيو فعلياً حكومة خفية في البرازيل لدعم المنظمات الصهيونية والمافيا التابعة له في مختلف أنحاء العالم خدمة لهدف استراتيجي هو دعم إسرائيل بلا حدود وتمجيدها مالياً وسياسياً وعسكرياً وأمنياً حتى أن كل تدريبات جيشه السري تجري تحت مظلة النجمة الصهيونية الزرقاء ويتعاون بشدة مع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وفي مختلف الدول الأمريكية ويعود له تنظيم الفتن والمؤامرات ضد الأنظمة الوطنية الثورية في أمريكا اللاتينية وبالأخص ضد كوبا.

ومن المعروف عند التدقيق أكثر أنه نظمت مجموعة كيبرة من الرأسماليين اليهود الكبار حفلة عالمية عام 1967م وفي شهر آب بالتحديد، من أجل وضع خطة عالمية لغزو العالم بطرق جديدة ومركزة، باعتبارهم من أصحاب المليار وأسسوا الاتحاد الدولي لأصحاب المليارات اليهود ومركزه في الولايات المتحدة ولندن والبرازيل ووضعوا خططاً مستقبلية خطيرة كان أهمها:
1- السيطرة التامة على أجهزة الأمن والشرطة في مختلف دول العالم وبالأخص في الدول الكبرى، وتوريط بعض الزعماء والمفكرين والكتاب[31].
2- تنشيط دور الوكلاء والشركات والأشخاص اليهود بحمل جنسيات وأسماء أميركية وأوروبية وبرازيلية.
3- تأييد كامل لسياسة إسرائيل وتطوير إمكانياتها ودعمها عسكرياً ومالياً والتعاون المستمر مع قياداتها.
4- صهينة الأجيال في كل أنحاء العالم أوروبا وأميركا وآسيا وإفريقيا وإبراز المجتمع الأمريكي كنموذج حضاري فريد وتوجيه الاهتمام للدول العربية للتطبيع الثقافي والاقتصادي مع إسرائيل.
5- استخدام الصحف والمجلات والمحطات الفضائية الخلاعية في خدمة المآرب الصهيونية اللاأخلاقية لتعزيز النشاط السياسي والإعلامي الصهيوني وتم الضغط على رؤساء الولايات المتحدة جميعهم والتأثير عليهم من خلال مجموعة من السياسيين والمتعاطفين معهم في الكونغرس ومجلس النواب، وقد فضح تشومسكي سياسة اللوبي الصهيوني في إحدى دراساته[32].

رابعاً- كيولاه وفوج البغال ويهود الاسكندرية والقاهرة:
ما إن وصل خبر إعلان وعد بلفور وربطه بعد سنوات بمعاهدة (صهيونية بريطانية) مع (تركيا) لتأمين يهود العالم بتاريخ 26 نيسان عام 1920م حتى عمت الطائفة اليهودية في مصر الفرحة الكبرى فكان نائب رئيس الحركة الصهيونية بالقاهرة (ليون كاسترو) قد دعا إلى اجتماع يهودي- صهيوني في نادي ماكابي حضره (هـ. دجين) مندوب الاتحاد العالمي للصهيونية السفاردية الذي ألقى كلمة فيه أيضاً شرح أهمية يهود مصر وأصدقائهم كحلقة وصل مهمة في الهجرة اليهودية وكان ليون كاسترو قد ألقى كلمة رحب فيها بالضيف الزائر[33].
وفي آب 1918م تشكلت في الاسكندرية لجنة لنصرة (إسرائيل) من اليهود وجمعت مبالغ طائلة لـ اليشوف (المنظمة الزراعية) ووضعت المبالغ تحت تصرف (اللجنة اليهودية لنصرة إسرائيل) وقبل ذلك أوضح باترسون الكولونيل البريطاني أهمية تشكيل فوج عسكري يهودي من البغالة والحمير في شهر نيسان وأطلق عليه (زيون مول كوريس) وتتألف من 500 متطوع ومنهم بعض اليهود المستوطنين في فلسطين إضافة إلى 150 يهودياً من الاسكندرية وكانت ألبستهم وخوذاتهم تحت النجمة الصهيونية وخاطب باترسون اليهود وفوجهم العسكري الجديد قائلاً:
"مضى ألف عام وأكثر على عدم وجود جيش نظامي يهودي واحد، لهذا عليكم أن تكونوا نواة هذا الجيش اليهودي ويتطلع إليكم يهود العالم كله، وليس واجبكم أن تكونوا من ضمن الجيش البريطاني كقطعة عسكرية محترفة فيه فحسب بل لا بد أن تثبتوا للعالم أنكم كقطعة عسكرية محترفة فيه فحسب بل لا بد أن تثبتوا للعالم أنكم مقاتلون ورجال قادرون على الانتصار كي تكسبوا الأرض الموعودة"[34].

أثار تشكيل هذا الفوج العسكري الذي يحمل أعلام النجمة الصهيونية الحماسة بين يهود القاهرة والاسكندرية والمستوطنين اليهود في فلسطين.
وفي عام 1914م-1915م وصل إلى الاسكندرية (11227) يهودياً روسياً طردتهم السلطات التركية من فلسطين فعملت الطائفة هنالك لإشعال حماستهم والدعوة للتضامن مع اليهود وكان لهذا الحدث دعاية مثمرة وتحريض لا ينقطعان بخاصة وأن هؤلاء وصلوا إلى ميناء الاسكندرية حفاة عراة وعملت جمعية النازحين اليهود الروس في مصر بتنظيم إكسائهم ومساعدتهم فوراً واعتنى زعماء الحركة الصهيونية في مصر بأمورهم الصحية والنفسية والمعيشية.
وحصل تناقض كبير بين القنصل الروسي والقنصل البريطاني حول وجود هؤلاء اليهود الروس في مصر طلب تسفيرهم فوراً إلى روسيا إلا أن رئيس المجمع اليهودي قدم طلب التماس من المندوب السامي البريطاني تجاهل طلب القنصل الروسي، فأمر البريطاني فوراً بإرسالهم إلى الجيش البريطاني وتشكيل فوج البغالة والحمير للانضمام كفوج مستقل ضمن الجيش البريطاني وتم تعليمهم على كل أنواع القتال والتفجيرات كما وافق قائد القوات المسلحة البريطانية على هذا الاقتراح الذي أكد عليه فوراً "موييس القطاوي" باشا اليهود ورئيس مجمعهم بالاسكندرية[35].

وعند انتصار الاقتراح اليهودي عمد اليهود في مصر إلى إقامة الاحتفالات في الاسكندرية والقاهرة بذكرى (كيولاه) وازدانت أحياء اليهود بكل المظاهر الاحتفالية، ولسوء طالع المسلمين الذين يمرون بتلك الأحياء هتفوا مع اليهود (لتحيا القومية اليهودية) دون وعي أو وجل ويرد عليهم اليهود (تحيا مصر حرة) وكان مندوبان من المسلمين والأقباط يحضران تلك الاحتفالات وفي غمرة الاحتفالات أقام اليهود صلاتهم المعهودة من أجل إحياء الدولة اليهودية في فلسطين وتلقى الصهاينة تبرعات سخية دون معرفة أين تذهب تلك التبرعات.
وأنشأت الحركة الصهيونية في الاسكندرية جهاز مخابرات سري (مكتب للاستعلامات) مرتبط مع المخابرات البريطانية لمساعدة يهود مصر وإيران وسوريا ولبنان وإفريقيا لتمكينهم من الهجرة بما في ذلك تأمين جوازات سفر لهم على وجه السرعة لتسفيرهم إلى المستوطنات اليهودية في فلسطين.
نظمت الصهيونية المصرية الحفلات الشعبية الراقصة على (الطريقة المصرية) وعلى (الطريقة العصرية) والمسابقات الفنية والمسرحية وتنظيم ألعاب اليانصيب وغيرها بهدف استقطاب التبرعات والضرائب من تلك النشاطات للحركة الصهيونية.

وكانت الرابطة الإسرائيلية العالمية تعادي الحركة الصهيونية وتدعو اليهود إلى البقاء في أوطانهم، إلا أن العضو البارز في تلك الرابطة الحاخام ناحوم رشح لرئاسة مجمع الحاخامية في مصر بعد أن اشترط عليه تأييد قيام إسرائيل وكان (الكيرن كيميت) الصندوق القومي اليهودي يمتلك فروعاً في الاسكندرية 1933م وقام بشراء الأراضي في فلسطين لتوطين يهود مصر فيها ومنها مستعمرة (كفاريديدياه).
من المؤسسات والجمعيات التي نشطت في ذلك الوقت:
1- رابطة الشبيبة اليهودية 1923م.
2- جمعية الدراسات التاريخية اليهودية 1925م.
3- نادي الشبيبة اليهودية في الاسكندرية 1930م.
4- مؤسسة "مودان هايفري" لتعليم العبرية.
5- مدرسة وايزو لتعليم العبرية للأطفال.
6- جمعية أصدقاء اليهود من المصريين والانجليز (بريتش ترامبيدور).
7- الجامعة العبرية في القدس.
8- مؤسسة الصحافة ومجلة (كاديما). (1935م-1937م).
9- مجلة الشمس العبرية (1934-1948م).
10- مجلة إسرائيل (1919م-1939م) شومير هاتناعر (الحراس الشباب) أسسها ألبيرت موصيري.
11- مجلة شومير هاتناعر بالفرنسية ومجلة لودور (الفجر) ومجلة (ليللو ستراسيون جويش) 1928م أسسها الحاخام (دافييد براتو) تعنى في الأدب الأوروبي واليهودي وبما يسمى بالنهضة القومية والثقافية الصهيونية.
12- مجلة (لافوا جويش) الصوت اليهودي أنشأها ألبيرت- سهاتارازليسكي (1931م-1934م).
13- صحيفة لاتريبيون جويش المنبر اليهودي (1936م-1948م) جاك رابان، الاسكندرية.

لعبت معظم هذه الصحف والمجلات والمدارس والجامعات لإشاعة الفساد والفوضى والإشاعات المغرضة من أجل التخريب الاجتماعي في مصر، دون وجود مراقبة تذكر عليها.
وفي المجتمع اليهودي في مصر خطان: أحدهما معاد للصهيونية، بخاصة الذين انفصلوا عن اليهودية وعينوا مسيحياً في مدارس التجمع لكي يؤمن لهم دوراً مميزاً في داخل المجتمع المصري والحفاظ على امتيازاتهم العديدة وتلقى الجيل الذي تعلم على يد المسيحية تعاليم مسيحية (لوثريه) وكان جيلاً منشقاً عن اليهودية ومعظمهم انتقل للتعلم في المدارس التبشيرية المسيحية وارتد هؤلاء عن اليهودية وهي التي ظلت تحافظ على نفوذها وامتيازاتها.
بينما كان هنالك خط آخر كرس جهوده العديدة للمشاركة بصنع أهداف الصهيونية العالمية والذي تصادم مع رئيس الحاخامية (بيهو الياهو هازان) و(الحاخام الأكبر د. براتو) الذي دعا إلى احترام عنصرهم الشرقي الجوهري والروحي ورفض هؤلاء تحويل التبرعات للحركات الصهيونية لأنهم بهذه الحالة سيعيشون فقراء وكانت الصهيونية بتوجهاتها العلمانية ملحدة لا تعترف بالأديان ومنها الدين اليهودي مما أثار حفيظة الحاخامية المصرية بشدة ضدها.
وحاولت حركة الشبيبة من استعادة قوتها وجهودها لدعم اليشوف والصهيوني وهي التي تعلمت في مدارس (الأليانس المسيحية) وعملت على نشر الأفكار القومية والعنصرية واللغات العبرية واليديشية والفرنسية لتوسيع النفوذ الصهيوني الذي دفع الرابطة اليهودية العالمية للتدخل لدى السلطات في مصر كي يتبع اليهود فيها (للجنة التنفيذية) للحركة الصهيونية بزعامة بن غوريون[36].

خامساً- النفوذ الصهيوني في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا (1850م-1945م)
استطاعت المنظمة الصهيونية العالمية العمل باتجاهات مختلفة رغم تناقض أفكار المنظمات الصهيونية المنضوية تحت لوائها، إنما كان هدفها بالأساس دفع اليهود من أوروبا وروسيا وهنغاريا ورومانيا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا قبيل وبعد الحرب العالمية الثانية للهجرة بالترغيب والترهيب إلى فلسطين، واعتبر التحالف بين الرأسمالية اليهودية وشركاتها العالمية مع الرأسمالية الأوروبية- والأمريكية المخرج للمسألة اليهودية، وهم بذلك أسياد تلك المسألة وحماة الاستيطان الأوروبي- اليهودي في جنوب إفريقيا والهند وفي آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ووفقاً لتوجهات شركات استعمارية من مثل شركات أسرة روتشيلد وشافتسبري (1850-1933) وآل لازار في الأرجنتين إلى شركة هافارا في ألمانيا والنمسا إضافة إلى توجهات عصبة وكاوتسكي والبوند في روسيا وبولونيا، الذي مكن بالمرستون قبل ذلك ودفع عمليات الاستيطان وساندت اليشوف بإنشاء المستعمرات الجديدة في فلسطين، بتطبيق توجهات جديدة لليهود في العالم لا بد من تنفيذها شيئاً فشيئاً فقررت بناء المستعمرات في فلسطين وإثيوبيا وإيران وتركيا وقبرص والتركيز على فلسطين ضمن سياسة ركزت عليها شركة "اليشوف" للاستيطان الاتحاد الزراعي اليهودي الاسعتماري وكان لها أهمية كبيرة جداً في توجيه اهتمامات يهود أوروبا والعالم للهجرة لفلسطين تحديداً ودعم بالمرستون وأسرة روتشيلد وشركة هافارا فيما بعد اتحاد عمال صهيون، وشركات التجارة اليهودية، وتم التركيز على أن (العمل والتجارة العبرية) هو ضد (العمل والتجارة العربية) لذا توجب التركيز منذ البداية على (العمل العبري) في المستعمرات اليهودية وطرد العرب من السوق اليهودي الجديد، وتم تحدي اليهود الذين يطرحون شعارات شيوعية لأنها تضر بالعمل العبري، وشكلت رؤية بالمرستون رؤية برنامجية عنصرية بنظر الشيوعيين والاشتراكيين الصهاينة، وقد اعتمد قادة الصهاينة في أفكارهم وسلوكهم الشوفيني على أفكار ميكافيلي في كتابة The Prince والذي يعتقد فيه أن الشعوب في عهد الأشرار والإرهابيين هم أحسن حالاً من عهد الساسة الأخيار، وكان موسوليني ومناحيم بيغن وشتيرن ممن يؤيدون تلك الأفكار ويمارسونها وبخاصة المنافية للقيم والأخلاق الإنسانية على أساس الغاية تبرر الوسيلة، ولم يكن لشركات أسرة روتشيلد وهافارا أو للمنظمات الإرهابية الصهيونية أي دور عالمي فحسب رغم الفارق الكبير بين مصالح الدول الكبرى ومصالح العصابات الصهيونية بل انساقت لتأييد أعمالها الإجرامية لتأمين مصالحها.
وفيما إذا انتقلنا إلى الدور الصهيوني ونفوذه باتجاه ألمانيا النازية سنجد أن هنالك قضايا عديدة يمكن التركيز عليها وأهمها:
*قضية كاستنر والجستابو:

لقد أثبتت مجموعة وثائق وأحداث قضية كاستنر الدور الذي لعبته الحركة الصهيونية العالمية في التعاون الوثيق مع أجهزة استخبارات هتلر، بخاصة وأن رودولف كاستنر كان مفوضاً للوكالة اليهودية العالمية وهو دكتور في الحقوق من أصل روماني وعضو مهم في المنظمة الصهيونية العالمية ورئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد صهاينة بنسلفانيا، وبالوقت نفسه شغل منصب رئيس الاتحاد الصهيوني الهنغاري والرئيس التنفيذي لإنقاذ يهود هنغاريا ورومانيا في خلال الحرب العالمية الثانية. إلا أن فضيحة (إيخمان) في خلال المحاكمة في نيورينبرغ قد كشفت إذ تم جلب الوثائق والشهود والتأكيد بأن رودولف كاستنر قام في معسكرات الاعتقال النازي عام 1944م بدفع آلاف اليهود الهنغار والرومان للموت وسعى إلى دفع الـ أس. أس لإبادتهم وهو مسؤول عن مقتل 590 ألف يهودي من هنغاريا ورومانيا بموافقة قادة الجستابو والمنظمة الصهيونية العالمية بعد فرضهم للنظام الفاشي في غيتو "بودابست" وسوق هؤلاء اليهود بالقطارات بعد إقناعهم أنهم مهاجرون إلى أميركا، وبالخداع تم سوقهم إلى حتفهم وكتب الصهيوني (بن هتيا)[37] في كتابه بعنوان (الغدر):
"كان الكثير من يهود هنغاريا على بعد ثلاثة أميال من حدود رومانيا وتحت حراسة الجستابو النازية دفع بهم كاستنر إلى الموت دون وازع من الضمير أو الشفقة...".

وقد اعترف كاستنر أمام محكمة نيورينبرغ التي حاكمت المجرمين النازيين بأنه غطى على قسم كبير من أجهزة الأمن والمباحث المشتركة النازية- والصهيونية حقيقة وعدم كشف حقيقة دفع اليهود إلى المذابح بمؤامرة دنيئة منه كي يكونوا عبرة لغيرهم ليهاجروا إلى فلسطين قبل فوات الأوان إلا أنه في عام 1948م عين كاستنر مديراً للعلاقات العامة بوزارة التجارة والصناعة الإسرائيلية ثم التحق بإذاعة إسرائيلية خاصة تبث برامجها إلى هنغاريا ورومانيا لتضليل الرأي العام هنالك[38]. حاول فيما بعد أحد الصحفيين اليهود التعرف على شخصيته واتهمه بأنه تعامل مع النازيين وجلب وثائق تدينه تماماً، وأظهر ذلك في قاعة المحكمة الإسرائيلية[39]، إلا أن الأجهزة السرية الإسرائيلية باغتت الصحفي وسرقت منه الوثائق بالكامل لإغلاق ملف تعاونها مع المخابرات النازية، وقررت قتله بعد تهديده من قبل الموساد للتراجع عن الدفع بالقضية إلى الأمام وإلا سيقتل، وهرب الصحفي إلى خارج الكيان الصهيوني ولم يعد أحد يعرف عنه شيئاً، وقررت الأجهزة السرية الإسرائيلية في آذار عام 1957م إسكات رودولف كاستنر للأبد، واغتالته بالرصاص ورغم أن جراحه خفيفة قررت قتله في إحدى المستشفيات وكان بن غوريون وغولدا مائير وآلون المخططين لهذا العمل، لأنهم أهم عناصر القيادة الصهيونية الذين عقدوا الصفقات والاتفاقيات مع الأجهزة السرية الألمانية لنقل الأسلحة وإيرادات الممتلكات اليهودية التي لم يستطع اليهود بيعها[40].

لنعود إلى الاتفاق الذي وقع بين الوكالة اليهودية- العالمية وبين فرع الجستابو تحت رقم (11-112) المسمى مكتب فلسطين المشترك الذي كانت مهمته انتقاء أفضل اليهود الألمان المناسبين من النواحي السياسية والمالية والفنية، لإرسالهم إلى فلسطين والدول العربية وبالأخص إلى مصر، واتفق الطرفان لكي يغادر هؤلاء بمجموعات سرية إلى البرازيل والأرجنتين بضمانة الجالية اليهودية الغنية والقوية فيها، ثم انتقلوا إلى جزر آزور بعلم الطرفين بين أعوام (1933م-1937م) ووصل منهم أكثر من 40 ألف يهودي ألماني، وكان قسم (ميلدنيشتاين) أنشئ ضمن جهاز أمن القوات الخاصة الألمانية النازية، وأقام صلات قوية مع المنظمة اليهودية العالمية، وفي عام 1937م وبمبادرة من شاخت رئيس البنك الألماني تمت الموافقة الشخصية من هتلر بتوسيع مجال عمل (الجمعية التجارية اليهودية- هآفارا[41] والتقى و(ايزرمان وجولدمان) زعيما المنظمة الصهيونية في خلال الثلاثينات بزعيم الفاشية الإيطالية (موسوليني) حليف هتلر والذي كان صاحب فضل كبير على اليهود الألمان والإيطاليين بتوسيع الصلات الاقتصادية لجمعية- هآفارا- وتم بالتعاون فيما بينهم افتتاح مدرسة عسكرية بحرية صهيونية (غير شرعية) في مدينة تشيفيتا فيكيا، الإيطالية، وظلت تنشط لصالح المنظمة الصهيونية، وأدخلت عليها مجموعات من منظمة يهودية شتيرن وآرغون (تزفاي ليؤمي) (المنظمة العسكرية القومية لإسرائيل) وهي جماعة انشقت عن الهاغاناه برئاسة (ف. جابوتنسكي زعيم بتيار الإرهابيين الصهاينة الإصلاحيين وشكلت فرقة (الحرس الأسود)[42] في خارج وداخل فلسطين ويعود إليها مجموعة أعمال إرهابية ضد العرب.

وزودت المستعمرات اليهودية في فلسطين بالمتخرجين من المدرسة العسكرية البحرية الإيطالية بالاتفاق مع موسوليني، واستطاعت القيادة الإرهابية الصهيونية في إيطاليا وتشكيوسلوفاكيا ودول أخرى جمع أموال كبيرة لشراء زوارق حربية وطوربيدات لهؤلاء المتخرجين وتم إرسالهم إلى ميناء (تل أبيب) لحماية المستعمرات تحت حجج حماية أنفسهم من العرب، وبمذكرات غولدا مائير أكدت أنهم لم يحلموا يوماً ما أن يكون لديهم ذلك الأسطول الجديد الحربي الذي اعتبر ميناء تل أبيب القريب من يافا ميناء حيوي لأنشطة البحرية الصهيونية واتصالاتها الخارجية عبر البحار.[43]
أما كاناريس رئيس جهاز (أبفيهر) المختص بـ المخابرات المضادة لألمانيا النازية نسق أنشطته مع رجال المخابرات الإسرائيلي في المنظمة الصهيونية العالمية، لاضطهاد اليهود وأوضحت وثائق الحرب العالمية الثانية، وبعد أن استولت عليها القوات السوفييتية حتى دخولها لبرلين، بأن هنالك شخص يدعى (يعقوب- ياكوف) كان ذاته مائير أميت أحد قادة المخابرات الخارجية الإسرائيلية، وهو الذي كشف محطة إذاعة الشيوعيين الألمان السرية، بعد أن باءت جهود الجستابو وجهاز أمن القوات الخاصة بالعثور على مكانه.
ألقيت المهمة على عصابة (شتيرن) وهاغاناه بيت و(آرغون تسفاي ليؤمي) في ألمانيا وإيطاليا، وزجت بمجموعات تلك العصابات بزعامة مناحيم بيغن الذي نسق بالكامل مع النازيين والجستابو لتحطيم وملاحقة الإذاعة وأنصار السوفييت، وكان تلميذاً لـ بينو في مقر الصهيونية في ألمانيا بشارع (ماينيكر- شتراسه) ببرلين، وبيغن وبينو صديقان حميمان بالإرهاب وسفك الدماء.

وتم كشف المجموعة في الإذاعة عبر اليهود الموالين للنازية الألمانية وجواسيس مناحيم بيغن وتم إعدامهم رمياً بالرصاص وأخذ بيغن على عاتقه مع (بينو) وموشيه أورباخ الذي كان بمدينة فيينا لإجراء كل عمليات التنسيق المشتركة مع الصهيوني (بولكيس) وصديق آخر لمناحيم بيغن، أما إيخمان فكان تحت تصرفهم دائماً في إدارة جهاز الأمن الخاص بفرع فلسطين (11-112) وهو أحد أهم عملاء النازيين الألمان بعد ذهابه خلسة إلى الشرق الأوسط، وكذلك الحال تم التقاط مجموعات من الشباب في الغيتوات في أوروبا الشرقية ممن يشبهون العرب (من رومانيا وهنغاريا) وحظيوا باهتمام الجستابو والأجهزة السرية للعصابات الصهيونية وبتأييد من (كاناريس- وبيغن) لإرسالهم إلى الدول العربية للتجسس وبالأخص في القاهرة حيث أثبتت فضيحة لافون وجود يهود ألمان بضمن المجموعة الإرهابية حينذاك.
كذلك كانت علاقة كاناريس بـ جابوتينسكي ورازين وشتيرن وإسحاق شامير قوية جداً وقد كان شامير معروفاً بـ"إسحاق يزرنتسكي" وقامت مجموعة مرتبطة بهؤلاء الإرهابيين سميت بـ مجموعة (كاناريس- شتيرن) من عام 1939م- حتى 1944م بالتخطيط لقتل اللورد موين المبعوث البريطاني للقاهرة للتداول مع الملك بقضايا معينة، وقد تأثر ونستون تشرشل بقوة بالحادث ثم علق على ذلك:
"إن بريطانيا هي مهندسة لمعماريين يهود نصنع لهم مستقبلهم، ونضمن ذلك المستقبل للصهيونية الجديدة، إلا أن مقتل الوزير المبعوث البريطاني في القاهرة هو من أسوأ أنواع الإرهاب والإجرام على الطريقة النازية الألمانية..."[44].
لقد أثبتت قضيتا كاستنر وكاناريس وعلاقاتهما مع قادة الإرهاب النازي وبأن المنظمات الصهيونية عملت خلال الحرب العالمية الثانية باتجاه واحد ضد السوفييت وستالين والجيش السوفييتي وفضحت تلك الأعمال والوثائق والسلوكيات الفاشية علاقات شتيرن، وآرغون، وغيرهما مع النازيين وبقتل وتشريد اليهود الألمان والرومان والهنغار وتسليم اليهود الموالين لموسكو إلى الأجهزة الألمانية أما غولدا مائير فقد أكدت بأن هؤلاء المرتدين أنصار شتيرن وآرغون كانوا يتمسكون بالعنف الشوفيني[45].

سادساً- فضيحة لافون وشبكة موليسس في القاهرة
في عام 1953م قدمت الولايات المتحدة عن طريق وزارة خارجيتها باقتراح لإقامة السلام بين العرب وإسرائيل لكي يتم نقاش المسألة في جامعة الدول العربية وكتب في صحيفة نيويورك تايمز في ذلك الحين بأن هنالك شخصية أميركية تقوم بإجراء اتصالات سرية ومباحثات دبلوماسية بين مصر وإسرائيل وبطرح موضوع القدس في الاتصالات إضافة لإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين، إلا أن النائب البريطاني العمالي (أورباخ) أكد بأن (رالف بانش) هو المبعوث الأميركي الذي يتصل مع المصريين، وذكر ناحوم غولدمان كيفية إجراء الاتصالات مع الزعيم المصري جمال عبد الناصر من خلال وسيط أميركي، باعتباره رئيساً للكونغرس اليهودي الدولي وحصل على تأييد ترومان للقيام بدور كبير لإقامة علاقات ما مع مصر وحاولت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ابتزاز الزعيم المصري من أجل تأييد قيام السوق المشتركة في الشرق الأوسط برعاية أمريكية تضم إسرائيل كدولة عادية وعضوة في هذه السوق، إلا أن "ناصر" رفض الطلب الأميركي، وحثت إدارة ترومان وغولدمان أيضاً الزعيم الهندي "غاندي" إضافة إلى جواهر لال نهرو بأن يعرضا الفكرة على عبد الناصر وأخذ موافقة مبدئية منه[46].
إلا أن المصادر تذكر بأن عبد الناصر تحدث مع (أورباخ) في خلال شهور متتالية لمناقشة عدد من الاقتراحات التي تقدم بها بالأساس (موسى شاريت) في تحقيق وفاق بين إسرائيل ومصر، وبخاصة بعد أن أطلقت مصر سراح السفينة الإسرائيلية التي احتجزتها وهي تحاول عبور قناة السويس، كنوايا حسنة لإيقاف الحملات المعادية للعرب بعد التوسط الأمريكي، وعمل (آفي شليم) لكتابة تقرير سياسي حول دور شاريت في تحقيق الوفاق بين مصر وإسرائيل، باعتباره باحثاً ما بين 1980م- 1981م في برنامج دراسات الأمن الدولي في مركز وود رودلسون في واشنطن (D.C).

أما بيريز وموشي دايان اعتبرا تصرفات (شرتوك- موشي شاريت) بأنها تصرفات شخصية وليست ذات مغزى أو فائدة، وذهب دايان إلى أبعد من ذلك واعتبرها خطيرة، لأن شاريت سيجعل من الأمم المتحدة والولايات المتحدة عنصراً حاسماً في المفاوضات مع جمال عبد الناصر، لا بل وتتدخلان في شؤون إسرائيل، فعمد دايان رئيس أركان جيش الاحتلال الصهيوني إلى تصعيد سياسة العدوان والتسلط بحرب محدودة (1954-1955م) على الحدود المصرية والأردنية والسورية ومحاولة ضرب أهداف مدنية وعسكرية بهدف فرض شروط إسرائيل على تلك الدول وعلى مصر أساساً، وكان وقتها نافون وزيراً للدفاع أما دايان فكان رئيساً للأركان معارضاً فكرة شاريت السلمية، وأدرك الأخير بأن مواقف بن غوريون عدائية للسلام وللعرب، إلا أنه حينما تسلم (شرتوك) رئاسة الوزراء ازداد ذعر ورعب دايان ونافون، وانتقد تصرفاتهما علناً بعد مجزرتي (قبية، ونحالين) وحصلت تناقضات صارخة بين أهداف رئيس الوزراء (شرتوك- شاريت) المتجهة نحو المفاوضات السلمية وبين أهداف نافون ودايان اللذين سعيا لتسعير نار الحرب والعداء ضد العرب وعبد الناصر، وقام أرئيل شارون بارتكاب مجزرة (نحالين) من خلال القوة الخاصة رقم 101 دون موافقة وزارة الدفاع التي تتبع لرئاسة الوزراء بهدف معارضة تصورات وأهداف موش شاريت (شرتوك) وفي عام 1954 امتدت الاعتداءات الإسرائيلية إلى مدينة القاهرة المسالمة، بالتخطيط بين (بريطانيا، والولايات المتحدة، وفرنسا) وعناصر يهودية تابعة للحركة الصهيونية العالمية عبر شبكة (مولسس) التجسسية للقيام بأعمال تخريبية ضمن العاصمة المصرية لإحراج القيادة المصرية ودفعها لاتخاذ إجراءات تخرب العلاقات المصرية البريطانية والمصرية الأمريكية، وكان شاريت لا يعلم فيما يبدو بهذه الأعمال لأن أهدافه كانت تتجه بمسار آخر، بينما خطط لذلك موشي دايان وشارون، فأحدثت العملية ضجة كبيرة واختلالات في علاقة مصر بالدول الغربية وأميركا[47].
أما نافون فقد تسلم رئاسة الهستدروت وكان من أنصار شاريت معارضاً أعمال دايان وشارون وبناءً على تعليمات بن غوريون طرد نافون من الهستدروت، وبعد سلسلة أحداث داخل الكيان الإسرائيلي أعاد ليفي اشكول نافون لعضوية الهستدروت وحزب المابام[48].

في 26 تموز أعلن عبد الناصر قراره الجريء والمخطط له، إعلان الشركة العلمية للملاحة الدولية في قناة السويس شركة وطنية مؤممة حسب قوانين الثورة وتحويل جميع واجباتها والتزاماتها إلى ملكية للدولة والشعب، رغم التحذيرات البريطانية والأمريكية واليهودية العالمية من محاولات تأميم القناة ضمن معاهدة عام 1888م التي تتعلق بالملاحة ضمن القناة وتشاورت الدول الثلاثة بين وزير خارجية فرنسا كريستيان بينو ووزير خارجية بريطانيا أنتوني ايدن ووزير خارجية إسرائيل، وبعد ثلاثة أسابيع عمل مكتب وزير الدفاع الأميركي تحت ضغط إسرائيل وجماعات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة لضرب مصر بحرب رادعة تلجم اندفاع عبد الناصر نحو تحدي الدول الاستعمارية وإقامة الوحدة العربية، ودفع بالجيش الإسرائيلي إلى مصر بالعدوان الثلاثي لإسقاط نظام عبد الناصر وتدمير جيشه 1956م وكان جون فوستر دالاس يؤيد /إسرائيل/ ولندن وباريس بالقيام بأعمال حربية، ودفع باللوبي الصهيوني لجمع المساعدات والتبرعات في الولايات المتحدة لدعم الجيش الإسرائيلي، بعد أن رفضت مصر عقد مؤتمر دولي لجعل قناة السويس ملكاً لاتفاقية دولية لها سلطة عالمية تهيمن عليها إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا على قناة السويس وقام رئيس وزراء استراليا (ح. متريس) بتوجيه إنذار لعبد الناصر بعد انتهاء أعمال المؤتمر الدولي وخططت وزارات الدفاع الفرنسية، والبريطانية، والإسرائيلية لشن حرب رادعة ضد مصر ومارس بن غوريون بعد زياراته للجاليات اليهودية ومجموعات الضغط في الولايات المتحدة، سلسلة أكاذيب لكسب الرأي العام الأمريكي والطائفة اليهودية في أوروبا وأمريكا لشن حرب رادعة، وعند إعداد الخطط العسكرية نهائياً اتصل بن غوريون[49] مع أيزنهاور لأخذ قراره النهائي بالتدخل وبالاتفاق مع بريطانيا زاعماً:
(إن عبد الناصر طوق إسرائيل بطوق فولاذي مستعداً "للحرب" وزار بن غوريون فرنسا سراً للانتهاء من خطة الحرب المشتركة).

سابعاً- الدور العالمي لشركة آل روتشيلد الصهيوني 1850م
اعتبرت الشركات اليهودية العالمية الحامية الكبرى لكل المسألة اليهودية وتطوراتها فهي حامية الاستيطان الأوروبي عوضاً عن الاستيطان اليهودي في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية أي باختصار في الدول الفقيرة. وفقاً لتوجيهات شركات أسرة روتشيلد وشافتسبري وأسرة لازار وتوجهات (البوند في روسيا وبولونيا) وتوجهات (الدونما في الدول الإسلامية والباب العالي) أعلن بالمرستو عن توجيهات جديدة لا بد من تنفيذها في بلاد الشام وإثيوبيا وإيران وتركيا فضلاً عن فلسطين ضمن سياسة "اليشوف" الاتحاد الزراعي الصهيوني واتحاد عمال صهيون الذين أكدا مع بالمرستون وبدعمه الخاص أنهم ضد العمل العربي، من أجل الاستيطان الذي سيقوم به (العمل العبري) لذا توجب منذ بدايات الاستيطان اليهودي في فلسطين طرد العرب من السوق الجديدة التي هي بالأساس سوقهم وأرضهم لأنها ضرورة هامة للسياسة الاقتصادية والاستيطانية للصهيونية العالمية، رغم أن العنصرية شكلت المفهوم الرئيس للعمل العبري حسب ما أعلن عنه الفهود السود أساساً[50].
لقد عمل حاخامات اليهود في الاسكندرية والقدس والباب العالي قبيل القرن العشرين لتوطيد ما يلي:
أ- إعلان قبول يهود العالم بما فيهم يهود مصر بالحركة الصهيونية ودور القنصل البريطاني في القاهرة ودور الحاخام الأكبر موييس القطاوي باشا يهود مصر ورئيس مجمعهم بالاسكندرية أصحاب احتفالات (كيولاه)[51]؟!
ب- التوجه بالرجاء الخاص إلى الحكومة البريطانية العظمى بأن: "تسهل لليهود استعمار فلسطين وتشجيع حركة الاستيطان مما أدى إلى إعلان وعد بلفور المشؤوم عام 1917م (2 تشرين الثاني) بتشابك مصالح شافتسبري وأسرة روتشيلد وبالمرستون مع العرش البريطاني "وكان لفرنسا أيضاً الدور نفسه بأن أصدر سكرتير وزارة الخارجية الفرنسية كامبو "وعد كامبو" الشبيهة تماماً "لوعد بلفور" ولكن في شهر أيار من العام نفسه، تكامل التآمر الاستعماري البريطاني- الفرنسي وساندا بقوة قيام الكيان الصهيوني ودعماه باتفاقية خطيرة سميت اتفاقية سايكس بيكو (1916م) التي قسّمت المنطقة إلى دول متفرقة خوفاً من وحدتها ضد الكيان القادم.

لقد كان هربرت صموئيل حاكماً عاماً على فلسطين وقت الانتداب البريطاني ولاعتقاداته الرسمية فإنه من خلال الانتداب البريطاني لا بد من تطبيق وعد بلفور، وبهذه الصورة تكامل الحلف الاستعماري تحت النجمة الصهيونية بعد أن كان لذلك الحلف خيوط وأصابع في كل مكان من أوروبا إلى أمريكا إلى الباب العالي، فالشعوب العربية والإسلامية لا يمكنها تناسي تلك الأحداث التاريخية الخطيرة ودور بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة في زرع الكيان الصهيوني الاستعماري الاستيطاني في محاولات ضرب الوحدة العربية بين المشرق والمغرب، الأمر الذي يفسر الوقوف ضد وحدة مصر وسوريا ووحدة العمل الاستراتيجي العربية، والأخطر في الممارسات الانجليزية ما قام به "إدوارد لودفيج ميدفورد" الدبلوماسي الانجليزي غير اليهودي، بتقديم نداء عالمي بالنيابة عن اليهود لإنشاء كومنولث بريطاني في بلاد الشام على أساس من:
"فلسطين بمساحتها الصغيرة لا تتسع ليهود العالم، ويستحسن توسيع نطاق الدولة تلك عبر الاستيطان ليس في فلسطين فحسب بل في الأراضي المجاورة لها، ويمكن إقناع الامبراطور العثماني بتهجير كل السكان "المحمديين" من فلسطين حتى نهر الليطاني وحتى درعا السورية وسيناء المصرية وإلى مناطق داخلية في شمال العراق وسوريا"...؟!

