[د. منذر أبوشعر]

[align=justify]وقتما نقرأ لأيِّ مبدع علم، يتبادر إلى الذهن سببُ (هاجس) المؤلف
و(الدافعِ) المُحرِّك له على الكتابة، فنجد أن هناك في أيِّ (عمل)
يكتبه المبدع (قلقاً) ما، أو(سؤالا) ما شائكاً في نفسه يبحث عن
إجابة من خلال شكل التعبير الذي يختاره = وأنه كلما كثرت
الأسئلة في نفسه وتعددت، كانت قدرته على الإبداع أكمل وأغزر
جودة إنتاج. لكننا نلاحظ أيضاً، أنَّ تلك القدرة على الإبداع، تأخذ
- أيضاً- مراحل تتوافق حركتها مع اتجاهات النفس، ويكون لمراحل
العمر ونضوجه واكتمال ينعه دوراً هاماً في ذلك كله.
ولقد كُتب عن نجيب محفوظ و(هبوط) قدرة التعبير عنده بدءاً من
قصته (الحب تحت المطر)- وكان عمره 62 اثنين وستين عاماً-
الكثير الكثير..فتنوسي في غمار ذلك (الإنسان) في داخله ورهافة
(الطفل) الحالم فيه، وأنَّ إحساس الزمن- مع تقدُّم العمر عنده-
صار وقعه أكبر وأعنف كلما تخايل شبح النهاية المقدَّر على كل
الناس.
فالإحساس باقتراب (الأجل) المحتم، وإلحاح شعور اقتراب (الموت)
بخطاه الباردة، وانتهاء (نغرِ) انتهاء مرحلة شائك السؤال باكتساب
برد اليقين، دفعه إلى الاختزال والعجلة، والاكتفاء باللمح والإيجاز
والرمز المكثف والهمسة الشاردة..(فالبيان) عند محفوظ مستو
مكتمل النضج، لكنه أخذ - في هذه المرحلة- يفقد قدرة (راحة)
الوصف ومتابعة دقائق التفاصيل، خائفاً من مطاردة الزمن وهو
يرى آثارها تحفر بقسوة على صفحة صحته المتراجعة بتدهورها
المستمر، وتراجع آلياتها سمعاً ونظراً، مكتفياً بالسماع والمتابعة
الصامتة،ولذلك صارت كافة أعماله الآتية- بدءاً من (الحب تحت
المطر) وانتهاء بآخر أعماله (وطني مصر) ونشرت عام 1997م-
متعة (بصرية) تصلح أن تكون أعمالا (مرئية) فقدت متعها
الذهنية.
فمتعة الغور في تفاصيل الدراما، بانتقالها من النص المكتوب إلى
النص المرئي، تفقد متعة الخيال ودقيق وصف النفس البشرية.
واقتراب الأجل وخشية الموت يخلق نزوعاً نحو الإيجاز والبعد عن
تصوير التفاصيل الدقيقة للنفس البشرية سلباً أو إيجاباً،هبوطاً أو
صعوداً فيضطر المؤلف إلى الكتابة من الخارج دون سبر من
الأعماق.
بقي أن نقول إن نجيب محفوظ كتب بعد (الحب تحت المطر)
عشرين رواية تمثل المرحلة الأخيرة من إبداعه،- عدا القصص
القصيرة والمقالات والذكريات فذاك خارج بحثنا-،والروايات هي:
1 الكرنك ط، 1974م.
2 حكايات حارتنا ط، 1975م.
3 قلب الليل ط، 1975م.
4 حضرة المحترم ط، 1975م.
(لاحظ أن نجيب محفوظ قدَّم ثلاث روايات في عام واحد)
5 الحرافيش ط، 1977م.
6 عصر الحب 1980م.
8 أفراح القبة 1981م.
9 الباقي من الزمن ساعة ط، 1982م.
10 ليالي ألف ليلة ط، 1982م.
(ولاحظ أيضاً أنه قدَّم روايتين في عام واحد)
11 رحلات ابن فطومة ط، 1983م.
12 أمام العرش ط، 1983م.
(وكرَّر ذلك في عام 1983م)
13 العائش في الحقيقة ط، 1985م.
14 يوم مقتل الزعيم ط، 1985م.
