-1-
تعافت عيناي بعد أن ابتعدنا عن أضواء المدينة
سرعان ما بدأ الغناء يصدح فوق المركب
وبدات ليلى بالرقص المحموم
قالت بأنّها ترقص من أجلي
قالت بأنّني المخلّص
قالت بأنّني أملها الأخير
وكانت على استعداد للتضحية بحياتها من أجلي
وأصبح المركب منزلها الجديد
للمرّة الأولى شاهدت الأعمى يبتسم
كانت مياه البحر تعصف بجسده الهزيل
لماذا لا تبتعد عن تيار الماء المالح يا صاحبي؟
أريد ان أتألم .. أريد أن أشعر بإنسانيّتي
بعد قليل هرعت القطّة (سميّة) لتجلس بين قدمي
الأعمى.
لماذا أسميتها سميّة يا قاضي؟
كانت زوجتي تحبّها كثيراً
أسميتها سميّة بعد أن ماتت الزوجة سميّة
كان القاتل يجلس طِوال الوقت وحيداً
وكان القاضي يدرك حيرتي وقلقي
لا تخشى من مروان يا قبطان
وما قصة هذا الرجل؟
في تلك المدينة التي اختفت عن أنظارنا يا قبطان
كان هناك رجلٌ قاسي القلب
كثيراً ما كان يضرب أطفاله ويناكد زوجته
وكانت الخمر تفقده رشده وترمي به الى عالم
الجهالة
ومروان هذا جار يطرق الحديد
ويقتات بطيّ المعادن والفولاذ
أنظر الى ساعديه القويّتين
في تلك الليلة كان الصراخ شديداً
وكان الجار يبحث عن آخر المال من أجل زجاجة
ضرب أمّ الأولاد ونهر الصغار حين تدخّل مروان
لم يكن يدرك قوّة ساعديه
حاول فقط أن يبعد جاره الثمل عن أهل بيته
رفعه من رقبته فكسرها
اتّهمه البعض بأنّه على علاقة غرامية مع الزوجة
بقي في السجن ردحاّ من الزمن قبل أن نمكّنه من الهرب
أنت يا قاضي؟
نعم .. لقد دفع ثمناً باهضاً
عشر سنوات في السجن تكفي.
-2-
انسلّت ليلى الى قمرتي
أغلقت البوّابة الصغيرة
وأزاحت شالها عن خصرها النحيل
ماذا تريدين يا ليلى؟
أرجوك غادري قمرتي
جسدي الفاني يسعى إليك
لا تردّني
دَعْني أستلقي الى جانبك
أشعر بالبرد .. أشعر بالخطيئة تأكل أضلعي
هذه الليلة يا قبطان أنا ملك يديك
اهجرني حادثني ولكن .. لا تبعدني عن عالمك
لماذا يا ليلى .. ألا يكفيك رجال المركب؟
جميعهم يتشوّقون لهذا الجسد!
أشعر بالخوف يا قبطان
لقد رقصت طويلاً وهذا نذير شؤم
هل تشعرين بحضوره الثقيل؟
هناك شيء ما يتربّص بالمركب
قوّة لا يقدر على مواجهتها أحد
جميعنا مستهدفون يا قبطان
حسناً إبقٍ في قمرتي
لا تخشي شراً يا ليلى
ولا تخبري أحداً عن مخاوفك
أخشى حمّى الفوضى والهلع
من يكون يا تُرى؟
سألت ليلى وقد أصابها الفضول
إنّه صديق قديم، ولكنّه ما زال يدين لي بالكثير
لامس جسدها جانبي
أمسكت أطراف أصابعي .. لثمتها
شعرت بأصابعها تتخلّل خصائل شعري
كانت تلهث وراء سراب وجدته جميلا .. بل مستحيلاً
أبعدتها عنّي برفق وهمست في أذنها
لم يحن الوقت لهذا
عليّ مواجهة زِنّار
في اليوم التالي كان الصمت مخيّماً على المركب
تلبّدت الغيوم فوق المركب تماماً
كان العاشقان يقبعان في إحدى الزوايا
لم أسمع صوتهم منذ أن انطلقنا في رحلتنا البريّة
((فارس وحورية))
أجابني سليمان حين سألت عن قصّتهم
قصتهم تطول يا قبطان
هل لديك متّسع من الوقت الآن؟
بل فيما بعد
ألا ترى الغيوم التي تلبّدت فوق المركب؟
ما معنى كلّ هذا؟
السماء من حولنا صافية
مركبنا هذا مستهدف يا قبطان
هززت رأسي موافقاً
وهمست قائلاً
لقد أتى زِنّار
[/ALIGN]