الباب الثاني
اللوبي الصهوني في الولايات المتحدة ومجموعات الضغط اليهودية
((بناي برث- يوإيباك- معهد الأمن القومي))
1 لمحة عن اللوبي اليهودي- الصهيوني في الولايات المتحدة
يقصد عادة باللوبي الصهيوني في الدراسات والأبحاث التي تتناول أحزاب ومنظمات ومجموعات الضغط اليهودية- الصهيونية في داخل الولايات المتحدة وغيرها، وكيفية تعامل هؤلاء في مختلف مناطق تأثيرهم على أنشطة الوزارات والمؤسسات الأمريكية التنفيذية والقضائية والتشريعية، بالرغم من وجود مجموعات أخرى للضغط تختلف مبادئها وأهدافها منها مجموعات كوبية ويونانية وصينية وعربية، في مساحات التأثير بالسياسة الأمريكية، أكان اتجاه الصراع العربي- الصهيوني أو اتجاه قضية قبرص الشمالية أو في الحصار المستمر على كوبا في فرض تجاه واحد على العمل الرسمي الأميركي وتبنيه، إلا أن الطائفة اليهودية الكبيرة في الولايات المتحدة والبالغ عددها 6 ملايين تمثل 2% من عدد السكان والمجتمع الأمريكي، ولها تأثير مباشر وغير مباشر على مجمل الإدارات الأمريكية المتعاقبة في واشنطن فإننا نحاول سبر غور الخلفية التاريخية لدور مجموعات الضغط اليهودية- الصهيونية مثل إيباك وبناي بريث، وجويش إبل، وجويش أنتيتي سنتر (مركزها تيكفا) الذي أسسه الحاخام مائير كاهانا ومدير المركز "مايك غوزوجسكي" إضافة إلى التناقضات بين الحركة الصهيونية العالمية وإسرائيل مع بعض مجموعات الضغط مثل "منظمة جونيت العالمية" و"هياس" ودور "لجنة البحث اليهودية الأمريكية العالمية" التي تتقصى وتتابع كل من يكتب أو يحرض على اليهود الصهاينة في العالم أكان ذلك إبان الاتحاد السوفيتي السابق أو في المرحلة الحالية ضد العرب والمسلمين وطبيعة الخلافات حول مركزية الكيان الصهيوني ودور اللوبي الصهيوني في دعم عنصرية وعدوانية "إسرائيل" ضد العرب منذ عام 1948م حتى الآن[52].
لا شك هنالك قراءات وتحليلات متعددة حول طبيعة الأدوار التي قام بها اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية في مراحل متقدمة للتأثير على السياسة الخارجية والحربية وفرض قياداته على مراكز التأثير الحساسة ومواقع القرار مثل (هنري كيسنجر، مادلين أولبرايت، وليم كوهين) وهي المراكز الأهم في صياغة القرار الأمريكي، رغم التحذيرات الخطيرة التي أطلقها بنيامين فرانكلين حول دور اليهود الخطير في البلاد عام 1789م[53] باعتباره مؤسس الولايات المتحدة وأحد واضعي دستورها.
يلاحظ في السنوات الأخيرة من القرن العشرين بأن إدارة بل كلينتون هي من أبرز الإدارات الأمريكية التي اعتمدت بشكل رئيس على تلك القيادات النشطة في مجموعات اللوبي الصهيوني التي تتبنى الرأي الإسرائيلي وتدعمه منهم وزيرة الخارجية ووزير الدفاع ومستشار الأمن القومي إضافة إلى دينس روس مبعوث المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية، ودوره الصريح في منظمة إيباك، وفي الضغط على السلطة الفلسطينية وابتزازها.
انتقلت مراكز الصهيونية العالمية وأجهزتها القيادية من أوروبا إلى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية (1940م-1945م).
وحصلت عمليات تقارب واسعة بينها وبين الأجهزة السياسية والدعائية والاقتصادية للولايات المتحدة بعد اختيارها كمركز للصهيونية العالمية، بسبب أن وجود المنظمات اليهودية الصهيونية فيها هي الأكثر تعداداً والأضخم نفوذاً من النواحي السياسية والمالية، ومكَّنها ذلك التزاوج مع المجمع الأمريكي الصناعي الحربي والقيام بنشاط واسع جداً، لأن الأمريكيين من أصل يهودي يملكون ويديرون الشركات الضخمة والبنوك والمصارف العالمية وشركات الاتصالات والتأمين، فهم يسيطرون فعلياً على أهم الشركات المتلفزة وأهم الصحف الأمريكية "الواشنطن بوست" إضافة إلى أضخم جهاز إداري، وأشهر المنظمات اليهودية "يونيتد جويش إبل" و"بناي بريث" و"إيباك" وتحويل مركز الصهيونية العالمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية كونها استفادت من تحويل الشركات والاستثمارات والبنوك من أوروبا إليها قبل وفي خلال الحرب العالمية الثانية، وبالتالي اختيار الرؤيا السياسية التي تبنتها الدوائر الأمريكية والكنيسة المورمانية الأمريكية فتغير مع ذلك قوة تأثير اليهود والصهاينة على المسرح العالمي[54].
كتب الملحق العسكري الأمريكي في بيروت عام 1946م ضمن اهتمامات البعثة الدبلوماسية الأمريكية بالمنطقة، ما يمكن ذكره وتحليله عن الميول الشيوعي المتسرب للمنظمات والهياكل العمالية والاشتراكية اليهودية الكبرى ضمن فلسطين بما فيها الكتلة النقابية العمالية اليهودية "الهستدروت" وتخوفت الأجهزة الأمريكية والغربية من ازدياد النفوذ اليساري في داخل الحركة العمالية اليهودية المعادية إلى حد ما للوكالة اليهودية والحركة الصهيونية؛ واللتين استغلتا الهجرة اليهودية العالمية إلى فلسطين برعاية واضحة منهما، واستثمر قادة الصهاينة من مختلف الاتجاهات العلمانية والدينية خصوصاً التعاطف الأوروبي والأميركي المتزايد مع اليهود بعيد الحرب العالمية الثانية واستغلوا بشكل بشع مسألة "المحرقة النازية"[55] بالدعاية الإعلامية رغم أن الحرب أتت على عشرات الملايين من شعوب الدول المشاركة بها في أوروبا، لكن الملحق العسكري الأمريكي ذكر في تقاريره أن العرب ناقمون على اليهود والصهاينة والدول التي تدعمهم وهم بذلك يهددون المصالح الحيوية للدول الكبرى، ونصح قيادة أركان القوات الأمريكية التعاون مع زعماء الحركة اليهودية والصهيونية، وطالب بأن يقدر هؤلاء حجم المساندة من القوات الأمريكية لحماية الدولة اليهودية بعد عام 1948م ودعم العصابات الصهيونية بكل أنواع الدعم إضافة لدفع البوارج والقطع الحربية الأميركية للوجود قبالة موانئ حيفا ويافا عند الاستعداد المستمر لاغتصاب فلسطين وجعلها وطناً ليهود العالم منذ 1947م- حتى الآن[56].
يلاحظ هنا أن مجموعات الضغط اليهودية أثرت بشدة على الرئيس ترومان، بعد أن قدمت الجمعية العامة للأمم المتحدة مستنداً قانونياً لبناء الدولةا ليهودية بقرار التقسيم (181) وبالاعتراف الأمريكي الرسمي بدولة يهودية وأخرى عربية على أراضي هي بالأساس فلسطينية عربية كانت تحت الانتداب البريطاني منذ بداية عشرينات القرن الماضي، ووجهت الوكالة اليهودية العالمية نداء ليهود الولايات المتحدة لإرسال السلاح والمال والمتطوعين فوراً عام (1947م- 1948م) وأوفد موسى شاريت (شرتوك) للولايات المتحدة ليطلب رعاية للوكالة اليهودية رسمياً وعلى أن تحصل بالإذن للمشاركة في مجلس الأمن الدولي، وأيدت الخارجية الأمريكية، مشاركة الوكالة اليهودية بالمناقشات العامة في الأمم المتحدة على أن يسمح بموجب ذلك لليهود باستيراد السلاح إلى فلسطين بموافقة الأمم المتحدة بهدف تنظيم ميليشيات ضمن الدولة اليهودية تحت حجج حماية نفسها من العرب لأن اليهود فيها بسطاء وليس لديهم السلاح[57].
وعملت المنظمات الصهيونية اليهودية منها الكونغرس اليهودي الأمريكي، لجنة فلسطين الأمريكية اليهودية، المجلس الدولي للنساء اليهوديات، منظمة العمال الصهيونية في أمريكا، المنظمة الصهيونية الأمريكية والمحافظون الصهاينة في أمريكا، ومنظمة حداش التي تضم أكثر من 300 ألف عضو فيها الوقوف ضد الإدارة الأميركية ووزارة خارجيتها عام 1949م لرفضها لخطة إسرائيلية لتطوير حوض نهر الأردن، وخطة دولية لإعادة إسكان 200 ألف فلسطيني في الأردن وبأساليب الضغط والابتزاز تظاهر اليهود وأضربوا واعتصموا أمام الخارجية الأمريكية معتبرين الرفض الأمريكي على الخطة جزءاً من قطع المساعدات الأمريكية لإسرائيل بعد قيامها وهي محاولة لإجبار دولة صديقة (إسرائيل) بعدم تنمية مواردها بعد أن قطعت الخارجية الأمريكية المساعدات عن إسرائيل 19/10/1949م.
تصاعدت حجم الانتقادات والمعارضة اليهودية الصهيونية للسياسة الأمريكية الغامضة تجاه بداية المشاريع اليهودية في فلسطين، ولكنها نجحت إلى حد كبير فيما بعد لنيل رضى الحكومات الأمريكية بالضغط السياسي والمالي والأمني وبأساليب لا أخلاقية للوصول إلى أهداف الحركة الصهيونية والأحلام التوراتية بدعم الكيان الصهيوني.
لقد خطط حاييم وايزمن وغيره لإخراج الصهيونية من مأزقها بدعم فكرة الوكالة اليهودية لإقناع العرش البريطاني، وحكومتها إضافة إلى الولايات المتحدة ودول أخرى لتوافق على أنشطة مراكز القوى اليهودية في بلدانها، وعمل وايزمان لإقناع يهود الولايات المتحدة باعتبارهم أكبر تجمع يهودي عالمي إذ يبلغ عددهم 6 ملايين وتمكن من إقناع زعماء وحاخامات اليهود في أمريكا بضرورة العمل ضمن أهداف الحركة الصهيونية العالمية ومساندتها بكل شيء.
***
2 اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة:
(التأثير المبكر على مراكز القرار)
لعبت الكنيسة المورمانية الدور الخطير في إحياء المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة فأرسلت جوزيف سميث تلميذ (أوريسون هايد) إلى القدس من أجل استكمال النبوءات التوراتية ببعث إسرائيل من جديد عام 1840م أي قبل 160 عاماً ومن خلال "كتاب سري" له طابع رسمي حمله هايد نفسه من وزير خارجية الولايات المتحدة شخصياً إلى الحاخامات القدس. إضافة إلى كتاب سري آخر من حاكم ولاية (أيلينوي) بأن يقوم قنصل السفارة الأمريكية في القدس بدعم الاستيطان اليهودي في فلسطين بأي شكل حتى وإن كان ذلك من خلال الدسائس والفتن وفي عام 1850م آب أي بعد عشرة أعوام من بناء أول مستوطنة زراعية (لليشوف) بتاح تكفا في ضواحي القدس، وعمل على تأسيس مستوطنات جديدة، ودعا اليهود للهجرة من خلال تشجيع ما يلي:
أ-إقامة الحفلات الرسمية وغير الرسمية تحت إشراف الصهيونية سراً مع استخدام العلم البريطاني.
ب-ملتقيات الصداقة والمحبة والأنشطة السياحية ولجان الآثار والاستشراق بتشجيع قوي من أوروبا وأمريكا.
ج-تشجيع نشاطات الكنيسة البروتستانتية في الدول العربية (الجامعات الأمريكية).
وبخاصة أن اليهود يعتبرون المسيحية البروتستانتية هي الفكر الأسمى لهم لأن اليهودية تطرح نفسها "الحريديم" على أنها مسألة لاهوتية بالنسبة إلى ألمانية ومسألة تحرر ذاتي سياسي بالنسبة لفرنسا ومسألة علمانية بالنسبة لأمريكا، وعلى أثر النشاطات اليهودية الصهيونية في الولايات المتحدة توفر لها مناخ العداء القومي والعرقي والديني وحظيت معظم الصحف والمجلات ووسائل الإعلام والمؤسسات الأمريكية[58] باستشارات ونفوذ قوي للمنظمات الصهيونية من مثل: اتحاد العمل الأمريكي، والمؤسسة الثقافية الأمريكية، واتحاد الذهب واتحاد النحاس ومدرسة راند ومؤسسة العمل الأمريكي وصناديق الدعم المالي والبوندس نيتشر اليهود في كندا وشمال أمريكيا, والكونغرس الأمريكي, والكومنولث الصهيوني الأمريكي والوحدة الطبية الأمريكية واتحاد الشباب الصهيوني, ولجنة الطوارئ الصهيونية الأمريكية, ومنظمة جونيت العالمية, إضافة إلى الشركات المتفرغة عن اندماج شركات أسرة روتشليد وأسرة لازار في أوروبا وأمريكا المسماة (R.M) فوق القومية ومن فروعها شركة (فيليبس العالمية) التي تساند إسرائيل بصنع التقنيات الحديثة في مجال القوة الجوية والطاقة النووية إضافة إلى الكارتل النفطي في أمريكا اللاتينية[59].
***
3 دور المجلس المسيحي- اليهودي العالمي:
كذلك قامت مجموعة من المستوطنين التي تسمى الجالية الأمريكية التابعة للقنصلية الأمريكية من التجار ورجال الأعمال المسيحيين الأمريكيين منذ عام 1840م-1850م والمقيمين في مدن حيفا ويافا ومدن أخرى بإرسال رسائل خاصة لأعضاء الكونغرس الأمريكي هدفها إثارتهم ودعوتهم كذباً ورياءً لتخليصهم من أوضاع وصفوها بأنها رهيبة ولا تحتمل وذلك بالاتفاق المسبق مع الحاخاميات اليهودية في تركيا- وسالونيك وإيطاليا وفرنسا، والاسكندرية، فأرسل أكثر من سبعين شخصاً رسائل مغرضة بعد موافقة السفير الأمريكي في الباب العالي العثماني وجاءهم الرد من أعضاء الكونغرس، بالتشكيك بمحتوى الرسائل المرسلة وبالموقعين عليها مؤكدين بأن المشروع الاستيطاني اليهودي لا يعني أمريكا وهو غير ناجح، لكن رغم ذلك فإن أعضاء الكونغرس أكدوا أنهم سيرسلون مجموعات يهودية للاستطلاع وأنهم سيصلون ميناء يافا من ولاية (ماين) لتدارس الموضوع مع بريطانيا لتبيان نجاح مشروع الرسائل المرسلة إضافة إلى تشجيع هجرة المجموعات اليهودية، وجاءت ذروة تلك الأعمال بعد ضغوطات اللوبي الصهيوني ومنظماته على الكونغرس وزعماء أمريكيين ولا يمكن إغفال أحداث وتطورات القرن التاسع عشر في المنطقة أو في أوروبا.
أما اللورد بالمرستون 1784م-1865م كان سياسياً كبيراً ومدافعاً نزقاً عن فكرة هجرة اليهود واستيطانهم في الأراضي الفلسطينية المقدسة استكمالاً للحروب الصليبية ولتأديب الكنيسة الشرقية والإسلام وكانت الامبراطورية ومجمعها الاستعماري القديم في لندن مشغولة تماماً بترتيب كل ذلك بدقة، إذ كان ولا يزال الشغل الشاغل لهم احتلال واستثمار المنطقة العربية والإسلامية.
أما في القارة الأمريكية فقد تحققت بشكل تلقائي عملية اندماج اليهود وبخاصة في البرازيل فكانوا يملكون المزارع ومعاصر الزيتون الضخمة، وكان الزنوج يرسلون بأعداد كبيرة كعبيد يعملون في مزارعهم من إفريقيا وظهر مرسوم عام 1768م شهر آذار هدف إلى حرق وإتلاف كل الوثائق التي تؤكد بأن المسحيين الجدد الرأسماليين والإقطاعيين ليسوا من اليهود بل هم مسيحيون وأظهرت الوثائق الجديدة بأنهم مسيحيون لهم حقوقهم الكاملة بامتلاك العقارات والأراضي والمصانع والبنوك كغيرهم لكن في ألمانيا وإيطاليا ظل "الغيتو اليهودي" مغلقاً يلعب دوراً مرابياً متجولاً.
ولعبت الحركات التبشيرية المسيحية وبالأخص (المجلس المسيحي العالمي لفلسطين) الدور المخطط له كجزء من أذرع الحركة الصهيونية العالمية فهم في الخفاء يهود وفي العلن مسيحيون كما حصل في كنيسة البرازيل وكنائس أخرى مهمة هؤلاء بتأمين أنشطة خفية لليهودية العالمية وزيادة نفوذها ودورها في الحياة اليومية والرسمية فإذا ما نظرنا إلى عضوية 1500 شخصية عام 1942م من الأمريكيين انضموا إلى (المجلس المسيحي- الصهيوني العالمي) مع ثلث أعضاء الكونغرس الأمريكي وهؤلاء وقعوا مذكرة في تلك السنوات على أهمية دعم المنظمات العسكرية والإرهابية الصهيونية بالمال والسلاح والتغطية الإعلامية والتدريبية، إضافة إلى 500 كاهن مسيحي وقعوا عريضة وصلت إلى مقر الرئاسة الأمريكية في عهد (دالاس) لتحقيق مطالب الصهيونية في فلسطين إضافة إلى أكثر من 175 ممثل سينمائي من ممثلين قدامى وجدد في هوليود ينتمون إلى المجلس المذكور. إضافة إلى جامعات ومراكز أبحاث مثل كولومبيا يونفرسيتي وستانفورد وهارفارد واكوسفورد حيث تخرج منها ييغال آلون وحاييم لاسكوف وموشي أولنيك ويوسف الشيخ (عائلة يهودية من أوروبا الشرقية وهو مسؤول كبير في البنك الدولي...؟‍!).
وتخرج منها أيضاً يهوشفاط هركابي وجاد يعقوبي وريمون هرال ويوسف تشخنون من جامعة بركلي وشمعون بيريز ويوسي ساريد واورانمير من الكليات العسكرية العليا في مدارس البنتاغون الحربية.
أضف إلى النوادي والروابط والجمعيات الصهيونية التي وضعت تحت تصرفها بنوك ومؤسسات وشركات لتأدية خدمتها إلى الصهيونية منها "بناي بريث"، و"البناة الأحرار في أمريكا"، و"الروتاري الأمريكي"، الذي تنتمي إليه مادلين أولبرايت، إضافة إلى المشافي ودور نشر عالمية كبرى والمجالس الثقافية والنوادي الموسيقية والرياضية والمؤسسات الخيرية ومنشأة عليط وهي مركز دولي إسرائيلي موالي لـ(اللوبي الصهيوني الأمريكي).
عمدت الوكالة اليهودية ومجلس الطوارئ فيها إلى الاستفادة من الصحافة الأمريكية والمطبوعات الحديثة وروابط التحريض والدعاوي وبلغ عدد الصحف العبرية والموالية عام 1927م، أكثر من (535) ألف عائلة مهتمة بالصحافة والنشر والدعاية وتمتلك مؤسسات متوسطة وضخمة، ومن المجلات "كونغرس ويكلي"، ريكونستر كشنست"، و"جويش سبكتاتور"، و"بناي بريث منثلي"، وزودت الصحف ووسائل الإعلام الأميركية ببيانات ووثائق كاذبة وملفقة، وأن 10% من أعمدة الأخبار في الصحافة الأمريكية وعددها 3300 أعيدت طباعتها في الصحف الأمريكية مراراً لكسب الرأي العام الأمريكي، أما الصحيفة الوحيدة التي اتهمت بمناهضة الصهيونية فهي صحيفة "نيويورك تايمز"، الشهيرة حتى الآن!!...

يتبع

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
الدكتور خليل البدوي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04 / 04 / 2011, 41 : 01 PM   رقم المشاركة : [2]
نصيرة تختوخ
أديبة ومترجمة / مدرسة رياضيات

 الصورة الرمزية نصيرة تختوخ
 





نصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond repute

رد: الحلف الاستعماري وقضية فلسطين

[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center] إضافة إلى جامعات ومراكز أبحاث مثل كولومبيا يونفرسيتي .
ملاحظة بسيطة على الجملة أعلاه:
جامعة كولومبيا التي كان يدرس فيها البروفسور القدير إدوارد سعيد واحدة من الجامعات الأمريكية التي تعرضت لضغوط لأن صوتها لم يكن دوما مواليا للصهيونية و كلنا يعلم الدور الجد الإيجابي الذي لعبه ادواد سعيد في فضح الاستشراق والعنصرية والتعالي الغربي اللذان تجسدا فيه.
فقد وصل اللوبي الصهيوني لحد اتهام الجامعة بمعاداة السامية الأمر الذي تعذر إثباته لإدانة الجامعة بشكل فعلي.
لك تقديري د.خليل وبارك الله جهودك.[/align]
[/cell][/table1][/align]
نصيرة تختوخ غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04 / 04 / 2011, 59 : 01 PM   رقم المشاركة : [3]
الدكتور خليل البدوي
دكتوراه آداب/دكتوراه طب/صحفي وفنان تشكيلي/مؤلف وكاتب ومحلل سياسي

 الصورة الرمزية الدكتور خليل البدوي
 





الدكتور خليل البدوي is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: جمهورية العراق

رد: الحلف الاستعماري وقضية فلسطين

أما القس نورمان مكّلين فقد ألف كتباً تمجد الصهيونية منها:
*"سيفه هائل سريع"، وكارل فريدريك "السياسة الأمريكية نحو فلسطين"، إضافة إلى توزيع الكتب والبيانات الصهيونية على مكتبات الكنائس والمؤسسات ومكتبات المؤسسات والدوائر الرسمية الأمريكية كمكتبة الكونغرس. ولنتذكر بأن هنالك تعاوناً وثيق الصلة جرى بين بريطانيا ـ والولايات المتحدة لدعم الصهيونية العالمية ومؤسساتها وبأن سبعة بارونات من أسرة روتشيلد سيطروا على شركات وبنوك من أجل الأهداف ذاتها، وهي:
*شركة الخطوط الحديدية الشمالية، ومجلس إدارة الخطوط الجوية الفرنسية إضافة إلى بنوك فرنسية.
*شركة حديد إسبانيا ـ مدريد ـ سراغوس.
*أفران الصهر العالي وشركات بترولية وصناعة الكيميائيات في فرنسا.
*رمز (r.m) الرابط السري بين مؤسسة روتشيلد العالمية والشركات العالمية النمساوية والهندية والبلجيكية والهولندية والألمانية وسيطرت مؤسسة أسرة روتشيلد على كل ما يتعلق بالكهرباء ومؤسساتها وخطوط الحديد في ألمانيا ودول أخرى.
*مولت البنوك الأوروبية ألمانيا قبيل الحرب العالمية الثانية، وفي خلالها منحوا قروضاً سريعة لتمويل عمليات التخريب والإبادة ضد شعوب روسيا وألمانيا والنمسا ويوغوسلافيا والعرب.
*وضعت الولايات المتحدة الأميركية يدها على "تروست مورجان" بحماية بنوك آل روتشيلد في بريطانيا والعالم فصار الرمز بين الشركات الأمريكية وأسرة روتشيلد (مورجان)، (r.m) التي كان لها الدور الأعظمي في بناء معاهدة حلف الشمال الأطلسي (الناتو).
*لقد جعلت (r.m)من نيويورك، وتل أبيب، ولندن، مراكز وأوكار السيطرة على العالم بكل الاتجاهات بهدف ترانسفير اليهودي، ودعت الوكالة اليهودية عن طريق الأمريكي "ادوارد نورمان"، والروسي "حاييم أرلوزوف" تنظيمات صهيونية عسكرية وإرهابية مثل هاشومير عام 1920م بإشراف الهستدروت العالمية التي انضوى تحتها هبوعيل، أحدوت، وبيتار، حيث كان لوايزمن وبن غوريون الدور الهائل في ذلك كله.
واستخدمت الصهيونية العالمية كل الأفكار الاشتراكية والرأسمالية والمسيحية وحتى بعض التيارات الإسلامية المرتبطة ببريطانيا لتمرير مؤامراتها الدولية باتجاه احتلال فلسطين والسيطرة عليها.
وبهدف إنجاح الدعاية الصهيونية على المستوى العالمي وتضليل الرأي العالم الأمريكي شكلت "لجنة البحث اليهودية العالمية" التي تتقصى وتلاحق كل من يكتب ضد اليهود والصهيونية في العالم وكان مديرها (موشي ديكنز)، ويعود لها مراقبة كل ما يتعلق بالمسألة اليهودية في أوروبا الشرقية والغربية إضافة إلى الدول العربية والإسلامية وضغطت اللجنة على عضو المحكمة العليا (أو. دوغلاس). وعلى عدد من رجال الدين والسياسة بالترهيب والترغيب حتى أنها تتعاون مع المافيا والمنظمات الصهيونية العسكرية واليمنية المتطرفة لوضع شخصيات يهودية في الولايات المتحدة ضمن الأماكن المتنفذة "المركز الروسي"، في جامعة هارفرد د.س غوريفتسن في إنجاح خطط لجنة البحث اليهودية العالمية حتى أنها تمكنت من جذب "ميخائيل غورباتشوف" إلى مراكز الأبحاث الأمريكية كمتواطئ مع لجنة البحث اليهودية.
وهم بذلك يعملون في مختلف مجالات العلوم والتكنولوجيا والسياسة والاقتصاد والبيئة حتى أنها قامت بقواتها وعصاباتها بقتل عشرات العلماء العرب الذين تخرجوا من الجامعات الأمريكية برتب ومراكز علمية رفيعة ويعود أيضاً لـ(أسرة لازار وفريد لازار) نائب رئيس اللجنة الصهيونية الأمريكية المسيطرة على كل ما يتعلق بالحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في أمريكا اللاتينية يتعاونون مع "لجنة البحث"، من خلال الاحتكارات العالمية "جنرال الكتريك"، و"تشيز ماناهتان"، ودور المسرح والأوبرا والغانستر "دور القمار"، في الولايات المتحدة الأميركية وأمريكا الوسطى والجنوبية.
واستخدام "ستاندارد أويل أوف أنديانا"، في تطوير الهجرة اليهودية من أمريكا تحت الشعارات التوراتية ـ والصهيونية بتشجيع القتل والإرهاب المنظم[60].

عملت المنظمات الصهيونية الأكثر نفوذاً وتعداداً في الولايات المتحدة في مختلف مناحي الحياة، ولم تترك شيئاً في الحياة العامة إلا وتتدخل فيه، واستندت تلك المنظمات على الطائفة اليهودية، والمسيحية الصهيونية، المرتبطة بالاحتكارات العالمية ويتبع لها جهاز إداري، هو الأضخم في أنحاء العالم، وتنظم المواعيد وتنسج العلاقات المتعددة سياسياً واقتصادياً وثقافياً للمسؤولين الأمريكيين إذ تعتبر (اللجنة الإسرائيلية الأمريكية للشؤون العامة) المسجلة رسمياً هي من أقوى التجمعات اللوبي اليهودي ومنها:
*الكونغرس اليهودي الأمريكي رئيسه السابق (آرثر هيرتس بورك).
*مجلس الاتحادات اليهودية رئيسه السابق (كارمي شوارتس)1932م.
*المؤتمر اليهودي لشؤون الأمن القومي رئيسه (ش.شتيرن).
*مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى رئيسه (كينث بيالكين) 1959م.
تتخذ تلك المنظمات الأعلام والنجمة الصهيونية في مختلف أنشطتها، أما الكاتب اليهودي الأمريكي "ألفرد ليلنتال"، المعروف بعدائه للدولة الصهيونية وواصفاً الحركة الصهيونية بأنها حركة نازية جديدة لا تختلف عن هتلر والهتلرية بشيء، مؤكداً أن الأمريكيين لا يدركون بالضبط طبيعة النظام القائم في "إسرائيل"، فهم يعتقدون بأنه ديمقراطي لكنه ـ بكل تأكيد ـ غير ذلك ولا يمت للديمقراطية بصلة وعلى الأمريكيين أن ينظروا بجدية إلى حكام إسرائيل وطبيعتهم العدوانية ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المجاورة وبالأخص النظر إلى مشكلة اليهود العرب الشرقيين حيث التفرقة العنصرية[61].
أما هنري مونسكي لعب الدور الأبرز في تجميع عشرات الأحزاب في مجلس يهودي أمريكي أسماه مجلس الطوارئ الأمريكي واسع الانتشار في الولايات المتحدة وشكل مؤتمراً ضم في صفوفه أكثر من (34) حزباً ومنظمة يهودية اختارت مندوبيها إلى مؤتمر بتسبرغ، على أساس من تجميع يهود أمريكا كلها لتشكيل مجموعة ضغط سياسية واقتصادية وأمنية وكتب الصحافة الأمريكية واليهودية عام 1943م، أن مؤتمر هنري مونسكي كان مؤتمراً تاريخياً رغم اعتراض اللجنة ا ليهودية الأمريكية ولجنة العمال اليهودية الأمريكية عليه لأنه دعا إلى الهجرة إلى فلسطين ووقف بوجه "الكتاب الأبيض"، لمكدونالد الذي دعا إلى رفض الهجرة إلى "إسرائيل"، ويستخلص من الأنشطة تلك المؤيدة والرافضة مايلي[62]:




من هنا، ومما تقدم على ما ينتظر العرب والمسلمون من الدور الأمريكي الآن في عمليات التسوية الحاصلة في المنطقة منذ مؤتمر مدريد 1991م، وأوسلو وغيرهما لطالما أن الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا محكومة جميعها بتحالفٍ استعماري تحت النجمة الصهيونية، فالدور الأمريكي غير حيادي مطلقاً وهو يسعى دائماً إلى كسب عامل الزمن لصالح حكومات صهيونية خارجة عن القانون الدولي، وإن تمكنت الولايات المتحدة في عهد الرئيس كارتر وهنري كيسنجر من جر مصر إلى كامب ديفيد كي يصعب على العرب القيام بأية أعمال عسكرية ضد إسرائيل في أجواء اللاسلام واللاحرب فإن الصهيونية العالمية والولايات المتحدة وبالأخص الأدوار التي لعبها دينس روس ووزيرة خارجية كلينتون في ضرب عملية السلام في المنطقة فإن لك يرجع إلى محاولات خلق تيار صهيوني عربي عمل منذ سنوات للتطبيع الثقافي والاقتصادي مع إسرائيل وحكامها بحجة إعطائها الفرصة للسلام ولكن هيهات فلابد لنا من إعادة قراءة التاريخ الذي نكشفه من جديد فبدون ذلك لا يمكننا التسابق على امتلاك ناصية المستقبل والتحرر والتقدم وإعادة الأمة إلى أوج الحضارة الإسلامية والنهضة القومية بمضامينها العلمية والثقافية والإنسانية العظيمة فمن الصعب جداً أن تقع أمتنا وقواها المناضلة والمتنورة تحت فكي كماشة المصالح الصهيونية والأمريكية فلابد من تحطيم الحلف الاستعماري بكثير من الدراية والصبر والكفاح ومعرفة العدو وأهدافه ونواياه جيداً فكيف تناسى الشعب الأمريكي تحذيرات فرانكلين وهنري فورد[63]؟!...
***
أولاً ـ مؤتمر فندق بلتمور الصهيوني في نيويورك:
في شهر أيار عام 1942م، عقد في ذلك الفندق مؤتمر صهيوني طارئ أطلق عليه اسم "مؤتمر بليتمور"، وحضرته وفود من كل المنظمات الصهيونية المتفرعة عن الحركة الصهيونية العالمية في أميركا وكندا وآخرون من أوروبا منهم حاييم وايزمان، وبن غوريون، وغولدمان، وقد رفض الحاخام ستيفنس وايز وهيلل سيلفر وإسرائيلغولد شتاين إعطاء المؤتمر أية صفة تشريعية وأعلن بن غوريون تحديه للانتداب البريطاني قائلاً:
"إن اليهود لم يعد بمقدورهم الاعتماد على الإدارة البريطانية (صاحبة الكتاب الأبيض)، في تسهيل إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين". 4 منظمة بناي بريث ومؤتمر بتسبرغ 1943م: 1 ـ ستلعب جميع المنظمات والاتحادات والمجالس والمؤتمرات اليهودية الأمريكية الدور الضاغط على الحكومات الأمريكية. 2 ـ مساندة صناديق المال والدعم اليهودي للإنعاش المالي والسيطرة على البنوك والمصارف الأمريكية. 3 ـ استبعاد الجمعيات اليهودية الخيرية غير الصهيونية والتي لا تعترف بوجود "إسرائيل"، ومنها "جونيت العالمية"، و"هياس". 4 ـ اعتبر المجلس اليهودي الأمريكي الدين اليهودي ديناً إنسانياً ذا قيم ومبادئ شاملة وليس قومياً ورفض متطلبات المؤتمر الذي عقده مونسكي وأيد الكتاب الأبيض لمكدونالد دعماً للحريديم بآرائهم الربانية. وعملت الحركة الصهيونية العالمية مدعومة من منظمة بناي بريث وايباك إلى دعم الصحافة العبرية والصهيونية وشجعت المطبوعات اليهودية والروايات والمسرحيات والأغاني والأفلام الهوليودية وتم توزيع ملايين الكتب والنشرات والبيانات والقصص التي تصف الإسلام والعرب "بأنهم غزاة ومتوحشون احتلوا القدس بالقوة وبسفك الدماء"، ووضعت كل التعابير اللا أخلاقية لكسب الرأي العام الأمريكي لصالح دعم الهجرة اليهودية وإنشاء الكيان الصهيوني وكان لموقف روزفلت وهيئة الأمم المتحدة أن تآمرا مع دول كبرى للاعتراف بقرار التقسيم الجائر رقم 181/1947م الذي قسم بلادنا فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية.
إلا أنه تم انتخاب إدارة جديدة للصهيونية العالمية ووجهت رسالة إلى الرئيس الأمريكي حول إنشاء كومنولوث يهودي في فلسطين، في القرار السادس، وفي القرار السابع أعلنت الحرب ضد ألمانيا وتحت قيادة الإدارة الأمريكية ـ والإدارة البريطانية معاً.
ويمكن القول إن التعاون الوثيق بين الحركة الصهيونية العالمية والولايات المتحدة لم يؤثر على علاقاتها مع بريطانيا وكان اللورد هاليفاكس البريطاني قد سمح لآلاف المهجرين اليهود بالنزول على السواحل الفلسطينية بالاتفاق مع بريطانيا رغم أن اليهود غير الصهاينة عارضوا هجرة هؤلاء إلى فلسطين ودعوهم للاندماج في المجتمع البريطاني ووقفوا ضد برنامج بلتمور.
إلا أنه في عام 1944م وافقت بريطانيا ـ وأمريكا على تشكيل قوة عسكرية يهودية إرهابية وشكلتا اللواء اليهودي في الجيش البريطاني ـ وتدرب هذا اللواء أيضاً في إيطاليا من أجل غزو واحتلال فلسطين وفي خلال هذه الفترة شهدت الولايات المتحدة نشاطاً صهيونياً محموماً يتلاءم مع متطلبات المرحلة وكلفت كلاً من:
ـ لجنة الطوارئ الأمريكية للشؤون الصهيونية، وصار اسمها فيما بعد "مجلس الطوارئ"، بمهمة الدعاية للقضية الصهيونية في أمريكا ونظمت اللجنة في (76) ولاية أميركية ورفدت بـ380 لجنة صهيونية على المستوى المحلي والهدف استقطاب المسيحيين البريتانيين لدعم فكرة الوطن (القومي ـ اليهودي)، وبالأخص بين رجال الدين الأمريكي وحققت الحملة الصهيونية نجاحاً واسعاً في تأسيس مجلس للسيطرة على زعماء العالم.
ـ 33 مجلساً صهيونياً لولايات أميركية (ودعم الرموز الصهيونية الماسونية) في مختلف مناطق الولايات الأمريكية.
ـ مجلس المنظمات الصناعية.
ـ مجلس الكونغرس الأمريكي الذي أيد كل تلك التجمعات الصهيونية ونشاطاتها الداخلية والخارجية وقد وقع 143 ممثلاً للجنة الأمريكية لفلسطين في عام 1942م، وانضم إليهم 1500 شخصية أميركية للتوقيع على عريضة تطالب بتشكيل جيش صهيوني محارب، زفي 1943م وصلت إلى مقر الرئاسة تظاهرة من 500 كاهن يهودي ومسيحي عرضت على نائب الرئيس مطالب الصهيونية باحتلال فلسطين.
وفي عام 1944م قدمت إلى مجلس الشيوخ والنواب مشاريع قرارات عن برنامج بلتمور ولكن مارشال الذي كان نائباً لرئيس الأركان وله تأثير قوي في الجيش الأمريكي دعا إلى رفض إقرار تلك المقررات لأنها:
أ ـ ستكون خطيرة على جهود الحلفاء في خلال الحرب.
ب ـ معارضة اليهود غير الصهاينة في أمريكا، إلا أن مقررات بلتمور أدخلت في مقررات الحزب الجمهوري حتى الآن.
ج ـ والحزب الديمقراطي وأصدر الكونغرس الأمريكي عدداً لا يحصى من القرارات المؤيدة لمقررات الصهيونية العالمية[64].
وظهر فيما بعد مشروع التقسيم ففي عام 1947م، قدمت بريطانيا اقتراح بتقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام بتأييد الأمم المتحدة:
1 ـ قسم عربي.
2 ـ قسم يهودي.
3 ـ والقدس منطقة دولية.
وأعلن وفد من الولايات المتحدة في الأمم المتحدة موافقته الرسمية على مشروع التقسيم أما الرئيس ترومان الذي كان مسانداً لهذا القرار ويتصل بالدول للضغط عليها للموافقة على القرار وبخاصة اتصاله بالاحتكار فاير ستون الليبرالي في إفريقيا للإطارات المطاطية للضغط على حكومتها للموافقة على قرار التقسيم متذرعاً بأوهام عديدة.
بهذا الشكل ضمنت بريطانيا ـ والولايات المتحدة آفاقاً جديدة لتوزيع الأدوار للاعتراف الدولي بالكيان الصهيوني وأسقطت من حسابات هؤلاء حقوق العرب ومصير الشعب الفلسطيني وفي عام 1951م قال ايزنهاور:
"ليس هناك، فيما يتعلق بالقيمة الخاصة للأرض منطقة أ كثر أهمية من الناحية الاستراتيجية مثل فلسطين وسوريا ولبنان ومصر فهذه المنطقة عظيمة لتلبية مصالح الولايات المتحدة والصهيونية وهي تساهم في بناء مجهودنا العالمي"[65].
ـ الصندوق الاستعماري اليهودي: تأسس في لندن 1899م برأس مال قدره 400.000 جنيه استرليني وهو الهيئة المالية الرئيسية للمنظمة الصهيونية العالمية.
ـ الصندوق القومي اليهودي: خصص لشراء الأراضي وتفرع من الصندوق الاستعماري نفسه، عدد من الشركات والمصارف لإقامة فروع لها في الاسكندرية وبيروت واسطنبول وبعض المدن الفلسطينية وترأس اليهودي البروسي (النمساوي) آرثر روبين تنسيق عمليات شراء الأراضي بشكل كامل وسمي مكتب فلسطين لشراء الأراضي ودعمت تلك الشركات والمصارف أحزاباً مثل:
ـ حزب بوعالي تسيون: الحزب الاشتراكي الماركسي الروسي الأصل والعالمي الانتشار كان من زعمائه دافيد بن غوريون.
وعمل آرثر روبين على التخطيط (للاستيطان المركزي) فهو الذي بنى نظرية (التواصل الجغرافي)، لترسيخ الوجود اليهودي في فلسطين وهو الذي وضع الخطة (الجيو ـ سياسية) لانتشار المستعمرات الصهيوني في الثلاثينات على شكل حرف N بالإنجليزية:
ـ الضلع الأيسر: الاستيطان الساحلي في حيفا ويافا وعكا.
ـ والضلع الأيمن: في بحيرة طبريا وصفد وأعالي حوالي نهر الأردن والجولان.
ـ وربط بين الضلعين الأيسر والأيمن بضلع استيطاني عبر السهل الداخلي (مرج بن عامر والحولة).
أ ـ الأول يؤمن الاتصالات عبر الساحل مع دول العالم المساندة.
ب ـ والثاني يؤمن السيطرة على المياه والأنهار.
ج ـ والثالث يؤمن المناطق الزراعية والصناعية القومية.
وكانت رؤيا (روبين) متناقضة إلى حد ما لأفكار إدموند روتشيلد باستيطان فلسطين بشكل عشوائي، على أسس رأسمالية، إلا أن روبين اهتدى فيما بعد لبناء مراكز استيطانية تعاونية على أسس وحدات (الموشاف) و(الكيبوتس) مستفيداً من السوفخوزات والكلخوزات السوفيتية على أن ترتبط تلك المستعمرات بالمؤسسات المركزية الصهيونية على أسس استيعاب الشبيبة العمالية والطلائعية وإبعاد الرأسماليين اليهود عن التأثير المباشر وتأسست (دغانيا) أول مستعمرة كيبوتسيه نموذجية عام 1910م[66].
وحَرفَ بن غوريون النظرية الاشتراكية الماركسية على أن تتخلى الصهيونية عن مبدأ الصراع الطبقي من أجل وحدة العمل القومي اليهودي ـ الصهيوني وتبنى بشكل مباشر كيبوتس (هأداما) وكيبوتس (هعفودا) اللذين عبرا عن مبادئ الصندوق القومي اليهودي بعيداً عن أفكار أسرة روتشيلد الرأسمالية.
ثانياً ـ المساعدات المالية والاقتصادية والتكنولوجية العسكرية:
المساعدات الأمريكية لإسرائيل لا يمكن حصرها فقد جعلت إسرائيل أكبر قوة عسكرية في المنطقة بسبب الدعم البريطاني الفرنسي الأمريكي أصحاب العدوان الثلاثي على مصر عام 1953م، بخاصة وأن ـ طائرة لافي ـ هي مشروع فرنسي أساساً جلبه لإسرائيل جوزيف شيرلوفسكي المدير العام للمؤسسة الفرنسية لصناعة معدات الطيران، وكان عمره 70 سنة وعندما حظر ديغول تصدير السلاح لإسرائيل كانون الأول 1968م، هاجر شيرلوفسكي إلى تل أبيب وعين مديراً عاماً (لشركة ماترا) لتحقيق رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول الذي أطلق عليه (رجل التوربين)، وكان شيرلوفسكي يتكلم اللغة اليديشية اليهودية الأوروبية وهو يحمل 360 شهادة جلها في الطيران وعلوم الطيران وأدار مصنع بيت الشمس مع 1350 فنياً وموظفاً وبسبب سياسة مناحيم بيغن وضغوطه المستمرة لكي يستقر نهائياً في إسرائيل رفض شيلوفسكي وتخلى عن 12 مليون دولار ورفض لقب رئيس فخري لإسرائيل.
أما (موشي اريتر) الخبير في علم الطيران[67] والبروفسور في معهد التخنيون بحيفا وأحد صانعي طائرة (عرفا) التي لها ميزات عسكرية ومدنية فقد كلفته القيادة الصهيونية ببناء محركات نفاذة جديدة، وكان له دور جديد في تطوير الصواريخ الإسرائيلية الجديدة مع الأمريكان والبنتاغون.
وتلعب (مصانع سولتام) دوراً مهماً في الصفقات التجارية بين الجيش الأمريكي والجيش الإسرائيلي ونشرت صحيفة ستيتمان البريطانية لائحة بأسماء الشخصيات الأمريكية المتورطة بشبكة التجارة الحربية الإسرائيلية:
ـ مساعد وزير الدفاع ريتشارد بيرل.
ـ ومساعد آخر لوزير الدفاع ستيفان بريان.
ـ وعضو مجلس الشيوخ الأمريكي رودي بوشوتيز رئيس اللجنة الفرعية، المكلفة بشؤون الشرق الأوسط.
ـ وماكس كيبلمان رئيس الوفد الأمريكي لمحادثات مدريد حول الأمن الأوروبي.
ـ وميخائيل لايون: مستشار جورج شولتز.
ـ وغوردن ساشنر المشرف على اللجنة اليهودية المساعدة لإعادة انتخاب الرئيس ريغان.
وهؤلاء الأشخاص جميعاً يشكلون المؤسسة اليهودية لشؤون الأمن القومي، ومركزها واشنطن وهي واجهة تجارية للسمسرة مع الولايات المتحدة، وشكلت جامعات أوروبية وأمريكية بؤر لتعليم القيادات الصهيونية منها:
جامعات لندن
درس في جامعة كامبردج:ابا ايبن، واللواء احتياط حاييم هرتسوغ وزئيف بوفين الملقب بـ(روفائيل) ومارك موشفتيس الملقب بـ(عليت) وممثل أرباب العمل في مجلس إدارة شركة العال.
وييغال آلون درس في جامعة اكسفورد مع حاييم لاسكوف وكذلك تعلم موشي أولنيك في جامعات بريطانية وكذلك يوسف الشيخ (عائلة تحمل اسم الشيخ جاءت من أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، وهو مسؤول كبير في البنك الدولي الآن).
وكذلك يغال الباز ودان تولكوفسكي وعيزرا وايزمن وإسحاق موداعي.
جامعات أمريكا
تعلم العديد من الزعماء الصهاينة في:
جامعة كولومبيا، وستانفورد، وهارفارد، وجامعة كولومبيا ومنهم:
حاييم بارليف، ومئير عميت، واهرون دورون، وغيرهم.
أما في جامعة هارفرد تعلم فيها:
اللواء الاحتياط يهو شفاط هركابي، وجاد يعقوبي، وريمون هرال وتعلم يوسف تشخنوبر في جامعة بركلي وأعضاء بارزون مثل شمعون بيريز ويوسي ساريد واورانمير تعلموا في الكليات العسكرية العليا داخل البنتاغون:
*النوادي والروابط والجمعيات الصهيونية:
*وضعت تحت تصرف هؤلاء وقت الدراسة مصاريف وتنقلات وقضايا عامة وبخاصة أنهم يقضون ساعات طويلة فيها أيام العطل الرسمية مع: بني بريث، والبناة الأحرار الماسونية، والروتاري الأمريكي. (محفل جميع أنحاء الأرض)، إضافة إلى إدارات المشافي ودور النشر الكبرى، والمجالس الثقافية والنوادي الرياضية، والمؤسسات الخيرية عوضاً عن هوليوود. ومنشأة عليط وهي المركز الدولي الإسرائيلي الموالي لأمريكا[68].
ثالثاً: لجنة البحث اليهودية العالمية في الصحافة والأدب العالمي:
كرست الصهيونية في أمريكا دورها بالنشاط الدعائي وتوفير مناخات العداء القومي والعرقي بين الشعوب المؤسسة عليها في بروتوكولاتهم والكونغرس الأمريكي اليهودي وهو أحد أهم المنظمات المتنفذه في الولايات المتحدة ويهتم بالدعاية والإعلام ضد الدول الاشتراكية السابقة وضد الدول العربية والإسلامية حالياً، ونشأته على نفقة الوكالة اليهودية، وتخصص بجزء من عمله في البحث عن وضع الأقليات اليهودية في العالم وشكلت لجنة يهودية عالمية تسمى (لجنة البحث). ومديرها موشي ديكترو ولها أهداف تبرر ما يسمى اضطهاد اليهود في العالم الرأسمالي.
وتراقب هذه اللجنة كل ما يتعلق بـ"المسألة اليهودية" المنشورة في الصحافة في دول أوروبا الشرقية وروسيا، وحتى كتب الأدب والشعر والقصة في بولونيا والمجر وبلغاريا وفرنسا وكندا، والنمسا، والولايات المتحدة ويعود لها تنظيم العلاقات والاتصالات والحوارات مع العلماء والخبراء في الولايات المتحدة واستطاعت هذه اللجنة قبيل سنوات عديدة وضع ميخائيل كورباتشوف كمستشار لأحد أهم المراكز البحثية الأمريكية وتستقبله مع مراكز أبحاث ومؤسسات أخرى على نفقتها لإجراء حوارات معه معظمها يصب في العداء للاتحاد السوفييتي السابق وأضاليل أخرى.
وهنالك تركز اللجنة على نشر المقالات والدراسات في أكبر وأهم المجلات والصحف الأمريكية مثل مجلات التايم، فورين أفيرز، اينوليور ودورية (كومنتري ماغازين) الدورية اليهودية واسعة الانتشار[69]، وتقدم لها استشارات خاصة عن طريق المنظمات الصهيونية و اليهودية المحلية في داخل الولايات الأمريكية.
ويعود إلى اللجنة البحث في إنجاح هجرة أكثر من مليون يهودي روسي إلى إسرائيل، عبر مواصلتها في الدعاية والتحريض عن طريق المؤتمر اليهودي ـ الأمريكي واستطاعت جذب مختلف الأسر والأشخاص إليها ممن يعملون في الطب والعلوم، والتكنولوجيا، والسياسة هذا من جانب، ومن جانب آخر استطاعت أيضاً من توفير مناخات الضغط على أعضاء المحاكم العليا وبخاصة عضو المحكمة العليا في الولايات المتحدة أو.دوغلاس وعدد من رجال الدين والسياسة حتى أنها استطاعت من فرض مرشح نائب الرئيس الأمريكي لرئاسة 2000م، يهودي متعصب مثل (ليبرمان)، والتأثير أيضاً على مسار الانتخابات الأمريكية لصالح آل غور ضد جورج بوش(الابن).
وتعمل لجنة البحث على توفير كل إمكانيات الدعم المادي والمعنوي والعملياتي لوضع أغنياء وشخصيات يهودية في الولايات المتحدة في مجال السينما والفن، والقانون، والعلم، والثقافة، والقضاء، والأمن،.... الخ، بهدف إنجاح الدعاية الصهيونية العالمية لتضليل الرأي العام الأميركي والأوروبي بمعادات العرب والمسلمين وسابقاً معادات الاتحاد السوفييتي والآن معادات الإسلاميين ووصفهم بأنهم إرهابيون، ويلعب مركز دراسات مشاكل الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب دوراً مهماً في هذه العملية مع إدارة لجنة البحث اليهودية الأمريكية ولعب أيضاً في جامعة هارفرد/د.س. غوريفتسن كمدير لمركز لقسم الروسي مع الجامعة في (تل أبيب) دوراً مهماً وخطيراً في استخدام علماء النفس والفلسفة والسيوسيولوجيا والاقتصاد والحقوق لتوفير أساليب ومناخات للدعاية، ويدعى هؤلاء لمؤتمرات سنوية أو ما شابه في عشرات الجامعات الأمريكية، ويسيطرون على عمداء الكليات في الولايات المتحدة وبدعم إسرائيل من أجل معاداة العرب وأصدقائهم من روسيا إلى إيران إلى إنشاء شبكة أمريكية ـ يهودية عالمية لمعاداة دول وشعوب المنطقة ودراسة مشاكلهم للإمعان في التخريب والتضليل والافتراء، وبالتالي إثارة المشكلة اليهودية في بلادهم كما حصل في إيران مؤخراً.
وعند دراسة الاتجاهات الأساسية لأنشطة منظمات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة فإنه لا يمكننا نسيان الدور المركزي لها بالنسبة إلى التجمعات الضاغطة اليهودية الموجودة في تركيا وأذربيجان وإيطاليا وفرنسا وبولونيا وروسيا ومحاولات خلق مجموعات أخرى تستند بالأساس على العنصر اليهودي أو الماسوني فبعرف الصهاينة الماسوني الجيد يهودي جيد!؟..
ويضمن اللوبي الصهيوني بكل أشكال الضغط والابتزاز أغلبية أعضاء الكونغرس الأمريكي ومجلس الشيوخ أكانت المتعلقة بروسيا، أو بإيران، أو بمنطقتنا العربية، فإن مساعدة "إسرائيل" حسب الواشنطن بوست لها قاعدة شعبية واسعة في مجلس الشيوخ الأمريكي[70].
وتلعب الشركات الصناعية الحربية والبنتاغون الأمريكي أدواراً مركزية متقاطعة مع شبكات الدعم الأمريكي لإسرائيل، فيتم تغطية الممارسات العدوانية والإرهابية لإسرائيل عبر عقود ماضية عن طريق أشخاص وجماعات في داخل وزارة الدفاع الأمريكي أو في إدارة الشركات العالمية فوق القومية المتخصصة بالإنتاج الحربي وبالسلاح، لا بل ويحرضون على إدامة أعمال العنف والإرهاب الذي يقوم بها جيش الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية.
أما (جاكوب بلاوشتاين) الملياردير شريك الكارتل النفطي "ستاندارد أويل اوف انديانا"، فيلعب دوراً مهماً في داخل أمريكا اللايتينة ومناطق النفط في العالم، وهو من الشخصيات المتنفذة في تلك المناطق الذي يدعم أنشطة الحركة الصهيونية العالمية ويكرس وقته وجهده لذلك العمل وهو مشارك في العديد من المؤتمرات اليهودية والصهيونية منذ عام 1946م-1954م وفي أحد المؤتمرات تحدث باسم الوفد اليهودي ـ الأمريكي في الملتقى الصهيوني العالمي بعد الحرب العالمية، ودعم العديد من المنظمات اليهودية مثل الصناديق المالية الأميركية الموحدة لدعم إسرائيل المسماة بـ(جونيت) ومجلس الاتحاد اليهودي للصناديق الخيرية ويرمز إلى بلاوشتاين أنه من الرجال الكبار الذين ساهموا في بناء الكيان الصهيوني مع معرفته الدقيقة بـ "بن غوريون"، وغيره...
ويذكر أيضاً أن (آل هوهنهايم) و(آل لازار) الذين يشتركون باحتكارات عالمية مثل "جنرال الكتريك"، وتشير مهانهاتان بانك"، ومؤسسات صناعية أخرى يتجاوز رأسمالها 22 مليار دولار أما (فريد لازار)، فهو نائب رئيس اللجنة اليهودية الأمريكية و(رالف لازار) هو عضو مجلس مدراء "جونيت"، (وجيفري لازار)، هو رئيس المجلس اليهودي القومي للكشاف[71].
وتسيطر عائلات يهودية في أمريكا اللاتينية على مقدرات اقتصادية ضخمة منها روز نفالد، وسبنسر، وستون، أو روز نفالد، سيرز، روبك وبنوكهم المعروفة في تلك المناطق.
وكذلك هنالك بعض أمراء دور القمار وعالم الغانغستر الذين يلاحقهم الأنتربول الدولي ويتنقلون بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ولا ننسى هنا الدور الكبير لأسرة روتشيلد، وأسرة لازار، وأسرة صموئيل، وأسرة كالبين، الذين يشكلون أكبر احتكارات أميركية في خارج الولايات المتحدة ولهم فروع لشركاتهم تبلغ 500 فرع في أنحاء العالم.
وتعتبر شركة "فيليبس"، من أهم تلك الشركات وتساند إسرائيل في صنع التقنيات الحديثة في المفاعلات النووية في إسرائيل.
هنالك أيضاً في البرازيل مستوطنات "كيبوتس"[72] ومعسكرات للشبيبة اليهودية المدربة عسكرياً وقتالياً ويرسلون كعصابات وشلل للخدمة في الجيش البرازيلي، وكذلك والك رورندولف في بوليفيا مالك شركة "اوتوموتوريس بوليفيا"، الذي يتعاقد مع الجيش الحكومي لسنوات طويلة لتزويدهم بالتقنيات وبالسلاح الإسرائيلي[73] والأميركي.
رابعاً ـ أهم المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة:
1 ـ اتحاد العمل الأميركي. تأسس عام 1866م.
2 ـ المؤسسة الثقافية الأميركية تأسس عام 1939م.
3 ـ الجمعية الإسرائيلية الأميركية تأسست عام 1954م.
4 ـ اللجنة الاقتصادية الأميركية من أجل فلسطين تأسست عام 1932م.
5 ـ لجنة الشؤون الصهيونية العامة تأسست عام 1954م.
6 ـ مؤتمر المنظمات الصناعية تأسس عام 1935م.
7 ـ اتحاد أو رابطة اليهود الأميركية من أجل إسرائيل تأسس عام 1957م.
8 ـ اللجنة الأميركية الإسرائيلية (المجلس المسيحي ـ اليهودي في فلسطين 1942م).
9 ـ لجنة (موجين دوفيد) الأميركية لأجل إسرائيل أعمال لجان الصليب الأحمر أو (النجمة السداسية الحمراء).
10 ـ الكومنولوث الصهيوني الأميركي تأسس عام 1914م.
11 ـ اللجنة اليهودية الأميركية 1906م.
12 ـ الوحدة الطبية الصهيونية الأميركية 1916م.
13 ـ دائرة الشباب 1940م.
14 ـ مجلس الشباب 1916م.
15 ـ اتحاد الشباب الصهيوني الأميركي 1963م.
16 ـ لجنة الطوارئ للشؤون الصهيونية 1939م.
17 ـ لجنة الطوارئ للشؤون اليهودية (كونغرس اليهود الأميركيين 1943م).
18 ـ لجنة التضامن اليهودي الأميركي (جونيت) لإنقاذ اليهود من روسيا ودول أوروبا الشرقية 17/11/1914م.
19 ـ لجنة الإنقاذ المركزية للصناديق المالية الأميركية 1915م.
20 ـ (جونيت) لها مهام جديدة في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية والإسلامية تسمى إدارة ا لإنقاذ الأميركية لإسرائيل وهيئة الصليب الأحمر؟!..
21 ـ جماعة بيرغسون: "دائرة الجيش اليهودي"، و"اللجنة العبرية الوطنية"، ومكتب الإرشاد في عام (1939م-1947م).
22 ـ الكونغرس اليهودي الأميركي (الدفاع عن اليهود في أوروبا وفلسطين)، حضره هنري مونسكي رئيس منظمة. (بناي بريث).
23 ـ الكونغرس الأميركي: رئيسه جوليان ولويس مارشال وهنري شولد (1918م ـ 1922م)، ويشكل الآن الكونغرس اليهودي الأميركي العالمي له دور في نشر الدعاية عن المحرقة، واللاسامية المزعومتين.
24 ـ جمعيات إنعاش اللغة العبرية وجمعيات التحالف الثقافي في نيويورك.
25 ـ اتحاد النحاس.
26 ـ اتحاد الذهب.
27 ـ مدرسة رائد.
28 ـ مؤسسة العمل الأميركي.
29 ـ معهد الشعب اليهودي في شيكاغو.
30 ـ اتحاد المستوصفات اليهودية والمشافي والعيادات واللجان الطبية.
31 ـ صناديق الدعم المالي للمشافي ودور العجزة ومدارس الأطفال ودور الرياضة والمسابح والمسارح ومراكز الموسيقا والأعمال الفنية.
32 ـ اليوند/س/ والنداء اليهودي العالمي الموحد 1951م. (الصندوق الموحد).
33 ـ المنظمات الصهيونية في معظم المدن الأميركية.
34 ـ مراكز صهيونية عالمية لخدمة البريد والبرق والهاتف والبناء والإسكان والزواج و(الدعارة) ومؤسسات تمويلية للقروض الصناعية والزراعية والتجارية والتقنيات الحديثة والأزياء.
35 ـ جمعيات هيهالوتز للهجرة 1904م. حداش (الوحدة الطبية الصهيونية الأميركية).
36 ـ ينتشر اليهود في كندا وشمال الولايات المتحدة بـ أكثر من94 كيبوتساً و34 موشافاً و400 مستوطنة زراعية في المدن لممارسة شتى المهن وتجمعهم اتحادات ومنظمات صهيونية لها أهداف مركزية وهي مراكز متطورة وتكنولوجية.
37 ـ منظمة الشرق الألمانية ـ اليهودية 1915م، أسست تحت إشراف الحكومة الألمانية، حيث أصدرت ألمانيا وعداً مشابهاً لوعد بلفور، ووعد كامبو الفرنسي لضمان استخدام الصهيونية في مشاريعها المنافسة لبريطانيا.
أما ألفرد روزنبرغ مسؤول الدعاية النازية ومنظرها الأكبر عام 1927م، قال: "إنه يجب تقديم كل المساعدات الممكنة للصهيونية العالمية حتى يمكن نقل اليهود من ألمانيا وأوروبا إلى فلسطين للاستفادة منهم فيما بعد".
وكانت صحيفة (داس ستكوزكوريس) الناطقة باسم المخابرات الألمانية (ا.س.د). 15/5/1935م صرحت "بأن رغبة الحكومة الألمانية إعادة اليهود لفلسطين الذين افتقدتهم منذ ألف وأربعمائة سنة وعلينا دفعهم إليها مهما كان الثمن"؟!...