(وكرَّر ذلك أيضاً في عام 1985م)
15 حديث الصباح والمساء ط، 1987م.
16 قشتمر ط، 1988م.
17 الفجر الكاذب ط، 1988م.
(وكرَّر ذلك في عام 1988م).
18 عجائب الأقدار ط، 1989م.
19 كفاح أحمس ط، 1990م.
20 وطني مصر ط، 1997م.
** ** **
ونشرت (الحب تحت المطر) سنة 1973م، وبعد عرض الرواية
على الرقابة عمدت إلى تشويهها ،فظهرت في المكتبات نسخة
مختلفة تماماً عن الأصل، ولم يعد محفوظ إلى طبعها ثانية لفقدان
الأصول لديه.وأخرجها للسينما سنة 1975م حسين كمال (1932م
- 2003م من أهم مخرجي السينما التقليدية التجارية المصرية)
تمثيل: ميرفت أمين، وعادل أدهم، وعماد حمدي (مع تعديل على
القصة المنشورة وإضافات في حركة مسار الأبطال).
** ** **
و(الحب تحت المطر)،أي الحب في زمن الحرب، رواية واقعية
اجتماعية، تدور حول ملامح الحياة في مصر في ظل الحرب وبعد
النكسة، فتتعرض لظاهرة انتشار الفقر، وانعدام الأخلاق، وانتشار
الانحلال والعلاقات المحرمة، والسرقات، وظهور جيل يرفض
القديم ويطالب بالتجديد. كما تتناول ظاهرة الهجرة والتخلي عن
الوطن لدى العديد من الشباب المتأثر بالهزيمة،من خلال عرض
أنماط حب مختلفة:
- الحب الصادق: يمثله (مرزوق)و(عليات) ،فقد أحب (مرزوق)
(عليات) حباً جارفاً، فكان بظاهره حباً قوياَ،لكنه من الداخل كان
هشاً،تحطم عندما تراءت أمام (مرزوق) أحلام المستقبل مع الممثلة
(فتنة ناظر)، ولمَّا خابت آماله وفشلت تجربته معها عاد (لعليات).
حب الوطن والإخلاص له،الخالص دون غاية منفعة أو مكسب،-
الثابت رغم تغير الظروف: يمثله حب (سنية) و(إبراهيم). يفقد
(إبراهيم) عينيه في الحرب، فترفض (سنية) التخلي عنه وتتزوج
منه ويكملا حياتهما. ويمثله أيضاً (عشماوي) بذكرياته التي لا
تنقضي من المخيلة.
- الحب الذي تتكسر خلفه هزائم الروح ويختفي عند الوصول إلى حد
الاكتفاء: يمثله المصور السينمائي (حسني حجازي). وهو حب زائف
يلجأ إليه ليحل محل الحب المنسي الأول.
- حب المنفعة :الحب الذي يأتي ليغطي حاجة،ويصبح في زمن القهر
والفقر الملاذ الوحيد للبقاء على قيد الحياة،ناهيك عن حجم الدمار
الذي يحيق بالمحب. يمثله المخرج (حسني حجازي) ومن يلوذ به.
- الحب الذي يخبو ويشتعل حسب هدوء النفس واضطرابها وتوازنها
وسرورها وتعاستها، تحكمه الظروف وتقلب المزاج، لكن تبقى
جذوته متأهبة للاتقاد في أي لحظة: يمثله حب (منى زهران) المتقلب
(لسالم علي).
- الحب الوصولي: يمثله المخرج (أحمد رضوان) ،وهو حب ينتظر
ويخطط ليصل وينتصر.
- حب الماضي والانتشاء بذكراه: يمثله (عم بدران) الذي اجتمعت
فيه شخصية الإنسان المنتصر والمنهزم.
- الحب المفقود: يمثله (حسن حمودة).
- حب النفس والشذوذ عن الطبيعة: تمثله (سمراء وجدي).
فالرواية تتنقل بين تلك المعاني المتعددة للحب خلف شخصياتها،
وجل أحداثها يدورحول تلك العلاقات وأثر الماضي عليها: هل
تستطيع المضي قدماً فتواصل حياتها، أم يؤثر الماضي على حياتها
فيمنعها من التقدم ،وتبقى في دائرته المغلقة؟ وهل يصمد الحب تحت
المطر زمن الحرب واضطراب الأمور؟! من خلال ثلاثة نماذج رئيسة:
حب عليات ومرزوق، حب منى زهران وسالم علي، وحب سنية
وإبراهيم. مع ملاحظة أن كل الفتيات كان لها دور مع المصوِّر
السينمائي حسني حجازي في بداية أمرها،وسقطت معه في وحل
الخطأ.
** ** **
(فمرزوق أنور) شاب حديث التخرج من الجامعة، يسعى للزواج من
زميلته (عليات)، ويخطبها من والدها (عم بدران) نادل مقهى
الانشراح، فيوافق الوالد عن غير قناعة، لأن (مرزوق) دون عمل.
وبعد أن تتم الخطبة، يتعين الخطيبان في وقت واحد،لكن في مكانين
بعيدين:(عليات) في القاهرة في وزارة الشؤون الاجتماعية، وهو في
المنطقة التعليمية ببني سويف (تبعد جنوباً عن القاهرة 115كم).
وبالمصادفة يكتشف فيه المخرج (محمد رشوان)وهو ذاهب لاستلام
عمله،وجهاً جديداً للسينما،ليصير (مرزوق) ممثلا له اسمه في عالم
الفن،ويترك خطيبته،ويقع في حب (فتنة) إحدى الممثلات،ويتزوج
منها. ثم يقع اعتداء من مجهول عليه فيتشوه وجهه ويفقد عمله في
السينما. ورغم وقوف زوجته الممثلة إلى جانبه ومساندتها إياه في
محنته، إلا أنه يطلقها لظنه أنها تسانده شفقة وعطفاً ليس بدافع
الحب. ويقرر الاختفاء فترة حتى تنسى المجلات الفنية قصتهما
،مقرراً العودة إلى (عليات).
لكن (عليات)، بعد فسخ خطوبتها منه ، كانت قد حملت من سائح
مجهول ذي لحية شقراء وشعر مضفور، وتساعدها (سمراء وجدي)
الشاذة جنسياً على الإجهاض.وأثناء دعوة عشاء تتعرف على
(حامد) شقيق زوج صديقتها (منى زهران) ويقرر خطبتها،وتُفاجأ
(عليات) بدعوة من (سمراء) لممارسة الشذوذ معها شخصياً
فترفض. فتثور(سمراء) وتفضح سر(عليات) أمام خطيبها، فيعلن
خطيبها تمسكه بها،فتذهب (سمراء) إلى والد (عليات) وتفضح سر
إجهاضها أمامه، فينقض عليها ويقتلها ويدخل السجن، ملتزماً
الصمت صوناً لسمعة ابنته المخطوبة. وتقرر (عليات) وخطيبها
توكيل محام للدفاع عنه.فيكون المحامي(حسن حمودة)،العاشق في
شبابه لـ(سمراء وجدي) وتركها وهرب،فأتت (عليات) بعد عشرين
سنة إلى مكتبه تطلب منه الدفاع عن والدها قاتل (سمراء)! فيرفض
القضية خوف ظهور أحد أقارب (سمراء) فيتذكره ويشوِّه سمعته.
** ** **
أماَّ (منى زهران)، المشهورة بقوة شخصيتها وجمالها وطموحها
وكبريائها وحدة مزاجها وجرأتها،و(تمثِّل وطأة الحياة والهرب
بالهجرة ومغادرة البلاد للحصول على حياة أفضل بعيداً ربما عن
ذكرى المكان وهروباً من الشعور بالذنب)،فالوطن لم يعد أرضاً
وحدوداً جغرافية ولكنه وطن الفكر والروح، وهي رضيت بخيبة
شاملة تدفعها باستمرار إلى تغيير جلدها خلية خلية.فتفسخ خطوبتها
من(سالم علي) القاضي بمجلس الدولة بعد علمها أنه يتحرى عنها،
فالماضي ملكها وحدها كما أن ماضيه ملكه وحده، ثم تقرر الرجوع