يتبع
الدكتور خليل البدوي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04 / 04 / 2011, 14 : 02 PM   رقم المشاركة : [4]
الدكتور خليل البدوي
دكتوراه آداب/دكتوراه طب/صحفي وفنان تشكيلي/مؤلف وكاتب ومحلل سياسي

 الصورة الرمزية الدكتور خليل البدوي
 





الدكتور خليل البدوي is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: جمهورية العراق

رد: الحلف الاستعماري وقضية فلسطين

خامساً ـ الخلاف المصطنع حول مركزية إسرائيل:
امتلك اليهود في أوروبا والولايات المتحدة ثروات كبيرة لا يستهان بها وعملت بريطانيا على دعم المشروع التوراتي وحلم اليهود لاحتلال فلسطين فحاول زعماؤهم نيل مباركة السلطان عبد الحميد الثاني العثماني الذي رفض بشكل قاطع من مواقفه المبدئية الدينية أن يتنازل عن شبر من أرض فلسطين[74]. وحتى تقف بريطانيا واليهودية العالمية حائلاً بينه وبين الباشا محمد علي حاكم مصر ودوافعه بإنشاء دولة قوية تضم مصر وبلاد الشام وحاولت بريطانيا نشر روح الصداقة والمحبة بين السلطان واليهود بأي شكل وإنهم سيقدمون خدمات جليلة لتركيا ضد باشا مصر حينذاك.
تحدث هرتزل عن أن المشكلة اليهودية ظلت موجودة أينما يوجد اليهود ولا توجد حيث هاجروا، لكنه يعتبر اليهود متأثرين لا بل وشعب واحد، رغم تأكيده بأنهم يهاجرون من مختلف البلدان ولا يجمعهم سوى "اليهودية"، كدين وعلى أنهم يعاملون كغرباء في الدول التي يهاجرون إليها، ويؤكد في كتابه "الدولة اليهودية"، أن اليهود الأثرياء ليس لديهم مشكلة ويفرضون قوانينهم ومصالحهم مع مصالح الأثرياء في دولهم أما اليهود المهاجرون فهم مصدر المشاكل والقلق لغيرهم من الأثرياء، ونلاحظ أن هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية العالمية أظهر يهوديته بوضوح من خلال عقليته اليهودية بتشجيع يهود العالم إلى الهجرة بهدف إقامة دولة يهودية، مؤكداً على تنسيق العمل لإقامة تلك الدولة الجديدة بتأسيس وكالتين "جمعية اليهود" و"الشركة اليهودية للاستيطان"، وركز على خيار مكان الدولة بين فلسطين أو الأرجنتين فكانت الأخيرة تستهويه أكثر لأنها أجمل وأخصب بقاع العالم[75].
لعل اختيار لندن كمركز رئيسي للشركة اليهودية للاستيطان كان سببه تعاون هرتزل مع شركة أسرة روتشيلد تحت حمايتهم وحماية إنجلترا.
ووجه هرتزل رسالته الشهيرة إلى روتشيلد لاستيطان أميركا الجنوبية 15/6/1895م، مؤكداً إنه وجماعته من المهندسين والفنيين والعلماء والرؤساء سيختارون الأهم في العالم[76].
إذاً جميع التحليلات والخطابات لهرتزل كانت تؤكد على إنشاء دولة يهودية بالتعاون مع بريطانيا، ولا يمكننا النظر إلى الخلافات بين الوكالة اليهودية العالمية، والحركة الصهيونية العالمية إلا كونها خلافات شكلية لها أبعاد سياسية خاصة بطبيعة التوجهات اليهودية ـ الصهيونية أكان تجاه الباشا محمد علي أو اتجاه السلطان أو اتجاه بريطانيا نفسها، البعض يؤكد أن الصهيونية تعاونت مع الامبريالية العالمية في إخراج المشروع الاستيطاني في فلسطين إلى الوجود، وتناسى ذلك البعض ماقاله هرتزل آنفاً فرغم ذلك لعبت الوكالة اليهودية العالمية عبر الشركة اليهودية الاستيطانية التي أسسها هرتزل بكل الأحوال، الدور المهم في جميع الأحوال بالتهجير، وشراء السلاح، والتدريب الحربي وبناء المستوطنات.
توافقت أنشطة الوكالة مع الحركة الصهيونية وشكلت الحارس الأمين للدور الاستعماري المباشر على فلسطين وأداة تنفيذية لتحقيق أهدافٍ رسمت خيوطها جيداً تحقيقاً لأهداف اليهود والصهيونية عبر التنسيق بإيجاد وكالة لرعاية مصالح الطائفة اليهودية بما لا يتعارض مع الانتداب البريطاني بل وبتعاون صريح بينهما عبر وعد بلفور 1917م وكانت الوكالة تحاول تمثيل الصهاينة وغير الصهاينة من النواحي الدينية بينما عارضت الصهيونية إلى حدٍ ما الفكر والنوازع الدينية اليهودية غير الصهيونية فشكلت لنفسها طريقاً سياسياً وقومياً اكتسبت صفة الشرعية من الانتداب البريطاني نفسه، وبهذه الصورة تتحمل بريطانيا المسؤولية التاريخية عن أنشطة والنفوذ اليهودي في مختلف أنحاء العالم الاتجاهين في فلسطين أيام الانتداب وعلى أن دور "الوكالة اليهودية"، ماهو إلا لتبرير أهداف الحركة الصهيونية فيما بعد تجاه التعاون مع بريطانيا ومراكز القوى، رغم وجود تيارات يهودية غير صهيونية، واجتمع حاييم وايزمن مع "ب.مارشال"، رئيس اللجنة اليهودية الأميركية باعتباره يمثل أكبر تجمع ليهود العالم، وطلب منه ومن زعماء آخرين الانضمام إلى الحركة الصهيونية العالمية ودعمها سياسياً ومالياً وتبرير هجرة اليهود من الولايات المتحدة، وشكلت عمليات الخداع والتضليل التي مارستها الوكالة اليهودية كأداة بيد هرتزل والصهيونية العالمية لإقناع اليهود بالهجرة إلى فلسطين وإن كانوا غير مقتنعين بالصهيونية أو أي اتجاه آخر لأجل استيطان فلسطين وتطوير إمكانياتها لاستيعاب الآخرين.
بالخداع والتضليل الذي مورس حتى انكشفت أهدافه ومراميه بعد اغتصاب فلسطين 1948م، وبعد ذلك أعلن عن أن الوكالة اليهودية ماهي إلا الحركة الصهيونية العالمية ذاتها واعترفت المادة رقم (4)، من قانون الدولة اليهودية المقامة بقرار التقسيم (181) بأن الدولة تعترف بدور المنظمة الصهيونية العالمية باعتبارها الوكالة اليهودية المهيئة للعمل من أجل الاستيطان والتطوير، والهجرة، وقيادة العمل في مختلف أعمال الدولة وهيئاتها أكانت داخل الدولة أم خارجها.
هيمنت قيادة حزب العمل الإسرائيلي على قيادة الوكالة اليهودية والحركة الصهيونية، بما في ذلك سيطرتها على "كيرن كيميت" الصندوق القومي اليهودي الذي يعود إليه استيطان فلسطين وتمويل المشاريع الاستيطانية وبالأخص في (الكيبوتس والموشاف)، وسيطرته على الهستدروت والأوضاع المالية والاقتصادية واستيعاب الهجرة والإسكان باستخدام الأسلوب الليبرالي الديمقراطي برؤية لا تفرق بين الدولة التي قامت على أنقاض شعب آخر وبين المنظمة الصهيونية العالمية ووكالتها حتى عام 1977م، وكانت تجمع المعراخ يعتبر نفسه ممثلاً من غير منازع للطبقة العاملة اليهودية وموظفي الدولة وأنشطتها، وفُرض لعضوية المؤتمر الصهيوني العالمي من داخل الدولة صراع صريح بين المعراخ والليكود وفقاً لانتخابات عامة 38% للدولة التي تتضمن الليكود والمعراخ 200 عضو من أصل 500 عضو عن بقية تجمعات اليهود وتنازع الحزبان على مقاعد الـ200 في المؤتمر واكتسح الليكود بانتخابات الكنيست عام 1977م، أغلب المقاعد 185 مقعداً وأدى ذلك إلى وجود نفوذ قوي لليمين الصهيوني في الدولة اليهودية داخل اللجنة التنفيذية للمؤتمر الصهيوني العالمي وفاز الليكود برئاسة المجلس ورئيس اللجنة التنفيذية.
وكان واضحاً أن الليكود بدأ يتمتع بنفوذ في داخل الدولة اليهودية وخارجها وبدأ تأثيره في المنظمة العالمية واضحاً وبهذه الصورة سيطر حزب الليكود كتكتل يميني متطرف على الدولة والوكالة اليهودية العالمية والمنظمة الصهيونية العالمية، الأمر الذي تحول ضغط الليكود داخلياً وخارجياً للقبول بآرائه، وتوجهاته وبدأت إشكالات عديدة حملت قيادات الليكود إلى فرض تصوراتها على اليهود خارج "إسرائيل" بخاصة؛ وأن الوكالة اليهودية والحركة الصهيونية لها آليات عمل ومؤسسات وأنشطة باتت مستقلة إلى حد ما عن آلية عمل الدولة، وبالأخص حينما رفضت تبعيتها لإسرائيل والكنيست رغم أن الحاخام شندلر رئيس مجلس رؤساء المنظمات والمجالس اليهودية في الولايات المتحدة وكان مؤيداً بالمطلق لسياسة الليكود والدولة وحقها في تقرير شؤونها السياسية والاقتصادية والأمنية والفكرية مع دعم علاقاتها الكاملة مع الولايات المتحدة، إلا أن حركة العمل الصهيونية لم تأبه لموقف الحاخام شندلر وطالبت بحقوق متساوية بين الدولة وبين الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة على أن لا تكون إسرائيل مركزاً لاهتمام يهود العالم ومنظماتهم، ودعوا إلى حق انتقاد السياسة الإسرائيلية المتخذة في الدولة ومناقشة قرارتها وانتقادها على أساس النقد والتدخل المتبادل فيما بينهما، وأكدت حركة العمل الصهيونية في الولايات المتحدة على حقوقها بمناقشة وضع العمل والحريات العامة والمؤسسات المدنية، ووضع جميع اليهود في الدولة إذا ما تعرضوا لإهانات أو القمع، والإرهاب من قبل قيادة تلك الدولة موضع المساواة، وأدى هذا الموقف إلى خلافات واسعة، شكلت حالة جديدة بين رواد الدولة اليهودية وبين منظمات وتجمعات يهودية تعيش نمطها السياسي والإعلامي والتنظيمي والمالي في بلاد بعيدة[77].
وحسب هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية في مشروعه المتضمن:
1 ـ دعوة رجال المصارف والبنوك اليهود الكبار ليشتركوا بدعم الوكالة اليهودية، والحركة الصهيونية بمشروع إقامة الدولة مع مراعاة آلام فقراء اليهود والإسهام المبكر بدعم المسألة اليهودية في أوروبا.
2 ـ تأسيس صندوق قومي يهودي يحقق استقلال الوكالة اليهودية عن أصحاب المصارف اليهود الكبار أكانوا في أوروبا أو أميركا[78].
3 ـ توفير دعم الدول الكبرى على مشروع إنشاء دولة يهودية في فلسطين وعلى بريطانيا أن تحقق توازناً دولياً يحافظ على أوضاع اليهود ومشروعهم ودون أن تخسر شيئاً عليها أن تلتزم علناً بذلك.
4 ـ التأسيس للبنك الاستعماري اليهودي تقوم به جمعية الاستعمار اليهودي، واستخدام جهاز الدعاية اليهودية بدعم تصوراتنا، لم يعرض أسرة روتشيلد فكرة البنك لأنه سيعمل على حل المسألة اليهودية أكانت ضمن مشروع فلسطين أو خارجها في أنحاء العالم، وخوفاً من أن يكسب ذلك البنك عداوات لأنه يهودي وجب أن تبتعد أسرة روتشيلد عنه مع تأمين دعمهم الخفي له. [79]
وضع هرتزل إذاً آلية الاستيلاء على فلسطين، وميكانزم إقامة الدولة في كتابه "الدولة اليهودية"، إلا أن تلك اليهودية العالمية وزعاماتها أكدت مراراً أنها (أي الدولة)، لا تستطيع استيعاب كل يهود العالم، وبهذه الصورة برزت الخلافات بين يهود إسرائيل الصهاينة في المؤتمر السادس 30/6/1977م، للوكالة اليهودية وبين يهود الخارج، حيث طالب المؤتمر اليهودي العالمي تطبيق قرارات التضامن بشكل مطلق وديكتاتوري صارم لدعم إسرائيل فأوضحت أعمال وأنشطة الوكالة واليهود فيها:
1 ـ أن الوكالة اليهودية هي وكالة للشعب اليهودي في الولايات المتحدة والعالم وهي أداة سياسية لهم جميعاً مهما كانت انتماءاتهم وعلى حكام إسرائيل الاعتراف بالطابع اليهودي للوكالة، وإن كانت على خلافات معينة مع طبيعة دولة إسرائيل.
2 ـ طالبت لجنة حوريف التي تزعمها (ماكس فيشر) المؤتمر بتطبيق قرارات وتوصيات الاستيعاب السكاني والهجرة لجذب المهاجرين الجدد وإن كانوا غير صهاينة، بسبب أن دولة إسرائيل حسب فيشر فشلت في عملية التنسيق مع الوكالة لإقامة وزارة خاصة بها لأجل استجرار يهود جدد، لأنه في عام 1976م، ألغيت دائرة الهجرة في الوكالة اليهودية، وأقيمت هيئة مستقلة تتقاسم المسؤولية العليا مع الوكالة، وحكومة إسرائيل، بهدف استيعاب أعداد جدد والتخطيط لذلك، إلا أن مناحيم بيغن حينما تولى رئاسة الحكومة ألغى الهيئة ووزارة الاستيعاب، وأعلن عن تشكيل هيئة عليا جديدة برئاسة (أهرون أبو حصيرة ـ ديفيد ليفي) على أن يكون هو رئيساً في اللجنة المشتركة بين الوكالة والدولة.
واعتبر دور الوكالة اليهودية العالمية في الكيان الصهيوني بأنه (دولة ضمن الدولة) فحاول الليكود تحجيم دور الوكالة باحتلال أهم المراكز في المؤتمر الصهيوني 29/في شهر شباط 1978م:
1 ـ الصندوق القومي.
2 ـ رئاسة مجلس إدارة الوكالة اليهودية.
3 ـ المؤتمر الصهيوني (29).
4 ـ دائرة الهجرة والاستيعاب.
5 ـ دائرة التعليم العبري في الخارج.
6 ـ الشبيبة والطلائع ومعسكراتها.
7 ـ دائرة العلاقات مع المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة.
وحصل خلافات معينة بين حكومة الليكود، وماكس فيشر لاحتلال الليكود مراكز هامة في الوكالة من خلال المؤتمر المذكور تجاوز الليكود أيضاً عمليات تجنيد يهود الشتات في أنشطة تقوم بها الوكالة نفسها مما أثار ردود فعل قوية لدى فيشر وزعماء الوكالة في الخارج وحملت سياسة الليكود المتطرفة الوكالة إلى تأييدها في استيطان القدس والضفة والقطاع فرفضت، وحصلت تحريضات من الوكالة اليهودية وأنصارها عام الاجتياح لـ/لبنان 13/12/1982م (المؤتمر رقم ـ 30). ضد (اسحق نافون) و(اسحق شامير)، للأكاذيب التي تفوها بها عن مجازر صبرا وشاتيلا واجتياح العاصمة اللبنانية وتم طردهما من منصة المؤتمر ولم يسمح لهما المؤتمر الاستمرار في خداع الوكالة ومؤتمراتها ورفضت الوكالة اعتبار إسرائيل وحكامها مركزية بالنسبة لها‍!...
سادساً ـ إدغار برونغمان يعارض هجرة يهود أميركا
وأكد ادغار برونغمان رئيس الطائفة اليهودية في نيويورك ضمن المؤتمر اليهودي العالمي 18/22/1980م، أنه على حكام إسرائيل أن يفهموا بأن اليهود في الشتات ليسوا في المنفى بل هم في بلادهم الأصلية ولن يذهبوا إلى إسرائيل وليس لديهم شعور بالاضطهاد فهم يسيطرون على كل شيء في الولايات المتحدة أكبر دولة في العالم وليس من مصلحتهم الهجرة إلى دولة صغيرة مثل إسرائيل "يمارس حكامها الأساليب الفاشية والعنصرية فضلاً عن عداء الدول المجاورة لها"، واعترض مع غيره من زعماء اليهود في الولايات المتحدة على مبدأ شامير ونافون وشارون بمركزية دولة إسرائيل بالنسبة إلى يهود العالم وهو مبدأ غير مقبول من الجميع واعتبروا أن التجمع اليهودي في إسرائيل، هو كأي تجمع يهودي في العالم، بما يعني رفض الضغوطات التي تمارسها حكومات الليكود ضد المؤتمر اليهودي العالمي في نيويورك.
مع وجود منظمات (بناي بريث ـ وإيباك ـ وهاتيكفا) الذين دعموا استيطان اليهود في فلسطين إنما لم تدعم (هياس) المشاريع الاستيطانية اليهودية إلا في كندا وأوروبا الغربية وإفريقيا والبرازيل والأرجنتين واستراليا إضافة إلى منظمة جونيت العالمية التي لها أنشطة واسعة في مختلف مناطق الولايات المتحدة لدعم استيطان اليهود فيها وليس في إسرائيل وكان ذلك خلافاً صريحاً مع قادة الكيان الصهيوني.
لقد طالب (موشي أريتر وشارون وديفيد ليفي)، محاصرة أعمال هياس وجونيت لأنهما منشقتين عن (إسرائيل)، ومبادئ هرتزل والحركة الصهيونية العالمية وطالبا بإيقاف أنشطتهما مهما كلف الثمن.
وعملت بعض المنظمات اليهودية بتأييد حكومة الليكود وبعضها انتقد بشدة أساليبها العسكرية العدوانية وانتقد (يهوذا شابير) الحكومة الإسرائيلية مؤكداً على الحق بانتقاد ممارساتها غير اللائقة لأن بيغن وغيره يقصدون من وراء الاستمرار بالاستيطان في الضفة والقطاع دفع الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة لإفراغ أماكنها والالتحاق بمشروع إسرائيل الاستيطاني وركزت رابطة مكافحة التشهير "ب.جوزيف". على أن سياسة حكام إسرائيل في الضفة والقطاع غير شرعية بكل المقاييس لأنها مأهولة بالسكان العرب[80].
وبالمقابل زار عام 1981م وفد من مجلس النواب الأمريكي تحت ضغط جماعات اللوبي الصهيوني (تل أبيب)، لدعم التعاون مع إسرائيل وعلق أرئيل شارون في صحيفة يديعوت أحرونوت:
"إن الأميركيين يعتبرون (إسرائيل) برج حصن عسكري يمكنهم الاعتماد عليه لحماية النفط وطرق إيصاله إلى الغرب وأمريكا، حتى وإن كان ذلك بالوسائل الحربية"[81].
وأشار العالم الأميركي الصهيوني "روستو" إلى أن إسرائيل حليف مضمون للولايات المتحدة وتشكل ركيزة استراتيجية لها في الشرق الأوسط ومساند فعال للمصالح الأمريكية، لذلك فإن الاستراتيجية الأمريكية تدافع عن إسرائيل في السلم والحرب معاً دون أي تردد، وهذا ما أكده المحلل الروسي كاراسيف في كتابه وليمة دسمة على حساب الغير مؤكداً اتفاق البنتاغون مع حكام (إسرائيل) كضمان للدفاع المشترك[82].
لقد شكلت التوراة إضافة لـ(بروتوكولات صهيون) بصيغها المعروفة المخزون العنصري ومنظومة مشتركة لتمنح القاتل، والإرهابي الإسرائيلي كفرد وكمؤسسة نيل رضى اليهودية بتعاليمها الشوفينية، يدعو رب اليهود موسى وطائفته بقتل الأطفال والنساء والحيوانات وقلع الأشجار ويدعوهم ليتجندوا ويقتلوا الشعوب والملوك والرؤساء".
"سبى بني إسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا مواشيهم وأملاكهم، وأحرقوا جميع مدنهم وجميع حصونهم بالنار وأتوا إلى موسى والعازار الكاهن بالسبي والنهب والغنائم"، ولعل تعليقات الرابي إبراهام هكوهين الشخصية اليهودية الدينية المتعصبة الذي قال:
"إن الفرق بين اليهودي وغير اليهودي هو فرق نوعي كالفرق بين البشر (اليهود) وبين الحيوانات (غير اليهود)، وهذا ما يفسر تصريحات الحاخام اليهودي عوباديا يوسف متهماً شعبنا الفلسطيني بأنه من الثعابين السامة؟!..
ولا نجد في الولايات المتحدة لا من المسؤولين ولا من غيرهم تعليقاً واحداً على تلك السخافات والشعوذة التي يطلقها غلاة اليهود، بخاصة وأن قتل الأطفال بدماء باردة[83] لا تعني شيئاً للرأي العام الأمريكي أو الأوروبي[84].
وكان رئيس الوزراء البريطاني (دزرائيلي) ناصحاً الإنكليز أن يتخذوا من الغدر، والكذب، والافتراء، دليل عمل لهم ضد شعوب المستعمرات وباعتباره يهودياً متعصباً فإنه سار على طريقة أبناء جلدته باعتبار كل أبناء البشر (الغوييم) فهو من المتنصرين نفاقاً ورياءً، كي يحقق مآربه اليهودية الدولية وانتماءه للمسيحية البروتستانتية تحقق له الدوافع الخاصة للتأثير على العرش البريطاني، وتشجيع الحرب والهيمنة بكل الوسائل الدنيئة كهدف رئيس لجماعته في بريطانيا، حينما طالبوا بعد الحرب العالمية الأولى أن تعترف بريطانيا العظمى بامتلاك الجنسية البريطانية إلى جانب الجنسية اليهودية من أجل الوصول إلى المناصب العليا مثل الوزارات والقضاء والجيش والمؤسسات الأخرى لخدمة مصالحهم مادامت تؤدي إلى خدمة مآرب الحركة الصهيونية العالمية بالسيطرة والنفوذ في الدول الكبرى ولتحقيق الحلم التوراتي[85].
***
الباب الثالث
الصهيونية العالمية في روسيا
((روسيا القيصرية وثورة أكتوبر حتى الآن)).
(1)
مدخل لمعرفة الصهيونية في روسيا
إنه في عام 1881م جاءت ظروف محاولات اغتيال القيصر الروسي الكسندر الثاني في حالة سياسية عارمة ومؤقتة لتحقيق الأهداف الصهيونية وبدأت الهجرة اليهودية بمئات الآلاف من روسيا وبولونيا إلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة على أساس الاستيعاب والهجرة في تلك المجتمعات، وكان (بسمارك)[86] قد أعلن تحرير اليهود قبيل ذلك بعشر سنوات 1871م، ففتحت أبواب الهجرة على مصراعيها للمراكز الصناعية والتجارية الأوروبية ـ والأمريكية لتحسين المستوى الاقتصادي والسياسي لليهود والدعوة الكاملة للاندماج في تلك المجتمعات كما اشتدت المعارك التي أثارتها البروتوكولات في بريطانيا أ كثر من أي بلد آخر، وشنت على ألمانيا الحروب لتثبت الأيام في أوروبا أن اليهود الصهاينة أوقعوا أوروبا تحت سيطرتهم.
أما النفوذ اليهودي في روسيا قبل وبعد الحرب العالمية الأولى كان كبيراً حتى ضمن العناصر البلشفية والاشتراكية مما يؤيد دورهم في مختلف الاتجاهات السياسية حينذاك، قبل ذلك بلغ عدد المهاجرين قبل ذلك (2) مليون يهودي واستغلتها الحركة اليهودية ـ والصهيونية العالمية لتهجيرهم إلى أوروبا وأميركا، ورغم تناقضاتها بين اتجاهين مواقف بسمارك لتشجيع الهجرة وبين مواقف (غولدمان وبن غورين)[87] إلا أن الصهيونية بفضل الدعم الرسمي وغير الرسمي البريطاني والأمريكي حظيت بما تريده وتحلم به منذ مئات السنين.
لقد صرح روزنبرغ (فيلسوف النازية) أنه اطلع على البروتوكولات واستفاد منها كل الفائدة في دعم سياسة هتلر والنازية وكان عوناً للسياسة الشوفينية "هتلر فوق الجميع"، واستبداده ومرجعيته من المصادر اليهودية، والتفوق العرقي، ولعب كتاب "الأمير" لميكافيلي كمبادئ للطغيان التي تستبيح كل شيء خلاق وحسن وإنساني.
أولاً ـ الصهيونية في روسيا القيصرية وبولونيا:
دلت الإحصاءات السكانية عام 1897م على أن عدد السكان اليهود في روسيا كان حوالي (5.2) مليون شخص، وهي أعلى نسبة سكانية في أوروبا ولم يكن هذا العدد موجوداً أساساً في ألمانيا التي لم يتجاوز عدد سكان اليهود فيها بضع مئات من الآلاف بعكس ما تذكره الدعاية الصهيونية الامبريالية عن ما يسمى بـ"المحرقة النازية"، وما زهق فيها من أرواح اليهود لم يتجاوز عددهم "850" ألف شخص مقابل /40/ مليون شخص زهقت أرواحهم في الحرب الكونية الثانية، وحسب المؤرخين ي.س.يفسييف ول.فوستوكوف فإن عدد اليهود الذين كانوا نهاية القرن التاسع عشر في روسيا كلها بلغ أكثر من أي بلد أوروبي آخر نسبة (93.9%) من اليهود الذين كانوا في المملكة البولونية في تخوم الحضارة جنوب روسيا، وعاش اليهود هنالك في اليهودية ومؤسساتها الطائفية العنصرية المغلقة التابعة لها[88].
وفيما إذا نظرنا لأصل مصطلح "الغيتو" فإنها نجدها في أصلها الإيطالي تمارس فيها سياسة التمييز الطائفي والعنصري وهي منطقة للسكن الإجباري ـ لليهود ـ في بولونيا وروسيا وبعض الدول العربية إلا أن كاوتسكي الايديولوجي الماركسي المرتد أكد بكونه "يهودياً":
"ليس ثمة من أي شك في أن اليهود بفضل ميزاتهم الروحية الخارقة والخاصة يلعبون دوراً مهماً في الحركة الاشتراكية في أوروبا وهي بلا أدنى شك دور هائل"[89]؟!...
لقد اعتبر كاوتسكي اليميني القومي المتعصب "لشعب الله المختار"، متطرفاً بآرائه وارتد عن الثورة الاشتراكية في روسيا وناصر عصبة البوند والمنظمات السرية اليهودية إذ شكل خطراً على الحركة العمالية الروسية ـ والعالمية وما كتبه لرئيس تحرير صحيفة (Neuezeit) اليهودية الصادرة في لندن، تؤكد خطورته ودوره في التطرف اليهودي ـ الاشتراكي، وغير الاشتراكي.
الدكتور خليل البدوي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04 / 04 / 2011, 15 : 02 PM   رقم المشاركة : [5]
الدكتور خليل البدوي
دكتوراه آداب/دكتوراه طب/صحفي وفنان تشكيلي/مؤلف وكاتب ومحلل سياسي

 الصورة الرمزية الدكتور خليل البدوي
 





الدكتور خليل البدوي is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: جمهورية العراق

رد: الحلف الاستعماري وقضية فلسطين

لقد أكد: يو.د.بوتسكي عملياً أن فرض نفوذ اليهود والصهاينة على المجالس القومية اليهودية في موسكو ـ وبيتروغراد عام 1919م، لأجل تغيير التكتيك الصهيوني بما يقتضي بكل الأعمال السياسية والحزبية والأمنية هو اختراق للسلطة البلشفية؟!...
إضافة إلى دور دينكين في رفض دخول الصهاينة للجيش الأبيض، لأنهم بعملهم السري يسيطرون على قيادته وعمله بل طلب منهم فقط إبداء المشورة والتبرعات والدعم المادي والمعنوي.
حتى أنه قبل تأسيس (غيتو لفوف) كان القسم الأكبر والأساسي هم من ليودنيرات (أورنوغسات) أي دائرة النظام العام وكان (يوسف بارناس) أحد أهم الأعضاء البارزين في المنظمة الصهيونية المحلية غرب أوكرانيا وأول رئيس (ليودنيرات) لفوف ونائبه (أدولف روتفيلد)؟!...
وكانت تضم في البداية (500) شرطي يهودي ثم ارتفع عددهم إلى (750) شرطياً، ويرتدون الزي البوليسي ـ البولوني ـ القديم وبدلاً من النسر البولوني على قبعاتهم كانوا يضعون (النجمة الصهيونية السداسية) ويضع عليها رمز معناه (نظام لفوف اليهودي) وتتغذى عصابات يهودية صهيونية أخرى رسمية وغير رسمية على أفكار وآراء ومتبقى الصهيونية العالمية ويضعون على صدورهم ورؤوسهم الرموز الماسونية للتعارف، وكان هنالك أربع مفوضيات يهودية:
*بيرنشتين رقم (11).
*زامرر تنيفسكي رقم (108).
*وارسو رقم (36).
*ونوفر ـ زيفسنيكي رقم (33).
وقاموا بتأسيس دائرة السجون والأمن التابعة لنظام لفوف اليهودي وبأموال (اليودنيرات) وتأثيرهم الاقتصادي جهز سجن البوليس اليهودي في شارع جيريلين رقم (5) بكل ما لا يتوقعه بشر عن أساليب القهر والتعذيب والقتل بابتكارات خطيرة وبالتعاون فيما بعد مع استخبارات الجستابو في شارع (لوبي نسكي) إلى معسكر اعتقال في (يانوفسكي) أضف إلى أنه حسب المراجع والمصادر التاريخية النادرة فإن إدارة نظام الحكم في لفوف وإدارة السجون تحولت إلى مركز إقليمي ودولي للإثراء والتحاليل الدولي.
أما أعضاء تلك الإدارات والمفوضيات والسجون في بولونيا ـ روسيا في عهد القيصر أو عهد ما بعد ثورة أكتوبر حتى الحرب العالمية الثانية تحولت إلى مناطق حيوية وخصبة للمنظمات السرية اليهودية وعصاباتها ومنها "هاشوميرهاتسائير" "أرغون"، "شتيرن"؟!..
طور حزب بوعالي تسيون بزعامة بن غوريون نظريات الاشتراكية بشكل تحريفي متخلياً عن جوهرها "الصراع الطبقي"، ترسيخاً للتوجهات القومية الشوفينية لليهود الصهاينة كما تبنى كيبوتس هأدما وهعفودا كجزء من المشروع الاسيتطاني.
ثانياً ـ الاتحاد الصهيوني العالمي في روسيا 1896-1945
أسست في عام 1896م عصبة اليهود في روسيا لتحسين حياة اليهود المعيشية، وتحريضهم على الهجرة لفلسطين باعتبارها (أرض الميعاد ليهود العالم)، وباعتقاد اليهود الروس قبل ذلك التاريخ بأن الأراضي المقدسة في بلاد الشام هي أرض يهودية أخرجوا منها مشتتين مبعثرين، ودعوا لإقامة المملكة اليهودية فيها وهم الذين كانوا يدفعون الروبل يومياً تبرعاً للمنظمة الصهيونية العالمية كي يهاجروا من روسيا إلى الولايات المتحدة، إلا أن تبرعهم بالروبل كان يعني بالنسبة لهم الانتساب إلى حركة يهودية عالمية تعمل بكل جهدها لإخراجهم من بلاد يقيمون فيها رغماً عنهم، وهي حركة منظمة وقوية عالمياً، بعد إيصال المنشورات اليهودية الصهيونية لهم عبر الطرق السرية.
كذلك لعب الصهاينة البوند (يهود بولونيا) الدور الأكبر في تضليل اليهود، والحركة العمالية اليهودية في روسيا وبولونيا على وجه الخصوص، وشكل إعلان البوند حزباً سياسياً قومياً السمة الأساسية لضرب الحركة العمالية وهو أسلوب نابع من تحريض الصهيونية العالمية ومتابعة للخطأ الفادح والتحريفي بالنظر إلى الطائفة اليهودية على أنها حركة قومية.
وبخاصة أن الاتحاد الصهيوني العالمي عمل على توصيل مطبوعات صهيونية باللغة الروسية تارة، وباللغة العبرية تارة أخرى، بشكل سري إلى روسيا كان ذلك إبان حكم القيصر أو إبان الثورة وتنظيم ما يشبه النشاط السري الصهيوني في أوروبا والولايات المتحدة بمساعدة كل أشكال العمل داخل روسيا عن طريق التجار أو السياح الأجانب أو بعض الصحفيين الأجانب ورجال الأعمال إضافة إلى الفنانين والطلبة، وطلبوا من هؤلاء كيفية العمل بتشجيع الاتصالات السرية مع الصهاينة في روسيا مهما كانت الأوضاع فيها.
وكان نشاط مندوبي الاتحاد الإسرائيلي في روسيا ذا طابعاً سريعاً وموجَّهاً نحو ترسيخ عزلة اليهود السياسية والدينية وبخاصة في لاتيفيا ومنيسك وبولونيا والمحافظات الروسية الواقعة في الجنوب الغربي من روسيا وكانت مراسلاتهم تجري عن طريق الشيفرة والحبر السري وإحدى الرسائل وصلت عام 1881م، يرحب بها الاتحاد الأوروبي ـ لإسرائيل بأهمية إرسالهم لارتكاب المذابح ضد اليهود أنفسهم حتى يتسنَّى للاتحاد تحريضهم على الهجرة إلى "إسرائيل" ويشار فيها إلى طرق توحيد اليهود في منظمة واحدة لدفعهم إلى الهجرة إلى الولايات المتحدة والمملكة اليهودية القادمة في فلسطين رغم أن بعض اليهود قبل ثورة أكتوبر وفي خلالها وبعدها ادعوا التمسك بالنضال الطبقي الثوري مع الثورة البلشفية وفي الخفاء عملوا حراساً للمصالح الاحتكارية اليهودية[90].
واتضح بعد انقضاء أعوام قليلة من ثورة أكتوبر أن الصهيونية دخلت في ركاب الثورة كحصان طروادة خدمة لمصالح ومآرب الطغمة المالية والصناعية واليهودية في روسيا وخارجها، إذ امتلك اليهود في مدن روسية مثل تافريشيسكيا وبيز صاربيا ويكتير ينوسلافسكيا (388)، فابركه (مصنع) و(1627) فابركه تصل رساميلها الفعلية إلى (18.3)مليار روبل.
نشرت هذه المعلومات إضافة إلى معلومات أخرى في مجلة الفجر الصهيونية في أعقاب تحليل موسع لدور اليهود في غرفة تجارة وصناعة روسيا[91] قبل الثورة.
ولهذا أشاعت ((الصهيونية والمسيحية الصهيونية)) بأنها وراء أي ثورة أو زعيم، فإذا قرأنا بشكل موضوعي وبعيداً عن التحريف والتزييف فإن الدعاية والإعلام الصهيوني في روسيا لعبا الدور الكبير لمساندة الأبواق الإعلامية للاحتكارات العالمية، ولنرَ سابقاً، وعبر تأريخ الثورة في روسيا من عام (1905م إلى عام 1917م)، وما فعلته القيصرية والحكومة المؤقتة لرئيسها كيرنسكي اليهودي، وماذا فعل زعيم الثورة الذي حارب بسيف الثورة العصابات الصهيونية والحرس الأبيض ماذا تعني الدعاية الصهيونية.
كان هنالك تقارب بين الحكومة المؤقتة والصهيونية لأنهما يقفان على أرضية واحدة في معاداة الثورة الاشتراكية التي أراد لها اليهود أن تكون متخلفة عن الركب الحضاري العالمي وليسهل القضاء عليها كالامبراطورية العثمانية تماماً، ووضع الصهاينة في سيبريا مدن (غورغان ـ ونوفي سبيرسك ـ ومنيسك)، ومدن أخرى نصب أعينهم انتشار حركتهم في المدن والأرياف وتنشيط دور الصهاينة في كل مكان، حتى أن ستالين دفعهم بالقوة لإعلان الحكم الذاتي في (نوفي سبيرسك)، في أدغال سيبريا والإقامة فيها دون مغادرة، وأكد على ضرورة أن يبني اليهود في المنطقة المصانع والمعامل والطرقات وسكك الحديد فلا وطن لهم غير بلادهم الأصلية إلا أن عائلات وشخصيات يهودية متعصبة أمثال: (كازلسوف، كيرسانوف، آسترخان، سمولينسك)، عملوا بالعكس ودعوا إلى الجهاد الأصولي الديني كطائفة يهودية ضد البلشفية التي تضطهد اليهود، فساد التعاون المطلق ضمن الطائفة اليهودية في سيبريا وعموم روسيا خوفاً من النظام الشيوعي الجديد، وبلغ عددهم في المدن السيبيرية الكبيرة 50 ألفاً وكان المؤتمر الصهيوني الأول لعموم روسيا في مينسك عام 1901م أرسل قادة الاتحاد الصهيوني العالمي، رسالة إلى جموع اليهود بأنهم يشكلون جزءاً مهماً (لليهودية العالمية) دعا (أوصي شكين) إلى تأسيس الحرس الصهيوني تحت النجمة اليهودية، رغم أنه كان هنالك الحزب الاشتراكي العمالي اليهودي ـ الصهيوني الروسي والذي له هدف من أهدافه الموافقة على ما جاء في المؤتمر الصهيوني العالمي في كاتوفيج ببولونيا بتهجير يهود العالم إلى فلسطين.
إلا أن أعضاء حزب الحرس الصهيوني في روسيا وصل عام (1900م)، إلى (12) ألف عنصر معظمهم من سيبيريا وروسيا الجنوبية الغربية منهم، يناسلاف، فيلنو، وغيلييف[92].
فيما بعد ذلك بسنوات علق (بولدوين) في صحيفة نيويورك تايمز أنه حينما قامت (إسرائيل) سعت كل أطراف الصهيونية العالمية للضغط والابتزاز والقتل والاغتيالات ضد من يقف أمام الاعتراف بها أي (بدولة إسرائيل) حتى وإن كان ستالين نفسه فخبرة المخابرات الإسرائيلية المؤسسة حديثاً لا تسمح إلا بأن تصدر التعليمات الفورية إلى مركز المخابرات الصهيوني العالمي الموجود في نيويورك ولندن وروسيا وبولونيا إلى القيام بالواجب أو بما يلزم[93].
أما المفكر اليهودي البولوني (إسحاق دويتشر) كان من أبرز دعاة العداء للصهيونية وكيانها الاستعماري فقد كتب في أحد مقالاته عن المناخ الروحي السائد في ذلك الكيان عام 1954م "بأن ذلك الكيان ورث الأساليب العنصرية الحاقدة ولوناً جديداً من ألوان العداء للسامية التي يتشدق بالدفاع عنها". فالصهيونية أينما كانت وكيفما اتجهت هي حركة رجعية معادية للتاريخ وللشعوب وللتطور وللتنمية وللإنسانية وفي البلاد الفقيرة لأنها ستظل عميلة للاستعمار وهي عميلة من نوع خاص[94].
إذ بماذا نفسر النشاط المميز لـ(بنيامين دزرائيلي) (1804م-1881م)، كزعيم لحزب المحافظين، ورئيس الوزراء البريطاني كيهودي تخلَّى عن يهوديته ليعمل كمسيحي، وملهمٍ لأنشطة متكاملة للحركة المسيحية الأوروبية والبرازيلية والأمريكية وكتب (روايته) التي تحدث فيها عن الخلاص ولكن أي خلاص، الذي يدعو إلى إنشاء الوطن القومي ليهود العالم في فلسطين وتناقلت الرواية التجمعات اليهودية في روسيا وبولونيا وأعجب بها كل الإعجاب ورغم اعتراف الموسوعة البريطانية العظمى (بدور دزرائيللي) إلا أنها حددت سلفاً طبيعة الحلم الذي اتجه إليه يهود العالم[95]؟!...
بعد أن حددت بالتفصيل من هم (السفارديم، والإشكنازيم، واليهود العرب والشرقيين)، ورغم معارضة أفكار زعيم الصهاينة (هرتزل) العلمانية مع الذرائع التوراتية لنشاط الحركة اليهودية العالمية فإن بريطانيا خدمت اليهود والصهاينة خدمات خطيرة للغاية عن طريق كريستوفر سايكس صاحب اتفاقية سايكس بيكو في تقسيم بلاد الشام خدمة للمآرب الصهيونية، لقد أكد هرتزل: "إن الصهيونية ستشكل جداراً منيعاً لأوروبا بوجه بربرية آسيا وكقاعدة أمامية لها بوجه همجيتها"...
يتضح من كل ما سبق أن مصلحة الأمم المتحدة هي من مصلحة المدنية الأوروبية والأمريكية لتأسيس الدولة الصهيونية وأخذ موافقتها عليها عبر أقصر الطرق، ومن مصلحة أوروبا وأمريكا أن تعترفا بإسرائيل وتؤيدا وعد بلفور وسايكس بيكو لأن فلسطين هي الجسر الذي يبقي كلاً منهما موجوداً للأبد في منطقة غنية بكل المقاييس بالنسبة لغيرها، ولكن باستخدام كل الأعمال الوحشية والفاشية إن لزم الأمر؟!..
وأعلن من لندن قبيل أكثر من 200 عام أن العاصمة البريطانية ستكون بالنسبة للصهيونية العالمية وليهود العالم الأم الحنون ومركزاً لانطلاقهما لتحقيق أحلامهما عبر البحار السبعة والقارات العالمية لأن اليهود مستواهم المالي والثقافة والاحتكاري يفيد الاستعمار بكل الاتجاهات[96].
ثالثاً ـ كيف تعامل اليهود البلشفيون مع الصهاينة أعداء الثورة:
(فيليكس دزيرجنسكي) [97]
أكد دزيرجنسكي رئيس المجلس الثوري العسكري في الثورة البلشفية أنه تم اعتقال أعضاء في المركز القومي اليهودي في بطرسبورغ، وتم الا ستيلاء على الوثائق المعدة سلفاً المعادية للثورة والهادفة إلى زج منظمة عسكرية كبيرة صهيونية معادية (منظمة بيتار) للثورة مرتبطة بمركز ما يسمى قيادة جيش المتطوعين لتحرير موسكو و كان بعض أعضاء ذلك المركز يشغلون مراكز قيادية في الجيش الأحمر لعموم روسيا وكان لهم دور مهم في المؤسسات والمدارس العسكرية الروسية أيضاً.
وقد دفع لهؤلاء مئات وآلاف الروبلات (435) روبل و(452) روبل و(73) كوبيك إلا أن دزيرجنسكي طلب من عاملة الهاتف الاتصال بأرقام الهواتف (45273) أو (43573) رد فيكتور إيفانوفيتش فوجد أنها أرقام هواتف معادية للثورة إضافة إلى أنها حسابات قبض الروبلات هي شيفرة بالأحرف الصغيرة جداً كلها مرتبطة بمركز قيادة (دينيكين) و(شيبكن) المتعلقة بتنظيم المؤامرات ضد الثورة في موسكو وبمركز الاتحاد الصهيوني العالمي في روسيا القيصرية.
الهدف بات واضحاً، ا لتحريض ضد الثورة وزعاماتها وكانوا يأملون بالسيطرة على موسكو لعدة ساعات بغية إثارة الرعب والفساد في صفوف الثورة والجيش الأحمر، وقد أعدوا لذلك العمل بالأوامر والنداءات الخاصة بهم ورغم أن دزيرجنسكي كان بولونياً إلا أنه تمكن من محاربة الصهيونية وعناصرها ومنظماتها السرية بشكل سمح له بتبوء مناصب عالية في الثروة لأنه كان ماركسياً من الطراز اليعقوبي الذي لا تزحزحه عن مبادئه أية قوة مهما كانت.
لقد كشف رئيس اللجنة الاستثنائية (لأمن الثورة) عدداً من الشقق السرية للصهاينة والفوضويين وتمكن مع اللجنة الاستثنائية من إلقاء القبض عليهم، وكان أحد عشر عنصراً في جادة (جيلني شيفسكي) جادة اليهود في مدينة بطرسبورغ، وألقي القبض على (جريتشامينوف) الذي له عدد من الشخصيات الخفية فهو جريتشانيك، وجريتشانيكوف، وكان قائداً لحملات التفجير ضد مراكز الثورة وعند اعتقاله ألقى القنابل اليدوية والرصاص على أعضاء اللجنة ا لاستثنائية، وفي أثناء التحقيق معه ومع أنصاره تبين أن لهم وحدات عسكرية فوضوية أخرى معادية للثورة اعتزموا تفجير اجتماعات (موسكو الاستثنائية لجنة) كما فعلوا سابقاً بـ(متفجرة زنتها 54 رطلاً من المتفجرات)[98].
وفي منازل ريفية تم الاستيلاء على مخازن أسلحة ومستودعات متفجرات وديناميت، ورغم ذلك سحق جيش الثورة في (فاروينج) أفضل تشكيلات دينيكين الذي كان يحضر نفسه للانقضاض على موسكو بإشارة من هؤلاء الفوضويين والصهاينة في موسكو وبطرسبورغ على السواء[99].
لقد سعى دزيرجينسكي بتوجيهات من قائد الثورة إلى مكافحة أعداء الثورة من الحرس الأبيض والصهاينة والمخربين الذين كان بحوزتهم رسائل بالروسية والعبرية وكان ليتشكوف دزيرجينسكي دور مهم في تنظيم العمال والفلاحين ضمن بولونيا وضمن الثورة البلشفية وكان هنالك أيضاً يهودي يدعى (موسى سولومونوأوريتسكي) وهو من المثقفين الحزبيين وعضو اللجنة المركزية لحزب البلاشفة الذي حارب الصهاينة بقوة. لقد تم العثور على صديقة أوريتسكي الحزبية النشيطة في دير يعقوب (ياكلوفليف) للراهبات مقتولة ومشوهة بوحشية منقطعة النظير من قبل الحرس الأبيض والصهاينة، وكان العامل الخراط أيلين عضواً نشيطاً في هيئة اللجنة الاستثنائية نجح بمقاومة (سكافارسكي) الصهيوني مع الجنرال سكوجار مستخدماً سلاحه الفردي وألقى القبض عليه ووجدت في منزله وثائق هامة معادية للثورة. لقد كان دزيرجنسكي وموسى أوريتسكي على استعداد للموت في سبيل الثورة كما كان غيرهما غيوراً على نجاح الاشتراكية، ومن هنا تبرز أهمية الدفاع عن الاشتراكية وبناء عالم جديد بعيداً عن الغيتو والصهيونية والبوند أصحاب الأعمال الإرهابية الفاشية وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على عدم وضع اليهود في مكانة واحدة على عكس غلاتهم أمثال: كاوتسكي، وسكوجار، أعداء الثورة والإنسانية إبان ثورة أكتوبر وبعدها.
رابعاً ـ منظمة بيريا المستشار السياسي لستالين ووزير الداخلية (M.V.P)، واللجنة الطبية العليا/ موسكو:
هربت جموع غفيرة من اليهود هروباً، متدفقين نحو الولايات المتحدة بعيداً عن الحكم القيصري الروسي الأرثوذكسي وبخاصة بعد اكتشاف (بروتوكولات الصهيونية) المهربة من فرنسا، فهاجر أكثر من (2) مليون يهودي بين عام(1881م ـ 1914م)، نتيجة ظروف معينة، وفي عام 1902م عملت المنظمات السرية الصهيونية التي تعمل سراً تحت لواء (بروتوكولات حكماء صهيون، وتوجهاتها السرية الخطيرة) المطبوعة أساساً في فرنسا وبريطانيا (مركز المحفل الماسوني العالمي) والتي لاحقها البوليس السياسي السري القيصري في كل أوروبا الشرقية والغربية، فعملت في ذلك التاريخ على إنشاء جمعية دولية مساهمة تسمى (التروست الاستعماري ـ اليهودي) بدعم أسرة روتشيلد وبريطانيا كحليف احتكاري جديد للاحتكارات العالمية الناشئة في الولايات المتحدة، وأوروبا ووسعت نفوذها لتطال بيروت والاسكندرية وأنقرة والرياض وبعض دول الخليج كالإمارات فكانت لبريطانيا المساهمة العظمى في بناء التروست الاحتكاري اليهودي الذي يعمل شكلاً بالاستثمارات وسراً بقضايا أمنية وعسكرية لصالح الصهيونية العالمية.
لم يدخل إلى فلسطين عند هجرة اليهود الروس أيام القيصر من أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى أكثر من (46.000) ألف يهودي بعد أن تمكن الاستعمار البريطاني الأمريكي من بناء 47 مستعمرة جديدة أنشأها لهم (البارون إدموند روتشيلد) وشكلت مساحتها 2% من مجموع مساحة فلسطين، وبعد أن اختمرت أفكار هرتزل جيداً في مذكراته وتحركاته في زيارة مصر وفلسطين وتركيا، حول إمكانية إنشاء المستوطنات وتحويلها فيما بعد إلى حجر أساس للدولة اليهودية في فلسطين بدعم بريطانيا وألماني وأمريكي عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بال في سويسرا، وكانت شركة الأراضي اليهودية ـ العثمانية اصطدمت مع السلطان العثماني عبد الحميد (1900م-1902م)، للحصول على ما يسمونه "شارتر" أي "براءة" عثمانية لاستعمار فلسطين وجوارها لبنان وسورية والأردن وسيناء على أن تتم السيطرة على المناطق الساحلية من لواء اسكندرون مروراً ببيروت وصيدا وصور وحيفا ويافا حتى رفح وغزة، ومن الممكن نقل سكان الساحل من لواء اسكندرون حتى رفح إلى المناطق الداخلية بالقوة والإرهاب والعنف وإحلال محلهم اليهود المهاجرين من روسيا وأوروبا وآسيا الوسطى وأمريكا[100].
التقت مصالح التروستات الرأسمالية اليهودية العالمية مع مصالح الاحتكارات البريطانية والفرنسية والألمانية والأمريكية إلى حدود بعيدة من التآزر والتآمر منقطع النظير إضافة إلى الترويج للفتن والفوضى والحروب، لأنه يمكن السيطرة على الشعوب والدول من خلال تلك المعارك الداخلية، لقد حرض المارشال بيريا ومولوتوف ضد السياسة البيروقراطية التي نهجها ستالين، وكان بيريا، يرأس البوليس السياسي السري أيام ستالين، بسبب صلة القرابة من جهة النساء حيث قدم السوفييت خدمات لا تنسى لليهود في الاستيلاء على مراكز القوى ضمن سياسة شفافة استغلها اليهود أيما استغلال. لقد كان بيريا أيام القيصرية من الضباط الشباب المشهورين بإرهابهم وقمعهم للمناضلين فهو رمز(سجون لوبيانكا) الذي كان يشرف بعد ثورة أكتوبر على جميع السجون والمعتقلات السوفييتية بعد انتصار الثورة وآلت إلى المارشال بيريا "اليهودي" بحنكته ومؤامراته السرية وزارة الداخلية أيام ستالين، وأسس لنفسه (منظمة يهودية سرية)، خطيرة جداً كانت تعرف باسمها السري (M.V.P)، وأردفها بجهاز طبي سري خطير ومنظم أسماه بـ"اللجنة الطبية العليا"، وهدفها القضاء على القيادات السوفييتية الحرة، وتعقب الكتاب والصحفيين والحزبيين والروس الشرفاء، وحينما أشيع عن بعض الأطباء القتلة المأجورين أوقفهم الحزب للتحقيق معهم بجرائمهم بتهمة التآمر ضد الاتحاد السوفييتي وستالين شخصياً، إلا أن المحاكم برأتهم من جرائمهم باستخدام الرشاوى والضغط بمساعدة بيريا نفسه مما زاد الشكوك (بدور بيريا) داخل المكتب السياسي للحزب، إلا أن الدكتورة (لوديا تيماشوك) كانت تلاحق هؤلاء الأطباء سراً لتعرفهم بالأسماء، وكان لها الدور الأساسي في كشفهم ووضع ملفهم أمام أعضاء المكتب السياسي، إلا أن وسام لينين والسوفييت الأعلى الذي حصلت عليه من ستالين شخصياً قد سحب منها لأسباب غامضة، وكانت قيادة الشرطة السياسية السرية الروسية على خلاف حاد مع وزير الداخلية المارشال بيريا، كيف لا، وهي تلاحق الصهاينة في كل مكان وشبكاتها وزاد شكوكها بدور (بيريا الصهيوني)، دون أن يعرف أعضاؤها أو عددهم وبعد تدخل بيريا بقضية التحقيق مع الأطباء أفرج عن شبكة الأطباء ومعظمهم من اليهود الروس والذين تم كشفهم فيما بعد على يد (خروتشوف) مع منشورات (جماعة البوكر الصهيوني) [101]وبعد إطلاق سراحهم ثارت اللجان الحزبية والنقابية وطالبت بفضح (دور المنظمات السرية اليهودية) بما فيها جماعة البوكر اليهودية وثار الشعب الروسي وقدم احتجاجات واسعة لـ"المكتب السياسي" على طبيعة النشاطات الخطيرة لتلك الجماعة وجماعات غيرها وفي 10/تموز/1945م، أبلغ المجلس السوفييتي الأعلى للشعب عن (فضيحة خطيرة) وقف ورءاها وزير الداخلية المارشال اليهودي بيريا وبمساندته شخصياً مع عصابته في وزارة الداخلية ونجحت الشرطة السياسية السرية التابعة للحزب ووزارة الداخلية بإماطة اللثام عن النشاطات المجرمة والإرهابية لأصحاب (القفازات الطبية والحريرية) التي قام بها المارشال (لافريني بيريا) لصالح الحركة الصهيونية العالمية والاحتكارات اليهودية في بريطانيا والولايات المتحدة وبعد كشف أسراره واتصالاته السرية الخطيرة والتي كشفت بعد إطلاق سراح بعض الأطباء على إثر التحقيق معهم قرر مجلس السوفييت الأعلى محاكمة المارشال بيريا وزير الداخلية وإعفاءه من مناصبه بعد أن كان مسؤولاً عن:
1 ـ رئيس الشرطة السرية التابعة لوزارة الداخلية.
2 ـ نائب رئيس مجلس الوزراء.
3 ـ وزير الداخلية الذي فرض نظاماً قمعياً وإرهابياً ظاهره سوفييتي ولكن جوهره الحقيقي (يهودي) لتشويه صورة السوفييت ونظامهم أمام العالم.
4 ـ إقالة وزير داخلية جمهورية جورجيا باعتباره الصديق الأوحد والحميم للمارشال بيريا.
ويعود للمارشال بيريا مجموعة جرائم مكتشفة وغير مكتشفة عمل فيها على تطوير وضع اليهود داخل الأجهزة الإدارية والحزبية والعسكرية والأمنية وملاحقة الشرفاء الروس والأحرار ونفيهم واعتقالهم تحت اسم (ستالين) الذي استفاد من أساليبه البيروقراطية، وأن أي ضابط أو مسؤول في الحزب أو المكتب السياسي نزيه كانت تشن ضده حملات بوليسية ودعائية وأخلاقية لتحطيمه حتى تمكن بيريا وعصابته من دس السم في شراب ستالين نفسه فبعد أن شكلت لجنة من (9) أطباء لتشريح جثة ستالين تبين لديهم في التقرير الذي رفع لمجلس السوفييت الأعلى أنه توفي بسبب مادة من السم، ومات مقتولاً حيث كان بيريا الشخص الوحيد الذي لازمه قبيل وفاته بأيام وحتى إذا ما وصل خبر التقرير لبيريا عمد مع شرطته في وزارة الداخلية والمنظمات الصهيونية السرية إلى إخفاء الأسرار وإلى قتل الأطباء التسعة ضمن مسلسل إرهابي منظم وبشكل منفرد في ظروف غامضة ومن هؤلاء الأطباء، أطباء أجانب أيضاً[102].
الخطر من ذلك أن ملاحقة المنظمات السرية الصهيونية واليهودية توقف في عهد بريجينيف لأسباب غامضة ويعتقد سببها بعض أبناء المسؤولين الذين عملوا بالتجارة مع دول أوروبية معينة وكان لهم حسابات مصرفية خيالية يستفيدون منها بعلم آبائهم أو بدون علمهم. وفي بداية السبعينات حتى نهايتها كانت المنظمات تلك تتسلل إلى الجامعات والمعاهد المتخصصة وتقوم بقتل أو شنق العديد من طليعة الشباب الثوريين المعروفين في أوطانهم والذين ينتمون إلى منظمات يسارية حتى أن بعض القيادات الفلسطينية الشابة قتلت في ساحات عامة خطفاً أو رمياً بالرصاص وهم ينجزون دورات عسكرية وأمنية فهل كانت تلك المنظمات اليهودية قادرة على معرفة كل شيء عن هؤلاء الشباب ببساطة.
لقد عملت الصهيونية العالمية، واليهودية الأصولية المتعصبة، ضمن الاتحاد السوفييتي (بشكل سري) وعلى أساس تحريك الثورة المضادة المدعومة من الاحتكارات العالمية وبالأخص من شركة أسرة روتشيلد وأسرة لازار وأسرة فارحي، وقمحي وقارح وروسو وإبراهيم زاده وجاك كوهين وأصلان[103]، من تركيا ومن جورجيا ومن دول خارج الاتحاد السوفييتي ومن داخله وتشجيع ثورة الكولاك ملاكي العقارات والأراضي إلى الحرس الأبيض المتعاون مع المنظمات الصهيونية في محاربة ثورة أكتوبر والقضاء عليها منذ بداياتها وقد أقنعت تلك المنظمات المتنفذة في أجهزة الحزب الحاكم في موسكو قبيل وبعد عام 1948م، بأن يزور "بيريا" بعض المستوطنات في فلسطين عام 1952م، سراً فأثنى على بناء الكيبوتسات والموشاف على الطريقة الاشتراكية المعروفة بـ(السوفخوز والكولخوز) وكانت الدعوة له من بن غوريون شخصياً كاشتراكي صهيوني، لكن أكد زعيم ثورة أكتوبر بأن منشورات المنظمات اليهودية وأنشطتها ظلت واسعة بعد ثورة أكتوبر وأوضحت تلك المنشورات التي تحمل النجمة الصهيونية السوداء كم هي معادية فعلاً للسامية وللشعوب الأخرى بمضمونها الرجعي والعنصري وفضح خرافة الشعب اليهودي الواحد، وفضح أيضاً تاجر الشاي اليهودي في روسيا الذي استغل أبشع استغلال وبقذارة عماله اليهود الروس والتتر والأذريين لنشر الدعاية الصهيونية وتنظيم هجرة اليهود لفلسطين وكان (Zax) المليونير اليهودي يستغل العاملات اليهوديات بالجنس والدعارة والمال لنشر الدعاية الصهيونية.
وتحدث زعيم ثورة أكتوبر أن صفوف اليهود في خلال الثورة وبعدها لم تضم إلا البارونات والنبلاء والأغنياء من المجتمع القيصري الروسي مقابل آلاف الفقراء منهم الذين استغلوهم أبشع استغلال، وضمت قائمة البارونات والكولاك (ملك) سكك الحديد الذين وصلت سمعته كمرابي جشع واحتكاري كبير إلى مسامع الاحتكارات الأوروبية والأمريكية بل كان شريكاً لهم في المؤامرة على الثورة وهو اليهودي الثري (بولياكوف) الذي لا تقدر أملاكه بثمن داخل روسيا وبريطانيا وأمريكا، إضافة إلى صاحب مصانع السكر في روسيا وأوروبا (برودسكي) إضافة إلى أصحاب الفابيركات الضخمة لصناعة الدخان (البوند ستريت) و(المارلبورو) وقد استطاع هؤلاء شراء ثوار كان لهم سمعتهم الطيبة في داخل الثورة من أمثال: تروتسكي (يهودي والده ثري ويملك العقارات ودور السينما) وسفردلوف، وأوريتسكي، وفولودارسكي، وزملياتشكا، وتشوبايص، وليتيفنون، ومنهم أيضاً من كان يعمل في صحيفة البرافدا الحزبية.
وبعد مجموعة تحقيقات أكدت أجهزة الثورة بأن الحركة الصهيونية ومنظماتها السرية الممتدة إلى بريطانيا حاولوا شراء هؤلاء وحرّفت اهتماماتهم لصالح الحركة اليهودية العالمية باللعب على خلفيتهم الدينية، كما حصل فيما بعد مع المارشال بيريا وأكد سابقاً ماكس نوردا صديق هرتزل بأنه يأسف كل الأسف لانضمام اليهود في روسيا للعمل في مجتمع سوفييتي ورفضهم الهجرة إلى فلسطين ضمن الحملة التي قادتها الوكالة اليهودية العالمية والاحتكارات اليهودية في أوروبا وأمريكا ولعب الأثرياء والأغنياء اليهود الدور الكبير للقضاء على ثورة العمال والفلاحين والفقراء في روسيا بعد ثورة 1917م، وزرعوا في أذهان الناس عبر الصحف والإذاعات الأكاذيب والأضاليل عن أهداف الثورة التي عملت على دمج اليهود في مجتمعاتهم لبناء بلادهم وليس لاحتلال بلاد الشعوب الأخرى.
الدكتور خليل البدوي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04 / 04 / 2011, 16 : 02 PM   رقم المشاركة : [6]
الدكتور خليل البدوي
دكتوراه آداب/دكتوراه طب/صحفي وفنان تشكيلي/مؤلف وكاتب ومحلل سياسي

 الصورة الرمزية الدكتور خليل البدوي
 





الدكتور خليل البدوي is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: جمهورية العراق

رد: الحلف الاستعماري وقضية فلسطين

ولعبت تلك الصحف والإذاعات بعيد الحرب العالمية الثانية دوراً خطيراً في تشويه سمعة ستالين الذي أسس للنظام الاشتراكي قطباً سياسياً وعسكرياً بالقوة سمي (حلف وارسو) ليتحدى الغرب وأسلحته ونظامه، ولم تتحدث مطلقاً عن المجرم بيريا وعصابته ودورهما في قتل الأبرياء من الضباط والأطباء والحزبيين، ونشرت تلك المنظمات السرية اليهودية في ألمانيا وأوروبا أكاذيب عن (المحرقة اليهودية)، بعد مقتل أكثر من 40 مليون مواطن وعسكري من مختلف الشعوب الأوروبية في الحرب العالمية الثانية من أوروبا كلها، فإذا نظرنا إلى المسبب الحقيقي والمشجع لتلك الحرب سنجد أن بيريا ومنظمته وشركة هآفارا اليهودية الألمانية قد لعبوا الدور الكبير للانتقام من الشعوب السوفييتية والأوروبية لأنهم وقفوا ضد اليهود وأخطاءهم ولعل توزيع بروتوكولات حكماء صهيون بكميات هائلة وصلت إلى أكثر من 9 ملايين نسخة في روسيا وأوروبا وكانت السبب الأهم في إثارة الحروب والفوضى إذا لم يثبت العلم ولا الحقائق ولا الشهود العيان ولا غيرهم عن وجود (محرقة يهودية) و(غرف الغاز) بل إن اليهودية العالمية خرجت بهذه المسرحية المؤثرة من الأكاذيب للتغطية على دورها الخطير في إثارة الحرب العالمية الأولى والثانية وللتغطية على ما اقترفته من أعمال بحق اليهود أنفسهم وبحق الشعوب الأخرى من خلال اللعبة المزدوجة التي لعبوها هنا وهناك ولعل الفرع (11 ـ 112) للجستابو والرايخ النازي يؤكد بأن هتلر كان بصدد تأييد الصهيونية العالمية فيما إذا انتصر كي يبني لها (الرايخ) بصفة صهيونية في القدس، وهكذا ما أكد عليه الكاتب الأمريكي هايد رايبر.
لقد التقت (جولدي ميرسون) غولدامائير مع مندوبين من ضباط الجستابو الألمان واليهود في فرع الجستابو برلين ومدن أخرى فرع (11 ـ 112) ومع الصحفي الفرنسي مارسيل بيكار مؤكدة على:
"إن هدف الصهيونية الحصول على ما تريده من خلال تشجيع دورها في الحرب العالمية الثانية، وأنها ستقف لا محال مع المنتصر أكان هتلر أو تشرشل.."؟!...
ونحن لا ننسى بأن هدف هتلر الأساسي كان القضاء على الاتحاد السوفييتي واستفاد بشكل غريب من التقارير الخاصة ا لتي كانت ترسل له عبر الضباط اليهود والمارشال بيريا بهدف إنهاك الاتحاد السوفييتي وإزاحته من الوجود لإقامة الاحتكارات الألمانية ـ أو البريطانية العظمى بعد الاستيلاء على نفط بحر قزوين وعلى البحر الأسود وتركيا والشرق الأوسط.
لقد أغرت المنظمات الصهيونية السرية العاملة في بولونيا بالهروب بطائرتين ميغ (15) وقاداها إلى أحد المطارات الدانمركية بالتعاون بين (الاستخبارات الأمريكية ـ والاستخبارات الدانمركية)، ومع (وكالة المعلومات اليهودية الدولية) ومركزها واشنطن، للحصول على جائزة غريبة فعلاً وهي:
ـ عند وصولهما إلى المطار الدانمركي سيحصل كل منهما على مبلغ 100 ألف دولار أمريكي في ذلك الوقت.
ـ إنه يستطيع كل منهما معاشرة الممثلة الأمريكية الحسناء (كاتلين) ويناما معها في أي وقت، ومن المعروف أن كاتلين كانت حسناء السينما الأمريكية في هوليود.
كيف يمكننا تصور ألاعيب الأجهزة الغربية في تحقيق أحلام هؤلاء عن طريق استخدام الممثلات الحسناوات في هوليود كإثارة النزعة الغرائزية الجنسية حيث يسيطر اللوبي الصهيوني على الممثلات الأمريكيات خدمة لمآرب سياسية.
لم تكن بشكل عام سياسة الدول الكبرى نزيهة بسبب وجود الضغط والابتزاز اليهودي ـ الصهيوني في روسيا وبيليروسيا فقد أيد السوفييت بشكل مؤسف قيام "دولة إسرائيل" بقرار التقسيم عام 1947م ـ 1948م، وهذا يمثل حافزاً غريباً فعلاً للصهيونية الروسية ضمن سياسة لعبة الأمم، حيث أيدوا جمع شمل العائلات اليهودية في وطن قومي لليهود على حساب الشعب العربي الفلسطيني ومن هنا بالذات ندرك مقدار الخلل ودور (بيريا) في دفع ستالين إلى الشك والريبة حينما قال له"1":
"ما رأيك بالصهيونية هل تستطيع الوقوف بوجهها"؟!..
فماذا كان جواب ستالين: لا ندري؟!...
***
2
بروتوكولات حكماء صهيون:
يعزو البعض قليلو الاطلاع على أن بروتوكولات حكماء صهيون وضعتها أجهزة المخابرات القيصرية ولا يوجد بكل الأحوال مصادر فعلية تؤكد ما رمى إليه هؤلاء وبخاصة أن الشرطة السياسية السرية للقيصر بالذات لاحقت الصهيونية ومنظماتها وبداية عام 1902م عادت الصهيونية وأرسل القيصر مجموعة سرية إلى كل من لندن وباريس لمعرفة أين يطبع الكتاب السري لليهود الذي تتناوله المنظمات اليهودية السرية وبالأخص الاتحاد الصهيوني الروسي العالمي (1897م ـ 1902م) [104]، والمصادر الروسية تذكر هذه الأحداث مؤكدة بأن البروتوكولات حررت وطبعت في مطابع (بريطانية ـ وفرنسية) على يد شركة أسرة روتشيلد نفسها التي كان لها الدور الأهم في نشر الفكر اليهودي بطابعه الماسوني على اعتبار أن أسرة روتشيلد وشافتسبري وغيرهما كرسوا الدور الأهم في نشر الفكر اليهودي بطابعه العنصري على اعتبار أن أسرة روتشيلد كرست مصالحها مع الامبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس، ووجدت في تلك البروتوكولات لحكماء يهود بريطانيا، وفرنسا، وروسيا، وأمريكا الشمالية باعتبارها النظام الأساسي لعمل الشبكات الماسونية العالمية قبيل المؤتمر الصهيوني العالمي الأول الذي تزعمه هرتزل وجاء رداً على "البيان الشيوعي" لكارل ماركس الذي خاطب فيه الطبقة العاملة العالمية "يا عمال العالم اتحدوا"، بينما طالب حزب البوند اليهودي القومي البرجوازي الطبقة العاملة اليهودية حصراً:
((يا عمال العالم اتحدوا)) شتان بين نداء كارل ماركس الذي اعتمد الرؤية المادية التاريخية للتطور البشري وفلسفته الاشتراكية وبين الرؤية التوراتية للمحافل الماسونية وعصاباتها السرية في روسيا وبريطانيا وفرنسا[105].
نتساءل لماذا تأخذ بريطانيا على عاتقها أساساً المسألة اليهودية وحلها حلاً استعمارياً استيطانياً وارتكزت ـ بكل مرتكزاتها ـ على أنشطة قام بها القنصل الأمريكي في القدس 19 أيلول 1838م ولإرساء النفوذ البريطاني السياسي والديني في القدس وفلسطين وبلاد الشام وبالتالي التعاون الذي حصل أساساً بين القنصل البريطاني والقنصل الأمريكي عام 1840م، وكيفية بناء أول مستوطنة يهودية في القدس عام 1850م[106] إلا أن القيصر الروسي حارب اليهود وطردهم من روسيا نتيجة لمؤامراتهم وفتنهم وانكشاف المنشورات السرية الممهورة بالنجمة الصهيونية وانزعاجه من (بروتوكولات حكماء صهيون) وإلا ماذا نفسر إرساله "لمجموعة سرية"، إلى لندن وباريس لتفجير المطابع التي تطبع تلك المنشورات السرية بما فيها "البروتوكولات" والخلافات التي حصلت في مصر بين القنصل الروسي ـ والبريطاني حول احتفالات كيولاه واستقبال حوالي (11.227) يهودي طردوا من فلسطين من قبل السلطان العثماني وطلب الروس استرجاعهم لروسيا لوضعهم في أدغال روسيا كما فعلوا بالآخرين، لكن لا ننفي في الوقت نفسه التعاون الذي حصل لفترة ما بين كبار أغنياء اليهود مع النظام القيصري وبالأخص ملك سكك الحديد في روسيا وبريطانيا وأوروبا الملياردير اليهودي (بولياكوف) أو (ZAX) أو مع كاسل مستشار الملك إدوارد السابع ودور يعقوب شيف لذلك اعتبرت بريطانيا هي الأساس في التخطيط المتكامل لبعث قضية اليهود (1807م) وكان السير موسى مونتيفيوري من مواليد (1784م) قد نجح نشاطه التجاري العالمي إلى جانب شركات أسرة روتشيلد وصاهر عميد أسرتهم المؤلفة من السبعة الكبار، وماذا تعني هذه العائلة أساساً في الماسونية، وانتقل ليصبح مؤسساً لأوائل المستوطنات في فلسطين بدعم أسرة روتشيلد أنفسهم إضافة إلى دور اللورد اشيلي (1837م ـ 1838م)، وعمل كبروتستنتي للاهتمام بمصير أورشليم ولإقامة مطرانية توحد جميع الإرساليات التبشيرية وتكون رمزاً لها بعد أن ضم إلى صفوفه النصارى[107] من اليهود المرتدين للدين المسيحي وعمل رسمياً على تهجير اليهود، ولعب اللورد ليندس برسائله التاريخية من مصر والأراضي المقدسة الدور الداعم والأساس للورد اشيلي، ووضع جهده لكي يكون رسولاً أو مبعوثاً للكنيسة الإنكليزية في القدس بهدف جوهري الدفاع عن اليهود والتخطيط لاحتلال فلسطين مستقبلاً، وبالمقابل ماذا فعلت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية لنجد أن الصراع كان شديداً بينها وبين الكنيسة الإنكليزية إضافة إلى المنافسات بينهما، فرضت الدول الكبرى بريطانيا وفرنسا وأمريكا نفوذها السياسي والاقتصادي وما يتعلق بأمور التجارة والإدارة والمال على المنطقة مقابل فرض الكنيسة البروتستانتية أساساً، رغم أن الكنائس الفرنسية (الكاثوليكية) والروسية (الأرثوذكسية) تنافستا بالمكايد والفتن والمؤامرات للاستئثار بالطوائف المسيحية.
ومارس نائب القنصل البريطاني يونغ في 14 آذار 1839م دور المضلل والمتحايل على الكنيستين الفرنسية والروسية بأسلوبه الصهيوني الواضح، قائلاً: "اليهود الذين وهبهم الله هذه البلاد هي في الأصل ملكاً لهم"؟!...
مع تجاهل كامل لوجود السكان الفلسطينيين والعرب المسلمين والمسيحيين على السواء فيها بهدف فرض النفوذ البريطاني عبر اليهود والكنيسة المسيحية ـ اليهودية[108].
لاشك أن المطّلع على تفاصيل بروتوكولات حكماء صهيون سيجد بلا أدنى شك الصبغة البريطانية ـ الفرنسية فيها، أليس أدل على ذلك الفتنة والمؤامرة الشاهد عليهما وعلى وجود الأيدي الخفية خلفهما دفعهما للقيام باتفاق بين ماركس سايكس وجورج بيكو ـ في 10/5/1916م، إضافة إلى التمهيد لإخراج (وعد بلفور ـ كامبو) إلى حيز الوجود في 2/11/1917م الذي ألزم بريطانيا ببناء الوطن القومي ليهود العالم، ولم يصدر ذلك الوعد عن القيصر الروسي الذي أطاحت به ثورة أكتوبر وكشفت دوره في المؤامرات الاستعمارية فيما بعد ودور بيريا ومنظمة "عصابة البوكر" التابعة له والمسؤولة عن سجون "لوبيانكا"[109] في التآمر على القيصر الروسي وعلى الثورة البلشفية معاً، لصالح الحركة الصهيونية العالمية.
ويذكر هنا أن خروتشوف حينما اكتشف دور بيريا كعميل للاستخبارات البريطانية والمنظمات الصهيونية والاحتكارات اليهودية والتروست العالمي لأسرة روتشيلد أدرك المكتب السياسي للحزب الشيوعي في موسكو حينها أن بيريا وبريطانيا والولايات المتحدة وراء مقتل جوزيف ستالين مسموماً بشراب بتشريح جثته بعد عودته من مؤتمر يالطا ودور الدكتورة لوديا تيماشوك بكشف "عصابة الأطباء"[110]..
بهذا السياق لابد من إعادة دراسة الدور الخطير الذي لعبه "الاتحاد الصهيوني الروسي العالمي" الذي تأسس في سيبيريا أواخر القرن التاسع عشر ودوره في الاتصالات السرية مع دول أوروبة مثل بريطانيا وفرنسا وأيضاً مع يهود في الدول العربية في الاسكندرية وإلا ماذا نفسر عملياً وجود يهود في مدينة ((غورغان ونوفي سبيرسك)) أصولهم من الاسكندرية أو من بعض المدن العربية، إنها دعوة لتقدير طبيعة التغلغل اليهودي السياسي والاقتصادي والمالي وبالأخص التجاري الذين تربطهم مصالح عديدة لا يستهان بها، مع الاحتكارات العالمية.. ولابد من ملاحظة الطبائع الفاسدة في الخطط الخفية الموقعة بين (فرنسا وبريطانيا) والمتفق عليها مع الحركة الصهيونية لكي يتحقق شعارهم المؤسس على ((الأفعى الرمزية)) التي اكتشفت في منشوراتهم السرية لأنها تغذّي الحلم الصهيوني التوراتي وتقف ضد المصالح الشفافة للقوميات والشعوب وتظهر كم هي معادية للسامية والأمم بادعائها بأنها تدعو لخلاص شعب هو غير كل الشعوب والأمم برؤيا عنصرية متطرفة لقد تم الكشف عن أخطر كتاب يهودي لأول مرة في المنطقة عام 1951م، من قبل الباحث محمد خليفة التونسي وتم التأكد من أن "بروتوكولات حكماء صهيون" هي من أخطر الكتب المعادية للعرب والإسلام والبشرية ولكل الشعوب والدول التي تسعى إلى السلام والأمن في دائرة السلام العادل والمشرف.
بات من المعروف أن حكماء صهيون ينحصر دورهم باللوردات اليهودية في بريطانيا وفرنسا وروسيا ودول أخرى، وهم أساساً اللوردات المذكورة أسماؤهم إضافة إلى أغنياء اليهود في أوروبا الذين انحصرت مهمتهم في (بعث اليهود) من المذابح التي تعرضوا لها في أوروبا، وبكل بساطة إن هؤلاء الحكماء تندرج أسماؤهم بأسرة روتشيلد واللورد شافتسبري واللورد أشيلي واللورد ليندس السير موسى مونتيفيري وzax الرأسمالي اليهودي الروسي ويعقوب شيف وبولياكوف، أي باختصار إنهم حكماء اليهود أصحاب الشركات العالمية الضخمة؟!..
***
3 ـ جابوتنسكي من ريغا إلى القدس:
بتاريخ 2 ـ تشرين الثاني عام 1921م وفي الذكرى السنوية لوعد بلفور قام اليهود في الاسكندرية والخليل والقدس، بارتداء البرانس اليهودية المخططة والقبعات، وحملوا السلاح لتهديد العرب ومنعهم من الدخول إلى القدس للصلاة فيها بأسلوب همجي معاد للإسلام والمسلمين في المدينة المقدسة، هذا من جانب ومن جانب آخر لاحق رجال الهاغاناه عام 1924م القائد اليهودي الديني من "الحريديم" الدكتور يعقوب دهان وأعدموه أمام المارة بسبب أنه كان صديقاً حميماً لمفتي القدس الحاج أمين الحسيني وبسبب من مواقفه المعادية للمنظمات الصهيونية (العلمانية) وأساليبها الفاشية.
وعمل جابوتنسكي مؤسس حركته الفاشية (بيتار) الروسية القادمة من روسيا البيضاء (ريغا) على بحر المانش بإقامة نظام حديدي عسكري في حزبه وفرض عليهم اللباس الموحد (بناطيل كوبوي قصيرة أو خاكي قصيرة +قمصان بنية) وأخذ هتلر هذا التقليد للحزب النازي الحديدي، فيما بعد أخضعت (بيتار) لكل أنواع التدريبات العسكرية والقتال، ودعت لهجرة اليهود إلى فلسطين والصلاة في القدس واحتلالها وساندت الحرس الابيض وتروتسكي بثورة مضادة في روسيا (1917م ـ 1923م)، ودعا إلى تشكيل جيش يهودي منظم، وفي 15/آب/1929م هاجر رجال بيتار بمساعدة بريطانيا إلى القدس وهم يحملون الأعلام الصهيونية ويهتفون: (هاتيكفا) أغنية الأمل الصهيونية وشنوا أعمالاً إرهابية وحشية ضد سكان القدس و الخليل لدب الخوف والرعب في صفوف الشعب الفلسطيني الأعزل وارتكبوا سلسلة مجازر في يافا وحيفا وصفد وطبريا وبيرطوفية إلا أن رئيس منظمة الهاغاناه أيلياهو غولومب قال وقتها محتجاً على أعمال جماعة جابوتنسكي:
"لن نسمح لأصحاب بيتار ومجموعاتهم وعقليتهم العسكرية الفاشية أن تتسرب إلى المدارس اليهودية لأنها وصمة عار على اليهود جميعاً"[111].
لكن اسحاق ساديه من رجال الهاغاناه خالف أوامر ايلياهو فانضم إلى مجموعات بيتار وأكد أن هدف الصهيونية هو قتل العرب وتهجيرهم من فلسطين على هذا الأساس وعمل الاتحاد الزراعي الصهيوني (اليشوف) على طرد العرب من أجل غزو أسواقهم وأراضيهم ضمن سياسة تهويد الأراضي والعمل العبري مع تضارب آراء زعماء الصهاينة واليهود بموقفهم من العرب.
***
أولاً ـ اللوبي الصهيوني ومحاولات تخريب
العلاقات الروسية ـ العربية
حينما نتطرق إلى أهمية روسيا الاتحادية في لعب دور مهم في عملية السلام كراع حيادي منذ مؤتمر مدريد، توجب إعادة النظر إلى ذلك الدور من خلال ما لعبته تاريخياً في المنطقة، في دعم السياسة العربية تجاه معضلات الحل السلمي وآفاقه المسدودة مع مجيء حكومة الإرهابي ارئيل شارون، رغم أن اللوبي الصهيوني في روسيا يلعب دوراً مشابهاً لدور اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة للسيطرة على مواقع القرار والنفوذ والهيمنة إلا أن الإدارة الروسية تنبهت مؤخراً لذلك الدور الخطير الذي أثر بعمق على المسار السياسي والاقتصادي الداخلي لروسيا لأسباب كثيرة أهمها إزاحة روسيا عن الساحة الدولية بثقلها السابق ومحاولة إبعادها كراع لمؤتمر مدريد للسلام عن أزمة المنطقة، لذا تشعر الدول العربية بالقلق المستمر إزاء الدور المتنامي والمؤثر الذي تقوم به (جماعة اللوبي الصهيوني في روسيا) ومنطقة (آسيا الوسطى)، فهنالك تشابه بالمصالح والأهداف مع الكيان الصهيوني وسياسته العنصرية إلى حد بعيد، وتتكاتف أطماع ومصالح تلك الجماعة بحركتها المعادية بشكل مطلق للعرب ومصالحهم وأرضهم وتراثهم وتاريخهم وبخاصة دفع المزيد من اليهود الروس بالهجرة إلى الأراضي العربية المحتلة وضرب مرتكزات الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني. ويتوجه هؤلاء المستوطنون إلى الجولان المحتل والجليل الأعلى للاستيطان فيهما بدعم من شبكة الزعماء الصهاينة أصحاب المليارات المتواجدين في أوروبا وروسيا تحت حجج وذرائع واهية[112].
لقد اعتمد زعماء الحركة الصهيونية في روسيا على تضليل الرأي العام وصياغة الأكاذيب بخاصة إذا ما نظرنا إلى عامل تشكيل الكيان الصهيوني الاستيطاني ودور الاتحاد الصهيوني الروسي المشكل في سيبيريا بدعم الهجرة والاستيطان والإرهاب الصهيوني منذ زمن بعيد، فإن اللوبيات والهيئات الصهيونية والأيدي الخفية لعبت دوراً خطيراً في دعم إحياء المسألة اليهودية بتصوراتها البريطانية والأوروبية وبالتالي دعم أنشطة الانتداب والاستعمار البريطاني وظهور المنظمات السرية المدعومة من قبل بريطانيا؛ إذ تصاعدت الهجرة اليهودية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بشكل لم يسبق له مثيل، وسهل غورباتشوف صاحب أفكار الديمقراطية والعلنية وهجرة نحو مليون مهاجر للاستيطان في فلسطين ويمثل هؤلاء مختلف القطاعات الاجتماعية والعلمية والثقافية والتكنولوجية وفتحت الأبواب أمام هجرة اليهود من شرق أوروبا بعد عام 1986م، وتم خلال ذلك تشكيل الأحزاب الصهيونية الروسية داخل الكيان الصهيوني والتي تساهم في سياسات الحكومة الإسرائيلية المليئة بالعدوان والغطرسة والعنصرية والتطرف، وبات بعضهم يطلب من الحكومات الإسرائيلية طرد وتهجير العرب...؟![113]
كان للحاخام الروسي الأكبر "أدولف شايفتشيسكي" دور مهم في دعم الكثير من العمليات الصهيونية داخل روسيا لتقويض البلاد من الداخل ونسف النظام السوفييتي السابق، وبالتالي تشجيع الهجرة اليهودية إلى أوروبا والولايات المتحدة ومن ثم الدعوة لدخول ما يسمى "ارض الميعاد" ولعب دوراً خطيراً في دعم تشكيل قوى ومجموعات الضغط الصهيونية في روسيا وشخصياتها ومحاربة الأغيار تحت حجج معاداة السامية التي تعد دعاية رابحة من دعايات الحركة الصهيونية الرهيبة، وعمل لضرب علاقات التعاون الروسية مع العرب وقضاياهم العادلة، محاولاً تحويل اهتمام الشعب الروسي وحكومته عن أصدقائهم القدامى وتهديم مظاهر الحياة الداخلية الروسية داعماً الفساد والفوضى ليتسنى له من خلال هذه الأجواء التحرك بحرية لصالح الصهيونية العالمية، لقد شجعت الحركة الصهيونية الروسية وزعماؤها المطبوعات السرية والعلنية والكتب والأفلام اللاأخلاقية والبرامج الفضائية التي تهين كرامة وتراث وثقافة الشعب الروسي لتحطيم الأفكار والمبادئ والقيم الإنسانية التي اعتاد عليها، وساهمت الإباحية العلنية في المحطة الفضائية رقم واحد التابعة لأحد الأثرياء اليهود الروس واستخدام وسائل إعلامه لتخريب الذوق العام وإفساده في سبيل إفساد المجتمع ككل ودفع المجتمع الروسي إلى متاهات وقيم لم يعتد عليها قبل الانهيار الكبير في روسيا، وتدعم تلك التصرفات والاتجاهات المعادية لأي دور روسي مناصر للدول والشعوب النامية أو لأي دور تستطيع فيه روسيا لعب دور مهم في محيطها الإقليمي أو على الساحة الدولية وحيث تبقى روسيا ضمن سياسات الغرب ومصالحه الاستراتيجية[114].
حاول المؤتمر اليهودي الروسي العالمي السعي المستمر للهيمنة على مواقع القرار وبالأخص المواقع الاقتصادية والمالية الداخلية والخارجية لا بل والضغط على الحكومات الروسية والرئيس بوتين نفسه بسبب الحملة التي يقودها ضد الفساد والمفسدين وضد رؤوس الأموال والفوضى والمحسوبيات والتهرب الضريبي وتهريب الأموال وتخريب مظاهر الحياة برمتها، إذ استغل بعض المسؤولين الروس من أصل يهودي نفوذهم ومراتبهم لتسيير شؤون البلاد وفقاً لمصالح هؤلاء الخاصة بهم لكسب الرهان والتأثير المستمر على روسيا حكومة وشعباً والهيمنة عليها وأعلن الكثير من المحللين والكتاب والمفكرين الروس خشيتهم من أن يبدأ اللوبي الصهيوني مع "غيرمان غريف" وزير التنمية الاقتصادية وأنصاره بمسلسل جديد لتحطيم مسار الحياة الاقتصادية والاجتماعية عن طريق خصخصة جديدة لقطاعات إنتاجية واسعة في الاقتصاد الروسي ودور صندوق النقد الدولي في ذلك، كهدف جديد لدعم تصورات التكنوقراط اليهودي المسيطرين أمثال "ايغور كيدار، وألكسندر يعقوفليف، وسيرجي ياستند، وآرسون وسورس، وسامسون، وتشوبايس، ونيمتسوف وغيرهم "الذين ركزوا جل اهتمامهم على تحويل روسيا الاتحادية إلى بلد مرتبط كلية بالاحتكارات الغربية وبالأزمات والمنافسات غير المشروعة بعد أن كانت روسيا تمثل ثقلاً وقوة عالية لا يستهان بها، لقد ابتليت روسيا ببلاء لا يقل عن المؤامرة التي تعرض لها السلطان عبد الحميد الثاني من قبل الصهيونية العالمية وزعيمها هرتزل حيث تباع أراض روسية واسعة للأمراء الجدد أصحاب المصارف والبنوك والوسائل الإعلامية الضخمة وسعى كل من تشوبايص وبيريزوفيسكي لبيع روسيا وثرواتها وأراضيها للاحتكارات الأمريكية واليهودية حتى أدغال روسيا هنالك سيبريا الغربية والوسطى وتتكالب القوى العالمية لإعادة تقسيم الاتحاد السوفييتي السابق والسيطرة على بحر قزوين والنفط فيه ومحاولة السيطرة على الشيشان وأذربيجان "باكو" بشتى الطرق والأساليب وافتعال الأزمات هنالك كي يتسنى للاحتكارات اليهودية القيام بما لم تستطع القيام به دول الاتحاد السوفييتي لقد قدر عدد جماعات وعصابات المافيا الروسية وغير الروسية في روسيا بزهاء (8000) عصابة وجماعة تمتلك السلاح والخبرة والخطط والسيطرة على كل شيء في الجمهوريات السوفييتية السابقة ويشرف عليها الثنائي (غوسينسكي ـ وبيريزوفسكي) وأنصارهما في آسيا الوسطى وشمال روسيا وشرقها والمافيات الدولية.
وهما يمتلكان أجهزة أمن خاصة بهما ويتجاوزان القانون ويقيمان دولة ضمن دولة، تسيطر على مقدرات الحياة اليومية في البلاد والعاصمة وامتلاكهما لامبراطورية إعلامية ضخمة في روسيا وأوروبا بالإضافة إلى صحف داخل الكيان الصهيوني مثل صحيفة "معاريف" الإسرائيلية وسفودنيا "اليوم" إضافة إلى تأثيرهما الواسع على الأحزاب اليمينية الإسرائيلية ودعمها اليهود الروس للاستيطان بكثافة في الجولان والجليل ودعم سياسة التطرف الأصولي اليهودي أكثر فأكثر ومن المعروف أن الكثير من الطلاب العرب المتفوقين والتجار ورجال الأعمال الذين ينشطون في موسكو ومختلف المدن الأخرى تعرضوا للسلب والنهب والإرهاب والقتل من قبل عناصر المافيا أو من الأيدي الطويلة الخفية (اللوبي الصهيوني في روسيا) وتكشف جميع المصادر والمعلومات في الصحافة الروسية بأن الحملة ضد الفساد التي يقودها الرئيس بوتين استطاعت ملاحقة مسببي الفوضى والاختلاسات أمثار جونيسيسكي، وبيرويزوفسسكي، وتشوبايس في روسيا وأوروبا بعد هروبهم مع رؤوس أموالهم إلى أوروبا أو إلى إسرائيل ذاتها، وتم تقييد أنشطة وحركة يالتسين الرئيس السابق وابنته لدعمهما لجماعة تشوبايس واللوبي الصهيوني منذ سنوات ودعت النيابة العامة الروسية "الانتربول الدولي" لاسترجاع الأشخاص والأموال المنهوبة والمهربة من خلال أعمال اقتصادية غير قانونية كبيع المعامل والمصانع والمنتجات التابعة للقطاع العام ومحاولة السيطرة على سكك الحديد والخطوط الجوية وجعلها استثمارات خاصة، علماً أن البعض يقدر الرأسمال المهرب إلى الخارج بزهاء 75 مليار دولار منذ عهد يالتسن وابنته "تاتيانا" ضمن صفقات وسرقات تمت بأيدي خفية وبمساعدة بعض المسؤولين ويلعب دوراً مهماً في كل ذلك الملياردير الأمريكي اليهودي من أصل روسي "جورج سوروس" الذي كان قد أحدث صندوقاً مالياً لمحاربة النظام السوفييتي.
الباب الرابع
دور اللوبي الصهيوني في فرنسا
(تصريحات جوسبان المعادية للعرب والمقاومة المشروعة)
1 دور اللوبي اليهودي الصهيوني في فرنسا
-من وعد كامبو الفرنسي 25/ أيار/ 1917م.
-إلى وعد بلفور البريطاني 2/11/1917م.
إذا ما نظرنا إلى تاريخ السياسة الخارجية الفرنسية منذ عهد رئيس حكومتها (ريبو) فإننا لن نستغرب تأثير الحركة الصهيونية العالمية على الحكومة الفرنسية بعيد الحرب العالمية الأولى حيث عمد مسؤول تلك الحركة في فرنسا "سوكولوف" إلى إجراء لقاءات رسمية مع رئيس الوزراء الفرنسي حينذاك "ريبو" وكذلك مع سكرتير عام وزارة الخارجية (كامبو) في 25 أيار 1917م، رغم أن فرنسا لم تؤيد مشروع هرتزل لإقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين في البداية، بسبب خوفها من ردود الفعل العربية ضدها في المشرق والمغرب العربي، استمرت الضغوطات الصهيونية متعددة الأشكال عليها لإبقاء المصالح اليهودية متشابكة مع مصالحها في المناطق العربية، وللتقرب أكثر فأكثر من الأراضي المقدسة، إلا أن فرنسا كانت لا تحبذ لذلك الوجود اليهودي المرتبط بشكل وثيق مع المصالح البريطانية لأن يؤثر على نفوذها في بلاد الشام التي أرادت وخططت للسيطرة عليها، كانت الصهيونية تجد في التغلغل الفرنسي في مصر وتركيا وفيما بعد في سوريا ولبنان ضالتها للاقتراب بشكل كبير من قناة السويس واستغلال نفط المنطقة، ورغم تناقض المشروع الفرنسي السياسي والثقافي مع المشروع الصهيوني حاولت الإدارات الفرنسية التهرب بشكل أو بآخر من مساندة التغلغل اليهودي في البداية لأنها تضر بمصالحها ومشروعها (الفرانكوفوني) لكن سرعان ما وجدت فيه الوسيلة والهدف للاستمرار في المنطقة، وفرنسا اعتبرت مصالح الكاثوليك وكنائسهم في فلسطين وسوريا ولبنان وحتى مصالح الموارنة جزءاً من مصالحها الحيوية، واعتبر شارلمان الدور البريطاني –والصهيوني يضر بمصالح الكنيسة الكاثوليكية كثيراً بينما تدعم بريطانيا البروتستنت وتسعى إلى خلق تيارات إسلامية موالية لها والهدف من كل ذلك رغبة بريطانيا إبقاء فلسطين ومصر تحت النفوذ البريطاني لأجل غير مسمى، وأدى الاتفاق بين الحركة الصهيونية –وبريطانيا في لندن لكي تكون بريطانيا صاحبة النفوذ الوحيد في فلسطين ولاستمرار الضغط اليهودي على الحكومة الفرنسية طالب "سولوكوف" منها استصدار بيان رسمي تعطف فيه فرنسا أيضاً كما عطفت جلالة الملكة البريطانية وحكومتها على اليهود بقيام دولتهم المنشودة في فلسطين لتهجير اليهود من أوروبا وأمريكا وروسيا ودول أخرى ولإقامة المستعمرات في فلسطين وطلب دعم بريطانيا وفرنسا المادي والمعنوي لأجل ذلك دون تحفظات، وفيما بعد وجدت الحكومة الفرنسية أن المشروع الصهيوني يدعم الوجود الفرنسي ودوره في المنطقة فأرسلت موافقتها على ما تقدم به سوكولوف آنذاك.
"إننا موافقون على مشروعكم الذي ستكرسون الجهود فيه لبناء الدولة اليهودية في فلسطين، إنما لا بدّ من توفير استقلالية الأماكن المقدسة وتمرير مصالح فرنسا في المنطقة"؟!..
تضمنت ردود الحكومة الفرنسية برئاسة (ريبو) حينذاك مغالطات تاريخية ودينية عنصرية استندت فيها على البعدين السياسي والاقتصادي الاستعماري ومصالحها في المنطقة وليس على البعد التاريخي الحقيقي لها، وعلى أن فرنسا ستدافع عن (المصالح القومية اليهودية في فلسطين)، التي لها مصلحة فيها منذ قرون عديدة وأن فرنسا ستدافع عن ذلك الشعور اليهودي بكل المحافل وبالتعويض لضمان انتصار (المشروع الصهيوني) وتضمنت الردود موافقة فرنسا على "وعد بلفور" لا بل جاءت رسالة كامبو سكرتير عام وزارة الخارجية (كوعد كامبو) لدعم حدود الدولة اليهودية على كل فلسطين حتى صيدا ونهر الليطاني وسهل حوران! مضافاً لوعد كامبو من فرنسا قبيل وعد بلفور البريطاني بأشهر وكتأييد للحركة الصهيونية وبدعم وجودها غير المشروع في فلسطين والذي بررته لها فرنسا وبريطانيا دون النظر إلى المصالح التاريخية الحقيقية للشعب الفلسطيني حيث تتحمل كل منهما الآن التعويض الكامل للشعب الفلسطيني عما ارتكب ضده من جرائم عن كل المآسي التي تعرض لها ذلك الشعب منذ عام 1917م، وعن طرد الشعب الفلسطيني وإحلال يهود العالم محله عام 1948م بالتآمر والعنف والإرهاب الدولي والتخطيط المسبق والمبرمج[115].
مواقف جوسبان وارتكاب الخطأ الفادح شباط 2000م.
(التصريح الأرعن والأحمق):
أعلن السيد فيليب دوفيلييه نائب رئيس حزب "التجمع من أجل فرنسا" أن رئيس الوزراء الفرنسي جوسبان ارتكب خطأً فادحاً إزاء تصريحاته في أعقاب زيارته (لإسرائيل) في 25-26 شباط 2000م حينما وصف أعمال حزب الله والمقاومة اللبنانية بأنها أعمال إرهابية الأمر الذي حدا بـ الرئيس الفرنسي جاك شيراك وقصر الإليزيه الإشارة إلى التصريح السريع بعدم الرضى عنه مطلقاً لأنه يؤثر على دور فرنسا الحيادي في عملية السلام ويضرب بالعمق علاقاتها مع شعوب ودول المنطقة وبالأخص مع لبنان وسوريا، وحاولت الجهود الرسمية الفرنسية وضع المسألة على محمل الجد في الرئاسة ووزارة الخارجية بينما لم يكترث جوسبان بما حصل فعاد الرئيس الفرنسي جاك شيراك من زيارته لهولندا وحضوره رئاسة المجلة الأسبوعية لمجلس الوزراء في قصر الإليزيه بحضور جوسبان بتاريخ الأربعاء 29 شباط/ 2000م وحاول الرئيس الفرنسي ترميم التصدعات الخطيرة التي نتجت عن ذلك أما وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين عمل على إحداث بعض التوازن من خلال التأكيد على أن سياسة فرنسا في الشرق الأوسط داعمة لمسيرة التسوية السلمية بكل وضوح ولا يوجد تغيرات عليها مطلقاً رغم موافقته من حيث المبدأ على ما صرح به جوسبان دون المساس بموقفه بتجريم إسرائيل وحكومتها على جمود عملية التسوية.
إلا أن الرأي العام الفرنسي والصحف الفرنسية والإعلام بشكل عام و "لاريبويليك دوسنتر" شعروا بالصدمة الحقيقية لما تعرض له رئيس حكومتهم من أبناء الشعب الفلسطيني في جامعة بيرزيت وهو يهم بالخروج لركوب سيارته فتعرض لآلاف الحجارة منهم، فأكدت صحيفة "لوباريزيان" أن جوسبان في قلب الإعصار وأكدت مع وسائل إعلامية فرنسية كثيرة أن تصرف جوسبان كان تصرفاً خاطئاً وثقيلاً على الرأي العالم الفرنسي وتورط بتصريحات دفعه إليها رئيس الحكومة الإسرائيلية باراك، وقام بإعلان تصريحه دون خجل أو مسؤولية ودون الالتفات إلى انعكاساتها الخطيرة فيما بعد[116].
أما أوليفيه كوت فقد أكد في صحيفة "ليبرتيه دوليسست" أن جوسبان ارتكب حماقة دولية لا سابق لها لقد أمدت مجمل الصحافة الفرنسية والعالمية ووسائل الإعلام بمادة صحفية وإعلامية لا بل وسياسة من الدرجة الممتازة وأعلنت بأن التصريحات الرخيصة المجانية التي أطلقها جوسبان عرّضت سمعة فرنسا للإساءة، إذاً لماذا يصرح بمثل تلك التصريحات وفي هذا الوقت بالذات؟.
البعض أكد بأن رئيس الوزراء الفرنسي حاول من خلال تصريحه الأرعن كسب اليهود في فرنسا باعتبارهم جمهور انتخابي يمكن كسب أصواتهم، واتضح بشكل جلي التناقض الواسع مع الجمهور والشارع الفرنسي الذي وقف ضد تصريحات جوسبان المخزية له وللجمهورية الفرنسية المحترمة وبين النخبة في الحزب الاشتراكي الفرنسي المعروفين بالمواقف المعرقلة لعملية السلام في الشرق الأوسط ودورهم في الدولية الاشتراكية المتناغمة إلى أبعد الحدود مع الاستراتيجية الكونية الأمريكية ففي 10/1/1997م وفي مؤتمر الدولية الاشتراكية الذي انعقد في نيودلهي كرست مواقفهم المعادية للانفراج ولجم سباق التسلح في البحر الأبيض المتوسط، وسجل الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني تحفظه على مواقف الدول الاشتراكية من إيران أو من العراق، وادعاءها بأنهما يسعيان للحصول على المزيد من أسلحة الدمار الشامل والتسلح النووي دون أن تتعرض للترسانة النووية الإسرائيلية وضرورة إزالتها والالتزام بمعاهدة نزع الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل وتحقيق السلام العادل والشامل بانسحاب إسرائيل غير المشروط من جنوب لبنان والأراضي العربية المحتلة على أساس قرارات الشرعية الدولية[117].
لقد تعرض رئيس الحكومة الفرنسية ليونيل جوسبان لهجوم شديد بالحجارة رشقه بها المتظاهرون الفلسطينيون، بسبب تصريحاته الرعناء غير مأسوفٍ عليه في جامعة بيرزيت بعد مغادرته مبنى كلية الحقوق ورغم الاعتذار الذي قدمه ياسر عرفات بروتوكولياً لجوسبان إلا أن تصريحاته أثارت عاصفة سياسية كبيرة ليس في فرنسا فحسب بل في المنطقة العربية، الأمر الذي دفع بالرئيس الفرنسي والذي يحدد هو سياسة فرنسا الخارجية أساساً، معتذراً بأن فرنسا لا زالت تدين وجود القوات الإسرائيلية واحتلالها لجنوب لبنان، وأنه بسبب مواقف حكومة إسرائيل من المحتمل أن تتعرض المنطقة لأعمال حربية واسعة بعد فشل عملية السلام فيها.
ومن المعروف أن الحكومة الفرنسية تقدم هبات وتبرعات ومساعدات سخية لجامعة بيرزيت وجامعات فلسطينية أخرى، ولا تزال فرنسا بزعامة جاك شيراك تؤيد الحق العادل والمشروع للشعب الفلسطيني وبخاصة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ولا يفهم من تصريحات جوسبان أي تغيير في المواقف الفرنسية من الحقوق العربية العادلة، وفي غمرة الحدث الذي زج نفسه به رئيس الحكومة الفرنسية بهذا الشأن، احتجت العديد من الدول العربية والجامعة العربية على تصريحات جوسبان التي لا تميز الأسود من الأبيض ولا القاتل من الضحية ولا الإرهاب من المقاومة الوطنية المشروعة، إلا أن وزير الخارجية المصرية السيد عمرو موسى أكد بأن تلك التصريحات تعتبر هفوة وهي لا تعتبر مؤشراً عن تغيير ما في السياسة الفرنسية تجاه المنطقة العربية.
لقد أكدت فرنسا تعهدها باتفاق نيسان 1996م والذي حدد طبيعة سلوك المقاومة اللبنانية المشروعة ضد الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان وضرورة تطبيق قرارات (425 و 426) للانسحاب الكامل منه، وبات من الواضح أن الموقف السياسي والديبلوماسي الفرنسي النشيط في المنطقة يتنافى مع تصريحات جوسبان وهي تعرقل تلك المواقف الفرنسية التي تعتبر سياسة موضوعية وتستند على تحركات إيجابية تتجاوز السلبيات التي تعرقل عملية السلام العادل والشامل، والمنطقة العربية رسمياً وشعبياً يشهدان المواقف الإيجابية للرئيس شيراك.
تم التأكيد من الزعماء العرب على أن هنالك فارقاً كبيراً بين المقاومة الوطنية المشروعة ضد الاحتلال وبين الإرهاب الذي تمارسه مجموعات إرهابية لها أهداف خاصة بها، وأن المقاومة لا تخرج عن نطاق الشرعية الدولية والشرعية الوطنية والمواقف العربية حتى أن رئيس الوزراء الفرنسي تغاضى عن مجموعة أعمال عدوانية ووحشية ارتكبها جيش الاحتلال الصهيوني ضد الشعب اللبناني في مجزرة (قانا) تحت مرأى من المجتمع الدولي وقوات الطوارئ الدولية فأين كان جوسبان حينذاك ولم نسمعه يتفوه بكلمة واحدة مما لحق بالشعب اللبناني في تلك المجزرة.
الدكتور خليل البدوي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04 / 04 / 2011, 17 : 02 PM   رقم المشاركة : [7]
الدكتور خليل البدوي
دكتوراه آداب/دكتوراه طب/صحفي وفنان تشكيلي/مؤلف وكاتب ومحلل سياسي