إليه.وفي إحدى زياراتها لإستوديو التصوير برفقة (عليات) لرؤية
(مرزوق) أثناء التمثيل، يقرر المخرج إعطاءها فرصة للتمثيل. لكن
(سالم) يرفض الأمر،فيفسخان الخطوبة مرة ثانية.
لكن (منى) تفشل في اختبار التمثيل، فيدعوها المخرج لزيارته في
بيته،ويحاول الاعتداء عليها فتصفعه (منى) ويرد عليها بمثلها.
فتروي الأمر لشقيقها (الدكتورعلي زهران)الذي يقرر الانتقام منه
لكنه يقتل غيره بالخطأ ويسجن،ويعود (سالم)إلى(منى) ويتزوجان.
** ** **
وكما نلاحظ، فالرواية متعددة الأبطال، كثيرة الأحداث، فكادت
تضيع الفكرة الأساسية منها. وكالعادة، سنقوم بوصف شخصيات
(الحب تحت المطر) خارجياً، من قلم محفوظ نفسه، ونبدأ من مشهد
وصف أشخاص مقهى الانشراح:
كانوا يدخنون في سكون الليل يظللهم صمت مريح. حسني حجازي
ينادي الدخان الذي ينفثه بتمهل وانسجام. وعبده بدران يدخن
سيجارة،كذلك عشماوي وهو قابع على كثب من دفء النصبة. وفي
الخارج ترامت أصوات المنشدين في مولد سيدي البيومي.
(سيدي علي البيومي 1108 هجرية - 1183 هجرية عن خمس
وسبعين عاماً صاحب الطريقة البرهانية ،مقامه بالحسينية في وسط
القاهرة القديمة).
وجاء بيَّاع الفلافل يحمل رغيفاً محشواً تتدلى من أطرافه بعض عيدان
البقدونس فأعطاه لعشماوي، ووقف ينتظر النقود والآخر يلتقطها من
علبة الصفيح ببصره الأعمش. ثم مضى عشماوي يتناول طعامه ويتمطق
بصوت مسموع تخللته قرقرة النارجيلة.
1 مرزوق وعليات عبده ابنة عم بدران: سارا جنباً إلى جنب صامتين.
هي في فستان بني قصير وشعرها الأسود يتهدل حول الرأس وفوق الجبين.
وهو بقميصه الأزرق وبنطلونه الرمادي وشعره المرسل إلى اليمين. في
عينيها نظرة عسلية مستطلعة،وفي عينيه جحوظ خفيف، ولكنه يوائم أنفه
الحاد المستقيم.
وأشار بذراعه المفتول إلى كافتيريا هارون، فمالت معه بلا تردد، ولعبت
في عينيها نظرة مرحة، فقال بجدية: نحن نتحرك بدافع اللهو كثيراً، ثم يجيء
وقت فلا يقنعنا إلا الحب الحقيقي.
ووقتما اعتدي عليه، قال في التحقيق: إنه كان يسير في شارع ابن أيوب
(شارع الصالح أيوب في الزمالك) في مطلع المساء، في ظلام شامل، وفي
طريق خال، حين هاجمه شخص أو أكثر، وانهالت على وجهه اللكمات حتى
غاب عن وعيه تماماً، ثم لم يسترده إلا في المستشفى بوجه جديد خرج به: لم
يكن القبح طابعه، ولكنه فقد شخصيته ومذاقه وروحه. كان ثمة تجويف صغير
في جانب الجبهة، واعوجاج في الفك أضفى عليه قسوة من غيرمعدنه، وانحدار
في الذقن إلى الخلف. وعندما رأى صورته في المرآة نظر إليها طويلا في ذهول
حتى امتلأت عيناه بالضباب،ثم تهاوى جذعه فتقوَّس من اليأس وهتف:- أنا انتهيت.
فقرصته فتنة في خده معابثة وقالت:- نحن نستعد للزفاف.
فرنا إليها بذهول، وعينه اليسرى ترتعش وتضيق، وتساءل:
- ماذا ؟!
كان صدرها يجيش بالحب والعطف والتحدي، مصممة على تحطيم درع الدناءة
الصلب والبصق على وجه الشماتة الكالح.