 الصورة الرمزية الدكتور خليل البدوي
 





الدكتور خليل البدوي is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: جمهورية العراق

رد: الحلف الاستعماري وقضية فلسطين

ففي الوقت الذي تعرضت فيه لبنان ولسنوات طويلة لهجمات جوية وبحرية إسرائيلية بضرب المنشآت الاقتصادية الحيوية كالكهرباء والبنى التحتية الأخرى وجدنا الموقف الأرعن واللا مسؤول لجوسبان الذي حرَّف الحقائق والوقائع وزوّر الإرادة الفرنسية بتصريحات مشؤومة لم يتفهم فيها ما جرى لـ لبنان وشعبه طيلة السنوات الماضية ورغم أن اعتذاره عن التصريح الذي أدلى به لم يرتح له أحد في المنطقة، لأن الجالية اليهودية واللوبي اليهودي- الصهيوني في فرنسا جعلا الموقف الفرنسي نفسه في حالة انقسام وذهول لما حصل، والسبب يعود إلى الضغوطات الواضحة للحركة الصهيونية المهيمنة في الحزب الاشتراكي الفرنسي والمؤثرة على موقع القرار فيه إذا لم نقل على موقع قرار الحكومة الفرنسية ذاتها في عهد الاشتراكية الفرنسية.
وتجاهل جوسبان بتحريض من رئيس الحكومة الإسرائيلية باراك بأن صلاحيات تحديد السياسة الخارجية الفرنسية وسياسة الدفاع هي من اختصاصات رئيس الجمهورية الفرنسية وفقاً للدستور الفرنسي ذاته وليست من اختصاص رئيس الحكومة، واعتبرت مصادر الإليزيه تلك التصريحات بأنها انحراف صريحٌ عن دور رئيس الحكومة من حيث الشكل والمضمون وتعتبر ضربة قاصمة لسياسة فرنسا الخارجية في المنطقة العربية ومن المؤسف حقاً أن تكون تصريحاته صادرة عن يساري اشتراكي بينما جاء الردع والتوبيخ من رئيس ديجولي ليبرالي، ولا نستغرب مطلقاً التأييد الذي وجده جوسبان من أنصاره ومؤيديه في باريس وبخاصة: "جاك لانج" رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية "البرلمان الفرنسي" والمرشح لعمدة باريس، كما فعل الشيء نفسه، "لوران دوميناتي" بينما أعلن هيرفيه دوشاريت أنه توجب على جوسبان الاعتذار وسحب كلامه الطائش وغير المسؤول واستطاعت العديد من الشخصيات السياسية والإعلامية والاجتماعية الفرنسية كشف النقاب عن الصراع الخفي بين مراكز القوة في الدولة الفرنسية أي بين القوى المناهضة للصهيونية وبين المؤيدة لها، لأن رئيس الدولة يحق له رسم السياسة الخارجية بينما لا يحق لرئيس الحكومة ذلك مطلقاً الذي حاول تجاوز وتهميش رئيس الجمهورية بأسلوب طائش ومزعزع للجهود الكثيفة التي تقوم بها فرنسا في الاتحاد الأوروبي، وحوض البحر المتوسط، والبرلمان الأوروبي من أجل قضية السلام في المنطقة العربية وبخاصة تجاه الشراكة العربية- الأوروبية.
ومحاولات شيراك دعم موقف فرنسي متميز على صعيد دولي وإقليمي[118].
أما الحكومة اللبنانية فقد طالبت وهي محقة تماماً، بتوضيحات رسمية عما صدر من تصريحات غير موضوعية من (لونيل جوسبان) المؤيدة للإرهاب والعدوان الإسرائيلي على لبنان وشعبه، مما دفع السفير الفرنسي في لبنان السيد فيليب لوكوريته إلى تسلم رسالة من رئيس الوزراء اللبناني السيد سليم الحص من ثلاث صفحات حملت عتباً واستياءً كبيرين وطلب من فرنسا خطوة سريعة لتصحيح مواقفها من لبنان نتيجة ما تعرضت له من تشهير وكذب ونفاق وتضليل على لسان جوسبان، لأن إسرائيل تستغل تصريحاته بالقيام بالمزيد من الأعمال الإرهابية والعدوانية ضد الشعب اللبناني وبنيته التحتية.
في الوقت الذي كان السفير الفرنسي في لبنان لوكوريتيه قبل يوم واحد من تصريحات جوسبان ينقل رسالة رسمية للحكومة اللبنانية وموقفاً فرنسياً متقدماً لإرسال 5000 آلاف جندي فرنسي ضمن نطاق القوات الدولية لنشرها على الحدود الدولية لدعم جهود السلام من هنا نجد أن التصريح الأرعن والأحمق لـ جوسبان قد زلزل بعمق الصداقة العربية- الفرنسية العريقة والصداقة اللبنانية الفرنسية بشكل مؤسف.
والمشكلة الأساسية التي استفزت الشعوب العربية ودولها ومسؤوليها وبالأخص المعنيين بتصريحات جوسبان النارية- الخطيرة أنها جاءت بعد تصريحات ديفيد ليفي وزير خارجية (إسرائيل) الخطيرة التي هدد فيها بأنه سيقوم بإعطاء الأوامر بحرق الأرض والأطفال اللبنانيين، وواجهت تلك التصريحات لديفيد ليفي الاستنكار العربي- والعالمي الواسعين وحتى في داخل "إسرائيل" نفسها حيث أيد أمنون شاحاك واسحق ليفي تهديدات ديفيد ليفي من على مبنى الكنيست الإسرائيلي وقد طالبت الأمهات الأربعة، والوزيران يوسي بيلين ويوسي ساريد ومنظمة أو حركة (ميماد) بإقالة ديفيد ليفي من الحكومة فوراً لأنها تذكر بتصريحات الفاشيين والنازيين أيام الحرب العالمية الثانية، مما يؤكد على التناغم المقدس لحلف مقدس صهيوني وأوروبي- متشابك المصالح والأهداف تحت النجمة الصهيونية المعبرة فعلاً عن أن عصر الكيان الصهيوني بعد 52 عاماً على اغتصاب فلسطين الذي هو عصر أدولف هتلر وهولاكو وجنكيز خان الذي لا ترضى به بأي شكل الشعوب والشخصيات المناضلة ضد العنصرية والفاشية، الأمر الذي يؤكد أن (محكمة العدل الدولية) وهيئة الأمم ومنظماتها لحقوق الإنسان تصم آذانها وتغمض عينيها وتغلق فمها مما تسمعه من هؤلاء مجرمي الحروب الداعين إلى القتل وسفك دماء الأبرياء من النساء والأطفال[119] ، إنها نغمة (ليفي-جوسبان) التي تجري على الملأ في عصر ما يسمى عصر العولمة الأمريكي، الذي يفرض ظلاله الجديدة بمنطق متطرف لهتلر الصغير على منطقتنا وعلى أوروبا قبل أية منطقة أخرى[120].
3 رؤية فرنسية للقرن الحادي والعشرين:
(أوروبا والتبعية المشروطة لأميركا)
أما وزير الخارجية الفرنسية "هوبير فدرين" أكد في حديث له في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، في معرض تحليلاته السياسية عن الدور الأمريكي المركزي في السياسة الدولية واصفاً إياها بأنها قوة مفرطة في النفوذ والسيطرة، فرغم أنها كذلك فهي أمة لا غنى عنها بالنسبة لأوروبا والعالم كله، فحسب رؤياه يجب أن تبقى هي الأمة المتفوقة، وأنه لا بد من إخماد جذوة أية قيادة جديدة ضاغطة ومؤثرة عليها، فإن الأميركيين الذين لهم دورهم في نسج خيوط الحياة السياسية والإعلامية على صعيد البشرية لا ينكرون الإفلاس التام لا بل والكامل لأوروبا أكان ذلك في إدارة شؤونها الداخلية الخاصة أو في إدارة العلاقات الدولية، إلا أنه يؤكد بأن الأوربيين والفرنسيين يعملون بجهد كبير ليشكلا قوة عظمى ويظهر هنا الدور الفرنسي جلياً وعلى أن أوروبا تتجاهل التناقض فيما بين دولها وإعادة تعزيز دور أوروبا الموحدة في وجه ليس الولايات المتحدة الصديقة الحميمة لها بل في وجه قوى وتحالفات دولية أخرى قد تشكل خطراً عليهما معاً معللاً أن مجرد التفكير بقيام شراكة أوروبية – أمريكية غير مؤقتة والانتقال إلى التعددية في النظام العالمي ذي القطب الواحد أمر يحتاج إلى برهنة عميقة وبخاصة أن السياسة الخارجية لأوروبا الموحدة والدفاع الأوروبي المشترك وتشكيل قوة الردع الأوروبية، تتمحور حول أهمية الخروج من القطب الأمريكي نظرياً وعملياً، وهو بهذه الصورة ينتقد ما توصل إليه صاموئيل هنتغتون[121] وغيره مثل هنري كيسنجر وزبيغينو بريجنسكي حول "صراع الحضارات" أو ما فكر به فوكوياما حول "نهاية التاريخ" أو التقاطع الشامل للمصالح بين الشرق والغرب مع بقاء الولايات المتحدة القطب المهيمن على أوروبا والعالم، بهدف تدعيم التصورات الكونية الشاملة للرؤيا الأمريكية الشمولية (Universalite) والتهديد ينبثق هنا من دول مثل روسيا، والصين ودورهما في مجلس الأمن، والدول الصناعية الكبرى، كيف يمكن للعالم الحر المضي في قرن جديد انطلاقاً من المبادئ والقيم الرئيسة حول الاقتصاد الحر، والديمقراطية، والحريات العامة، ودولة القانون والانتخابات الحرة والنزيهة والإعلام الحر وقضاء مستقل واحترام حقوق الإنسان بعد أن أجبر التاريخ للرضوخ وتدجين الشعوب و (التاريخ بالمعنى الذي يريده العالم الحر إزاحة النظام الاشتراكي العالمي عن طريقه).
فانهيار الاتحاد السوفييتي كان بمثابة انكسار للمعادلة التطورية للنهوض البشري وبخاصة أن السوفييت بمساعدة أوروبا وأمريكا قضوا على النظام النازي الهتلري وكلف ذلك عشرات الملايين من القتلى، كيف ترسم السياسة الدولية بعد ذلك بلوي عنق التاريخ وإقحام (إسرائيل) والحركة الصهيونية العالمية لتصحيح مسار التاريخ على أهوائهما وأهواء هوبير فيدرين، ولونيل جوسبان، فلا ننسى أنه في إحدى تصريحات الأول على ما تلقاه جوسبان من استخفاف وازدراء وطيشه غير المحدود، أكد فيدرين أن من حق رئيس الحكومة الفرنسية (جوسبان) التصريح بما يريده ضد الشعب الفلسطيني واللبناني أي من حقه أن يتفوه بكلمات هي أساساً رؤيا لتصحيح مسار التاريخ بالمفهوم الأمريكي الصهيوني على قياسات الرغبة والمصلحة الأوروبية- الأمريكية- الصهيونية، لكن عن أية قيم يتحدث فيدرين؟ وهل أخلاقيات الاقتصاد الحر وديمقراطية الغرب والنظر لحقوق الإنسان هي بداية المقياس لفهم التاريخ وحركته وصيرورته؟
إنها بلا شك قيم ومبادئ تتمخض عنها ازدواجية المعايير وتقاطع المصالح والرغبات، فيدرين وغيره في أوروبا أو الولايات المتحدة يحللون الأحداث والمسائل على أهوائهم ورغباتهم دون النظر بدقة إلى ماهية التاريخ وحركته، ولا يحتمل تأويلات منافقة ووصولية تبقى تدور في الفلك الأمريكي وكأن المسألة قدر محتوم ليس إلا[122].
من هنا لا يعني أن جوسبان صحح بخطاباته المعادية إلى شعوب المنطقة مسار التاريخ لمنطقة الشرق الأوسط كما لا يمكن لهنري كيسنجر وباعترافاته أن يضمن النتائج لمباحثات سلمية على شاكلة مباحثات (بيغن- السادات- كارتر) وإن تم التخطيط لها في البيت الأبيض؛ لتحويل مسار التاريخ في مصر من قبضة عبد الناصر والناصرية وما تعنيه شموليتها العربية إلى قبضة أنور السادات، والساداتية، برؤياها الصهيونية لإقامة الصهيونية العربية، كما قامت الصهيونية الأوروبية، وإلا ماذا نفسر مشروع شمعون بيريز في الشرق الأوسط الجديد ألا يعني هذا المشروع، مشروعاً أوربياً أمريكياً مشتركاً لتغيير المسار التاريخي للمنطقة لصالح إسرائيل ومشاريعها العدوانية والاستيطانية.
أولاً-الغرب بعرف هوبير فيدرين إذاً قاهر التاريخ المعاصر؟!
أما فيما يتعلق بالعدالة الدولية فإنه يؤكد على ارتقاء الحق والعدل وتقدمهما، لكن بدون ذكر أين ذلك العدل والحق يتقدم؟ وعن أي عدل وحق يتحدث فيدرين أهو عدل أميركا أم عدل إسرائيل أم عدل حلف الناتو في البوسنة والهرسك ضد الإسلام والمسلمين أو ضد الأقليات؟
ولا بد من معاقبة الخارجين عنهم إذ توجد دول كثيرة موقعة على إنشاء محكمة الجنايات الدولية (محكمة العدل الدولية) باعتبارها سلطة جديدة في العالم لإبراز الحق، الممنوح بداية فقط، للقضاء الغربي الذي يمارس سلطة فوق قومية وهي تماماً كسلطة الشركات فوق القومية التي تتحكم بهيئات وصناديق مالية دولية، والأمر لا يختلف هنا كثيراً لأن الغرب (أوروبا والولايات المتحدة) يريدون أحكام الهيمنة والسيطرة حتى في مجال محكمة العدل الدولية، ولنلاحظ هنا ما هي الدروس المستفادة إذاً من آراء وزير الخارجية الفرنسي وهو يتكلم عن الغرب كلوحة شاعرية رومانسية تريد تحقيق الحق والعدالة في العالم عن طريق تعريفاتها مثلاً للإرهاب فيتهم المناضلون والشرفاء الذين يسعون لتحرير أوطانهم من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني أو من الوجود العسكري الأمريكي بأنهم إرهابيون، كي تتسلط محكمة الجنايات الدولية بدلاً من (محكمة العدل الدولية) في معاقبة مجرمي الحرب وتجار السلاح والقتلة والسفاحين في يوغسلافيا ليس في "إسرائيل"، أقول بصراحة إذاً ليعاقب أصحاب مجازر صبرا وشاتيلا ومجزرة قانا ومجازر انتفاضة الأقصى وأولهم السفاح والمجرم الدولي أرئيل شارون فهل تستطيع أوروبا وأمريكا تعقبه وأمثاله ومعاقبتهم، وبخاصة أنه لم يحترم المقدسات الإسلامية في القدس، أي فخر هذا الذي يتحدث عنه هوبير فيدرين إذا ما نظرنا للدور الفرنسي التاريخي في دعم وعد بلفور 1917م بوعد كامبو (1917م) وبالتالي إنجاز اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916م وأي مستوى لتلك الديمقراطية والعالم الحر في أوروبا والولايات المتحدة الذي يسمح بتصدير المسألة اليهودية كلية إلى فلسطين وطرد سكانها لصالح يهود العالم ليحلوا محلهم وأولهم يهود فرنسا وأوروبا الغربية والشرقية ويهود أمريكا، إنها ديمقراطية مزيفة إذا ما نظرنا إلى تواتر التخلف الأوروبي في معالجة الأزمات الدولية والإقليمية وتبعية ذلك الموقف وتذييله لصالح الاستراتيجية الصهيونية -الأمريكية[123]، إذاً أين تكمن المأثرة الحقيقية في الموقف الحالي لدول أوروبا والولايات المتحدة بين (المأثرة الحقة) وبين (الصفاقة والوقاحة) للحلف المقدس تحت أقدام الصهيونية العالمية، وتتوضح هنا تساؤلات المسؤول الفرنسي في أوجها الحقيقي إلى أبعد من ذلك بكثير من المعاناة والضغوط التي تعانيها الثقافة الفرنسية مثلاً من الهيمنة الرهيبة للثقافة الأمريكية والصهيونية عليها رغم أن التراث، والثقافة الفرنسية متوغلان في التاريخ كحضارة ولغة وحضوراً عميقاً في التاريخ الثقافي العالمي أو الفرانكفوني، فالسياق التاريخي وروح الزمن، والحتمية التاريخية لا يمكنها أن تجعل الغرب غرباً والشرق شرقاً والعكس صحيح بعيداً عن المؤثرات الحضارية المتبادلة، ودعوة فيدرين هي نفسها العقلية الأوروبية المنغلقة بأوهام الماضي وبالتأكيد أن تفوق وتقدم أوروبا في مجالات عديدة لا يمكنها بشكل قسري وبفلسفة صورية أن تضع تطورها الشامل وبالأخص الصناعي والعلمي أمام باكستان والهند والصين لتقول بأن الدول والشعوب الأخرى لا تستحق أن تكون متحضرة، فالإصلاح والتغيير يعني التطور والسلفية والعقليات الجامدة تريد الانغلاق وإيقاف عجلة التاريخ، فالشجاعة الفكرية والسياسية مهمة للتخفيف من القيود والضوابط والاستبداد والطغيان، لكن كيف يمكننا تصديق حكومات غربية في أوروبا وأمريكا يتنصلون عند أول منعطف من جملهم وحواراتهم وكلامهم عن الحق والعدالة والديمقراطية والتقدم والتطور إذا كانت فرنسا نفسها هزأت بقدر لم يسبق له مثيل من مواقف رئيس حكومتها جوسبان في معرض ترجيح كفة الاحتلال الصهيوني العنصري على كفة الحكومة والشعب اللبناني ومقاومته الباسلة في شباط 2000م إثر زيارة جوسبان للمنطقة.
ثانياً: دور اللوبي الصهيوني الفرنسي:
إضافة إلى ذلك علينا أن ننظر إلى دور اللوبي الصهيوني الفرنسي ودور الاستخبارات الفرنسية وتعاونها مع إسرائيل وأجهزتها الأمنية في تأمين الدعم المادي والمعنوي والعسكري والسياسي لحكام إسرائيل وتجديد (مفاعل ديمونا) الذي بنته فرنسا كهدية سخية لإسرائيل أو بتقديم طائرات الميراج وغيرها لدعم ديمقراطية الكيان المزعومة وليدة الديمقراطية الأوروبية ووريثتها في المنطقة العربية رغم الناقضات بين أصحاب القرار والنفوذ في فرنسا وسلوكهم تجاه العلاقات الإقليمية والدولية أليست تصريحات جوسبان مأخوذة عن الحقد الدفين للصليبية التي كانت ولا تزال حرباً همجية ولكن بوسائل سياسية أخرى ضد دولنا وشعوبنا[124]
4
الاستراتيجية الفرنسية
هل هناك صوت واحد لفرنسا تجاه المنطقة؟!
لاحظنا أنه في السياسة الخارجية الفرنسية تفاوتٌ ملحوظٌ في المواقف الرسمية بين جهة الديغوليين ومواقفهم تجاه المنطقة العربية في قضايا عديدة، وبين جهة الاشتراكيين الفرنسيين وعلى اعتبار أن الاشتراكية الفرنسية لا تنتمي للاشتراكية الدولية فحسب بل ولها دور مميز فيها تاريخياً أكان على صعد السياسات الداخلية والحزبية أم على صعد السياسات الخارجية والدولية، وتاريخ الاشتراكية الفرنسية هو تاريخ متعدد وانتهازي في كثير من الأمور لا بل ومضلل في كثير من الأحيان؛ بما فيها انتماؤها ودفاعها عن سياسة الاحتكارات الفرنسية والعالمية على السواء ودورها في المنظومة الاستعمارية في العالم.
يظهر هنالك تناقضاً صارخاً في كثير من المواقف بالنظر إلى الأوضاع المعيشية، والوجود العربي في فرنسا والنظرة إليه نظرة فوقية متعالية تتوافق مع التحدي العنصري المتفاقم في أوروبا ضد "الأجانب"، وبين سياساتها الموزعة بين تأييد النظم الاستعمارية الاستيطانية كالكيان الصهيوني وبالأخص في التعاون الفرنسي الإسرائيلي ببناء مفاعل ديمونا عام 1956م وما بعدها، وهي جزء مكون من سياسة الدولة الاشتراكية في سياستها الخارجية حيث تقف مع الكيان الصهيوني وحزب العمل باعتبارها سعياً إلى إطلاق منظومة الشرق أوسطية ومشروعها الاقتصادي الذي طرحه شمعون بيريز، وشبكة العلاقات الاشتراكية الدولية في أوروبا لها آفاقها الخاصة جلها خيانة الطبقة العمالية الأوروبية والعالمية ولجوؤها إلى أساليب السمسرة والوكالة لمصالح الاحتكارات الأوروبية والعالمية مما أثر بشدة على الطبقة العاملة الأوروبية منذ الأممية الثانية والأممية الثانية والنصف التي وصفها زعماء كبار مثل روزا لوكسمبورغ بأنها أممية صفراء!.
وهنالك بعض الدلالات السياسة الهامة التي لا بد من تسليط الأضواء عليها:
*عدم وجود رؤية مبدئية تجاه قضايا الشعوب وحركات التحرر الوطني والديمقراطي في الدول النامية والفقيرة.
*التضليل السياسي والإعلامي والثقافي البشع في منظومتها الأيديولوجية تجاه الحركة العمالية والنقابية وأحزابها وموقفها من الأحزاب اليمينية المتداخلة والعقيمة ضد الجاليات العربية التي تتخذ ضدها أساليب غير إنسانية ولعل الأحداث الأخيرة في مدينة (ليل) ضد الجزائريين والمغاربة والتوانسة أي ضد الشعب العربي المغربي المهاجر وقتل الطلبة الجامعيين عمداً أثر بعمق على المواقف المخزية للاشتراكيين الداخلية حيث طالبت رئيسة لجنة حقوق الإنسان في فرنسا معاقبة رجال الشرطة الذين عمدوا قصداً وعن سابق إصرار على قتل بعض الطلبة أو أحدهم دون أي مبرر، حيث تشهد المدن الأوروبية في فرنسا وألمانيا وبلجيكا وغيرها ظاهرة العنف والعنصرية ضد الشعوب المضيفة لديها.
*ضرب الحقوق المشروعة والعادلة العربية ضمن استراتيجية استعمارية متفق عليها مع سياسات الاحتكارات العالمية لمنع تطورها الاقتصادي والاجتماعي وتقدمها العلمي وأدى إلى تعاونها المخزي السياسي والأمني مع إسرائيل وبالأخص مع حزب العمل، ولعل اتصالات زعماء إسرائيل مثل بن غوريون وييغال آلون مع زعماء الاشتراكية الفرنسية كرس عملياً التفوق الصهيوني في المنطقة العربية، وهي سياسات وظيفتها الاستراتيجية خدمة أطماع الكيان الصهيوني وتحقيق مآربه المباشرة وغير المباشرة.
*جعلت الاشتراكية الدولية عموماً والاشتراكية الفرنسية –والصهيونية بخاصة إسرائيل البلد المدلل في وظائفها الاقتصادية، ودعمه لهيمنتها على دول وشعوب المنطقة ولعل الاتصالات السرية والعلنية بين شمعون بيريز الزعيم السابق لحزب العمل مع القيادة الاشتراكية الفرنسية حمل مبررات صهيونية مؤكدة أسبقية الدعم الأمريكي وأهميته بالنسبة لإسرائيل على الدعم الأوروبي –الفرنسي ورغم ذلك فإن لأوروبا وأحزابها الاشتراكية أو قل نصف الاشتراكية، دوافع استراتيجية لتطوير علاقاتها واستمرارها مع حزب العمل والكيان الصهيوني، ولعل بناء مفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب دليل ساطع على طبيعة التعاون الفرنسي –الإسرائيلي والتغاضي عن امتلاك إسرائيل لترسانة من الأسلحة النووية الخطيرة.
*قدمت الاشتراكية الفرنسية أكثر من غيرها الخيارات الهامة والواسعة لتطوير الكيان الصهيوني ودعم ما يسمونه بالمنشآت الزراعية والصناعية الاشتراكية المسماة بـ (الكيبوتس) و (الموشاف) ولعله من المؤسف حقاً أنه حتى بعض الزعماء من الاتحاد السوفييتي زاروا إسرائيل في بداية الخمسينات وأثنوا على تلك المنشآت الاستيطانية القائمة على أنقاض شعب آخر تم طرده وتشريده ومن هؤلاء الزعماء حسب قراءاتي أندريه غروميكو وزير الخارجية السابق السوفييتي في عهد بريجينيف.
*تسعى الدول الأوروبية لكي تكون إسرائيل دولة متفوقة عسكرياً وتكنولوجياً ملحقة بمنظومة الاستراتيجية الغربية وجعلها مركزاً إقليمياً أمنياً في المنطقة العربية.
*كذلك فإن رئيس البرلمان الفرنسي الاشتراكي له دور مميز في منظومة عمل اللوبي الصهيوني الفرنسي والعالمي وعلاقاته المكرسة خصيصاً لدعم تصورات إسرائيل الاستعمارية وتصورات اليهودية العالمية واللوبي الصهيوني الأمريكي، لكن وزير الداخلية الفرنسي له توجهاته الحيادية تجاه العرب باعتباره متفهماً للمواقف العربية والبعد الحقيقي للقضايا العربية ويطالب مراراً بتعديل الاستراتيجية الفرنسية كي تكون أكثر حيادية تجاه العرب وقضاياهم العادلة.
لنلاحظ أن في فرنسا نقيضين يعملان باتجاهين مختلفين تماماً إزاء مصالح ومشاكل وهموم المنطقة العربية لكن يبدو أن التأثير الصهيوني آخذ بالاستمرار نتيجة التفكك والتشرذم في داخل الجاليات العربية وعدم وجود مواقف موحدة لها باتجاه العديد من القضايا وتقصيرها في مواجهة كل أشكال الدعاية والابتزاز الصهيوني ولعل كتاب روجيه غارودي كمفكر وكاتب فرنسي "الأساطير المؤسسة للصهيونية"[125] الذي وضع في إحدى مكتبات باريس، نجح الصهاينة في إزاحته من المكتبة بعد سلسلة تهديدات وممارسات عنصرية حاقدة لا ترى الأمور إلا من منظارها الخاص فقط.
لقد أكد السيد رئيس الجمهورية الفرنسية جاك شيراك أنه من مصلحة فرنسا التحدث بصوت واحد وينبغي أن ينتبه السياسيون الفرنسيون من المغالاة التي تدفع بهم إلى تأييد الصهاينة "وإسرائيل" غالبة أو مغلوبة، ولعل جولته في الضفة الغربية ومدينة القدس قبيل سنوات وتعرضه للإهانات على أيدي أجهزة الشرطة الإسرائيلية ومخابراتها في القدس. عرّضت فرنسا بكل ما تحمله من دور هام في دعمها لإسرائيل منذ بداية الخمسينات إلى إهانة تاريخية سيسجلها التاريخ السياسي للمنطقة، عوضاً عن الإهانات المثيرة التي تلقاها أيضاً وزير خارجية بريطانيا العظمى على أيدي رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو.
وإذا رجعنا قليلاً إلى الوراء لقراءة صفحات التاريخ السياسي لفرنسا وللرئيس ديغول، فإننا نجد أن الجنرال ديغول أدرك بعمق أهمية علاقات دولة تمثل ركيزة في أوروبا مثل فرنسا مع الدول العربية وشعوبها حتى مع الدول الإسلامية وشعوبها بعد موقفه التاريخي عام 1967م، وقدرته الفكرية والعسكرية والاستراتيجية في فهم ظروف المنطقة العربية، بعيداً عن العقدة الأوروبية تجاه اليهود والمسألة اليهودية والصهيونية وكيانها ويختلف كل من الديغوليين عن الاشتراكيين بواقعيتهم في الكثير من الأمور، والرئيس الحالي لفرنسا يتبع الاستراتيجية الديغولية نفسها، إلى حد كبير، وهو يؤكد بعد زيارة جوسبان رئيس الحكومة إلى الكيان الصهيوني 2000م بأنه من مصلحة فرنسا التحدث على صعيد السياسة الخارجية بصوت واحد وينبغي أن ينتبه جوسبان نفسه إلى هذه الناحية الحساسة جداً".
لقد استندت الحركة الصهيونية منذ مؤامراتها الأولى في بولونيا (كاتوفيج) وفي سويسرا (بال) على الدور الأوروبي بشكل عام على اعتبارات أن المسألة اليهودية كانت مشكلة المشاكل في أوروبا وأن الفقراء والكادحين اليهود استغلوا أبشع استغلال أكان بالنظر إليهم كفئة اجتماعية أو كديانة تنغلق على نفسها في (الغيتوهات) بينما المجتمع الأوروبي يدبر لهم الاندماج في عملية التطور والنهضة الصناعية، أو في دور الرأسماليين اليهود الكبار محتكري البضائع والمواد الأولية والأموال والذهب في روسيا، وبريطانيا، وفرنسا نهاية القرن التاسع عشر حيث زجت النساء والفتيات اليهوديات بشكل خاص في أتون أعمال وصراعات كانت تقف وراءها الحركة الصهيونية الوليدة في ذلك الحين أو الحركة الصهيونية غير اليهودية (المسيحية) والوعود والنشاطات السرية والعلنية التي قطعت العهد لإنقاذ البؤرة اليهودية من العزلة الداخلية في داخل أوروبا وما تعرضوا فيها للقتل التنكيل وبالأخص في أوروبا الشرقية والنمسا وإسبانيا وروسيا.
لذلك تعتبر كل من الاستراتيجية الفرنسية والاستراتيجية البريطانية كل على حدة أو مجتمعتين المنقذ الحقيقي لما يسمى بالمسألة اليهودية في أوروبا، ولا ننسى هنا دور نابليون بونابرت بإحيائها وقبله دور بابوات روما وباريس في الحروب الصليبية، وحتى أنهما توحدتا تجاه ضرب وتقسيم المنطقة من خلال (اتفاقية سايكس-بيكو) على وجه التحديد التي قدر لها أن تقسم سوريا الطبيعية والمنطقة لمصلحة إنشاء ما يسمى (الوطن القومي-اليهودي)، إضافة إلى الدوافع استعمارية متعددة لا تزال تنظر إلى المنطقة على أنها منطقة مصالح حيوية للدول الأوروبية عداك عما عبر عنه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني عند زيارته للأراضي الفلسطينية المقدسة وتصريحاته باعتذار الكنيسة الكاثوليكية عن أخطاء ارتكبتها عبر التاريخ تجاه اليهود، ورده على بعض المقالات والدراسات والنداءات التي نشرت في الصحف اللبنانية والعربية لفضيلة اعتذاره ليس لليهود فحسب بل لشعوب المنطقة وبالأخص لضريح صلاح الدين الأيوبي وما فعلته الحملات الفرنجية التي وصمت نفسها بـ (الحملات الصليبية)[126] ولعل زيارته الدعم الكبير لقضايا الشعوب والإنسانية العادلة الآن، وما يمكن لفرنسا أن تقوم به أيضاً بتقديم اعتذار رسمي تجاه سوريا وشعبها بالتحديد مما قام به الجنرال غورو وتهجمه على ضريح صلاح الدين الأيوبي الرمز الإسلامي العظيم في تاريخ شعوب المنطقة، وبخاصة أن اعتذار فرنسا الرسمي ومن قبل حكومة جوسبان نفسها تعيد للأذهان حقيقة الانتدابات الاستعمارية الفرنسية- البريطانية التي نذرت نفسها لخدمة الأطماع الصهيونية ودورها في بناء الكيان الصهيوني واعتماد الرؤية التوراتية في إيقاظ الفتنة داخل المنطقة العربية على أسس عنصرية واستيطانية أثرت ولا تزال على معالم الخريطة السياسية والجغرافية والاقتصادية والبشرية للمنطقة كما خططت له الضواري الاحتكارية- والاستعمارية لإبقائها رهينة في الاستراتيجيات الكونية للدول الإمبريالية الصناعية الكبرى.
ونعيد للأذهان أن دور بريطانيا والانتداب البريطاني على فلسطين ومصر والعراق لم يحل مشاكل المنطقة بقدر ما زرع فيها المشاكل المتتالية كسلسلة المتواليات الهندسية التي ضربت بالعمق استقرار وأمن شعوب ودول المنطقة وأن مصير وحياة الشعب الفلسطيني وغموض مستقبله والمؤامرات التي تحاك ضده بالأخص الآن في تشتيت قضيته وملفات القدس والسيادة واللاجئين الفلسطينيين يعود بالأساس إلى الدور البريطاني- والفرنسي بالتآمر المقصود والمخطط له مسبقاً على الشعب الفلسطيني مع زعماء الحركة الصهيونية العالمية فضلاً عن التآمر مع كبار الرأسماليين اليهود في أوروبا وأمريكا، من هنا فإنه إذا نظرنا بكل موضوعية إلى التوقعات الحالية في فرنسا على صعيد داخلي فإن ترجيحات معينة تؤكد أن جوسبان[127] في حملاته الانتخابية القادمة لرئاسة الجمهورية الفرنسية سيضمن أصوات التجمعات اليهودية في فرنسا والاستيفاء أيما فائدة من دعم اللوبي اليهودي- الصهيوني في فرنسا وأوروبا من أجل تشجيع سياسته لأجل ضمانة "أمن إسرائيل" ومساندتها مالياً واقتصادياً ودبلوماسياً، وهنا على الدول العربية وشعوبها أن تتنبه جيداً وتسعى بكل إمكاناتها لدراسة دور جوسبان السياسي القادم والعمل على عدم الاستهانة من دوره المؤثر على العلاقات العربية مع فرنسا.
كذلك فإن اللوبي الصهيوني الفرنسي له استراتيجية تختلف عن غيره من إيباك وبناي بريث في الولايات المتحدة الأمريكية فهو يدعم بالمطلق:
أ*مشروع شمعون بيريز في الشرق الأوسط الجديد على أسس المشاريع الاقتصادية العملاقة المستحدثة.
ب*تشجيع الدور الأمني والعسكري الإسرائيلي الجديد الذي يقدر له الدفاع عن إسرائيل (ظالمة أو مظلومة).
ج*تطوير المركز الإقليمي لإسرائيل بدعم الدول الأوروبية وفرنسا لتوسيع مشروع الشرق الأوسط ليطال آسيا الوسطى والهند.
وإذ كان ماهو مطروحاً مع دول المنطقة الشراكة الأوروبية[128].
الباب الخامس
أكذوبة ضحايا الهولوكوست
((الصهيونية تبتز ألمانيا وفرنسا وأوروبا))
1
أكذوبة الهولوكوست والدعاية اليهودية
الدكتور خليل البدوي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04 / 04 / 2011, 19 : 02 PM   رقم المشاركة : [8]
الدكتور خليل البدوي
دكتوراه آداب/دكتوراه طب/صحفي وفنان تشكيلي/مؤلف وكاتب ومحلل سياسي

 الصورة الرمزية الدكتور خليل البدوي
 





الدكتور خليل البدوي is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: جمهورية العراق

رد: الحلف الاستعماري وقضية فلسطين

الصهيونية تبتز ألمانيا وأوروبا مجدداً:
كسبت الصهيونية العالمية إلى الآن معركتها ضد ألمانيا وفشلت كل الدعاوى القضائية التي أثبتها بعض الألمان في محاكم أوروبية ولعل قضية (ديفيد أرفينغ) المؤرخ الأوروبي المشهور كانت خير دليل على التعاضد اليهودي- الصهيوني على تبرير المحرقة النازية بشتى السبل، وبسبب من النفوذ السياسي والمالي والاقتصادي لليهودية العالمية في بريطانيا وفرنسا وروسيا وبعض الدول الأخرى ظلت المسألة اليهودية تنفخ في الأبواق الإعلامية الموالية للصهيونية، رغم أنه إذا نظرنا إلى المؤامرات والدسائس التي حاكها زعماء الصهاينة ضد الأرمن أيام السلطان عبد الحميد ومقتل عدد يتراوح بين 2 مليون إلى 3 مليون أرمني في أبشع صور الإجرام سنجد أن اليهود في الباب العالي كانوا وراء تلك المذبحة وبالأخص المجموعات الماسونية المنضوية تحت لواء محفل (النور) في أنقرة واستنبول، وهذه الجريمة طوتها صفحات التاريخ لأن الدول الغربية تحاول طمس معالمها رغم ما أقدمت عليه فرنسا مؤخراً بتجريم تركيا بمقتل الأرمن في مذابح بشعة وأقر ذلك التجريم في البرلمان الفرنسي بداية عام 2001[129] انتصار الحلفاء في الحرب الثانية والقضاء على الجيش النازي الهتلري وعلى أثر انتهاء الحرب اتفق زعماء تلك الدول بإنشاء كيان استعماري يهودي في بلادنا على أساس الاعتراف بدولة يهودية ودولة عربية وتأييد الاتحاد السوفييتي هذا الإعلان المدعوم من الأمم المتحدة وتمكنت إسرائيل من ابتزاز ألمانيا الغربية إلى حدود غريبة جداً ولم تستطع ابتزاز ألمانيا الشرقية حينما كان هوريش هوينكر معاد للصهيونية ووصمها بأنها وريثة النازية، وبالعكس وجهت الاتهامات لهونيكر بأنه يعادي السامية؟!.
وشكلت التعويضات الألمانية لإسرائيل فيما بعد نقطة تحول هامة ومصدر مالي وعسكري هام لدعم بناء "الدولة العبرية" وعقدت اتفاقيات التعويض كامتداد لاتفاقية هآفارا مع هتلر بالتعويض المباشر والنقدي عام 1952م إذ استطاعت إسرائيل من بناء قوتها العسكرية والاقتصادية وشكلت التعويضات ثمناً لخسارة الشعب الألماني معارك الحرب العالمية رغم أن ضحايا الحرب 40 مليون قتيل ورغم نيل التعويضات ظلت الدعاية اليهودية –الصهيونية في أوروبا تركز على المحرقة النازية ولفت أنظار أوروبا والعالم، وتناسي أكثر من 40 مليون قتيل قضت رحى الحرب عليهم فأرادت الصهيونية العالمية وبريطانيا ابتزاز أوروبا كلها فعملتا على بناء مراكز تذكارية لضحايا النازية من اليهود فقط في لندن، ونيويورك وأوتاوا وأمستردام والقدس، وإضافة إلى ذلك إنهاك كرامة الشعب الألماني تم بناء مركز أو نصبٍ تذكاري في وسط برلين لهذا الغرض بدعم من وزراء الدفاع والمال بدعم بريطانيا والولايات المتحدة رغم أن ألمانيا خسرت بمفردها في الحرب العالمية الثانية لا يقل عن (13) مليون شخص من ضمن الـ 40 مليون قتيل معظمهم من الشباب[130].
كرست بريطانيا دورها في الحرب للترويج إلى المحرقة النازية مع الدعاية الصهيونية العالمية وتم الاستمرار بمسلسل الابتزاز والإرهاب المسلط على الشعب الألماني حيث أضيفت مبالغ تقدر بـ 5.3 مليار دولار تعويضات عن أعمال السخرة التي قام بها اليهود لخدمة الجيش الألماني إضافة إلى ابتزاز البنوك الفرنسية والنمساوية والهولندية والسويسرية بدفع أكثر من (2) مليار دولار كتعويضات عن حسابات بنكية ومصرفية وضعها اليهود في تلك الدول قبيل الحرب العالمية الثانية.
عمل تحت المجهود العسكري في خدمة الجيش النازي ضمن المعتقلات والمعسكرات (714) ألف يهودي كعمال سخرة في 20 معتقلاً أو معسكراً في مناطق مختلفة من ألمانيا والنمسا وإيطاليا، ويعتبر شهود عيان من الناجين آلاف اليهود وغيرهم من الأوروبيين الذين شاهدوا موت زملائهم في المعتقلات والمعسكرات بسبب الجوع والبرد والأمراض، وبعد موتهم تم حرق بعضهم بسبب أمراض خطيرة (كالطاعون) وغيرها من الأمراض المعدية، وقبيل الحرب هرب اليهود من ألمانيا والنمسا وفي السنوات الأولى منها إلى سويسرا وأمريكا ودول أخرى وكان من بين الهاربين قبيل الحرب العالم اليهودي (آنشتين) الذي كان زعيماً لمنظمة (البيت اليهودي) في النمسا وألمانيا، وكانت هذه المنظمة جمعية خيرية وسياسية سرية تتوزع عليها وعلى اليهود كتب سرية (بروتوكولات المطبوعة في بريطانيا وفرنسا ولم يكن عدد اليهود في فترة وجود آنشتين في ألمانيا عام 1939م ليتجاوز الـ 850 ألف شخص إلا إنه كان لهم نفوذهم السياسي والاقتصادي في النمسا وألمانيا بشكل قوي وكانت دور النشر الألمانية معظمها تابعة لليهود الذين طبعوا فيها مجموعة كتب باللغة اليديشية أو الألمانية التي تؤيد الأفكار الماركسية أو الصهيونية حسب آرائهم، باعتبار أن ماركس كان يهودياً علمياً متفوقاً بآرائه على الآراء الصهيونية العنصرية برزت الخلافات الشديدة بين الاتجاهين حتى أن الصهيونية المرتبطة بالجستابو تعاونت من أجل تسليم الشيوعيين والاشتراكيين واليساريين اليهود للنازية وكرس هؤلاء جل وقتهم للتعاون مع الأفكار النازية من عصابات (شتيرن وآرغون، وبيتار) مقنعين هتلر وغيره بإمكانية انتصار النازية في الشرق وفلسطين وبناء الرايخ النازي –الصهيوني- الفاشي في فلسطين فيما إذا انتصرت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية؟![131].
وفي خلال الحرب ا لتقى الأسرى من مختلف الجنسيات والقوميات والأديان من الروس والبولونيين والبوسنيين والفرنسيين الكاثوليك والأرثوذكس والمسلمين في معسكرات الاعتقال النازية إلى جانب اليهود إلى أن تم تخصيص معسكرات خاصة لهم بالاتفاق مع شركة هآفارا لتهجيرهم بشكل كلي بعيد الحرب إلى فلسطين بالاتفاق مع (موسى هس) و (هتلر) وانتقاماً من اليهود وبالأخص الشيوعيون منهم الذين عملوا لصالح الاتحاد السوفييتي أو الاشتراكيين والديغوليين الذين عملوا مع فرنسا، أو مع الليبراليين والنبلاء الذين عملوا مع بريطانيا، بدأ الألمان بإرسال اليهود عام 1941م إلى معسكرات اعتقال خاصة بهم وأجبروهم على وضع النجمة السداسية على صدورهم وبعد أن أدرك الألمان أن اليهود الأمريكيين يقفون مع الحكومة الأمريكية في الحرب ضدهم وفرضت عليهم الأعمال الإجبارية وانتزعت حقوقهم نهائياً وطرح النازيون أفكار عنصرية حول نقاء العنصر الجرماني بطرد اليهود بدونيتهم من ألمانيا وكانت المؤرخة اليهودية-الأمريكية (منة أرندت) ذكرت ذلك في كتاباتها عن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة للتدخل في الحرب لصالح الحلفاء، بعد أن أقنعت الولايات المتحدة الأمريكية واحتكارييها بدعم إمكانياته وتطلعاتها لاحتلال الاتحاد السوفيتي والتخلص من النظام الشيوعي في موسكو.
لقد طلبت المنظمات الصهيونية من اليهود بوضع (النجمة الصهيونية) على صدوهم ورؤوسهم وأيديهم لتمييزهم عن باقي السجناء الأوربيين واستشعر اليهود بالذل والمهانة حينما فرض الحزب النازي عليهم بوضع النجمة الصهيونية الصفراء على صدورهم وبيوتهم ومعسكرات الاعتقال باعتبارهم خونة وجواسيس وتآمروا على قتل الفوهور هتلر عدة مرات رغم أنه يحقق مطامع الصهيونية بالقضاء على الاتحاد السوفييتي.
دعت سويسرا عام 1941م إلى مؤتمر دولي في أيلول لتدارس المسألة اليهودية ورفضت الدول الأوروبية فتح أبواب هجرة اليهود الألمان الذين يتحدثون (اليديشة) دون وضع قيود مسبقة عليهم وبالأخص بضغط وابتزاز من الحركة الصهيونية فبعض الدول طلبت تسفيرهم إلى أميركا والأرجنتين والبرازيل وبعض الدول وجهتهم للهجرة إلى فلسطين وحتى وإن عملت الوكالة اليهودية العالمية وسعت إلى تهديد كل يهودي لا يفكر بالهجرة إلى فلسطين بالقتل.
وكانت الدول الأوروبية قبيل الحرب وبعدها بقليل لا تريد الدخول بتفاصيل (اللاسامية) وإعادة المسألة من بداياتها علماً أن معسكرات الاعتقال اليهودية كانت منتشرة في دول أوروبية كثيرة غير ألمانيا، لنجد أن بريطانيا عام 1904م أسست (27) معسكر اعتقال جماعياً لليهود في مستعمراتهم في مصر، وسيناء، والهند، وأستراليا، وجنوب إفريقيا وتم احتجاز مئات الآلاف منهم وماتوا جوعاً دون أن تتحرك الصهيونية العالمية لإنقاذهم لأنهم أرادوا السفر إلى الولايات المتحدة أو البقاء في أماكنهم فلا نجد أي ذكر لهؤلاء في الدعاية الصهيونية أو في الإعلام الغربي؟!.
إضافة إلى ذلك كانت روسيا تقيم 21 معسكراً للاعتقال الجماعي معظم ضحاياها من شعوب آسيا الوسطى والقفقاس المسلمين (منطقة شمال القفقاس) وتم نفيهم إلى أدغال سيبيريا وقتل منهم الآلاف على يد الجنرال الكبير مستشار ستالين (بيريا) عام 1921م وابتدأ بمسؤولياته الخطيرة من عام 1921م كرئيس لجهاز الشرطة السرية وقبل ذلك كضابط صغير مسؤول عن أحد السجون أيام القيصر والحكومة اليهودية المؤقتة، وقد نصحته بريطانيا والصهيونية العالمية بالانضمام للبلاشفة كي يفيدهم فيما بعد بالتآمر والتجسس لحسابهما، وكان مشهوراً بدوره الإجرامي الخطير في سجون القيصرية والبلشفية وقتل ملايين البشر تحت حجج أنها أوامر من ستالين[132].
أكدت (جماعة مراجعة التاريخ) طبيعة العلاقات السرية التي نشأت بين أقرباء هتلر من طرف والدته من اليهود وبينه لوضعهم في مناصب حزبية وأقنية عالية جداً وبأن العديد من اليهود كانوا مستشارين له لهم حق التصرف المطلق وأن هتلر ساعد هآفارا على تهجير اليهود إلى فلسطين سراً، وكانت مساعداته لمنظمات صهيونية في فلسطين تفوق مساعدات بريطانيا والولايات المتحدة معتقداً أنه سينتصر في الحرب، وسوف يسيطر على قناة السويس وسكك الحديد من بغداد ونفط الخليج وباكو، وفي عام 1937م وقع هتلر اتفاقية بين الحكومة النازية ومندوبين عن الحركة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية من أجل تسهيل سيطرة الصهيونية النازية على الحكم الألماني وبالتالي تسهيل هجرة اليهود من ألمانيا وأوروبا إلى الرايخ في فلسطين وتأمين نقل ممتلكاتهم وأموالهم ووثائقهم وكل ما يمتلكونه عبر (شركة هآفارا التجارية) إذ نقل مع اليهود إلى فلسطين (133) ألف جنيه استرليني وأكثر من 240 ألف مارك ألماني بإذن وباتفاق مع هتلر نفسه.
لقد وقف العديد من الباحثين والعلماء والكتاب يستنكرون أكاذيب الصهيونية حول المحرقة النازية التي يشاع فيها بأن هتلر أحرق (3) ملايين يهودي، إذ لم تحتو ألمانيا مطلقاً على هذا العدد الضخم من اليهود ولا حتى أوروبا نفسها[133].
في ختام أعمال (جماعة مراجعة التاريخ) حاربتها المنظمات اليهودية واللوبي الصهيوني في أوروبا وأمريكا عبر الدعاية وتقديم الشكاوي القضائية لإجراء تعتيم شامل على آرائهم ومواقفهم بكشف أكذوبة المحرقة النازية هذا ما فعله ديفيد أرفينغ ضد دبوره لبشتات لكن قبل الدخول في ذلك علينا تسليط الأضواء على انكسارات ألمانيا في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
لقد التزمت ألمانيا بتعويضات للدول المتضررة في الحرب العالمية الأولى وفرض عليها بالقوة إعادة كميات ضخمة من (الذهب) لتركيا والإمبراطورية النمساوية وروسيا وهنغاريا حيث اتفق في اتفاقيات فرساي 28/6/1919م من قبل الحلفاء ضد الدول المهزومة وهي اليابان وألمانيا وإيطاليا.
لقد وجدت الولايات المتحدة من واجبها التعويض على القطاع العام فيها، بينما أدخلت بريطانيا تعويضات على خسائر الأفراد وفرضت فرنسا على ألمانيا تعويضات تقدر بـ 220 مليار مارك ذهبي، إلا أن الكونغرس الأمريكي رفض التصديق على لجنة التعويضات (فرنسا، بريطانيا، أميركا، إيطاليا) إضافة إلى دول اليابان، بلجيكا، ويوغسلافيا، إذ اقتصرت اللجنة على الدول الأربع الأولى وعقدت اللجنة اجتماعاً لها عام 1920م من نتائجها توزيع التعويضات على الدول.
-فرنسا (52%).
-بريطانيا (22%).
-إيطاليا (10%).
-بلجيكا (8%).
-اليابان ورومانيا ويوغسلانيا 0.75%، و0.75% للبرتغال.
وقدرت قيمة التعويضات تلك بـ (132) مليار مارك ذهبي على أن تدفع سنوياً (2) مليار مارك ذهبي بالإضافة إلى ربع قيمة الصادرات الألمانية المقدرة آنذاك 4 مليار مارك ذهبي أي عليها دفع تعويضات لمدة 45 عاماً تقريباً، وعقدت فرنسا اتفاقاً مع ألمانيا (راتنو-لوشور) في 1922 لدفع التعويضات نقداً وهدفت من وراء ذلك زرع الخلافات بين الدول التي تدفع لها التعويضات.
كذلك ألزم مؤتمر 1945م بين دول الحلفاء المنتصرة على هتلر في الحرب العالمية الثانية بأن تدفع ألمانيا مبالغ قدرت بـ 20 مليار دولار كتعويض عن خسائر الحرب، وألزمت بإعادة كل المحلات المسروقة بما فيها اللوحات الفنية القديمة غالية الثمن وألزمت إيطاليا بإعادة كل ما تم نهبه من الحرب من أموال وذهب وأثاث من قبلها.
إذاً تم ابتزاز ألمانيا الضعيفة بسبب فشلها بالحرب العالمية الأولى والثانية، واستغلت الحركة الصهيونية العالمية النزاعات والخلافات فيما بين الدول واستطاعت تحريك أيديها الخفية عبر شتى الأساليب، حتى فيما إذا نظرنا إلى مسألة الهولوكوست التي استغلتها جيداً بدعم من الدعاية البريطانية والفرنسية والأمريكية، وسنجد أن هذا الحلف الاستعماري ظل ولا يزال يتلاعب بمصير الشعوب والتحولات السياسية في أوروبا والشرق الأوسط والعالم لمصلحة اليهود والصهاينة بكل المعايير اللاأخلاقية واللاقانونية.
لقد تجلت قضية المؤرخ (ديفيد ارفنيغ)[134] التي رفعها ضد المؤلفة اليهودية (دبوره لبشتات)[135] وناشر كتابها بنغوين إذ قدم المؤرخ أرفينغ مئات الوثائق وجلب الخبراء من أكثر من مكان في العالم لكي يثبت لها أن كتابها مدموغ بالأكاذيب والأضاليل عن (المحرقة اليهودية) وبالمقابل استفزت (دبوره) يهود لندن وأثرياءها ويهود أوروبا والولايات المتحدة من مجموعات الضغط والابتزاز اليهودية واللوبي الصهيوني المتنفذ في أوروبا وأمريكا لإثبات عكس ما أثبته ديفيد أرفينغ وكان الثري (سبيلبرغ) قد دعم لبشتات مالياً وإضافة إلى حكومة العدو الصهيونية ضد كتاب أرفينغ عن (أيخمان) وقد وجهت الدعاية الصهيونية ضده لأنه كتب التاريخ والحقائق ملموسة وواقعية عما يسمى بالمحرقة النازية إذ أكد أن الإنسان العاقل لا ينكر دور الهتلرية في قتل اليهود وغيرهم ووضعهم في معسكرات اعتقال لكن الحركة الصهيونية واليهود وإسرائيل بالغوا في عدد الذين ماتوا أو قتلوا، مستنكراً المزاعم القائلة بأنه استخدمت غرف الغاز في "اوسيفيتز" ضدهم، وأكد أن اليهود ماتوا كغيرهم بسبب الجوع وأعمال السخرة والأمراض وأحرق منهم العديد كما أحرق من غيرهم.
تعتبر دبوره لبشتات من أنشط الكتاب اليهود الصهاينة في الولايات المتحدة وهي ملتزمة بكل ماهو تحريفي وشوفيني لصالح العنصرية الصهيونية، وتؤسس العداء لليهود بفضل تعصبها المتطرف والمعادي للشعوب الأوروبية غير متناسية أدوار أوروبا السابقة في قتل وحرق اليهود في مدينة (نيدلنفن) وهي متطرفة حقودة تدافع عن العصابات الصهيونية وأنشطتها الفاشية الإرهابية واستغلت المحاكم البريطانية كعادتها قضية المؤرخ البريطاني مؤكدة بأنه لا يمكن إنكار وجود غرف الغاز في معسكرات الاعتقال اليهودية حيث زعمت لبشتات، والقاضي البريطاني بأن ألمانيا النازية حرقت 3 ملايين يهودي في غرف الغاز بينما لم يكن في ألمانيا قبل وفي خلال الحرب أكثر من مليون يهودي وهذه الأكذوبة لا تنطلي على أحد إلا المتضامنين تاريخياً مع الصهيونية العالمية وبالأخص بريطانيا صاحبة وعد بلفور المشؤوم 1917م وصاحبة الانتداب على فلسطين والتآمر مع بن غوريون وغولدا مائير وعصاباتهما لاغتصاب فلسطين لقد كان رئيس الورزاء الإسرائيلي (أهودا باراك) من أوائل الذين هنؤوا دبوره لبشتات على انتصارها في قضية (أرفيننغ) والذي قال فيها:
"إن الحكم الذي أصدره القاضي البريطاني نصر للعالم الحر ضد قوى الظلام التي تحاول إزالة ذكرى أسوأ درجة أدركتها الإنسانية وأن إسرائيل مستمرة في النضال ضد أولئك الذين ينكرون الهولوكوست"؟![136].
إذاً ماذا نقول عن تصرفات باراك الفاشية والإرهابية، بذهابه لبيروت وبقتل كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار؟ وماذا نقول عن جزار وسفاح مجازر صبرا وشاتيلا أريئيل شارون وعن مذابح دير ياسين وكفر قاسم وقبية ونحالين وحواسه وهدارا الكرمل والمذبحة اليهودية المخطط لها سلفاً مع إدارة مصفاة حيفا (الرفيزي) تلك الإدارة البريطانية التي سوغت لنفسها التآمر مع العصابات الصهيونية لقتل العمال العرب بالقنابل اليدوية؟ ماذا نتحدث عن المحرقة الصهيونية المكرسة منذ أكثر من خمسين عاماً ضد الشعب الفلسطيني ماذا نقول عن اعترافات شلومو بن عامي في 28 تشرين الثاني 2000م حيث أكد (عكيفا ألدار) في صحيفة هآرتس في جلسة للحكومة الإسرائيلية بأن وزير الخارجية الإسرائيلية اعترف وبشكل رسمي:
"الشعب الفلسطيني واقع تحت الاحتلال وهو محتل ومحاصر في مواجهة محتليه"[137].
لعل ما ذكره (عكيفا ألدار) عن قول شلومو بن عامي نصف الحقيقة، والحقيقة الكاملة علق عليها هنري سيغمان[138] لقد وجد الإسرائيليون أنه مؤلم لهم الاعتراف بالظلم الذي وقع على الفلسطينيين نتيجة قيام الدولة اليهودية لأنهم اعتبروا الاعتراف بذلك إسقاط تاريخي وسياسي وقانوني لشرعية المشروع الصهيوني كله على أنه قائم على الباطل وليس على شيء آخر[139].
ليس من حق حكومة الإرهابي "أهودا باراك" أن تطالب الفلسطينيين الالتزام بالخضوع للقانون الدولي، وهي تخترق القانون الدولي وجميع الاتفاقيات الموقعة لصالح الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وبالأخص حق العودة وتقرير المصير وحق التعويض عن سنوات القهر والقتل والتهجير، وتحديد الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني بمعانيها الإنسانية والتحررية، لقد أكد هنري سيغمان رداً على دبورة لبشتات وعلى شارون وباراك بأن يحذوا مع مثقفي وسياسي "إسرائيل" حذو شلومو بن عامي وان يحوّلوا أفكاره والإقرار الخافت لوزير الخارجية فيتحول إلى فعل سياسي بنَّاء وإنساني وليس إلى فعل عنصري وبربري متوحش.
لا يمكن تناسي قضية أن النازية الألمانية لعبت دوراً خطيراً في تدمير مقدرات دول وشعوب بشكل فاشي بغزوها الهمجي لاحتلال أوروبا والاتحاد السوفييتي طمعاً في بحر قزوين ونفط باكو والمنطقة، وكرست النازية المقولات والثقافة العنصرية المعادية لجميع البشر تحت ما يسمى تفوق (العرق الجرماني) وهي المقولات الصهيونية العنصرية نفسها المعادية لشعوب وأمم العالم تحت ما يسمونه (معاداة السامية) فتحت هذا الشعار نهضت المسألة اليهودية من تحت رمادها وحركتها الدول الكبرى لإبراز دورها ووزنها وقوتها في العلاقات الدولية.
والشعوب الأوروبية وأحزابها التقدمية حاربت الهتلرية ودافعت عن نفسها أيضاً، أما الحركة اليهودية –والصهيونية فلم تدافع عن أوروبا وبلدانها بل دافعت عن يهوديتها فقط، حتى في خلال الحرب، ودفعت بالآلاف للهجرة لتحقيق أهدافها العنصرية الضيقة، ولم تدافع عن الإنسانية والبشرية في الحرب مطلقاً...؟!.
أما تصريحات (هتلر صغير) أيدها كل من أمنون شاحاك واسحق ليفي من علي منصة الكنيست الإسرائيلي، لكن أكدت الأوساط العربية والروسية ودول أخرى بأن تصريحاته تعيد للأذهان الوجه النازي لحكام إسرائيل بينما علقت روسيا عبر ناطق حكومي بأنها (أي تصريحات ديفيد ليفي) تزيد من حدة التوتر وتدفع للمزيد من القلق، ولا تقدم عملية السلام إلى الأمام أية خطوة مع زيادة التطرف الصهيوني وحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.
الباب السادس
التطبيع استراتيجية الكيان الصهيوني
((ومحاولات تبديد المقاطعة))
1
حينما يكون التطبيع استراتيجية جديدة للمنطقة؟
ما من شك أن التطبيع أو الانفتاح الاقتصادي الذي قادته ولا تزال العقليات الاقتصادية للرأسمالية اليهودية العالمية يستهدف بشكله العام استجرار الدول العربية منفردة ومجتمعة، إلى وقائع سياسية واقتصادية وثقافية لا بل وديموغرافية جديدة، خاصة بمشاريع لها أبعادها الاستعمارية الخطيرة وهدفها الربط الاقتصادي، مع المركز الاحتكاري العالمي وبالربيبة الإقليمية المركزية، وبخاصة أنه لا يمكننا بأي شكل من الأشكال فصل الرؤى الاقتصادية عن الآفاق السياسية أو الاستراتيجية الخطيرة مثل قضايا المياه والمستوطنات والهجرة اليهودية، وإشراك "إسرائيل" في مياهنا وخيراتنا بمشاريع مشتركة زراعية وكهربائية وسياحية، ولا يوجد عاقل في الوطن العربي يستطيع أن يفصل بين الاقتصاد والسياسة فكلاهما مرتبطان ببعضهما البعض برابطة لا تنفصل[140].
إن المشروع الصهيوني الذي طرح شعاراً استعمارياً ذا طابع ديني –سياسي (توراتي- علماني) يحتوي أيضاً على حرب اقتصادية وشعار "حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل.." المرسوم على (الأغورا) يتحول الشعار في فرض التطبيع مع العرب من إسرائيل الكبرى إلى (إسرائيل العظمى)؟. أكان بسياسة الحرب السرية والتدمير العسكري أو بسياسة (دعه يعمل دعه يمر) أو بسياسة جعل إسرائيل نسيجاً طبيعياً من تاريخ المنطقة وحاضرها وهذا ما تريده سياسات واشنطن أساساً.
إن ألوان الإرهاب والقمع والاستيطان والتوسع هي الألوان الدامية للفاشية الصهيونية النازية الجديدة في منطقتنا[141]، كي تفرض نفسها مشروعاً اقتصادياً تنموياً اعتيادياً على المنطقة من خلال تطوير مشاريع عملية ونظرية هدفها تمويه دور إسرائيل الحقيقي في الشرق الأوسط ضمن مشروع (هارفرد) إلى (كامب ديفيد) مروراً بالسوق (الشرق أوسطية) التي استهدف من ورائها التطبيع الاقتصادي أولاً ثم التطبيع الثقافي ثانياً وإدخال محطات استعمارية استيطانية وعنصرية في نسيج الحياة اليومية والمستقبلية للمنطقة ثالثاً وبالتالي الاعتراف لها بمزايا فريدة وخطيرة لا يمكنها بمفردها أن تقوم به إلا بمساندة العملاء والمرتزقة هذا إن دل على شيء فإنه يدلل على مسألتين:
*المسألة الأولى:
إن العرب من المحيط إلى الخليج ومن الخليج إلى المحيط عاجزون عن إنتاج وقائع سياسية جديدة بوجه المخططات الصهيونية الخارجية ومن يتحالف معها وبالتالي عدم إنتاج وقائع اقتصادية أو سياسية أو استراتيجية عربية متكاملة بوجه الأخطبوط الإمبريالي الصهيوني تؤثر على الأمن القومي العربي ومستقبله ولا تزال فكرة السوق العربية المشتركة تساور البعض في أحلامهم وهم يدركون أنهم يملكون المقومات الجوهرية التي يحتاجون إليها والقرارات المتخذة كثيرة لكن على أرض الواقع والفعل نجد اللامبالاة والإرهاصات التي ضربت بالعمق التضامن العربي، بالتآمر المثير على بعض الدول العربية تحت حجج وأكاذيب تسوقها لها الولايات المتحدة وإسرائيل لضرب القلعة العربية من داخلها وهضم عرى الوحدة العربية[142].
هنالك أطنان من القرارات التي تحدد كيفية المواجهة والتحدي بكل مستوياتها العسكرية والسياسية والاقتصادية بشتى السبل والإمكانيات ولكن هيهات نجد أن صناعة المستقبل القومي والسعي والكفاح إليه حالة، وصناعة الأكاذيب والخطط الاستعمارية السرية والعلنية والتجاوب معها كثيرة وهي حالة مؤسفة يتشرذم الصف العربي من خلالها وتضعف من قوته وهيبته النضالية ويضرب وحدة الشعوب العربية ويضعف تماسكها.
فإذا كانت القرارات المتخذة بشأن السوق العربية المشتركة أو التضامن العربي قرارات فوقية بل موسمية فإن خلق واقع عربي جديد يدعم البنى التحتية الاقتصادية والسياسية ودعم روح الديمقراطية والسير باستراتيجية متكاملة هي أجزاء هامة من محطة المواجهة التي حاول قطار التطبيع اختراقها والوصول إلى العمق العربي من خلالها، رغم الإمكانيات الواسعة للوطن العربي في مواجهة المشروع الإسرائيلي برمته.
*المسألة الثانية:
إقناع دول وشعوب المنطقة من قبل العقليات الاستعمارية والاقتصادية والسياسية بأن "إسرائيل" ستكون الحمل الوديع إذا ما طبقت المشاريع التنموية في الشرق الأوسط علماً أن مراكز الأبحاث العالمية والجامعات الأمريكية إضافة للاستراتيجية الأمريكية الرسمية وسياستها الخارجية تجد نفسها تبحث عن هدف جديد يتمثل فيه عدو جديد لها في المنطقة وتعمل على تجاوز تقنية التقارير الأكاديمية وأساليبها الاستشراقية وأحكامها السطحية والمباشرة وطرائقها الدعائية بنظام عالمي جديد أو بقرية عالمية تسيطر عليها وتحكمها واشنطن والشركات فوق القومية ومنها الشركات الاحتكارية اليهودية وباستخدام شتى الأساليب الفكرية والفلسفية والعلوم الإنسانية لخدمة مآربهم الاستعمارية الجديدة وضرب كل ما أنتجته البشرية من فكر وفلسفة وسياسة وعلم بهدف التركيز على محاربة الإسلام ووصمه بالإرهاب الإسلامي واتهام الإسلام السياسي المتنور بشتى الألفاظ المتطرفة، رغم أن الولايات المتحدة تحمي وتدعم وتساند الإرهاب الرسمي والتطرف الديني اليهودي (لدولة إسرائيل) بشكل لم يسبق له مثيل ضد الدول العربية والإسلامية وشعوبها.
يظهر الدور الروسي، والأوروبي، والآسيوي الجديد الذي لا يتخطى السياسة الخارجية الأمريكية التي تحاول الهيمنة حتى على الدول الصديقة لها من خلال قانون (داماتو) الذي يفرض العقوبات حسبما تريد المشيئة الأمريكية بخاصة أن السياسة –الجيوبوليتكية الأمريكية في آسيا الوسطى أو الشرق الأوسط من خلال بعض الدول في المنطقة[143].
***
2
نظام جديد لطمس حقيقة إسرائيل الاستعمارية والإرهابية
استهدف النظام العالمي الجديد من خلال سياسة التطبيع وفرض الإرادة لتقويض تطلعات الشعوب عامة وشعوبنا العربية خاصة وحركة تحررها الوطني التي تسعى للنهوض بمشاريع اقتصادية وتكنولوجية وثقافية مستقلة بهدف الخروج من مآزقها السياسية والاقتصادية ورغم أن البعض أخضع اقتصاديات بلاده لمرحلة جديدة من القوانين الرأسمالية الحرة وعبر خلق فئات مرتبطة معها ومع مصالحها تجاه سياسة العرض والطلب والتنافس الرأسمالي الحر من خلال التكنولوجيا وعصر الكمبيوتر والأنترنت والسعي من أجل الحد من تدخل الدولة في الاقتصاد الوطني إضافة إلى طرح مشاريع الخصخصة التي هدفت ولا تزال إلى بيع القطاع العام وبيع جهد وعرق الملايين من الكادحين لصالح الخاص أو البنك أو البنك الدولي أو المؤسسات المالية، وتحرير التجارة الخارجية وتسهيل جميع أنواع الاستثمارات الداخلية- والخارجية المشجعة لقوانين التجارة الحرة واقتصاد السوق والتعاون مع الصهيونية ودولتها الاستعمارية كأمرٍ واقع أو مع الشركات الاحتكارية الكبرى، وتقوم تلك المشاريع أساساً على النقاط التالية:
*فرض سياسة شريعة الغاب (القوي يأكل الضعيف) وإقناع الدول بمشاريع ضخمة سياحية وزراعية وصناعية وخدماتية هدفها طمس جوهر التطور الاقتصادي الحقيقي، وتبرير التعاون، وحقيقة الصراع مع (إسرائيل) ومشاريعها الاستعمارية للسيطرة على مصادر المياه والنفط والمال والقرار لا بل وطرح مشاريع اقتصادية يكون لها النصيب الأكبر فيه.
*إغراق العقل العربي بأوهام السلام والمشاريع الوهمية الضخمة من خلال طرح شعارات براقة عن حقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية السياسية، والانفتاح، والتطبيع بهدف جوهري يحقق رغبة الاحتكارات العالمية، والصهيونية بإعادة إنتاج السيطرة على المنطقة بأساليب جديدة حتى وإن تم فيها استخدام الأساليب الاقتصادية والعلمية المستحدثة، وبخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وزيادة الهجرة اليهودية الروسية لإسرائيل[144].
*بحسب العقلية الصهيونية التي طرحها شمعون بيريز بالاعتماد على الاتحاد الأوروبي في إيجاد سوق الشرق أوسطي متعدد القوميات والأديان على غرار السوق الأوروبية المشتركة من خلال التسوية السلمية بين إسرائيل والدول العربية قائمة على أرضية مشروعات مشتركة تحولها الدول والشركات الكبرى إلى مشاريع ثنائية هدفها تطوير البنى التحتية الأساسية الاقتصادية والاجتماعية، وإنشاء مؤسسات تمويل وتنمية ومصارف وبنوك وتبادل معلومات مشتركة في المنطقة، ولعل مؤتمر "الدار البيضاء" 1994م كان يحقق جدول أعماله الاقتصادي طموحات مؤسسات عالمية وإقليمية لأغراض التنمية والتطوير الاقتصادي في المستقبل آخذين بعين الاعتبار إنشاء بنك للإنماء الاقتصادي ومجلس للسياحة الإقليمية وغرف للتجارة الشرق أوسطية ومجالس الإعمار والتنمية وتوليد الطاقة الكهربائية ومجالس لمشروعات صناعية وزراعية وتحويل المناطق المحتلة إلى مناطق استثمارية دولية دون إرجاعها إلى البلاد العربية التي تطالب بها على أساس من (مشروع مارشال) لدعم التفاهم الإسرائيلي –العربي حسب الرؤية الأميركية الصهيونية الهادفة بعد ذلك كله طمس حقيقة "إسرائيل" الإرهابية والتوسعية لجعلها دولة تشارك بالتنمية الاقتصادية كمركز إقليمي له الأهمية والأفضلية في المنطقة العربية والشرق الأوسط.
***
3
التطبيع كحلم صهيوني استعماري قديم:
بعد تلك البينات والمشاريع والخطط ومعرفة الجذر الحقيقي للمصالح الصهيونية في المنطقة العربية سنجد أن المردود السياسي –والاقتصادي الذي ستجنيه إسرائيل العنصرية من وراء التطبيع مع العرب أو في مشروع الشرق أوسطية يبدو حلماً كبيراً جداً، بالمقابل ما الفائدة الاقتصادية أو السياسية التي سيجنيها العرب أنفسهم من تلك المشاريع، التي ستؤثر فيما إذا نفذت إلى بلادهم وعقلياتهم ونفسياتهم وتاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم، لا شك سيكون التأثير سلبياً وليس إيجابياً، وبخاصة أن التطبيع حسب المفهوم الصهيوني يجب أن يسبق السلام وأن الدولة العنصرية الصهيونية من الناحيتين السياسية والاستراتيجية ستقوض النظام العربي برمته وليس الوجود الاقتصادي العربي فحسب على حساب استقرار ونمو مستقبل الأمن القومي العربي والأمن الاقتصادي العربي وتهديد لهما بل وسيجعل من التطبيع فرصة سانحة للاختراق الإسرائيلي لتفكيك النظام العربي أو جعله صهيونياً وضرب تطلعات الجماهير العربية بكل المقاييس لتطورها الاقتصادي والاجتماعي المستقل، وسنجد البعض يقوم بتطبيق الأساليب الصهيونية ضد المواطن العربي، وذلك بتطبيق بروتوكولات حكماء صهيون بأسلوب فاضح ومكشوف[145].
إذا ما دققنا قليلاً كيف عملت بعض الأنظمة العربية للدخول في متاهات التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل وفتحت بعض المشاريع التنموية مع التجار اليهود وفتح السفارات الإسرائيلية والمكاتب الاستثمارية والتجارية الصهيونية في بلادها طيلة السنوات الماضية التي ستجد فيها أن هذا النوع من المواقف العربية المهرولة باتجاه أنشوطة التطبيع الرخيصة يبدو فيها أن هذا النوع من المواقف العربية المهرولة باتجاه أنشوطة التنمية- الصهيونية مضللة تماماً، ويتبادر إلى الأذهان أن تلك المواقف عطلت الموقف العربي الجماعي من ناحية، وضربت في الصميم إمكانية محاصرة "إسرائيل" عربياً ودولياً ودبلوماسياً لإجبارها على تطبيق اتفاقيات مدريد للسلام أو الانسحاب من جنوب لبنان والجولان بل دعمت تلك المواقف الصهيونية التي لم ترغب قطعاً بالالتزام من طرفها بأي اتفاقية أن تصورات سلمية إلا من خلال فوهات المدافع والإرهاب والقتل الجماعي، لا بل كسبت تأييداً أمريكياً خاصاً جداً لتوسيع نطاق الضغط الأمريكي على دول خليجية وعربية لإبقاء السفارات الإسرائيلية مفتوحة في عواصمها بعد عملية (قانا) الإجرامية وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية م. أولبرايت عبرت بصراحة عن تلك المواقف بعد تسلمها وزارة الخارجية الأمريكية الأمر الذي تظهر فيه مقدار تأييدها لإسرائيل والصهيونية ضد العرب وقضاياهم العادلة.
وتظهر الولايات المتحدة محاولات الضغط على دول المنطقة لقبول إسرائيل كدولة اعتيادية بين دول المنطقة وعلى أساس من تأسيس جامعة الشرق الأوسط بدلاً من الجامعة العربية مثلها مثل أية دولة أخرى مثل تركيا وإيران وباكستان مع الفارق الكبير أن تلك الهوة موجودة تاريخياً جيلاً بعد جيل بينما "إسرائيل" دولة استعمارية استيطانية طارئة لإغفال الحقوق المشروعة، إغفال حقوق الشعب العربي الفلسطيني الأساسية وحقوق الشعوب العربية في المقاومة واسترجاع أراضيها وجعل الكيان الصهيوني كياناً يحظى بالرعاية الأمريكية الخاصة والشاملة ويقوض عملية السلام ومستقبل المنطقة برمتها.
لا تكتفي واشنطن بذلك بل وتسعى لفرض تصوراتها على العالم العربي وبخاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتمرير السلع والبضائع الصهيونية، وتعامل أفرادها وشركاتها وتوسيع نطاق نشاطها التجاري والصناعي والمصرفي دون اعتراض وهذا الأمر الذي يدعم سيناريو الأسواق العربية المفتوحة للأنشوطة الإسرائيلية التي تريد ابتلاع الأسواق العربية من أجل واقع إقليمي جديد لا تلتزم (إسرائيل) فيه بكل الاتفاقيات والعهود الدولية والإقليمية وباتفاقيات مدريد رغم أن الهاجس الصهيوني التاريخي كان ولا يزال أن تقبل وترتضي دول المنطقة بالأمر الواقع "أي بالدولة الصهيونية" ليس كأمر واقع فحسب بل وجعلها نسيج من شعوب ودول المنطقة وجلب مئات الآلاف من اليهود المهاجرين لخلق وقائع استيطانية جديدة منافية لكل الأعراف والقوانين والقيم الدولية وضرب قرار حق العودة للفلسطينيين(194).
الحلم الصهيوني الذي يحاول تجسيده رئيس الوزراء الإسرائيلي (نتن ياهو) أو ما يطرحه (شارون) بالوطن البديل في الأردن لإثارة الخلافات الأردنية- الفلسطينية في فرض السيطرة على الأراضي العربية واحتلالها بالقوة وتغيير معالمها التاريخية هي نفسها تعاليم (غولدامائير وبن غوريون وييغال ألون) التي تجد أن التفوق والقوة والإرهاب هي الأساس لديمومة الكيان الصهيوني وتطبيق الشعارات الاستعمارية، وزيادة عدد المهاجرين اليهود، أما الشخصيات الصهيونية منذ العقود الماضي حتى الآن تحاول فرض تصوراتها لعملية السلام من منظور القتل والتهويد والاستيطان وسعي حكومات "إسرائيل" بتهويد القدس وما حولها حيث أكد الشيخ عكرمة صبري مفتي القدس والديار الفلسطينية أنه لا يعتبر واشنطن راعية لمؤتمر السلام لأنها منحازة بصورة خطيرة وبشعة لإسرائيل وأكد على مخاطر تهويد القدس عربياً وإسلامياً وعالمياً[146]. والاعتداء على شعوب ودول المنطقة أما محاولات إدخال مشروعات صهيونية بما يسمى "المنطقة الحرة" أو ما يراه البنك الدولي "اقتصاداً نموذجياً" في منظمات إقليمية تبرز تلك السياسات لإسرائيل أن تكون متساوية الحقوق والواجبات أمام جميع دول المنطقة الأمر الذي ينفي عنها كونها كياناً استعمارياً واستيطانياً ويجعلها بالمقابل دولة لها وزنها الإقليمي.
***
الدكتور خليل البدوي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04 / 04 / 2011, 20 : 02 PM   رقم المشاركة : [9]
الدكتور خليل البدوي
دكتوراه آداب/دكتوراه طب/صحفي وفنان تشكيلي/مؤلف وكاتب ومحلل سياسي