وضمته إلى صدرها بقوة وهي تقول:- فلنمض في استعدادنا للزفاف.
2 إبراهيم عبده: تأبط ذراع شقيقته وهو في بذلته العسكرية،ومضيا يشقان
الطريق وسط خضم هائل من البشر. وكان يشبهها لدرجة محسوسة، بعينيه
العسليتين خاصة رغم ما بأنفه من فطس خفيف، وما في شفتيه من وسامة،
وما في بنيانه من متانة. وانطفأت أنوار الشارع بغتة كأنما ماتت بسكتة، فغرق
الطريق في ظلام دامس، وهللت هتافات شابة مهرجة في عبث ومجون،
وصرصرت آلات التنبيه بالسيارة.
ويصفه محفوظ عندما عاد مصاباً من الجبهة:
ارتدى جلباباً فضفاضاً، برز من طوقه رأسه الحليق ووجهه النحيل الشاحب
والنظارة السوداء التي أخفت عينيه. وأسند رأسه إلى الجدار البارد وأخذ
يستحوذ على إرادته.
3 سنية أنور: خطيبة إبراهيم.موظفة بالإصلاح الزراعي.
متوسطة القامة أو دون ذلك بقليل، لم تجاوز قمة رأسها الكستنائي منكب
خطيبها إبراهيم، ولكنها كانت متناسقة التكوين، وذات عينين خضراوين
صافيتين. ابتسمت وتورَّد وجهها القمحي وتبدَّت سعيدة، فقال إبراهيم لنفسه
: إنها ليست طفلة ولا ممثلة ولكنها قوية الشخصية والأخلاق.
4 الممثلة فتنة ناضر: جامعية، عشيقة (الشيخ يزيد) الثري العربي وحبيبة
مرزوق. كانت ذات جمال خاص لا يدرك من أول وهلة ولكنه نافذ الأثر،
ويوجد قدر من عدم التناسب بين قسماتها ولكن جاذبيتها طاغية، وجسمها
يميل للصغر في جملته، ولكنه في حدوده مليء ورشيق وجنسي إلى أبعد الحدود.
5 منى زهران: موظفة بالسياحة. زارت المصوِّر حسني حجازي وهي طالبة
بصحبة عليات وسنية مسوقة بحب الاطلاع، فلم تهبه أكثر من الصداقة. وكان
حسني يغرِّر بمن تأتي إليه من الفتيات ويقدِّم إليهن أفلاماً مثيرة فيستغل ضعفهن
أمامه ويفجر بهن راضيات.
وكانت منى تمتاز بجمال رائق يتمثل في بشرتها الضاربة للبياض وعينيها
السوداوين الجذابتين وقامتها الرشيقة المائلة للطول.
وسكتت وهي تلهث والغضب يرتعش في شفتيها ويدلهم في عينيها.
6 سالم علي: عندما قابل منى زهران بعد افتراقهما الأول كان قد فقد من وزنه
قدراً ملموساً، وخبا نور عينيه، وشحب لونه. وقرأتْ منى في عينيه انعكاس صورتها
، فخيل إليها أنه لاحظ تغيراً استوقفه، فهل صبغتها الأحزان بلونها القاتم وهي لا تدري ؟!
7 حسن حمودة: تبدَّى مرحاً بقامته الطويلة وبشرته العميقة السمرة وثقته التي تلازم
حركاته وسكناته. ظل أربعين عاماً لا يفكر في الزواج ولا يهتم به حتى عرف منى زهران.
8 حسني حجازي: مصوِّر سينمائي في الخمسين من العمر، لكنه يفيض بحيوية عجيبة،
لم تشب له شعرة واحدة. وهو زبون ما بعد منتصف الليل الوحيد لمقهى الانشراح.
نزل من سيارته المارسيدس البيضاء، وأقبل بجسمه الطويل النحيل ورأسه الضخم،
رافلا في بدلة بيضاء آية في الأناقة.
ويقول محفوظ: كان حسني حجازي وعليات يجلسان متقابلين ومتقاربين يتبادلان نظرات
جافة باردة كنظرات أصنام الآلهة والحيوانات فوق الأرفف. ولأول مرة تتخلى عن الرجل
روح الدعابة والشمول فتطحنه أشياء مجهولة تطبق على الحجرة من عالم مجهول.
وقال: انطلقت قامته الطويلة وسط حجرة الجلوس كالمارد، ومضى إلى البار فملأ كأسين
من الكوكتيل الذي يعده بيده بخبرة وأناة، ثم رجع إلى وسط الحجرة فوضع كأساً فوق
ذراع فوتيل على بعد قيراط من يد سنية.
9 المخرج السينمائي محمد رشوان: وجه مربع ريان، وعينان برَّاقتان، وحاجبان
كثيفان، ورأس قوي أصلع، ضخم،يرفل في بدلة بيضاء آية في الأناقة. قابل مرزوق
وهو ذاهب لاستلام وظيفته الحكومية وعرض عليه التمثيل.
ويصف محفوظ مقتله خطأ: كان يتقدم مرزوق بخطوات، ويسيرعلى مهل وهدوء
وفي خيلاء بجاكتته الجلدية الطحينية وبنطلونه الكحلي. اتجه الدكتور علي زهران
نحوه في هدوء أيضاً، فالتفت الرجل إليه في غير اهتمام، ولعله توقع أن يسمع
كلمة إعجاب أو اقتراح من نوع ما يتصل بعمله. ودون أن يتفوَّه الدكتور بكلمة
ركله في بطنه بكل قوة عضلاته وأعصابه، فانطلق من فم محمد رشوان خوار.
حملقت عيناه ثم تهاوى ساقطاً على وجهه.
حدث ذلك بسرعة خاطفة حتى ذهل مرزوق أنور فتجمد كتمثال، وخرج من ذهوله
صائحاً:- أنت مجنون ؟!
وارتفع صوت من بين العاكفين على الرجل الملقى وهو يقول:
- مات الرجل.. اقبضوا على القاتل.
10 السحاقية سمراء وجدي: متوسطة القامة، رشيقة كلاعبة في سيرك.
بيضاء موردة من الأمام، ومن الناحية اليسرى تتبدى جمالا أنيقاً نبيلا. أمَّا
عارضتها اليمنى فمشدودة في تقلص، مدبوغة باحمرار ضارب للسواد، وبها
بقع منفردة ونتوءات كالدرن.
ويصف محفوظ مقتلها بيد عم بدران عندما أخبرته بمساعدتها عليات ابنته
على إجهاض نفسها: هاهو يصغي إليها، وتتحرك شفتاه أحياناً. وهاهي نظرته
الثقيلة تزداد قتامة. هاهو يقطب ويجتاح وجهه موجة سوداء. تراجعَ رأسه إلى
الوراء كأنما تلقى لكمة ثقيلة. سقطت السيجارة من يده. قدحت عيناه شرراً.
ندََّتْ عنه آهة ذبيحة محشرجة. ترنح كالثمل. وفجأة انقض على المرأة فقبض
على عنقها بكلتا يديه وشدَّ عليها بكل قوته، ولم يفك قبضتيه الفولاذيتين حتى
كانت المرأة جثة هامدة.
11 عم عبده بدران: نادل مقهى الانشراح بشارع الشيخ قمر.
(وشارع الشيخ قمر: يقع وسط البلد،بين ميدان الجيش والسكاكيني).
وقور، في الستين من عمره، صلعته مستديرة ضاربة للاحمرار،ونظرة عينيه
ثقيلة طيبة. اقتعد كرسياً وسط مدخل القهوة وأشعل سيجارة.
12 ماسح الأحذية عشماوي: ما بين السبعين والثمانين من العمر.
هيكل ضخم خاو كحفرية متبقية من زمن الفتونة. كان فتوَّة درب الحلة
وحاميها، وعُرف بشارب الدماء لذبحه إنجليزياً وشربه من دمه المسفوح.
جلس القرفصاء في الركن تحت النصبة وهو يرسم على البلاط خطوطاً
وهمية بأصبعه، ينظر إلى لا شيء بعينيه العمشاوين،ارتسمت في وجهه
صورة غير عادية: انغرست في أساريره ثم غضبة كالحة فولاذية انداحت
فوق جفاف الشيخوخة وبروز الفكين وتهدل اللحيين.[/align]