 الصورة الرمزية الدكتور خليل البدوي
 





الدكتور خليل البدوي is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: جمهورية العراق

رد: الحلف الاستعماري وقضية فلسطين

4
مشروع شمعون بيريز طبيعته وأهدافه ونتائجه
قدم شمعون بيريز رئيس وزراء إسرائيل السابق في كتابه الشرق الأوسط الجديد الصادر عام 1993م خطط اقتصادية شكلها العام تنموي ولكنها تخفي في ظلالها أو من ورائها رؤية جديدة للتعامل مع المنطقة وإذا كان مشروعه من أهم المشاريع الاقتصادية السلمية المقدم من قبل (حزب العمل الإسرائيلي) من حيث الشمول والتفصيل إلا أنه لقي معارضة كبيرة من الجانب العربي رغم أنه مشروع بيريز عدله خبراء منذ مؤتمر مدريد ضمن الإطار التفاوضي متعدد الأطراف والذي هدف بالأساس إلى تحقيق التعاون بين إسرائيل والأطراف العربية على أساس مقابلة الأرض بالسلام حيث انبثق عنه العديد من اللجان عن المياه، والبيئة، والتنمية، والتسلح ومسألة اللاجئين وعلى أساسه تجري انسحابات- إسرائيلية من الجولان وجنوب لبنان والأراضي العربية المحتلة بعد عام 1967م ووفقاً للقرارات الدولية وإذا رجعنا قليلاً إلى الوراء فإن المفاوضات الثنائية هدفت إلى رفع المقاطعة العربية الاقتصادية عن إسرائيل من خلال الوهم الدعائي الذي بثه إعلام النظام الإمبريالي العالمي بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية حينما قامت بعض الدول العربية بالهرولة إلى أحضان إسرائيل عبر إقامة علاقات تجارية وسياحية ودبلوماسية والاعتراف المتبادل، ورغم أن بعض الدول العربية تجاوبت مع الضغوطات الأمريكية –الأوروبية- إلا أن (إسرائيل) وحزب العمل لم يترجما السياسة تلك على أرض الواقع إلا بمزيد من التسلط والإرهاب المفضوح وبطلب مزيد من الامتيازات المتنوعة.
يتضمن تصور بيريز[147] المشروعات الأمنية والمشروعات الاقتصادية وهدف تلك التصورات الإخلال بموازيين القوى السياسية والاقتصادية باعتبارها تمثل الدور الأبرز الذي يناط بإسرائيل القيام به لإيجاد فرصة تاريخية مؤاتية للانقضاض نهائياً على مقدرات المنطقة العربية ومصالحها وحدودها وطموحاتها من خلال الاختراق الاقتصادي والإرهاب النفسي، ومخططات إسرائيل وواشنطن تدعمها فئات أخرى تساعد النظام الاحتكاري العالمي –والرأسمال اليهودي على التغلغل أكثر فأكثر بالمنطقة تحت حجج (التنمية- والأمن) والهدف المتاجرة بالإنسان واعتباره سلعة رخيصة لكي يتفاقم المجتمع العربي ويحقق الأزمات للمواطن فيه، الذي يكتوي بنار الأكاذيب والأضاليل والحروب الاقتصادية والنفسية الخفية بمساندة المأجورين والكمبرادور العميل للاحتكارات والإمبريالية العالمية ومشاريعها.
أما في فترة إدارة الرئيس الأمريكي بل كلنتون أثر اللوبي الصهيوني بشكل ملحوظ وواضح على الإدارة الأمريكية وبخاصة في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية والعالم، ولعبت وزيرة الخارجية الأمريكية "مادلين أولبرايت" باعتبارها يهودية تشيكية، سياسة خلط الأوراق وكسب الزمن في العملية السلمية، ولم تتقدم تلك العملية خطوة واحدة منذ اتفاقية مدريد (1991)م، أو منذ اتفاقية أوسلو المشؤومة عام (1993)م، وشكلت السياسة الأمريكية الخارجية استمراراً لخداع وتضليل دول وشعوب المنطقة لصالح الكيان الصهيوني وحكامه، لا بل ضغطت أولبرايت عبر مبعوثها على الجانب الفلسطيني لكي يقدم مجموعة تنازلات خطيرة تؤثر على مصير الشعب الفلسطيني ومستقبله ورفض قرارات الشرعية الدولية (242-338) أو قرار الجمعية العامة (194) ببحث العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأراضيهم بعد تهجيرهم بالقوة وبالتآمر الدولي عام (1948م) في نكبة فلسطين أو في نكسة عام (1967م)، وتصرفات أولبرايت ووزير الدفاع الأميركي (وليم كوهين) أثرت بعمق على مصير السلام في المنطقة العربية وأدخلتها في سياق اللاسلم واللاحرب، فالمنطقة واقعة بين فكي كماشة المصالح المشتركة لهما.
إنما الحفاظ على الأماكن الدينية العربية المقدسة في القدس وقضية الشعب الفلسطيني شغلت دول المنطقة وشعوبها لعقود عديدة نتيجة للتواطؤ الأمريكي المستمر مع حكام إسرائيل منذ سياسة هنري كيسنجر وزبيغنو بريجنسكي حتى ساندي برغر مستشار الأمن القومي وأعيد صياغة كامب ديفيد رقم (2) بأقل مما كانت عليه كامب ديفيد أيام أنور السادات بعد خسارة حليف للقضايا العربية الاتحاد السوفييتي ومحاولة روسيا أيام بوتين الحالية من لعب دور ما، تجاه تلك القضايا وكان للراحل الرئيس حافظ الأسد الدور القومي البارز في إيقاف عمليات التطبيع الاقتصادي والثقافي الرخيصة بين بعض العرب وإسرائيل، واهتماماته القومية في تحفيز الدول العربية للتضامن العربي الأشمل وإحياء جبهة الصمود والتصدي، بعد كامب ديفيد الأولى وسعيه الحثيث لإعادة صياغة استراتيجية عربية تستبعد المخططات الأمريكية الموجهة للمنطقة لضرب المنطقة العربية مع الدول الإسلامية المجاورة كإيران وتركيا، برؤياه النافذة النابعة من صوت العقل[148].
وحاولت الدول العربية بكل إمكانياتها منذ عام (1948م) حتى الآن بإصدار أطنان من البيانات والاستنكارات الواسعة تدعو فيها العرب جميعاً إلى مقاطعة إسرائيل وبضائعها وكل ما يتعلق بها ويدعمها كجزء من نضال حركة التحرر العربية والدول العربية ضد الأنشطة الصهيونية- والإسرائيلية المهددة للأمن القومي العربي.
مع وجود ركائز قوية للأمن القومي العربي والمصير الواحد من خلال الركائز السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والمصادر الطبيعية والبشرية بمواجهة إسرائيل باعتبارها العدو الرئيسي لها.
لذلك اعتبرت الدول العربية السلام في المنطقة هدفها الاستراتيجي وطالبت راعيي مؤتمر مدريد (روسيا- والولايات المتحدة) بالضغط على حكام إسرائيل بضمان التزامهم بالعملية السلمية وفقاً لمرجعية مدريد والشرعية الدولية، وبما تعهدت به إسرائيل أساساً في مباحثات جنيف أيام المغدور (إسحق رابين) وبالأخص القضايا التي تم التوصل إليها في تلك المباحثات على أساس الانسحاب من الجولان لحدود الرابع من حزيران 1967م وتحركت الدول العربية من خلال اجتماعات القمم العربية، والأنشطة السياسية والدبلوماسية المشتركة والمتعددة للتنبيه إلى خطورة ممارسات حكام إسرائيل وتهديدهم المستمر لدول المنطقة خصوصاً لـ سوريا ولبنان، ودعت مراراً لاستئناف المباحثات السلمية على أسس واضحة وعلى جميع المسارات لتحقيق السلام العادل والشامل، وكان لمجلس جامعة الدول العربية العديد من الدورات العادية وغير العادية لمعالجة مشكلة التغلغل الإسرائيلي في البلدان العربية، وطالبت بقطع العلاقات مع إسرائيل وإيقاف خطوات التطبيع الاقتصادي والثقافي أو أي تعامل مع إسرائيل وإغلاق مكاتب وبعثات العلاقات معها حتى تنصاع لمرجعية مدريد وقرارات الشرعية الدولية.
إلا أن إدارة بل كلنتون سوغت مواقفها وسياساتها لمصلحة حكومة إسرائيلية تتنكر لحقوق العرب وتحاول فرض مصلحتها على الجميع متجاوزة القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ولعبت أولبرايت في مباحثات السلام دور المتفرج وساعي البريد وبررت لإسرائيل اعتداءاتها واستيطانها ولاذت بالصمت والانكفاء وتركت إسرائيل تنتهك عملية السلام وكل ما تم التوصل إليه بانحيازٍ صريحٍ وواضحٍ للسياسات العنصرية الصهيونية وكيف لا وهي عضوة نشطة في منظمة "إيباك" والنادي "الروتاري" اليهودي العالمي والمعروفة بدورها المنحاز كلية إلى حكومة باراك وسابقاً إلى حكومة نتن ياهو متجاهلة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تدهور عملية السلام وأسبابها الإيغال بالاستيطان اليهودي في الضفة والقطاع والجولان والتهجير القسري لسكان القدس والاعتقالات العشوائية والاغتيالات ومنع الشعب الفلسطيني من التعبير عن إرادته الوطنية في انتفاضة الأقصى 2000م واعتبرتها دورة عنف يقوم بها شباب فلسطينيون وتمسكت مع غيرها في الإدارة الأمريكية بـ أولويات أمن إسرائيل وتغليبها على مصلحة الشعب الفلسطيني والعربي وضربت عملية السلام واستحقاقها[149].
في 6/آب/ 1997م أكدت مادلين أولبرايت وبشيء معروف من المراوغة والتضليل من على منبر (نادي الصحافة القومي بواشنطن) والذي يسيطر عليه جماعات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة: "إنها ملتزمة بمرجعية مدريد وبقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن" وأكدت أنه لابد من تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؟، وطالبت إسرائيل بوقف الاستيطان بالضفة والقطاع لدفع عملية السلام إلى الأمام، وبعد ثلاث سنوات من تصريحاتها تلك لم تستطع أولبرايت من تبديد السلوكيات الإرهابية الإسرائيلية ووقفت تندد بالعنف ومساواة القاتل بالضحية عندما شنت قوات الاحتلال الصهيوني حملاتها الجوية والبحرية والبرية ضد الشعب والسلطة الفلسطينية في غزة ورام الله ونابلس والخليل من خلال انتفاضة الأقصى المجيدة، ودعمت محاولات من قبل ألمانيا وكندا وأستراليا لتقديم عروض سخية للدول العربية والسلطة الفلسطينية لتهجير أبناء الشعب الفلسطيني وتوطينهم في تلك الدول للانتهاء من قضية فلسطين ومع تجاوزهم الصريح والمتفق عليه لقرار 194 وجميع قرارات الشرعية الدولية.
وفي نهاية عام 2000م وبداية عام جديد ظهر جلياً في الانتخابات الرئاسية الأمريكية دور اللوبي ومجموعات الضغط اليهودية الصهيونية في الضغط والابتزاز على الشعب والحكومة الأمريكية حتى تم ترشيح آل غور نائب الرئيس الأمريكي السيناتور اليهودي المتطرف "جوزيف ليبرمان" نائباً له في المعركة الانتخابية.
يلاحظ هنا أن المجتمع الأمريكي لا يعاني من حالة استقطابات شديدة التباين الفكرية والأيديولوجية أو السياسية ولا تظهر نقاط الاختلاف بين الحزبين (الجمهوري- والديمقراطي) التي تكاد تكون ضئيلة جداً، فالقضايا الفكرية والطبقية غائبة تماماً عن الانتخابات الأميركية وإدارة الصراع يشكل هامشاً طفيفاً على المستوى القومي ولا يقترب البرنامج الانتخابي على مناقشة مستوى أداء وسلوك وأخلاقيات حكام الولايات المتحدة كنظام أو كفكر سياسي أو ما شابه بل تلعب عوامل عائلية واحتكارية، وظواهر الضغط الخفي المالي الملتصق بالمجتمع الأمريكي أشد الالتصاق[150] للهيمنة والسيطرة.
يتضح بأن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة لا ترتكز أساساً على ما تبنته في مؤتمر مدريد أو قرارات الشرعية الدولية، وتبتعد عن السياسة المحايدة بل تتعداها كثيراً إلى تأييد سياسة إرهاب الدولة المعتمدة من قبل باراك أو شارون والأحداث الأخيرة في فلسطين أكان ذلك في أراضي 1948م أو أراضي الضفة والقطاع 1967م مليئة بالنواحي الخطيرة الداعمة للكيان الصهيوني ففي الوقت نفسه الذي يعاني فيه جورج بوش (الأب) عن اعترافه وحكومته بالدولة الفلسطينية فإنه يصرح على التوالي ضد عملية السلام ومصلحة الشعب الفلسطيني فيدعم أرئيل شارون بممارساته الفاشية والإرهابية ويضيء له الضوء الأخضر، ولا يندد مطلقاً بأعمال الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني وبنيانه التحتي والفوقي إذ ترتكز سياسته على:
أولاً: علاقاته في المنطقة المذرية تشجع على (حرب الإرهاب والإبادة الصهيونية) ضد المدنيين، وتعتبر حرب شارون ضد شعبنا حرباً تستخدم فيها الطائرات الدبابات والصواريخ لنسف البيوت والأحياء والاغتيالات بينما يعتقد الرئيس الأمريكي أن الذي يواجه آلة الحرب الصهيونية بالحجارة أو بالعمليات الاستشهادية هو إرهاباً، ومحاولات طرد الاحتلال من الأراضي الفلسطينية المحتلة عمل لا يدخل في نطاق المقاومة الوطنية، إذ أثبتت الأيام الماضية أن الرئيس الأمريكي بوش أسوأ بكثير من كلنتون ومادلين أولبرايت فعلاً.
ثانياً: سياسة الولايات المتحدة فوضوية (Anarchisme) وتشجيع على الحرب والفوضى وهي بهذا الاتجاه لا يمكنها أن تكون راعياً نزيهاً لعملية السلام، وتوجب تدخل قوات دولية لحماية الشعب الفلسطيني من الهمجية والبربرية الإسرائيلية ويظهر فعلياً أن سياسة الولايات المتحدة لجورج بوش يقودها اللوبي الصهيوني ويؤثر بشدة على إدارة البيت الأبيض وعلى سجل التوجهات السياسية الدولية إزاء شعب فلسطين أو شعوب المنطقة، وبهذا الشكل فإنه لا يمكن إلا النظر لمقدار الضغط الصهيوني الصريح على الحكومة الأميركية وبالأخص الجناح العسكري والجنرالات فيها التي تدعم مصالح شارون "وحكومته" على حساب قضايا العرب عموماً ومستقبل عملية السلام برمتها خصوصاً.
الباب السابع
مشاريع التسوية بعد مدريد وأوسلو
((حكومتي نتنياهو وباراك مع الحرب ضد السلام))
1
منطقة الشرق الأوسط في أعقاب حكومة نتنياهو المتطرفة:
تصاعدت في المنطقة اللهجة المتطرفة لحكومة الليكود بزعامة بنيامن نتن ياهو التي أدت في حينها إلى توتير الأجواء العسكرية، بعد توتير الأجواء السياسية وبعد سلسلة مواقف وتصريحات من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي لا تشجع أبداً على المباشرة في عملية السلام على قاعدة الشروط الإسرائيلية الجديدة التي رفضتها سوريا، ومنظمة التحرير، وجمهورية مصر، واستفزت الرأي العام العربي والعالمي الرسمي والشعبي، عند البحث في قضية خطيرة على مستوى من المسؤولية لأبعاد تطور المواقف المفاجئة في الشرق الأوسط على أثر صعود نتن ياهو إلى سدة رئاسة الحكومة الإسرائيلية فإنه توجب عادة رصد المواقف وتحليلها، وتوخي الدقة فيها لاعتبارات أمنية واستراتيجية خطيرة تؤثر على الأمن القومي العربي بالدرجة الأولى وتحليل المعطيات الأساسية للمرحلة بالدرجة الثانية، واستشعرت الإدارة الأمريكية نفسها خطورة نتن ياهو بعد تهديداته بإحراق واشنطن، وهي لهجة إرهابية ضاغطة على كلينتون وحكومته.
لذا لابد من التطرق إلى بعض الأفكار التي قدمت بقالب أو بآخر وتحليلها والاستنتاج من خلالها بما تهدفه كل تلك التصريحات والمواقف الإسرائيلية لتسميم أجواء المنطقة ودفعها إلى فوهة حرب جديدة لا تحمد عواقبها بعد النتيجة المغلقة التي وصلت إليها حكومة العدو وأغلقت كل الأبواب أمام الحلول السلمية المتوقعة بعد مدريد 1991م كمرجعية أساسية من أجل الأرض مقابل السلام كما طُرح شعار لضمان الأمن واستقرار الدول وشعوب المنطقة:
أولاً-ضرورة نزع السلاح الشامل وبالأخص النووي منه:
كل التقديرات الاستراتيجية العالمية والعربية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المنطقة باتت تشكل حالة مهمة في الاهتمامات المختلفة السياسية والأمنية والاقتصادية على السواء، نتيجة تفاعلات تاريخية وطبيعية ومصلحية جعلتها تمتاز بالعديد من النواحي أهمها:
*أولاً: أنها تشكل بؤرة خطيرة لعمليات استيراد السلاح وارتفاع معدلاتها في مختلف النواحي الأمنية والعسكرية، وتراكم الأسلحة فيها قد يعرضها على المدى البعد إلى انفجار الصراعات المسلحة بين دولها، وبخاصة انتشار الأسلحة النووية، والجرثومية، والكيميائية، التي تعتبر من أخطر عوامل نشوب الحرب فيها وتفجير عوامل الاستقرار والأمن.
*ثانياً: تعتبر الأسلحة النووية التي بحوزة إسرائيل الآن من أخطر أنواع أسلحة التدمير الميداني على الإطلاق وبسبب عدم وجوب قيود دولية تمنع استخدامها من جهة وعدم وجود منطقة عازلة فإن إسرائيل تتمتع بميزة خطيرة للتفوق على الدول العربية الأمر الذي يخل بموازين القوى لصالح إسرائيل على المدى البعيد، وتقف الدول الأعضاء في النادي النووي مكتوفة الأيدي إزاء هذا الوضع، ولم تنجح جامعة الدول العربية بعد في تسليط الأضواء على خطورة السلاح النووي الإسرائيلي أكان على صعيد رسمي أو شعبي بالشكل العملي المناسب واتخاذ خطوات عملية تجاهها حتى الآن.
*ثالثاً: لأن منطقة الشرق الأوسط تتمتع بمزايا استراتيجية لدى الولايات المتحدة بالدرجة الأولى والدول الكبرى الأخرى بالدرجة الثانية فهي ترتبط بالقضايا المصيرية الحيوية للأمن القومي، والاقتصاد العالمي، ولتدفق المواد الحيوية إليها، (النفط- الاستثمارات-التجارة العالمية طرق المواصلات)، فإن أي تفجيرات أمنية وتفاعلات من هذا القبيل تؤثر بشدة على المصالح الجوهرية للدول الكبرى وما حصل منذ الحرب الإيرانية العراقية الأولى من أحداث، وبالتالي ما حدث في الحرب العراقية- الكويتية، والتدخلات الأجنبية في الخليج، والحصار الذي تعرض له العراق حتى الآن، وتحجيم دوره السياسي والعسكري في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وزيادة عمليات التسليح في الخليج، والتغطية على التسلح العسكري الإسرائيلي وترسانتها النووية لها دلالات استراتيجية عميقة تمس الأمن القومي العربي المباشر وغير المباشر[151].
في عام 1974م قدمت كل من إيران وجمهورية مصر تصورات هامة رئيسة لإنشاء منطقة معزولة وخالية من الأسلحة النووية وذلك إلى الجمعية العمومية لهيئة الأمم بدورتها (التاسعة والعشرين) تركزت على ثلاث نقاط:
أ-يوضع تصور دولي ونظام فعال لإجراء رقابة وتفتيش ومسح لدول المنطقة بما فيها (إسرائيل) والتأكد من استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية فقط.
ب-أن تتوقف الدول المنضوية في النادي النووي عن إرسال أسلحة نووية أو شحنات مماثلة إلى دول المنطقة وأن تتعهد دولياً بذلك.
ج-أن تمتنع جميع دول المنطقة ضمن معاهدة رسمية عن إنتاج أو حيازة أسلحة الدمار الشامل وبالأخص النووية منها، فمن الواضح أن الدول العربية معرضة قبل غيرها لهجوم معاكس من قبل إسرائيل أو هجوم مباغت بالأسلحة النووية قد يهدد المدن والعمق العربي في حال تعرض إسرائيل لحالة انكسار شديدة على أرض المعركة التقليدية أو انهزامها سياسياً، حيث لا تزال الدول العربية المجاورة لإسرائيل تحتفظ لنفسها بتصورات معلنة وأكيدة أنها لن تدخل في سباق تسلح نووي ولن تدخل إلى أراضها أي نوع من السلاح النووي، ففي عام 1993م كان هنالك موقف عربي رسمي بعدم معاهدة على الأسلحة الكيميائية، إذ لم توقع (إسرائيل) على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في نيسان 1995م وكان هنالك موقف عربي رسمي أيضاً بعدم التمديد لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية من طرفهم، ورغم أن العديد من الدول العربية تؤكد أنها لا تمتلك الأسلحة النووية أو الكيميائية إلا أن هنالك صيغاً تمس الأمن القومي العربي وتحثه على امتلاك العناصر التكنولوجية العسكرية الكفيلة بحماية الأراضي العربية من أجل اتباع أساليب ضاغطة على إسرائيل لتحقيق الأهداف الاستراتيجية العربية الأساسية التي تكمن في إيجاد فرص السلام العادل والشامل في المنطقة.
ثانياً-قيادة الجيش الإسرائيلي: خلافات وتسريب معلومات:
في الوقت الذي يحث المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة الخطي للقضاء النهائي على ترسانة الأسلحة العراقية الكيميائية بعد حصار شامل عليها، وبعد التلميحات الإسرائيلية عن وجود أسلحة كيميائية في مصر وسوريا وإيران وبعد تحطيم قدرة العراق، تحرص "إسرائيل" على استثمار المؤسسات الدولية وهيئة الأمم وهيئة الطاقة النووية الدولية لصالحها، فرغم حقيقة وجود ترسانة نووية فيها إلا أن المجتمع الدولي لا يحرك ساكناً إزاءها كما حركة ضد العراق على سبيل المثال.
لقد ذكرت إحدى الصحف العربية الرسمية ومن مصادر دبلوماسية روسية رفيعة المستوى في الأمم المتحدة أنه تم كشف النقاب عن أن الحكومة الإسرائيلية بدأت منذ شهر أيلول الماضي، ونزولاً عند إلحاح العلماء المشرفين على مفاعل (ديمونا) النووي في صحراء النقب وإلحاح إضافي من قيادة الجيش الإسرائيلي بتسريب معلومات لأول مرة عن حدوث تسربات نووية في إسرائيل، والتي ستؤثر على شعوب المنطقة، مؤكداً المصدر نفسه أن(15) عاملاً فنياً من العاملين في مفاعل ديمونا- ماتوا، نتيجة لتسربات خطيرة بالإشعاعات النووية منذ عام 1988م، وحسب المعطيات المتوفرة من المصدر أن إسرائيل تحاول بطريقة غير مباشرة، استمرارها نفي حصولها على السلاح النووي رسمياً، لتحذر العالم العربي من جديد بتقادم مفاعلها النووي في ديمونا الذي يعود بناؤه إلى ما قبل 36 عاماً، من أجل تجديده أو استبداله أو تطويره بطريقة أكثر فعالية لأنه بات يشكل خطراً فعلياً، ومميتاً على سكانها وسكان المنطقة العربية المحيطة بها أيضاً.
كذلك حمل مندوب فلسطين في جامعة الدول العربية بالقاهرة على امتلاك إسرائيل للسلاح النووي من خلال تسرب (تقرير سري) من المعهد النووي العلمي الإسرائيلي المقام في (نحال سوريك) والذي يعتقد بأن التقرير تم تسريبه بإشارة من رئيس الوزراء نفسه أو من قيادة الجيش، للإشارة إلى تسربات نووية خطيرة في صحراء النقب حيث أكد تقرير آخر الصادر عن المعهد العبري الذي نشرته وكالة "كونتاكت ميدل أيست" وتناقلته عنها وسائل إعلام غربية محددة، قائلة: "إن ذلك التسرب الجديد، يؤثر بطريقة خطيرة على طبيعة نمو الحياة في المنطقة ويشمل النباتات والإنسان، والحيوانات، والبيئة، والمياه "وكما هو واضح أن الخطر بالتسرب النووي لا يؤثر على السكان المستوطنين فحسب بل وعلى سوريا والأردن ولبنان والمملكة العربية السعودية ومناطق الحكم الذاتي ولتسريب هذه المعلومات أهداف تكتيكية فيما يبدو!
لكن بات من الواضح أن تسريب المعلومات تارة من مفاعل ديمونا وتارة أخرى من الخلافات في أجهزة الاستخبارات يعبر بشكل ما عن واقع الاضطراب الذي تعيشه القيادة العسكرية بسبب اعتماد نتن ياهو على مستشارين جاؤوا من الولايات المتحدة الأمريكية ولا يعرفون طبيعة المنطقة، لذلك فإن ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العسكرية المسمى (AMAN أمان) وأمام التوترات الحاصلة أكدوا أن هنالك تسربات للأدمغة من أجهزة الأمن إلى جهاز الأمن الخارجي المعروف باسم (MOSSAD موساد) وذكرت الخبر وأكدته صحيفة (يديعوت أحرنوت) أن تلك الأجهزة تخوض منافسة حادة فيما بينها تسيء على حد زعمها للتعاون الاستخباراتي فيما بينها، ومن الممكن أن تكون لعملية تسريب المعلومات نتيجة منطقية للخلافات الحاصلة، وأمام اللجنة الفرعية للإنفاق العام كشف ضابط مسؤول أن (الموساد) تنتزع خيرة الضباط من الأجهزة الأخرى بفرض شروط مغرية جداً عليهم للعمل في صفوفها.
وعرض الضابط في اللجنة البرلمانية "أن أجهزة الأمن لا تتبادل المعلومات فيما بينها، وبخاصة في المرحلة الحالية التي تتواجد فيها القوات الإسرائيلية على الحدود مع سوريا ولبنان"، مؤكداً أن كل جهاز يحاول الاحتفاظ لنفسه بالمعلومات الهامة التي يتوصل إليها على حساب التعاون المفترض، ومن الممكن جداً أن تكون تلك الخلافات صحيحة، لكنها في الأغلب تكون لذر الرماد في العيون بهدف تضليل العرب وأجهزتهم الاستخبارية، لكن من الممكن أن يكون مجيء نتن ياهو إلى ممارسة أساليبه الفردية قد أثر بقوة على مستوى أداء عمل الضباط الكبار في قيادة أركان الجيش والأجهزة الأخرى، حيث نقلت الصحيفة نفسها عن مسؤول آخر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تولى ملف المشكلة شخصياً وسيعمل على حلها بطريقته الخاصة به، وبعقليته المتطرفة وقرر تشكيل (لجنة مصغرة) لتدارس ذلك ولمكافحة ما أسموه الإرهاب، وتحشيد القوات الإسرائيلية على طول الحدود السورية لأهداف تحقق سياسة الليكود.
الأمر الذي يدفع الولايات المتحدة بأن ترعى التصورات الإسرائيلية وتدعمها وبالأخص تلك الصادرة عن قمة شرم الشيخ فإن دبلوماسي رفيع المستوى من الطرف الإسرائيلي اجتمع على غداء عمل مع مساعد وزير الخارجية الأمريكي (بيتر تارنوف) للبحث في عدد من القضايا السياسية والأمنية، ذات الاهتمام المشترك، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيكولاس بيرنز للصحفيين: (أن اجتماع تارنوف مع "إيتان بن سور" يأتي بعد يومين من مباحثات أجراها الفريق الثاني المشكل من المتخصصين الأمريكيين –والإسرائيليين في واشنطن لدراسة المسائل الأمنية المتعلقة بالمنطقة وبالقضايا الأمنية المشتركة).
أما بيرنز أكد من طرفه: "أن الولايات المتحدة ملتزمة باتفاقيات قمة شرم الشيخ بشأن مكافحة الإرهاب" معرباً عن رغبة الولايات المتحدة الدائمة في التعاون مع إسرائيل أمنياً وعسكرياً لتطوير عملها العسكري الأمني بهدف مكافحة الإرهاب، ملمحاً إلى أهمية التعاون مع السلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية في هذا السبيل للقضاء على ما أسماه الإرهاب، ولكن على ما يبدو أن حجم الهوة تزداد بين إسرائيل وبين مصر والسلطة الفلسطينية والدول العربية برمتها ومن جهة أخرى بعد قطع دولة قطر للعلاقات مع إسرائيل حتى تتم عملية السلام، ففي الوقت الذي تمارس (إسرائيل) سياسة الإرهاب الرسمي ضد الشعب الفلسطيني تدعي بأنها تحارب الإرهاب معتبرة نضال الشعب الفلسطيني في سبيل حقوقه إرهاباً في الوقت الذي تصادر فيه الأراضي الزراعية وتحولها إلى مستوطنات أو شبكات لطرق إسرائيلية وتستخدم سياسة الإبادة الجماعية، مما يفضح سياستها التوسعية والإرهابية المعادية للسلام في المنطقة والعالم.
ثالثاً-تكنولوجيا الفضاء تفضح إسرائيل:
استمرت وتيرة التصعيد العسكرية والسياسي الإسرائيلية ضد سوريا والدول العربية في عهد نتن ياهو، وأعلن عن الاستمرار في سياسة الاستيطان في الجولان والضفة، وأكدت سوريا على لسان وزير خارجيتها السيد فاروق الشرع: "أن إسرائيل تتعمد تقويض عملية السلام بإعلانها عن بناء (900) وحدة سكنية للمهاجرين اليهود الجدد في المرتفعات السورية المحتلة، وأن استقدام عشرات الآلاف من الإسرائيليين وتوطينهم في الجولان تكشف "حقيقة بالغة الخطورة"، وتتجسد تلك الحقيقة بأن حكومة نتن ياهو تتعمد توتير الأوضاع السياسية في المنطقة ووأد عملية السلام والتلويح لأجواء الحرب والتحضير لها، الأمر الذي حدا بوزير خارجية المملكة العربية السعودية سعود الفيصل إلى التأكيد على أن المواقف الإسرائيلية من عملية السلام في الشرق الأوسط تهدد المنطقة برمتها بأزمة خطيرة أو باندلاع حرب شاملة.
من جهة أساسية وملفتة للانتباه وبشيء من الاستعراض العسكري قال الجنرال (إيتان بن الياهو) قائد سلاح الجو الإسرائيلي: "إن الطيران الإسرائيلي قادر على مواجهة أسلحة الجو العربية" وأمام حشد واسع من اليهود وبحضور عيزرا وايزمن رئيس الدولة الصهيوني أكد على:
"أن الطيران الحربي الإسرائيلي مستعد لتغيير الأوضاع السائدة في المنطقة" ملمحاً إلى أن إسرائيل يمكنها أن تقوض عملية السلام برمتها، وإن دل هذا التصريح على شيء فإنه يدلل على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحث الأجهزة العسكرية وأطرافها للاستعداد للحرب والإرهاب، واستصدار تصريحات من هذا القبيل لضرب عملية السلام برمتها، فإن تلك الحكومة ستدفع بالمنطقة بكاملها إلى هاوية العنف والدمار والحرب، كذلك كشف كاتب أمريكي متخصص في الشؤون العسكرية أن أقمار التجسس الصناعية الفضائية الروسية كشفت بما لا يدع مجالاً للشك عن وجود أكثر من مائتي سلاح نووي إسرائيلي منصوبة في ثمانية مواقع من بينها مواقع قرب الحدود السورية- اللبنانية وهي صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، ومتوضعة في طائرات جاهزة للانطلاق باستمرار من المطارات الحربية الإسرائيلية.
ذكر ذلك (هارولد هوج) الكاتب في مجلة "زجيتر" الدفاعية البريطانية أن الصور الفضائية التي التقطتها أقمار التجسس لدول كبرى مثل روسيا وأميركا تميزت بالدقة المتناهية لدرجة أن الأجهزة الحديثة فيها اخترقت المواقع الإسرائيلية الحصينة وتتبعت آثار الترسانة النووية الإسرائيلية من مراكزها حتى مواقع انتشارها في منطقة الجليل الأعلى على الحدود مع سوريا ولبنان، وأن المفاعل الذي يزود تلك الترسانة هو مفاعل ديمونا الذي ينتج المواد النووية مثل مادة (البلوتونيوم) المستخدمة في القنابل النووية، ويقع المفاعل في صحراء النقب بينما يقع مركز التصاميم والتجارب في منطقة (نحال سوريك) الساحلية الذي يتشابه مع مركز التجارب النووية الأمريكي في لوس الاموس بالولايات المتحدة.
من تلك الصواريخ التي يجري تجميعها في أماكن متعددة صاروخ (أرو) و (حيتس) ونوع جديد من بريدرج رقم (2) ويجري تخزين القنابل النووية في منطقة تدعى إيلاين القريبة من الحدود مع سوريا، وأن مراكز إطلاق الصواريخ من القاعدة المركزية المخصصة لذلك في منطقة (كفر زكريا) بالضفة الغربية وعلى مرتفعاتها وكهوفها وهي منطقة مناسبة تماماً للأغراض العسكرية التي يبنى فيها مخابئ لتلك الصواريخ في عمق الجبال، باعتبار أن رئيس الوزراء (ب.ب) الإسرائيلي عمل في الفترة الأخيرة من حكمه إلى السيطرة على أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية والداخلية والعسكرية وجعل نفسه منسقاً عاماً لمختلف عملياتها، فإن الخوف يتركزها هنا من أنه قبض على مفاتيح عملها ونشاطها واتخاذ القرارات فيها كمهمة إضافية له، وبما يتوافق مع نشاطاته السياسية الجديدة ذات الطابع الهجومي والتي عبر عنها (هنري كيسنجر) بأنها مرحلة إعادة التوازن للأمن الإسرائيلي على أساس إعادة الشرعية التفاوضية لياسر عرفات وسوريا ولبنان من خلالها، وليس ذلك فحسب بل واعتبر مصلحة إسرائيل هي العليا، وأن أمنها هو أساس عملية السلام دون الأخذ بعين الاعتبار أنه لا وجود للأمن دون سلام، معللاً نتن ياهو هذه التصرفات الجديدة على أنه يحق "لقوات الجيش الإسرائيلي" التمتع بحرية العمليات والنشاط العسكري في الضفة والقطاع وجنوب لبنان والجولان، ويظهر هذا الأسلوب المخادع والمراوغ في التعامل مع المعطيات الجديدة التي حاولت تجسيدها عملية السلام القائمة على أساس الأرض مقابل السلام، دون أن يلتزم بالقرارات الدولية أو بما توصلت إليه حكومات إسحق رابين أو شمعون بيريز، وهو بهذه الصورة يحاول تغيير أوراق عملية السلام وآفاق مسألة الشرق الأوسط بعقليته التي يستمد منها دفع المنطقة إلى حافة الهاوية والحرب، ويعتقد هنا أنه يطبق سياسة جديدة مستندة على آراء اللوبي الأميركي، الذي يعتبره الصهاينة العصب المحرك لسياسة "إسرائيل" من الناحية الجوهرية ودعم اللوبي الصهيوني في كل ما يتصوره نتن ياهو مجدداً.
كذلك ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن الجيش الإسرائيلي أنفق نحو 300 مليون دولار خلال ثلاثة أشهر لتكديس الأسلحة والذخائر استعداداً للحرب المحتملة مع سوريا، تمت هذه التحركات تحت السرية التامة، التي أشار إليها الجنرال احتياط (إسرائيل تال) المستشار في وزارة الدفاع وأحد كبار واضعي الاستراتيجيات الإسرائيلية مؤكداً أنه على إسرائيل أن تحافظ على الكتمان الشديد، وقال (تال) في خلال ندوة أقيمت عن حرب 1967م: "إن عنصر المفاجأة سيكون حاسماً في حرب محتملة مع سوريا".
رابعاً- حول دراسة أعدها مستشار نتنياهو دوري جولد:
اعتبر دوري جولد مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي أن مصر ستسعى لبناء نظام أمن عربي جديد يعمل على محاور جديدة لإعادة التوازن العسكري مع إسرائيل وقوتها العسكرية وفقاً لاستقراءاته واستنتاجاته كمستشار معتمد عليه، والتقرير الذي أعده جولد جاء بعنوان "إسرائيل والخليج العربي أطر أمنية جديدة في الشرق الأوسط" صادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى المعروف بصلاته القوية مع إسرائيل مؤكداً في التقرير أن كل من مصر وسوريا يسعيان لإحياء ترتيبات دفاعية عربية مشتركة للقضاء على أية قدرات عسكرية إسرائيلية غير تقليدية من خلال مبادراتهما بخلق تحالف عسكري فيما بينهما بالدرجة الأولى تدعمه السعودية ودول الخليج وبالتالي السعي لإيجاد مناطق خالية من أسلحة الدمار الشامل.
زعم دوري جولد في التقرير أن هدف مصر الرئيسي من هذه العملية إقامة (نظام أمني عربي خالص) يستهدف إبقاء مصر القوة العسكرية والسياسية المؤثرة على العالم العربي، والتخلص من احتمالات أن تدخل إسرائيل –وتركيا في حلف أمني مهيمن في إطار نظام أمن إقليمي ضد دول المنطقة مدعومة من حلف الشمال الأطلسي والبنتاغون.
أشار التقرير إلى أن ضرورة قيام إسرائيل بفك الارتباط بين إتمام عملية السلام الشاملة في المنطقة وبين البدء في التحضيرات الأكيدة لإقامة ترتيبات أمنية إقليمية تخدم بالأساس أمن ومصالح إسرائيل وتصوراتها حول أمن الخليج والأردن والمنطقة، وجاءت الدعوة الأخيرة من قبل بعض الدول الأوروبية، ودعمها الأردن للتأكيد على ما يرمي إليه دوري جولد حول ضرورة (إقامة منظمة أمنية إقليمية) على غرار (منظمة التعاون الأوروبية) على أن لا تمانع الدول العربية بالتالي من انضمام "إسرائيل" إلى هذه المنظمة التي أعلنت عنها الدول الأوروبية دون شروط مسبقة لإتمام عمليات السلام في المنطقة، وتجيء هذه التصورات استكمالاً لتصورات شمعون بيريز في السوق الشرق أوسطية وتدعيماً لها.
لكن تعتبر هذه الدراسة التي قدمها مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي من أهم المؤشرات الجوهرية على صياغة أفكار إرهابية خطيرة من قبل الحكومة الإسرائيلية وسعيها لإقامة ترتيبات إقليمية مدعومة بمواقف أوروبية بما فيها من تصورات خطيرة وجديدة تفوق في الكثير من الأحيان دور ونفوذ وزير الخارجية الإسرائيلي (ديفيد ليفي) نفسه في صنع القرار السياسي داخل مطبخ نتن ياهو، حيث يعتمد التصور الإسرائيلي للأمن في المنطقة على ما تراه تهديداً مشتركاً ليس لها وحدها فحسب، بل ولدول الخليج والتواجد (البريطاني- والأمريكي) فيها من جانب إيران والعراق وسوريا، وتستهدف وضع سياسات استراتيجية بمساندة الولايات المتحدة الأمريكية والحلف الأطلسي[152] تكون بديلاً عن سياسة "الاحتواء المزدوجة" التي تتبعها واشنطن ضد العراق وإيران، ووفقاً لتصورات مارتين انديك السفير الأمريكي في إسرائيل "ورئيس معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" قبل تعيينه سفيراً في إسرائيل الذي يساند تلك التصورات الجديدة التي يدعمها دوري جولد، وهذا الأخير يعتبر التحديات القادمة ستتبلور بعد رفع العقوبات الدولية عن العراق واستعادته لتوازنه إضافة إلى سياسة الأردن المستقبلية (كدولة عازلة) عن بقية الدول العربية، وتأمين إسرائيل بعلاقات ودية من خلالها لدول الخليج في السلم والحرب وبخاصة مع قطر وسلطنة عمان، حيث تتجسد مصالح إسرائيل في منطقة الخليج، وهي تسعى مع الولايات المتحدة لإثارة شكوك عرب الخليج حول دور إيران والعراق على السواء في محاولاتهما اتخاذهما دوراً مستقلاً وفاعلاً في المنطقة العربية.
تزعم الدراسة أيضاً أن بغداد تحاول إقامة حوار مع إسرائيل لتحسين صورتها في الولايات المتحدة تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على العراق، وأن جولد مستشار نتن ياهو يزمع القيام بمبادرة منفردة مع العراق لإجبار سوريا على تقديم تنازلات غير متوقعة في مفاوضات السلام[153].
***
الدكتور خليل البدوي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04 / 04 / 2011, 21 : 02 PM   رقم المشاركة : [10]
الدكتور خليل البدوي
دكتوراه آداب/دكتوراه طب/صحفي وفنان تشكيلي/مؤلف وكاتب ومحلل سياسي