[محمد الصالح الجزائري]

الأستاذ القدير منذر ..شكرا لك على تعريجك على هذه المحطة من كتابات محفوظ..لأنها حسب رأيي (بداية النهاية) لحماسة الكاتب وقدرته التي عُرف بها..مودتي..

[ميساء البشيتي]

مساء الورد أخي المنذر
مساء الخي أخي محمد وجميع من سيمر من هنا ..
هل هنا فسحة لهاربة من همسات نورانية ؟
حين قرأت القصة استغربت كيف تطرق الكاتب لأوضاع مثل هذه
في السبعينات بحيث لم تكن هذه الأمور (الشذوذ) واردة كما هي اليوم
ربما كانت بنسبة ضئيلة لا تكاد تذكر فكيف التقطها وصاغ منها قصة
كسرت الدنيا بحيث شوهتها الرقابة وحذفت منها ما حذفت ..
لو عاش نجيب محفوظ إلى هذا اليوم هل كان سيكتب عن المثليين
وعن الشرعية التي يطالبون بها أم كانت ستصيبه الجلطة ويموت في أرضه ..
شكرا لك أخي المنذر ونتابع معك الإبداع والأدب الراقي .. ودمت

[سلمان الراجحي]

مساء الخير أ.منذر...

شكرا لك أخي على هذا الشرح المسهب

والذي أفاض على الرواية أطار جميل

أماط اللثام عن حركات وصور أبطالها

تحياتي ومودتي...

أخوكم سلمان الراجحي

[نصيرة تختوخ]

تقديري لهذه السلسلة المتعلقة بأعمال الكاتب نجيب محفوظ ولإتحافك نور الأدب بها وتقريب القراء من أعمال وسرد الكاتب الشهير.
تحيتي لك د. منذر.

[نصيرة تختوخ]

تقديري لهذه السلسلة المتعلقة بأعمال الكاتب نجيب محفوظ ولإتحافك نور الأدب بها وتقريب القراء من أعمال وسرد الكاتب الشهير.
تحيتي لك د. منذر.

[نوره الدوسري]

الاستاذ القدير // منذر ابو شعر

قراءة رائعة لتلك الفترة الزمنية لادب نجيب محفوظ

والذي توهجت بقوة وانبثقت منها ابداعات راقيه

النقطة الجميلة التي استوقفتني ان ابداعاته تبلورت في الستين

ورغم اعاقة السمع لديه الا ان هذا لم يثنيه عن الابداع

اتصور ان الاديب لايتوقف عطاءه عند سن

ولايشيب له قلب ولا تخمد له همه

الاستاذ الفاضل //

ابدعت وافدت وامتعت

شكرا لك استاذنا

تقديري

نورة الدوسري

[د. منذر أبوشعر]

الشاعر الحر أخي الأديب محمد الصالح الجزائري صوت الجزائر:
أميرة عذب البوح الجميل الحقوقية أختي الأديبة ميساء البشيتي:
مهندس شَجَن الحرف أخي سلمان الراجحي نخل عراق الخير:
فارسة الكلمة الآنسة الودودة أختي نصيرة تختوخ:
أديبتنا الواعدة نورة الدوسري إشراقة نور الأدب:
تأخرتُ برد جميل مروركم عن غير قصد ولا إرادة، وتبقى بهجة حضور أختي فارسة الكلمة لها وقع خاص متفرد،.. كذلك حضور ابنتي نورة الدوسري يعزز في نفسي إرادة المسير برفقتكم.
ومعاً سنتشارك إن شاء الله في قراءتي الجديدة: الكرنك.
لكم مني جميعاً عبق طيب مودة صدق اللقاء وروعة حضوره في نفوسنا.وعلى الخير نلتقي دائماً.