 الصورة الرمزية الدكتور خليل البدوي
 





الدكتور خليل البدوي is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: جمهورية العراق

رد: الحلف الاستعماري وقضية فلسطين

4
مشروع شمعون بيريز طبيعته وأهدافه ونتائجه
قدم شمعون بيريز رئيس وزراء إسرائيل السابق في كتابه الشرق الأوسط الجديد الصادر عام 1993م خطط اقتصادية شكلها العام تنموي ولكنها تخفي في ظلالها أو من ورائها رؤية جديدة للتعامل مع المنطقة وإذا كان مشروعه من أهم المشاريع الاقتصادية السلمية المقدم من قبل (حزب العمل الإسرائيلي) من حيث الشمول والتفصيل إلا أنه لقي معارضة كبيرة من الجانب العربي رغم أنه مشروع بيريز عدله خبراء منذ مؤتمر مدريد ضمن الإطار التفاوضي متعدد الأطراف والذي هدف بالأساس إلى تحقيق التعاون بين إسرائيل والأطراف العربية على أساس مقابلة الأرض بالسلام حيث انبثق عنه العديد من اللجان عن المياه، والبيئة، والتنمية، والتسلح ومسألة اللاجئين وعلى أساسه تجري انسحابات- إسرائيلية من الجولان وجنوب لبنان والأراضي العربية المحتلة بعد عام 1967م ووفقاً للقرارات الدولية وإذا رجعنا قليلاً إلى الوراء فإن المفاوضات الثنائية هدفت إلى رفع المقاطعة العربية الاقتصادية عن إسرائيل من خلال الوهم الدعائي الذي بثه إعلام النظام الإمبريالي العالمي بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية حينما قامت بعض الدول العربية بالهرولة إلى أحضان إسرائيل عبر إقامة علاقات تجارية وسياحية ودبلوماسية والاعتراف المتبادل، ورغم أن بعض الدول العربية تجاوبت مع الضغوطات الأمريكية –الأوروبية- إلا أن (إسرائيل) وحزب العمل لم يترجما السياسة تلك على أرض الواقع إلا بمزيد من التسلط والإرهاب المفضوح وبطلب مزيد من الامتيازات المتنوعة.
يتضمن تصور بيريز[147] المشروعات الأمنية والمشروعات الاقتصادية وهدف تلك التصورات الإخلال بموازيين القوى السياسية والاقتصادية باعتبارها تمثل الدور الأبرز الذي يناط بإسرائيل القيام به لإيجاد فرصة تاريخية مؤاتية للانقضاض نهائياً على مقدرات المنطقة العربية ومصالحها وحدودها وطموحاتها من خلال الاختراق الاقتصادي والإرهاب النفسي، ومخططات إسرائيل وواشنطن تدعمها فئات أخرى تساعد النظام الاحتكاري العالمي –والرأسمال اليهودي على التغلغل أكثر فأكثر بالمنطقة تحت حجج (التنمية- والأمن) والهدف المتاجرة بالإنسان واعتباره سلعة رخيصة لكي يتفاقم المجتمع العربي ويحقق الأزمات للمواطن فيه، الذي يكتوي بنار الأكاذيب والأضاليل والحروب الاقتصادية والنفسية الخفية بمساندة المأجورين والكمبرادور العميل للاحتكارات والإمبريالية العالمية ومشاريعها.
أما في فترة إدارة الرئيس الأمريكي بل كلنتون أثر اللوبي الصهيوني بشكل ملحوظ وواضح على الإدارة الأمريكية وبخاصة في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية والعالم، ولعبت وزيرة الخارجية الأمريكية "مادلين أولبرايت" باعتبارها يهودية تشيكية، سياسة خلط الأوراق وكسب الزمن في العملية السلمية، ولم تتقدم تلك العملية خطوة واحدة منذ اتفاقية مدريد (1991)م، أو منذ اتفاقية أوسلو المشؤومة عام (1993)م، وشكلت السياسة الأمريكية الخارجية استمراراً لخداع وتضليل دول وشعوب المنطقة لصالح الكيان الصهيوني وحكامه، لا بل ضغطت أولبرايت عبر مبعوثها على الجانب الفلسطيني لكي يقدم مجموعة تنازلات خطيرة تؤثر على مصير الشعب الفلسطيني ومستقبله ورفض قرارات الشرعية الدولية (242-338) أو قرار الجمعية العامة (194) ببحث العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأراضيهم بعد تهجيرهم بالقوة وبالتآمر الدولي عام (1948م) في نكبة فلسطين أو في نكسة عام (1967م)، وتصرفات أولبرايت ووزير الدفاع الأميركي (وليم كوهين) أثرت بعمق على مصير السلام في المنطقة العربية وأدخلتها في سياق اللاسلم واللاحرب، فالمنطقة واقعة بين فكي كماشة المصالح المشتركة لهما.
إنما الحفاظ على الأماكن الدينية العربية المقدسة في القدس وقضية الشعب الفلسطيني شغلت دول المنطقة وشعوبها لعقود عديدة نتيجة للتواطؤ الأمريكي المستمر مع حكام إسرائيل منذ سياسة هنري كيسنجر وزبيغنو بريجنسكي حتى ساندي برغر مستشار الأمن القومي وأعيد صياغة كامب ديفيد رقم (2) بأقل مما كانت عليه كامب ديفيد أيام أنور السادات بعد خسارة حليف للقضايا العربية الاتحاد السوفييتي ومحاولة روسيا أيام بوتين الحالية من لعب دور ما، تجاه تلك القضايا وكان للراحل الرئيس حافظ الأسد الدور القومي البارز في إيقاف عمليات التطبيع الاقتصادي والثقافي الرخيصة بين بعض العرب وإسرائيل، واهتماماته القومية في تحفيز الدول العربية للتضامن العربي الأشمل وإحياء جبهة الصمود والتصدي، بعد كامب ديفيد الأولى وسعيه الحثيث لإعادة صياغة استراتيجية عربية تستبعد المخططات الأمريكية الموجهة للمنطقة لضرب المنطقة العربية مع الدول الإسلامية المجاورة كإيران وتركيا، برؤياه النافذة النابعة من صوت العقل[148].
وحاولت الدول العربية بكل إمكانياتها منذ عام (1948م) حتى الآن بإصدار أطنان من البيانات والاستنكارات الواسعة تدعو فيها العرب جميعاً إلى مقاطعة إسرائيل وبضائعها وكل ما يتعلق بها ويدعمها كجزء من نضال حركة التحرر العربية والدول العربية ضد الأنشطة الصهيونية- والإسرائيلية المهددة للأمن القومي العربي.
مع وجود ركائز قوية للأمن القومي العربي والمصير الواحد من خلال الركائز السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والمصادر الطبيعية والبشرية بمواجهة إسرائيل باعتبارها العدو الرئيسي لها.
لذلك اعتبرت الدول العربية السلام في المنطقة هدفها الاستراتيجي وطالبت راعيي مؤتمر مدريد (روسيا- والولايات المتحدة) بالضغط على حكام إسرائيل بضمان التزامهم بالعملية السلمية وفقاً لمرجعية مدريد والشرعية الدولية، وبما تعهدت به إسرائيل أساساً في مباحثات جنيف أيام المغدور (إسحق رابين) وبالأخص القضايا التي تم التوصل إليها في تلك المباحثات على أساس الانسحاب من الجولان لحدود الرابع من حزيران 1967م وتحركت الدول العربية من خلال اجتماعات القمم العربية، والأنشطة السياسية والدبلوماسية المشتركة والمتعددة للتنبيه إلى خطورة ممارسات حكام إسرائيل وتهديدهم المستمر لدول المنطقة خصوصاً لـ سوريا ولبنان، ودعت مراراً لاستئناف المباحثات السلمية على أسس واضحة وعلى جميع المسارات لتحقيق السلام العادل والشامل، وكان لمجلس جامعة الدول العربية العديد من الدورات العادية وغير العادية لمعالجة مشكلة التغلغل الإسرائيلي في البلدان العربية، وطالبت بقطع العلاقات مع إسرائيل وإيقاف خطوات التطبيع الاقتصادي والثقافي أو أي تعامل مع إسرائيل وإغلاق مكاتب وبعثات العلاقات معها حتى تنصاع لمرجعية مدريد وقرارات الشرعية الدولية.
إلا أن إدارة بل كلنتون سوغت مواقفها وسياساتها لمصلحة حكومة إسرائيلية تتنكر لحقوق العرب وتحاول فرض مصلحتها على الجميع متجاوزة القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ولعبت أولبرايت في مباحثات السلام دور المتفرج وساعي البريد وبررت لإسرائيل اعتداءاتها واستيطانها ولاذت بالصمت والانكفاء وتركت إسرائيل تنتهك عملية السلام وكل ما تم التوصل إليه بانحيازٍ صريحٍ وواضحٍ للسياسات العنصرية الصهيونية وكيف لا وهي عضوة نشطة في منظمة "إيباك" والنادي "الروتاري" اليهودي العالمي والمعروفة بدورها المنحاز كلية إلى حكومة باراك وسابقاً إلى حكومة نتن ياهو متجاهلة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تدهور عملية السلام وأسبابها الإيغال بالاستيطان اليهودي في الضفة والقطاع والجولان والتهجير القسري لسكان القدس والاعتقالات العشوائية والاغتيالات ومنع الشعب الفلسطيني من التعبير عن إرادته الوطنية في انتفاضة الأقصى 2000م واعتبرتها دورة عنف يقوم بها شباب فلسطينيون وتمسكت مع غيرها في الإدارة الأمريكية بـ أولويات أمن إسرائيل وتغليبها على مصلحة الشعب الفلسطيني والعربي وضربت عملية السلام واستحقاقها[149].
في 6/آب/ 1997م أكدت مادلين أولبرايت وبشيء معروف من المراوغة والتضليل من على منبر (نادي الصحافة القومي بواشنطن) والذي يسيطر عليه جماعات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة: "إنها ملتزمة بمرجعية مدريد وبقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن" وأكدت أنه لابد من تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؟، وطالبت إسرائيل بوقف الاستيطان بالضفة والقطاع لدفع عملية السلام إلى الأمام، وبعد ثلاث سنوات من تصريحاتها تلك لم تستطع أولبرايت من تبديد السلوكيات الإرهابية الإسرائيلية ووقفت تندد بالعنف ومساواة القاتل بالضحية عندما شنت قوات الاحتلال الصهيوني حملاتها الجوية والبحرية والبرية ضد الشعب والسلطة الفلسطينية في غزة ورام الله ونابلس والخليل من خلال انتفاضة الأقصى المجيدة، ودعمت محاولات من قبل ألمانيا وكندا وأستراليا لتقديم عروض سخية للدول العربية والسلطة الفلسطينية لتهجير أبناء الشعب الفلسطيني وتوطينهم في تلك الدول للانتهاء من قضية فلسطين ومع تجاوزهم الصريح والمتفق عليه لقرار 194 وجميع قرارات الشرعية الدولية.
وفي نهاية عام 2000م وبداية عام جديد ظهر جلياً في الانتخابات الرئاسية الأمريكية دور اللوبي ومجموعات الضغط اليهودية الصهيونية في الضغط والابتزاز على الشعب والحكومة الأمريكية حتى تم ترشيح آل غور نائب الرئيس الأمريكي السيناتور اليهودي المتطرف "جوزيف ليبرمان" نائباً له في المعركة الانتخابية.
يلاحظ هنا أن المجتمع الأمريكي لا يعاني من حالة استقطابات شديدة التباين الفكرية والأيديولوجية أو السياسية ولا تظهر نقاط الاختلاف بين الحزبين (الجمهوري- والديمقراطي) التي تكاد تكون ضئيلة جداً، فالقضايا الفكرية والطبقية غائبة تماماً عن الانتخابات الأميركية وإدارة الصراع يشكل هامشاً طفيفاً على المستوى القومي ولا يقترب البرنامج الانتخابي على مناقشة مستوى أداء وسلوك وأخلاقيات حكام الولايات المتحدة كنظام أو كفكر سياسي أو ما شابه بل تلعب عوامل عائلية واحتكارية، وظواهر الضغط الخفي المالي الملتصق بالمجتمع الأمريكي أشد الالتصاق[150] للهيمنة والسيطرة.
يتضح بأن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة لا ترتكز أساساً على ما تبنته في مؤتمر مدريد أو قرارات الشرعية الدولية، وتبتعد عن السياسة المحايدة بل تتعداها كثيراً إلى تأييد سياسة إرهاب الدولة المعتمدة من قبل باراك أو شارون والأحداث الأخيرة في فلسطين أكان ذلك في أراضي 1948م أو أراضي الضفة والقطاع 1967م مليئة بالنواحي الخطيرة الداعمة للكيان الصهيوني ففي الوقت نفسه الذي يعاني فيه جورج بوش (الأب) عن اعترافه وحكومته بالدولة الفلسطينية فإنه يصرح على التوالي ضد عملية السلام ومصلحة الشعب الفلسطيني فيدعم أرئيل شارون بممارساته الفاشية والإرهابية ويضيء له الضوء الأخضر، ولا يندد مطلقاً بأعمال الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني وبنيانه التحتي والفوقي إذ ترتكز سياسته على:
أولاً: علاقاته في المنطقة المذرية تشجع على (حرب الإرهاب والإبادة الصهيونية) ضد المدنيين، وتعتبر حرب شارون ضد شعبنا حرباً تستخدم فيها الطائرات الدبابات والصواريخ لنسف البيوت والأحياء والاغتيالات بينما يعتقد الرئيس الأمريكي أن الذي يواجه آلة الحرب الصهيونية بالحجارة أو بالعمليات الاستشهادية هو إرهاباً، ومحاولات طرد الاحتلال من الأراضي الفلسطينية المحتلة عمل لا يدخل في نطاق المقاومة الوطنية، إذ أثبتت الأيام الماضية أن الرئيس الأمريكي بوش أسوأ بكثير من كلنتون ومادلين أولبرايت فعلاً.
ثانياً: سياسة الولايات المتحدة فوضوية (Anarchisme) وتشجيع على الحرب والفوضى وهي بهذا الاتجاه لا يمكنها أن تكون راعياً نزيهاً لعملية السلام، وتوجب تدخل قوات دولية لحماية الشعب الفلسطيني من الهمجية والبربرية الإسرائيلية ويظهر فعلياً أن سياسة الولايات المتحدة لجورج بوش يقودها اللوبي الصهيوني ويؤثر بشدة على إدارة البيت الأبيض وعلى سجل التوجهات السياسية الدولية إزاء شعب فلسطين أو شعوب المنطقة، وبهذا الشكل فإنه لا يمكن إلا النظر لمقدار الضغط الصهيوني الصريح على الحكومة الأميركية وبالأخص الجناح العسكري والجنرالات فيها التي تدعم مصالح شارون "وحكومته" على حساب قضايا العرب عموماً ومستقبل عملية السلام برمتها خصوصاً.
الباب السابع
مشاريع التسوية بعد مدريد وأوسلو
((حكومتي نتنياهو وباراك مع الحرب ضد السلام))
1
منطقة الشرق الأوسط في أعقاب حكومة نتنياهو المتطرفة:
تصاعدت في المنطقة اللهجة المتطرفة لحكومة الليكود بزعامة بنيامن نتن ياهو التي أدت في حينها إلى توتير الأجواء العسكرية، بعد توتير الأجواء السياسية وبعد سلسلة مواقف وتصريحات من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي لا تشجع أبداً على المباشرة في عملية السلام على قاعدة الشروط الإسرائيلية الجديدة التي رفضتها سوريا، ومنظمة التحرير، وجمهورية مصر، واستفزت الرأي العام العربي والعالمي الرسمي والشعبي، عند البحث في قضية خطيرة على مستوى من المسؤولية لأبعاد تطور المواقف المفاجئة في الشرق الأوسط على أثر صعود نتن ياهو إلى سدة رئاسة الحكومة الإسرائيلية فإنه توجب عادة رصد المواقف وتحليلها، وتوخي الدقة فيها لاعتبارات أمنية واستراتيجية خطيرة تؤثر على الأمن القومي العربي بالدرجة الأولى وتحليل المعطيات الأساسية للمرحلة بالدرجة الثانية، واستشعرت الإدارة الأمريكية نفسها خطورة نتن ياهو بعد تهديداته بإحراق واشنطن، وهي لهجة إرهابية ضاغطة على كلينتون وحكومته.
لذا لابد من التطرق إلى بعض الأفكار التي قدمت بقالب أو بآخر وتحليلها والاستنتاج من خلالها بما تهدفه كل تلك التصريحات والمواقف الإسرائيلية لتسميم أجواء المنطقة ودفعها إلى فوهة حرب جديدة لا تحمد عواقبها بعد النتيجة المغلقة التي وصلت إليها حكومة العدو وأغلقت كل الأبواب أمام الحلول السلمية المتوقعة بعد مدريد 1991م كمرجعية أساسية من أجل الأرض مقابل السلام كما طُرح شعار لضمان الأمن واستقرار الدول وشعوب المنطقة:
أولاً-ضرورة نزع السلاح الشامل وبالأخص النووي منه:
كل التقديرات الاستراتيجية العالمية والعربية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المنطقة باتت تشكل حالة مهمة في الاهتمامات المختلفة السياسية والأمنية والاقتصادية على السواء، نتيجة تفاعلات تاريخية وطبيعية ومصلحية جعلتها تمتاز بالعديد من النواحي أهمها:
*أولاً: أنها تشكل بؤرة خطيرة لعمليات استيراد السلاح وارتفاع معدلاتها في مختلف النواحي الأمنية والعسكرية، وتراكم الأسلحة فيها قد يعرضها على المدى البعد إلى انفجار الصراعات المسلحة بين دولها، وبخاصة انتشار الأسلحة النووية، والجرثومية، والكيميائية، التي تعتبر من أخطر عوامل نشوب الحرب فيها وتفجير عوامل الاستقرار والأمن.
*ثانياً: تعتبر الأسلحة النووية التي بحوزة إسرائيل الآن من أخطر أنواع أسلحة التدمير الميداني على الإطلاق وبسبب عدم وجوب قيود دولية تمنع استخدامها من جهة وعدم وجود منطقة عازلة فإن إسرائيل تتمتع بميزة خطيرة للتفوق على الدول العربية الأمر الذي يخل بموازين القوى لصالح إسرائيل على المدى البعيد، وتقف الدول الأعضاء في النادي النووي مكتوفة الأيدي إزاء هذا الوضع، ولم تنجح جامعة الدول العربية بعد في تسليط الأضواء على خطورة السلاح النووي الإسرائيلي أكان على صعيد رسمي أو شعبي بالشكل العملي المناسب واتخاذ خطوات عملية تجاهها حتى الآن.
*ثالثاً: لأن منطقة الشرق الأوسط تتمتع بمزايا استراتيجية لدى الولايات المتحدة بالدرجة الأولى والدول الكبرى الأخرى بالدرجة الثانية فهي ترتبط بالقضايا المصيرية الحيوية للأمن القومي، والاقتصاد العالمي، ولتدفق المواد الحيوية إليها، (النفط- الاستثمارات-التجارة العالمية طرق المواصلات)، فإن أي تفجيرات أمنية وتفاعلات من هذا القبيل تؤثر بشدة على المصالح الجوهرية للدول الكبرى وما حصل منذ الحرب الإيرانية العراقية الأولى من أحداث، وبالتالي ما حدث في الحرب العراقية- الكويتية، والتدخلات الأجنبية في الخليج، والحصار الذي تعرض له العراق حتى الآن، وتحجيم دوره السياسي والعسكري في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وزيادة عمليات التسليح في الخليج، والتغطية على التسلح العسكري الإسرائيلي وترسانتها النووية لها دلالات استراتيجية عميقة تمس الأمن القومي العربي المباشر وغير المباشر[151].
في عام 1974م قدمت كل من إيران وجمهورية مصر تصورات هامة رئيسة لإنشاء منطقة معزولة وخالية من الأسلحة النووية وذلك إلى الجمعية العمومية لهيئة الأمم بدورتها (التاسعة والعشرين) تركزت على ثلاث نقاط:
أ-يوضع تصور دولي ونظام فعال لإجراء رقابة وتفتيش ومسح لدول المنطقة بما فيها (إسرائيل) والتأكد من استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية فقط.
ب-أن تتوقف الدول المنضوية في النادي النووي عن إرسال أسلحة نووية أو شحنات مماثلة إلى دول المنطقة وأن تتعهد دولياً بذلك.
ج-أن تمتنع جميع دول المنطقة ضمن معاهدة رسمية عن إنتاج أو حيازة أسلحة الدمار الشامل وبالأخص النووية منها، فمن الواضح أن الدول العربية معرضة قبل غيرها لهجوم معاكس من قبل إسرائيل أو هجوم مباغت بالأسلحة النووية قد يهدد المدن والعمق العربي في حال تعرض إسرائيل لحالة انكسار شديدة على أرض المعركة التقليدية أو انهزامها سياسياً، حيث لا تزال الدول العربية المجاورة لإسرائيل تحتفظ لنفسها بتصورات معلنة وأكيدة أنها لن تدخل في سباق تسلح نووي ولن تدخل إلى أراضها أي نوع من السلاح النووي، ففي عام 1993م كان هنالك موقف عربي رسمي بعدم معاهدة على الأسلحة الكيميائية، إذ لم توقع (إسرائيل) على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في نيسان 1995م وكان هنالك موقف عربي رسمي أيضاً بعدم التمديد لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية من طرفهم، ورغم أن العديد من الدول العربية تؤكد أنها لا تمتلك الأسلحة النووية أو الكيميائية إلا أن هنالك صيغاً تمس الأمن القومي العربي وتحثه على امتلاك العناصر التكنولوجية العسكرية الكفيلة بحماية الأراضي العربية من أجل اتباع أساليب ضاغطة على إسرائيل لتحقيق الأهداف الاستراتيجية العربية الأساسية التي تكمن في إيجاد فرص السلام العادل والشامل في المنطقة.
ثانياً-قيادة الجيش الإسرائيلي: خلافات وتسريب معلومات:
في الوقت الذي يحث المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة الخطي للقضاء النهائي على ترسانة الأسلحة العراقية الكيميائية بعد حصار شامل عليها، وبعد التلميحات الإسرائيلية عن وجود أسلحة كيميائية في مصر وسوريا وإيران وبعد تحطيم قدرة العراق، تحرص "إسرائيل" على استثمار المؤسسات الدولية وهيئة الأمم وهيئة الطاقة النووية الدولية لصالحها، فرغم حقيقة وجود ترسانة نووية فيها إلا أن المجتمع الدولي لا يحرك ساكناً إزاءها كما حركة ضد العراق على سبيل المثال.
لقد ذكرت إحدى الصحف العربية الرسمية ومن مصادر دبلوماسية روسية رفيعة المستوى في الأمم المتحدة أنه تم كشف النقاب عن أن الحكومة الإسرائيلية بدأت منذ شهر أيلول الماضي، ونزولاً عند إلحاح العلماء المشرفين على مفاعل (ديمونا) النووي في صحراء النقب وإلحاح إضافي من قيادة الجيش الإسرائيلي بتسريب معلومات لأول مرة عن حدوث تسربات نووية في إسرائيل، والتي ستؤثر على شعوب المنطقة، مؤكداً المصدر نفسه أن(15) عاملاً فنياً من العاملين في مفاعل ديمونا- ماتوا، نتيجة لتسربات خطيرة بالإشعاعات النووية منذ عام 1988م، وحسب المعطيات المتوفرة من المصدر أن إسرائيل تحاول بطريقة غير مباشرة، استمرارها نفي حصولها على السلاح النووي رسمياً، لتحذر العالم العربي من جديد بتقادم مفاعلها النووي في ديمونا الذي يعود بناؤه إلى ما قبل 36 عاماً، من أجل تجديده أو استبداله أو تطويره بطريقة أكثر فعالية لأنه بات يشكل خطراً فعلياً، ومميتاً على سكانها وسكان المنطقة العربية المحيطة بها أيضاً.
كذلك حمل مندوب فلسطين في جامعة الدول العربية بالقاهرة على امتلاك إسرائيل للسلاح النووي من خلال تسرب (تقرير سري) من المعهد النووي العلمي الإسرائيلي المقام في (نحال سوريك) والذي يعتقد بأن التقرير تم تسريبه بإشارة من رئيس الوزراء نفسه أو من قيادة الجيش، للإشارة إلى تسربات نووية خطيرة في صحراء النقب حيث أكد تقرير آخر الصادر عن المعهد العبري الذي نشرته وكالة "كونتاكت ميدل أيست" وتناقلته عنها وسائل إعلام غربية محددة، قائلة: "إن ذلك التسرب الجديد، يؤثر بطريقة خطيرة على طبيعة نمو الحياة في المنطقة ويشمل النباتات والإنسان، والحيوانات، والبيئة، والمياه "وكما هو واضح أن الخطر بالتسرب النووي لا يؤثر على السكان المستوطنين فحسب بل وعلى سوريا والأردن ولبنان والمملكة العربية السعودية ومناطق الحكم الذاتي ولتسريب هذه المعلومات أهداف تكتيكية فيما يبدو!
لكن بات من الواضح أن تسريب المعلومات تارة من مفاعل ديمونا وتارة أخرى من الخلافات في أجهزة الاستخبارات يعبر بشكل ما عن واقع الاضطراب الذي تعيشه القيادة العسكرية بسبب اعتماد نتن ياهو على مستشارين جاؤوا من الولايات المتحدة الأمريكية ولا يعرفون طبيعة المنطقة، لذلك فإن ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العسكرية المسمى (AMAN أمان) وأمام التوترات الحاصلة أكدوا أن هنالك تسربات للأدمغة من أجهزة الأمن إلى جهاز الأمن الخارجي المعروف باسم (MOSSAD موساد) وذكرت الخبر وأكدته صحيفة (يديعوت أحرنوت) أن تلك الأجهزة تخوض منافسة حادة فيما بينها تسيء على حد زعمها للتعاون الاستخباراتي فيما بينها، ومن الممكن أن تكون لعملية تسريب المعلومات نتيجة منطقية للخلافات الحاصلة، وأمام اللجنة الفرعية للإنفاق العام كشف ضابط مسؤول أن (الموساد) تنتزع خيرة الضباط من الأجهزة الأخرى بفرض شروط مغرية جداً عليهم للعمل في صفوفها.
وعرض الضابط في اللجنة البرلمانية "أن أجهزة الأمن لا تتبادل المعلومات فيما بينها، وبخاصة في المرحلة الحالية التي تتواجد فيها القوات الإسرائيلية على الحدود مع سوريا ولبنان"، مؤكداً أن كل جهاز يحاول الاحتفاظ لنفسه بالمعلومات الهامة التي يتوصل إليها على حساب التعاون المفترض، ومن الممكن جداً أن تكون تلك الخلافات صحيحة، لكنها في الأغلب تكون لذر الرماد في العيون بهدف تضليل العرب وأجهزتهم الاستخبارية، لكن من الممكن أن يكون مجيء نتن ياهو إلى ممارسة أساليبه الفردية قد أثر بقوة على مستوى أداء عمل الضباط الكبار في قيادة أركان الجيش والأجهزة الأخرى، حيث نقلت الصحيفة نفسها عن مسؤول آخر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تولى ملف المشكلة شخصياً وسيعمل على حلها بطريقته الخاصة به، وبعقليته المتطرفة وقرر تشكيل (لجنة مصغرة) لتدارس ذلك ولمكافحة ما أسموه الإرهاب، وتحشيد القوات الإسرائيلية على طول الحدود السورية لأهداف تحقق سياسة الليكود.
الأمر الذي يدفع الولايات المتحدة بأن ترعى التصورات الإسرائيلية وتدعمها وبالأخص تلك الصادرة عن قمة شرم الشيخ فإن دبلوماسي رفيع المستوى من الطرف الإسرائيلي اجتمع على غداء عمل مع مساعد وزير الخارجية الأمريكي (بيتر تارنوف) للبحث في عدد من القضايا السياسية والأمنية، ذات الاهتمام المشترك، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيكولاس بيرنز للصحفيين: (أن اجتماع تارنوف مع "إيتان بن سور" يأتي بعد يومين من مباحثات أجراها الفريق الثاني المشكل من المتخصصين الأمريكيين –والإسرائيليين في واشنطن لدراسة المسائل الأمنية المتعلقة بالمنطقة وبالقضايا الأمنية المشتركة).
أما بيرنز أكد من طرفه: "أن الولايات المتحدة ملتزمة باتفاقيات قمة شرم الشيخ بشأن مكافحة الإرهاب" معرباً عن رغبة الولايات المتحدة الدائمة في التعاون مع إسرائيل أمنياً وعسكرياً لتطوير عملها العسكري الأمني بهدف مكافحة الإرهاب، ملمحاً إلى أهمية التعاون مع السلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية في هذا السبيل للقضاء على ما أسماه الإرهاب، ولكن على ما يبدو أن حجم الهوة تزداد بين إسرائيل وبين مصر والسلطة الفلسطينية والدول العربية برمتها ومن جهة أخرى بعد قطع دولة قطر للعلاقات مع إسرائيل حتى تتم عملية السلام، ففي الوقت الذي تمارس (إسرائيل) سياسة الإرهاب الرسمي ضد الشعب الفلسطيني تدعي بأنها تحارب الإرهاب معتبرة نضال الشعب الفلسطيني في سبيل حقوقه إرهاباً في الوقت الذي تصادر فيه الأراضي الزراعية وتحولها إلى مستوطنات أو شبكات لطرق إسرائيلية وتستخدم سياسة الإبادة الجماعية، مما يفضح سياستها التوسعية والإرهابية المعادية للسلام في المنطقة والعالم.
ثالثاً-تكنولوجيا الفضاء تفضح إسرائيل:
استمرت وتيرة التصعيد العسكرية والسياسي الإسرائيلية ضد سوريا والدول العربية في عهد نتن ياهو، وأعلن عن الاستمرار في سياسة الاستيطان في الجولان والضفة، وأكدت سوريا على لسان وزير خارجيتها السيد فاروق الشرع: "أن إسرائيل تتعمد تقويض عملية السلام بإعلانها عن بناء (900) وحدة سكنية للمهاجرين اليهود الجدد في المرتفعات السورية المحتلة، وأن استقدام عشرات الآلاف من الإسرائيليين وتوطينهم في الجولان تكشف "حقيقة بالغة الخطورة"، وتتجسد تلك الحقيقة بأن حكومة نتن ياهو تتعمد توتير الأوضاع السياسية في المنطقة ووأد عملية السلام والتلويح لأجواء الحرب والتحضير لها، الأمر الذي حدا بوزير خارجية المملكة العربية السعودية سعود الفيصل إلى التأكيد على أن المواقف الإسرائيلية من عملية السلام في الشرق الأوسط تهدد المنطقة برمتها بأزمة خطيرة أو باندلاع حرب شاملة.
من جهة أساسية وملفتة للانتباه وبشيء من الاستعراض العسكري قال الجنرال (إيتان بن الياهو) قائد سلاح الجو الإسرائيلي: "إن الطيران الإسرائيلي قادر على مواجهة أسلحة الجو العربية" وأمام حشد واسع من اليهود وبحضور عيزرا وايزمن رئيس الدولة الصهيوني أكد على:
"أن الطيران الحربي الإسرائيلي مستعد لتغيير الأوضاع السائدة في المنطقة" ملمحاً إلى أن إسرائيل يمكنها أن تقوض عملية السلام برمتها، وإن دل هذا التصريح على شيء فإنه يدلل على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحث الأجهزة العسكرية وأطرافها للاستعداد للحرب والإرهاب، واستصدار تصريحات من هذا القبيل لضرب عملية السلام برمتها، فإن تلك الحكومة ستدفع بالمنطقة بكاملها إلى هاوية العنف والدمار والحرب، كذلك كشف كاتب أمريكي متخصص في الشؤون العسكرية أن أقمار التجسس الصناعية الفضائية الروسية كشفت بما لا يدع مجالاً للشك عن وجود أكثر من مائتي سلاح نووي إسرائيلي منصوبة في ثمانية مواقع من بينها مواقع قرب الحدود السورية- اللبنانية وهي صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، ومتوضعة في طائرات جاهزة للانطلاق باستمرار من المطارات الحربية الإسرائيلية.
ذكر ذلك (هارولد هوج) الكاتب في مجلة "زجيتر" الدفاعية البريطانية أن الصور الفضائية التي التقطتها أقمار التجسس لدول كبرى مثل روسيا وأميركا تميزت بالدقة المتناهية لدرجة أن الأجهزة الحديثة فيها اخترقت المواقع الإسرائيلية الحصينة وتتبعت آثار الترسانة النووية الإسرائيلية من مراكزها حتى مواقع انتشارها في منطقة الجليل الأعلى على الحدود مع سوريا ولبنان، وأن المفاعل الذي يزود تلك الترسانة هو مفاعل ديمونا الذي ينتج المواد النووية مثل مادة (البلوتونيوم) المستخدمة في القنابل النووية، ويقع المفاعل في صحراء النقب بينما يقع مركز التصاميم والتجارب في منطقة (نحال سوريك) الساحلية الذي يتشابه مع مركز التجارب النووية الأمريكي في لوس الاموس بالولايات المتحدة.
من تلك الصواريخ التي يجري تجميعها في أماكن متعددة صاروخ (أرو) و (حيتس) ونوع جديد من بريدرج رقم (2) ويجري تخزين القنابل النووية في منطقة تدعى إيلاين القريبة من الحدود مع سوريا، وأن مراكز إطلاق الصواريخ من القاعدة المركزية المخصصة لذلك في منطقة (كفر زكريا) بالضفة الغربية وعلى مرتفعاتها وكهوفها وهي منطقة مناسبة تماماً للأغراض العسكرية التي يبنى فيها مخابئ لتلك الصواريخ في عمق الجبال، باعتبار أن رئيس الوزراء (ب.ب) الإسرائيلي عمل في الفترة الأخيرة من حكمه إلى السيطرة على أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية والداخلية والعسكرية وجعل نفسه منسقاً عاماً لمختلف عملياتها، فإن الخوف يتركزها هنا من أنه قبض على مفاتيح عملها ونشاطها واتخاذ القرارات فيها كمهمة إضافية له، وبما يتوافق مع نشاطاته السياسية الجديدة ذات الطابع الهجومي والتي عبر عنها (هنري كيسنجر) بأنها مرحلة إعادة التوازن للأمن الإسرائيلي على أساس إعادة الشرعية التفاوضية لياسر عرفات وسوريا ولبنان من خلالها، وليس ذلك فحسب بل واعتبر مصلحة إسرائيل هي العليا، وأن أمنها هو أساس عملية السلام دون الأخذ بعين الاعتبار أنه لا وجود للأمن دون سلام، معللاً نتن ياهو هذه التصرفات الجديدة على أنه يحق "لقوات الجيش الإسرائيلي" التمتع بحرية العمليات والنشاط العسكري في الضفة والقطاع وجنوب لبنان والجولان، ويظهر هذا الأسلوب المخادع والمراوغ في التعامل مع المعطيات الجديدة التي حاولت تجسيدها عملية السلام القائمة على أساس الأرض مقابل السلام، دون أن يلتزم بالقرارات الدولية أو بما توصلت إليه حكومات إسحق رابين أو شمعون بيريز، وهو بهذه الصورة يحاول تغيير أوراق عملية السلام وآفاق مسألة الشرق الأوسط بعقليته التي يستمد منها دفع المنطقة إلى حافة الهاوية والحرب، ويعتقد هنا أنه يطبق سياسة جديدة مستندة على آراء اللوبي الأميركي، الذي يعتبره الصهاينة العصب المحرك لسياسة "إسرائيل" من الناحية الجوهرية ودعم اللوبي الصهيوني في كل ما يتصوره نتن ياهو مجدداً.
كذلك ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن الجيش الإسرائيلي أنفق نحو 300 مليون دولار خلال ثلاثة أشهر لتكديس الأسلحة والذخائر استعداداً للحرب المحتملة مع سوريا، تمت هذه التحركات تحت السرية التامة، التي أشار إليها الجنرال احتياط (إسرائيل تال) المستشار في وزارة الدفاع وأحد كبار واضعي الاستراتيجيات الإسرائيلية مؤكداً أنه على إسرائيل أن تحافظ على الكتمان الشديد، وقال (تال) في خلال ندوة أقيمت عن حرب 1967م: "إن عنصر المفاجأة سيكون حاسماً في حرب محتملة مع سوريا".
رابعاً- حول دراسة أعدها مستشار نتنياهو دوري جولد:
اعتبر دوري جولد مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي أن مصر ستسعى لبناء نظام أمن عربي جديد يعمل على محاور جديدة لإعادة التوازن العسكري مع إسرائيل وقوتها العسكرية وفقاً لاستقراءاته واستنتاجاته كمستشار معتمد عليه، والتقرير الذي أعده جولد جاء بعنوان "إسرائيل والخليج العربي أطر أمنية جديدة في الشرق الأوسط" صادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى المعروف بصلاته القوية مع إسرائيل مؤكداً في التقرير أن كل من مصر وسوريا يسعيان لإحياء ترتيبات دفاعية عربية مشتركة للقضاء على أية قدرات عسكرية إسرائيلية غير تقليدية من خلال مبادراتهما بخلق تحالف عسكري فيما بينهما بالدرجة الأولى تدعمه السعودية ودول الخليج وبالتالي السعي لإيجاد مناطق خالية من أسلحة الدمار الشامل.
زعم دوري جولد في التقرير أن هدف مصر الرئيسي من هذه العملية إقامة (نظام أمني عربي خالص) يستهدف إبقاء مصر القوة العسكرية والسياسية المؤثرة على العالم العربي، والتخلص من احتمالات أن تدخل إسرائيل –وتركيا في حلف أمني مهيمن في إطار نظام أمن إقليمي ضد دول المنطقة مدعومة من حلف الشمال الأطلسي والبنتاغون.
أشار التقرير إلى أن ضرورة قيام إسرائيل بفك الارتباط بين إتمام عملية السلام الشاملة في المنطقة وبين البدء في التحضيرات الأكيدة لإقامة ترتيبات أمنية إقليمية تخدم بالأساس أمن ومصالح إسرائيل وتصوراتها حول أمن الخليج والأردن والمنطقة، وجاءت الدعوة الأخيرة من قبل بعض الدول الأوروبية، ودعمها الأردن للتأكيد على ما يرمي إليه دوري جولد حول ضرورة (إقامة منظمة أمنية إقليمية) على غرار (منظمة التعاون الأوروبية) على أن لا تمانع الدول العربية بالتالي من انضمام "إسرائيل" إلى هذه المنظمة التي أعلنت عنها الدول الأوروبية دون شروط مسبقة لإتمام عمليات السلام في المنطقة، وتجيء هذه التصورات استكمالاً لتصورات شمعون بيريز في السوق الشرق أوسطية وتدعيماً لها.
لكن تعتبر هذه الدراسة التي قدمها مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي من أهم المؤشرات الجوهرية على صياغة أفكار إرهابية خطيرة من قبل الحكومة الإسرائيلية وسعيها لإقامة ترتيبات إقليمية مدعومة بمواقف أوروبية بما فيها من تصورات خطيرة وجديدة تفوق في الكثير من الأحيان دور ونفوذ وزير الخارجية الإسرائيلي (ديفيد ليفي) نفسه في صنع القرار السياسي داخل مطبخ نتن ياهو، حيث يعتمد التصور الإسرائيلي للأمن في المنطقة على ما تراه تهديداً مشتركاً ليس لها وحدها فحسب، بل ولدول الخليج والتواجد (البريطاني- والأمريكي) فيها من جانب إيران والعراق وسوريا، وتستهدف وضع سياسات استراتيجية بمساندة الولايات المتحدة الأمريكية والحلف الأطلسي[152] تكون بديلاً عن سياسة "الاحتواء المزدوجة" التي تتبعها واشنطن ضد العراق وإيران، ووفقاً لتصورات مارتين انديك السفير الأمريكي في إسرائيل "ورئيس معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" قبل تعيينه سفيراً في إسرائيل الذي يساند تلك التصورات الجديدة التي يدعمها دوري جولد، وهذا الأخير يعتبر التحديات القادمة ستتبلور بعد رفع العقوبات الدولية عن العراق واستعادته لتوازنه إضافة إلى سياسة الأردن المستقبلية (كدولة عازلة) عن بقية الدول العربية، وتأمين إسرائيل بعلاقات ودية من خلالها لدول الخليج في السلم والحرب وبخاصة مع قطر وسلطنة عمان، حيث تتجسد مصالح إسرائيل في منطقة الخليج، وهي تسعى مع الولايات المتحدة لإثارة شكوك عرب الخليج حول دور إيران والعراق على السواء في محاولاتهما اتخاذهما دوراً مستقلاً وفاعلاً في المنطقة العربية.
تزعم الدراسة أيضاً أن بغداد تحاول إقامة حوار مع إسرائيل لتحسين صورتها في الولايات المتحدة تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على العراق، وأن جولد مستشار نتن ياهو يزمع القيام بمبادرة منفردة مع العراق لإجبار سوريا على تقديم تنازلات غير متوقعة في مفاوضات السلام[153].
***
الدكتور خليل البدوي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الاستعماري, الحلف, فلسطين, وقضية


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أبو تمام وقضية التأويل في شعره/ رشيد الفيلالي رشيد الفيلالي الدراسات 4 04 / 02 / 2020 29 : 04 PM
كن سعيدا دوما ولا تتطلع أبدا إلى الخلف حياة مسكين كلـمــــــــات 0 02 / 08 / 2018 43 : 01 PM
طعنة من الخلف - أقصوصة واقعية - نزار ب. الزين نزار ب. الزين قال الراوي 4 29 / 11 / 2011 51 : 06 AM
طعنة من الخلف - أقصوصة واقعية - نزار ب. الزين نزار ب. الزين الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. 3 07 / 12 / 2010 35 : 06 AM
حلول لقضية الصحراء وقضية فلسطين و اعتراف بجرائم فرنسا في الجزائر شروط الجزائرللانضمام نصيرة تختوخ الشؤون المغاربية 0 23 / 05 / 2008 57 : 10 AM


الساعة الآن 11 : 02 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|